ما الذي يميز المبتكرين الأكثر فعالية؟

5 دقائق

تنفق حاضنات الأعمال والشركات الناشئة حول العالم مجتمعة، مئات الملايين من الدولارات سنوياً على أنشطة متصلة بالابتكار، إلا أن تحليلنا لـ 170 شركة من أكبر الشركات العالمية من حيث الإيرادات، يشير إلى أن العائد على الابتكار قد انخفض إلى حد كبير.

لسبب يعود في الغالب، بحسب اعتقادنا، إلى السعي غير المدروس وراء الابتكار من قبل العديد من الشركات، مدفوعة بالضغط الناتج عن رغبتها في تقديم منتج ثوري إلى السوق (أو في محاولة منها للبقاء فيه). ويتسبب هذا الأمر في وصول الكثير من الاستثمارات إلى نهاية مسدودة استراتيجياً مع وجود صلة ضعيفة لها بالأعمال وفي ظل إدارة سيئة. وقد جادل البعض أن الإنفاق على الابتكار والأنشطة غالباً ما يتم في سياق محاولة الشركة لبناء صورتها بدلاً من اعتبار الأمر محاولة لزيادة الإنتاجية أو الأداء، بالتالي، لا عجب إن شعرت الشركات بخيبة أمل من نتائجها.

ففي دراسة أجريت على مستوى المدراء التنفيذيين في المستويات الإدارية المتوسطة في 840 شركة من ثمانية بلدان عبر 14 مجالاً صناعياً مع عائدات تزيد على 500 مليون، تمكّنا من تحديد عدة شركات منها، كانت تسير عكس التيار على ما يبدو، حيث كان سر تميزها هو أنها: كانت تسعى إلى الابتكار بطرق ذات أثر كبير على الأسواق والمجتمعات، فضلاً عن سعي تلك المؤسسات بلا كلل إلى مواصلة الابتكار وجمع القدرات تحت "هيكلية" واحدة.

وفي حين أن محاولة قياس مستوى نجاح الابتكار عادة ما تكون صعبة، فقد حاولنا بدورنا قياسه من خلال طرح 3 أسئلة رئيسة لتحديد الشركات التي نجحت في الابتكار: أي مشاريع مبتكرة حققت عائداً على الاستثمار للشركة؟ هل كان المدراء التنفيذيون راضين عن النتائج التي تحققت نتيجة لتلك الاستثمارات؟ وهل كان نمو الشركات بوتيرة شديدة؟

وأشارت 31 شركة فقط من تلك الشركات التي زادت من إنفاقها على الابتكار بأكثر من 50% بين عامي 2012 و2017 إلى أنها كانت "راضية جداً" عن الفوائد التجارية الناجمة عن مبادراتها الخاصة بالابتكار، إذ نمت قيمتها السوقية بمعدل 6% سنوياً بين عامي 2012 و2017 (بعبارة أخرى، أكثر من ضعف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لتلك الفترة).

ما الذي فعلته تلك الشركات بشكل مختلف؟ إليكم ما تعلمناه:

تم وضع هدف مرتفع. ركز المبتكرون المؤثرون على حل المشكلات الكبيرة، واعتبروا الإبداع وسيلة للوصول إلى غاية، لا وليس غاية في حد ذاته. في المقابل، ركز المبتكرون الأقل تأثيراً استثماراتهم المتصلة بالابتكار على إجراء تحسينات إضافية على المنتجات والخدمات الموجودة بالفعل.

وقد كان لكل ممارسة من هاتين الممارستين نتيجة مختلفة. فقد قام المبتكرون الأكثر تأثيراً بوضع تركيز أكبر على تطوير تقنيات فريدة ذات احتمالية لإنشاء أسواق جديدة تماماً، حيث تفوقت تلك الفئة بفارق مقداره 16% عن الشركات الأخرى الموجودة في العينة، واستهدفوا عن عمد "الاحتياجات الأعلى" للمستهلكين — مثل الاستقلالية والسعادة والصلات الاجتماعية – بمعدل أعلى من الشركات الأخرى (كان مقدار الفجوة 22% مقارنة بالشركات الأخرى الموجودة في العينة).

ففي الهند، على سبيل المثال، استثمرت "ريلايانس إندستريز" (Reliance Industry)، مبلغ 32 مليار دولار لإنشاء شركة "جيو" (Jio)، والتي كانت مشغل هاتف خليوي تأسست عام 2016 بهدف الوصول إلى المستهلكين ذوي الدخل المحدود ممن لم ينضموا بعد إلى العالم الرقمي. وكانت الابتكارات ذات الأساس التقني القلب النابض لطموح الشركة والذي تمثّل وقتها في "إتاحة الثقافة الرقمية في الهند للجميع " وهو ما تحول لاحقاً إلى واقع.

حيث كانت "جيو" أول مشغل شبكة للهواتف المحمولة في العالم يعمل بالكامل على تقنية "فور جي إل تي إي" (4G LTE). كما طورت "جيو" هواتف منخفضة التكلفة تعمل وفق تقنية الجيل الرابع في الشبكات الخلوية وذلك للوصول إلى المواطنين الهنود ذوي الدخل المحدود، حيث تم إطلاق هاتف "جيوفون" (JioPhone) أساسي متوافق مع الجيل الرابع في البداية ضمن المناطق الريفية مقابل مبلغ مقداره 1,500 روبية (23 دولاراً) يتم إعادتها إلى المشتري إن أعاد الهاتف بعد 3 سنوات من الاستخدام. وتشير التقديرات إلى أن قاعدة المشتركين في "جيو" تجاوزت 250 مليون مشترك، الأمر الذي مكّن الشركة من الحصول على حصة 21% من سوق الهاتف بشكل عام و38% من سوق الجيل الرابع في عام 2018.

وتخطط "جيو" لتكرار ذات الإنجاز مع خدمتها الجديدة "جيو غيغا فايبر" (Jio GigaFiber)، وهي خطوط إنترنت ذات نطاق عريض من الألياف يُتوقع أن تكون متاحة في 1,100 مدينة هندية في عام 2019، فيما سيُعرف على أنه أكبر مشروع تأسيسي لنشر إنترنت نطاق عريض أرضي في العالم.

ولا تحقق "جيو" نقلة نوعية في سوق الاتصالات الهندية فحسب، بل تحاول القيام بذلك في جانب الاقتصاد الرقمي في الهند، إذ تساعد مواقع التجارة الإلكترونية مثل "فليبكارت" و"بيجباسكيت" على جذب الزبائن المقيمين في المناطق الريفية، فضلاً عن أنها باتت منصة لمجموعة خدمات مختلفة مثل مشاهدة التلفاز عبر الهاتف والاستماع إلى الموسيقى عبر الإنترنت مروراً بخدمات الرسائل والدفع عبر الإنترنت. وقد تطلبت رؤية "ريلايانس إندستريز" في تحويل خدمات النطاق العريض والخدمات الرقمية إلى "ضروريات أساسية" متاحة على نطاق واسع للمستهلكين استثمار مبالغ كبيرة في البنية التحتية (مثل أبراج الاتصالات وتركيب الألياف الخاصة بالإنترنت). صحيح أن هناك شركات قليلة فقط كانت قادرة على توفير الموارد اللازمة لذلك والقيام بالاستثمارات الضرورية على هذا المستوى، إلا أن الفكرة الأساسية بقيت على حالها: سيحصل أولئك الذين يعرفون كيفية تطبيق الابتكارات التقنية بحسب الظروف والأسواق على مكافأتهم.

تطبيق بنية تنظيمية واحدة. كما طوّر المبتكرون الأكثر تأثيراً آليات شاملة لتحقيق الابتكار، حيث دمجوا قدراتهم مع بعضها ضمن هيكلية واحدة. وفي المقابل، قال أكثر من نصف المدراء التنفيذيين في دراستنا إن الابتكار "عملية إبداعية تتم حسب الحاجة"؛ بعبارة أخرى، هي عبارة عن لحظات إلهام تنتجها فرق معزولة عن بعضها موجودة على مسافة من الأعمال الأساسية.

أما بالنسبة للمبتكرين، فقد تمكنوا من استخلاص أكثر ابتكارات ممكنة من جهود الابتكار التي بذلوها من خلال تشجيع الجميع في المؤسسة على الاستفادة من قدرات هيكلية ابتكار مركزية، وذلك من أولئك الذين يقومون بأعمال الشركة الأساسية وصولاً إلى أولئك ذوي الأفكار المغامرة. وقد وضع المبتكرون الأكثر كفاءة ثقتهم في فرق صغيرة متعدد التخصصات إلى درجة كبيرة (23% أكثر من بقية الشركات في العينة)، فضلاً عن قيامهم باستثمار المزيد في تطوير قدرات القيادة العليا المكلفة بالإشراف على التغيير الناتج عن الابتكار وبناء مهارات قوة العمل بأكملها لمواكبة وتيرة التغيّر التقني.

ولننظر إلى "بوش غروب" (Bosch Group)، وهي شركة صناعية ألمانية عملاقة عمرها 132 عاماً، جعلت من إنترنت الأشياء مصب تركيزها الأساسي، حيث دعا فولكمار دينر، الرئيسها التنفيذي للمجموعة، جميع موظفي المجموعة لإنشاء "فرق اكتشاف غير تقليدية" مهمتها وضع أفكار لنماذج أعمال جديدة تتحدى نماذج أعمال "بوش غروب" الحالية ليتلقى 1,800 فكرة جديدة في فترة 6 أيام فقط.

وقد تم إضفاء طابع مؤسساتي على تلك الفرق، فبمجرد اختيار فكرة، يتم تأليف أعضاء الفريق الخاص بها من قارات ومجالات وظيفية ومستويات إدارية مختلفة، ويتم إعفاء أعضاء الفريق هذا من أدوارهم التقليدية في الشركة لمدة 8 أسابيع.

وقد قدم أحد تلك الفرق حلاً مرتبطاً بإنترنت الأشياء وهو "أماكن لركن السيارات مستندة إلى المجتمع المحلي" تستخدم أجهزة استشعار السيارة للكشف عن أماكن ركن السيارات المحتملة المتوفرة. ويتم تحميل المعلومات التي تُجمع من شبكة من السيارات إلى السحابة ليتم إنشاء مخطط يُحدّث باستمرار حول جميع أماكن ركن السيارات في المدينة. وتتطابق أماكن الركن المتوفرة مع احتياجات السيارة — مثل حجمها وحاجتها إلى شحن بطاريتها (في حالة السيارات الكهربائية)– الأمر الذي يمكّن المستخدمين من إيجاد مكان ركن سيارة يتفق تماماً مع احتياجاتهم المحددة.

وسيكون الابتكار دائماً أمراً مثيراً للتحدي، ونحن لا ندعي أن هناك وصفة مضمونة للتطبيق تدّر نجاحاً على جميع الشركات، إذ يمكن للشركات وضع أهداف عالية مع تطوير قدرات شاملة ومتكاملة وتبقى تعاني الفشل في مجالات التنفيذ الأساسية، أو قد تقرأ السوق بشكل خاطئ، أو قد تمر بتخبطات تنظيمية أو قد تعاني من أمور أخرى مختلفة. لكن تتضمن وصفة النجاح المبدئية استخدام الابتكار باستمرار من أجل تخطي الحدود التقليدية المتصلة بالقضايا الكبيرة التي تواجه المستهلكين والمجتمع إضافة إلى تحفيز التغيير في أعماق مؤسستك الخاصة.

يشكر المؤلفون ديف لايت وريجينا ماروكا وباباك موسافي من أكسنتشر ريسيرتش على مساهماتهم في هذه المقالة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي