دراسة حالة: عندما يجني قسم واحد كل المال ويستأثر الآخر بكل الاهتمام

13 دقيقة
تعرض دراسات الحالة المتخيلة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو لمشاكل يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. تستند هذه الدراسة إلى دراسة حالة قدمت في كلية هارفارد للأعمال بعنوان "هوك إلكترونيكس إنك" من تأليف ريتشارد هاميرميش وجون لافكاس.
مقر شركة إيغل، الاثنين، الساعة 8:30 صباحاً

كانت نبرة رسالة البريد الإلكترونية هي أكثر ما أزعج سارة تشان.

شعرت أن الأمر يشبه التهديد. كانت سارة، الرئيسة التنفيذية لشركة إيغل إلكترونيكس (Eagle Electronics)، وحيدة في مكتبها في نهاية يوم عمل طويل عندما فتحت حاسبها المحمول لقراءة الرسالة مجدداً. كان خورخي مارتينيز، رئيس أكبر أقسام إيغل وأكثرها ربحية، قد كتب لها قائلاً:

"أوكَل إليكِ مجلس الإدارة مهمة إنعاش الشركة من جديد، وأنت غرست الروح الريادية التي كنا في أمس الحاجة إليها. كان قسم "المبادرات المُزعزِعة" قد أعاد خلق مكانتنا السوقية في قطاع التكنولوجيا، وسجّلت قيمة سهمنا زيادة كبيرة. ولكن مع ذلك، فإنِك استحوذتِ على التدفقات النقدية التي يحققها قسمي لكي تقدمي تمويلاً سخياً للمشاريع الأثيرة على قلبك، وهذا برأيي يعرض مستقبل إيغل للخطر.

لطالما كان قسمي معروفاً ببيع المنتجات الجيدة لقاء أسعار عادلة وتقديم أفضل أنواع خدمة الزبائن والدعم. وهذا الأمر لم يعد قائماً. فنحن الآن نعاني وأفضل زبائني باتوا يهرعون إلى المنافسين، وبعض من أفضل الموظفين لدي يلحقون بهم. وأخشى أن يسير آخرون على خطاهم قريباً. قسمي يحتاج إلى 300 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وإلى استثمارات متواصلة بعد ذلك، ليظل قادراً على المنافسة".

نظراً للطبيعة الرسمية لرسالة البريد الإلكترونية، لم تكن تصدّق أنه لم يرسل نسخة منها إلى أي شخص آخر. كان خورخي مشهوراً جداً في قطاعهما، وكانت تتخيل أن الأمر مسألة وقت فقط قبل أن ينشر ما يدور في خلده على نطاق أوسع.

لم تكن تختلف معه بالكامل بخصوص الحقائق التي أوردها. فإيغل إلكترونيكس التي تأسست في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كانت تستحصل على إيراداتها حصرياً من تصنيع الحواسب الشخصية والأجهزة الطرفية (أي الوصلات الخارجية) وبيعها. في بداية الألفية الجديدة، خرجت من قطاع الحواسب الشخصية، لأن المؤسسين أدركوا أنها غير قادرة على المنافسة مع ديل (Dell) وغيرها من الشركات. لكن الأجهزة الطرفية ظلت تمثل الحصة الأكبر من إيرادات الشركة وأرباحها، وخورخي كان قد قاد هذا القسم لما يقارب 10 سنوات، بمنتهى النجاح. كان معروفاً بانضباطه المالي، وباتخاذ قرارات استراتيجية ذكية، مثل التوسع في الأسواق الناشئة عبر بيع المنتجات ذات التكلفة الأدنى.

كانت سارة في الحقيقة تستعمل التدفقات النقدية التي يدرّها قسم الأجهزة الطرفية لتمويل المشاريع الجديدة.1 وبعد تسميتها كرئيسة تنفيذية للشركة في 2012، أنشأت سارة قسم "المبادرات المُزعزعة"، وهو نموذج استثماري لتطوير المنتجات الجديدة.

كانت سارة قد أنشأت هذا القسم بداعي الضرورة عندما أخبرتها واحدة من نجماتها الصاعدات في مجال التصميم، ألا وهي جينيفر يو، أنها ستغادر الشركة لتفتتح شركتها الخاصة في مجال إدارة البيانات، وسألت سارة ما إذا كانت ترغب في أن تؤدي دور المستثمر الملاك. وبما أن سارة كانت تريد استبقاء جينيفر، وبما أنه لم يكن هناك تداخل مباشر بين الشركة الناشئة ومحفظة إيغل من المنتجات، اقترحت سارة أن تمول شركةُ إيغل المبادرةَ مع الاحتفاظ بخيار شرائها إذا  تمكنت من تطوير منتج قابل للحياة بالحد أدنى وحددت مساراً واضحاً لطرحه في السوق.2

وهذا بالضبط ما فعلته جينيفر، واشترت إيغل المشروع بعد مرور 14 شهراً، ما ساعد جينيفر على تحقيق مكسب مالي ضخم. أصبح هذا الاتفاق نموذجاً للاستثمارات الأخرى، حيث سُمِحَ للموظفين بتقديم مقترحات لمنتجات، وإذا ما حظيت بالموافقة، فإن إيغل سوف تمول 75% من تكاليف الشركة الناشئة. كما عرضت الشركة أشكالاً أخرى من المساعدة على الشركات الناشئة لتساعدها في تحقيق أهدافها والوفاء بالمواعيد النهائية. في بادئ الأمر، غادر الموظفون الشركة للعمل على مشاريعهم، لكن إيغل كان لديها الخيار للشراء في غضون 18 شهراً وكانت تشتري المشاريع غالباً، لتعيد الموظفين إلى القسم الذي باتت جينيفر هي من يقوده الآن.

حتى الآن، كانت إيغل قد استثمرت في 13 فكرة، سبعة منها ما تزال في طور الشركات الناشئة، وخمسة أخرى كانت قد استحوذت عليها. وقد منيت فكرة واحدة منها فقط بالفشل.3

كانت مبادرة شركة أيغل قد حظيت باهتمام منقطع النظير في الصحافة المالية والتكنولوجية، لكنها حظيت بشعبية أقل بكثير داخلياً. فرغم أن معظم نمو إيغل كان يعزى إلى ما استحوذت عليه من مشاريع، إلا أن دمج المشاريع الجديدة كان إشكالياً، في حين تفاوتت الربحية.4 إضافة إلى ذلك، كان وقت سارة واهتمامها، ناهيكم عن موارد الشركة، منصبّان جداً على هذه المشاريع، إلى حد أن منتجات الشركة التي تؤمّن لها دخلها الأساسي – وكلها جزء من القسم الذي يديره خورخي – كانت غالباً ما تحظى بالتجاهل. وهنا بدأ الطفل المفضّل فجأة يُعامل معاملة الربيب، ما تسبّب بتقلب كبير جداً بين صفوف الموظفين وأثّر سلباً على المعنويات.

بعد أن أعادت سارة قراءة رسالة البريد الإلكترونية، جفلت من استعمال خورخي لعبارة "يعرّض مستقبل إيغل للخطر". فهي لم تكن تنوي إيذاء أي جزء من أجزاء الشركة. كان هدفها ببساطة هو تحضير الشركة للمستقبل. لكن تعليقه ضرب على عصبها. لم تكن قد أثبتت بعد أن الأنشطة التجارية الجديدة قادرة على توليد أرباح كبيرة أو الهيمنة على أسواق الشركة. كان قسم صناعة الأجهزة الطرفية هو شريان الحياة لإيغل، ولم يكن بوسعها إلا أن تفكّر فيما إذا كانت قد آذته دون أن تقصد.

مقر شركة إيغل، الثلاثاء، الساعة 10:01 صباحاً

التدقيق في الأمر.

صباح اليوم التالي، التقت سارة بجينيفر لمراجعة قائمة الأرباح والخسائر في قسمها. كانت تعلم أنه ليس بوسعها الإفصاح بالضبط عما تضمّنته رسالة البريد الإلكترونية لخورخي، لكنها كانت ترغب سماع آراء موظفتها النجمة. فهي ومنذ وقت طويل لم تكن معجبة بالثقة الموجودة لدى جينيفر فحسب، وإنما أيضاً بقدرتها على التفكير بطريقة استراتيجية، وحصل تقارب شديد بين السيدتين. ذكرت سارة أن خورخي كان منزعجاً جرّاء ما اعتبره معاملة غير متساوية.

"ما الجديد في ذلك؟" سألتها جينيفر وهي تومئ بعينيها غير متفاجئة بهذا الكلام.

ردّت سارة قائلة: "أعلم أن خورخي كانت لديه شكاوى من قبل، لكن الأمر مختلف هذه المرة".

"هل هو مختلف حقاً؟ ربما أنه ما يزال يشعر بخيبة أمل لأنه لم يعيّن في منصب الرئيس التنفيذي".

كان خورخي وسارة المرشحين الأساسيين في عام 2011 عندما أعلن المؤسس والرئيس التنفيذي مغادرته للشركة. كانت سارة قد انضمت إلى إيغل قبل سنتين كرئيسة لقسم التخطيط الاستراتيجي وتطوير الأعمال، في ذات الوقت الذي رقي فيه خورخي ليشغل منصب رئيس قسم الأجهزة الطرفية. سرت شائعات تقول إن خورخي لم يُنتقَ لمنصب الرئيس التنفيذي لأنه أثبت أنه شخص لا يعوّض في قسمه.5

"سواء أكان ذلك صحيحاً أم لا، فإنه شخص عظيم في منصبه، لذلك أنا مدينة له بأن أسمع وجهة نظره".

صمتت جينيفر عندما عرضت سارة المعلومات المتعلقة بقسمها على شاشتها ليكون بوسعهما مراجعة الأرقام معاً. ظل الأداء متفاوتاً. كانت المشاريع الجديدة الستة تحقق مبيعات بقيمة 340 مليون دولار سنوياً، وتجني 35 مليون دولار على هيئة أرباح إجمالية قبل حساب الفوائد والضرائب. ورغم أن القسم كان قد خرج من حالة تكبّد الخسائر فحسب، إلا أنه لم يمثل أكثر من 30% من مبيعات إيغل. كانت النسبة المئوية تسير في الاتجاه الصحيح، لكن القسم عانى من مشاكل في الجودة وتجاوز التكاليف المسموح بها؛ وهي أمور كانت قد بدأت تؤثر على الربحية. أمضت سارة وجينيفر الساعة في مناقشة أكثر المشاكل إلحاحاً وأفضل الحلول المحتملة.

وعندما كانتا على وشك اختتام الاجتماع قالت جينيفر: "أعلم أننا لسنا في المكان الذي يجدر بنا أن نكون فيه، ولكن بالقليل من المثابرة سوف نتمكن من تحقيق مستهدفاتنا". ثم أضافت قائلة: "كما أنك سوف تتمكنين أيضاً من معرفة ما الذي ستفعلينه بشأن خورخي. فأنت دائماً تجدين الحلول".

منزل سارة، الثلاثاء، الساعة 6:55 مساء

فصل القسم عن الشركة.

عندما وصلت سارة ليل ذلك اليوم إلى منزلها، كان زوجها "بو" يقطّع الخضار في المطبخ. أعطته هاتفها وقالت له: "اقرأ هذا".

توقف بو لبرهة وتصفح رسالة خورخي الإلكترونية ثم قال: "مسكين يا أخي"، مستلاً سكينه من جديد.

"هذا كل ما لديك لتقوله؟" سألته سارة وهي تضحك بحزن.

كان بو مستثمراً مغامراً (جريئاً) وكان وقتها في استراحة قبل جمع بعض الرأسمال لصالح صندوقه التمويلي التالي. "وهل بوسعي قول شيء آخر؟ هذا شخص نكدي. تجاهليه".

"تجاهليه؟ هذا خورخي يا بو. نحن نتحدث عن خورخي. أنا لا يساورني أي شك أنه سيرسل هذه الرسالة إلى مجلس الإدارة في غضون 48 ساعة إذا لم أرد عليه أو قد يستقيل بسبب هذا الأمر".6

"ربما آن الأوان لكي يغادر. ألن يريحك ذلك إن حصل؟ لطالما كان يقاوم التغيير ولطالما كانت إيغل شركة تابعة. إذا أردتم أن تكونوا في طليعة السوق، يتعين عليكم أن تجازفوا قليلاً. ربما يكون ترك خورخي يغادر بمحض إرادته هو بالضبط المجازفة التي يجب عليكم الإقدام عليها".

"خورخي يا بو هو قسم الأجهزة الطرفية، وهو يشكّل 70% من المبيعات و80% من الأرباح. إذا غادرنا، فإن نصف موظفينا ومعظم زبائننا سيسيرون وراءه، وسيأخذ بذلك كل الأموال النقدية معه. أعلم أنني لا اتفق معه في الرأي دائماً، لكنه ربما محق هنا".7

"إذن ما الذي يحول بينك وبين الاستثمار؟"

"إغداق الأموال على قسم ناضج ومنخفض النمو يبدو بمثابة التصرف الخاطئ.8 هذه وصفة لنراوح بالضبط مكاننا، مما يعني الاستمرار في التأخر عن الآخرين. ولن نكون قادرين على تحقيق المستوى ذاته من الاستثمارات الذي نضخّها الآن في المنتجات الجديدة".

"لماذا لا تبيعون قسم الأجهزة الطرفية وتستعملون الأموال النقدية لتمويل المنتجات التي تثير اهتمامكم؟ أو افصلوا القسم عن الشركة وحولوه إلى شركة مستقلة وعيّنوا خورخي في منصب الرئيس التنفيذي الذي لطالما أراد شغله؟"

كان رد فعل سارة الأول هو أن بو قد فقد عقله، ولكن قبل أن تتمكن من اتهامه بذلك، أعادت النظر في الأمر. ربما أنها ليست فكرة مريعة جداً. سيكون من الصعب، لا بل من المستحيل، إقناع مجلس الإدارة بالموافقة على ذلك، لكنه سيحل الكثير من المشاكل. وهذا سيمكّنها أخيراً من أن تدير الشركة وفق النمط الذي لطالما أرادته.

مقهى محلي، الأربعاء، الساعة 2:09 بعد الظهر

الآن وإلا فلا

طلبت سارة من خورخي مقابلتها في مقهى يبعد بضعة أبنية عن المكتب. لم تبدُ فكرة خوض حديث حساس من هذا القبيل في المكتب حكيمة. فأحدهما أو كلاهما قد يفقد أعصابه.

تجاوز خورخي المجاملات وقال: "لا أريد التفاوض. أوضحت تماماً ما أحتاج إليه لأُنجِحَ قسمي".

"ثلاثمائة مليون ليس بالمبلغ القليل"

"لكنك تملكينه. وكل ما عليك فعله هو أن تتوقفي عن استنزافه من قسمي وتدعيني أعيد استثماره في أعمالنا".

كانت سارة وخورخي معتادان على خوض نقاشات من هذا القبيل خلال السنوات القليلة الماضية، لكنه بدا أكثر حماسة وعزماً من أي وقت مضى".

قال خورخي: "لا أستطيع أن أنكر أن النمو المتحقق من المشاريع الجريئة كان مثيراً للإعجاب خلال السنوات الخمس المنصرمة، ولكن نظراً للطريقة التي تسير بها الأمور هناك، فإن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر". ثم أضاف: "أودّ أن أكون صريحاً معك. أعتقد أن صحبتك بجينيفر – بما أنك ترين نفسك فيها – تمنعك من الحكم الصائب على الأمور هنا".9

لم تكن سارة ترغب في أن تصدق ذلك، لكنها لم تكن مستعدة لإنكاره أيضاً.

"لكن ليست هذه هي المسألة الأساسية هنا"، قال خورخي. "المسألة تكمن في سلامة عملنا. يجب أن تتوقفي عن خنقنا. أنت تزعمين أننا لسنا في موضع يسمح لنا بالمنافسة ضمن فئات جديدة من المنتجات، لكنك لا تمنحينا المال الذي نحتاجه لفعل ذلك. يجب أن تعرفي مدى الظلم في هذا الوضع". كان مجلس الإدارة يعزف على وتر أن إيغل لم تكن لديها خطط للدخول إلى سوق الطباعة ثلاثية الأبعاد الآخذة بالنمو السريع، بينما كان خورخي يعارض هذه الفكرة على قاعدة أنه إذا كان لدى قسم الأجهزة الطرفية أي موازنة بحثية، فإنه قادر على طرح منتج منافس، نظراً لخبرته العميقة بالطابعات.

ثم مضى في الكلام قائلاً: "هل رأيت نتائج الاستبيان الخاص بتفاعل الموظفين خلال هذا الربع؟ أنا لدي مشكلة حقيقية مع أصحاب المواهب. اثنان من أفضل الموظفين لدي غادراني الأسبوع الماضي، ونحن نتلقى اتصالات من زبائن يدرسون خيارات أخرى. حان وقت وقف النزيف".

كانت سارة تتفهم دوافع خورخي. فقد كان هو وجميع من في قسم الأجهزة الطرفية يشعرون أنهم لا يحظون بالتقدير الكافي بوصفهم نجوماً هاوية. لكنها لم تكن ترغب بأن تُجبَر على إعطائهم المزيد من الموارد ما لم تكن واثقة أن ذلك هو القرار الصائب ليس لقسمه فقط ولكن للشركة برمّتها.

قال خورخي لسارة وهي تهمّ بدفع الحساب: "تعلمين تماماً كما أعلم أن إيغل دون قسم الأجهزة الطرفية ستموت. ربما تكونين على حق باعتقادك أن هذه المشاريع الجريئة سوف تتوصل يوماً ما إلى مُنْتَج سيشكل مصدراً للإيرادات كما هو حال قسمي الآن. لكن الطريق إلى ذلك طويل – وأبعد ما يكون عن اليقين. أنت لن تتمكني من الوصول إلى هناك دون قسم الأجهزة الطرفية. أنت تعرفين ما الذي نحتاجه".

رأي الخبراء

يجب على سارة أن تمد غصن زيتون إلى خورخي.

فيجاي سانكاران: مدير المعلومات في شركة تي دي أميريتريد (TD Ameritrade).

يجب عليها أن تقول له: "دعنا نُمضي بعض الوقت معاً لنحدد المقاربة الاستثمارية الصائبة التي يجب أن نتّبعها في الشركة".

ربما يكون الإنذار النهائي الذي وجّهه خورخي نابعاً من دوافع سياسية، فقد يكون ممتعضاً من تعيين سارة في منصب الرئيسة التنفيذية ومن الاهتمام الذي أولته لقسم "المبادرات المُزعزعة". ولكن في نهاية المطاف، ليس بوسع إيغل أن تبقى على قيد الحياة أو أن تحقق الازدهار دون قسم الأجهزة الطرفية القوي. وليس هناك من سبب يمنع سارة من مواصلة الاستثمار في القسم الأساسي مع استكشاف الأفكار المبتكرة في الوقت عينه. فالمراهنة على النماذج التجارية الجديدة لا يجب أن تكون على حساب الأقسام الأقدم عهداً التي ما تزال مدرّة للأرباح.

بوسع سارة أن تبدأ بطرح أسئلة على خورخي: ما هي التحديات التي تواجه قسمك؟ ما هي المجالات التي تنطوي على إمكانية نمو؟ يجب على الاثنين أن يناقشا السياق الأوسع بما في ذلك القيود الرأسمالية والضغوط التنافسية، ومن ثم أن يتعمقا في التفاصيل لكي يتوصلا معاً إلى خطة. لا يجب على سارة أن ترتاح حتى تتمكن من التوافق مع خورخي على مستوى الاستثمار والأهداف والأولويات المقترنة به. قد لا يكون الرقم 300 مليون دولار، لكنه ربما لن يكون صفراً أيضاً.

يجب على سارة أيضاً أن تتبنى مقاربة أكثر توازناً في قيادتها. فقد يكون خورخي محقاً بزعمه أنها كانت تتّبع سياسة المحاباة في تعاملها. هي بحاجة إلى أن تتعلم من ذلك الخطأ. كما يجب عليها أن تعالج حالة الاستياء الموجودة لدى خورخي على الفور. سبق لي أن مررت بأوضاع كنت أتسابق فيها مع أقراني للحصول على ترقية، وأنا أصبحت مديرهم. يجب على سارة أن تقول: "أتفهّم شعورك بالمعاناة لأنك لم تحصل على الوظيفة، لكنك تمثل قيمة كبيرة جداً للشركة وأنا أتطلع إلى علاقة مثمرة معك".

بوصفي مدير المعلومات في شركة تي دي آميريتريد، أنا مسؤول عن فرق تحتضن أفكاراً جديدة إضافة إلى الفرق التي تدير منظومة البيانات والتحليل المتكاملة لدينا. يعلم الجميع حجم الإثارة التي أشعر بها تجاه المجموعة المتخصصة بالابتكار، لكنهم يعرفون أيضاً – لأنني أذكّرهم بذلك – أنهم يعتمدون على القسم الأساسي للحصول على الإيرادات والأرباح وأننا ننوي أن نتّبع سياسة الاستكشاف ومنهجية الأجايل في هذه المجالات أيضاً. تحتاج سارة إلى أن تعطي خورخي وقسمه الدعم الإيجابي ذاته وأن تطلب الدعم من جينيفر. ويجب عليها أن تشجع خورخي وجينيفر على ألا يكونا زميلين فحسب وإنما شريكين يتبادلان الأفكار والممارسات الفضلى أيضاً. وهي يجب أن تضفي على خطة استثمارها الشفافية. ما حجم المبلغ الذي سيحصل عليه كل قسم وما هي العوائد المتوقعة؟ ستكون لدى خورخي وجينيفر مستهدفات مختلفة، لكن يجب على الجميع أن يعرفوها بوضوح تام.

أخيراً، يجب أن تبادر سارة إلى شرح الوضع مع خورخي لأعضاء مجلس الإدارة وما هي فاعلة بشأنه. يجب أن تُظهِرَ أنها قادرة على تلقي الآراء التقويمية، وبذل الفحص النافي للجهالة، وتعديل استراتيجيتها وإدارتها بناءً على ذلك.

كارين كلارك: الرئيسة التنفيذية لشركة بانيان (Banyan) التي تمتلك برمجية للتسويق وإدارة السمعة بوصفها خدمة إلكترونية.

تحتاج سارة إلى أن تظهر لخورخي استعدادها للإصغاء، على أن تحافظ على موقفها المتشدد تجاهه.

في نهاية المطاف، هو بحاجة إلى أن ينحّي امتعاضه جانباً وأن يقبل أنها هي الشخص المسؤول. فإذا لم يكن يرغب بالعمل تحت إمرتها أو لا يوافقها الرأي بخصوص الخطة المستقبلية لشركة إيغل، ساعتها يتعيّن عليه أن يغادر منصبه.

الشركات التقدمية التي تتطلع إلى الأمام وتكون محظوظة بما يكفي لكي تمتلك بقرة مدرّة للأموال، عادة ما تستعمل هذه الأموال للاستثمار في المستقبل. إذا لم يكن خورخي قادراً على فهم ذلك، فإنه ربما يكون عالقاً في الماضي – في حالة تشبه حالة رئيس قسم الآلات الكاتبة في شركة آي بي إم (IBM) الذي طالب بالاستثمار في قسمه على حساب قسم الحواسب المكتبية، أو حالة التنفيذيين في شركة كوداك الذين فضّلوا قسم الأفلام الذي يحقق الأموال على حساب الاستثمار في التحول الرقمي.
أمضيت جل حياتي المهنية في ممارسة لعبة شد الحبال مع أشخاص من قبيل خورخي. في إحدى الشركات التي شغلت فيها رئاسة قسم التسويق، أراد التنفيذي الذي كان يدير البقرة المدرّة للأموال في الشركة مني أن أخصص موازنتي وفقاً للنسبة المئوية التي كان كل قسم يسهم بها في الإيرادات الإجمالية. هذه طريقة سهلة لتفادي الصراعات، لكنها لا تساعدكم على تحقيق النمو. قررت ما هو الحد الأدنى للمبلغ الذي كان يجب عليّ استثماره لأبقي على نمو قسمه بوتيرة متواضعة، وأنفقتُ المبلغ المتبقي على مبادرات تهدف إلى ضمان دخولنا إلى السوق قبل منافسينا أو الداخلين الجدد إليها.

بوسع سارة أن تفعل الشيء ذاته مع خورخي. لا يجب عليها أن تمنحه المال لمجرّد أنه يطلبه. فهذا قد يسكته لفترة من الزمن، لكنه سيعود لاحقاً ليطلب المزيد. عوضاً عن ذلك، يجب عليها أن تجلس معه لتفهم المشكلة التي يحاول حلها، وعندما يتفقان على ماهية هذه المشكلة، يجب أن يعملا معاً للتوصّل إلى اتفاق بخصوص الشكل الصحيح للاستثمار. في شركة أخرى شغلت فيها منصب مدير التسويق، تعاملت مع تنفيذي كان يصر على رعايتنا لبطولة في رياضة الغولف. عندما جلست معه لمعرفة السبب، شرح لي أن لديه زبوناً واحداً – على وشك تجديد عقد ضخم معه – يتوق جداً إلى حضور البطولة. لذلك اشترينا بطاقتين. كان حلاً أرخص بكثير.

أنصح سارة أن تبدأ بالاجتماع وجهاً لوجه مع خورخي، والاعتذار عن صرف اهتمامها عن قسمه، وعن إخفاقها في إيجاد بيئة تجعله يشعر بقدرته على النجاح والازدهار. ويجب أن تطمئنه إلى أنها ملتزمة تماماً بالمحافظة على النجاح الباهر لقسمه.

بعد ذلك، هي بحاجة إلى العمل معه لتفكيك المشكلة. لماذا يريد 300 مليون دولار؟ ما الذي يحتاجه فعلاً؟ عندما يعكفان على وضع خطة للاستثمار، قد يفاجآن هما الاثنان بما هو مطلوب لضمان استمرار نمو القسم.

كما يجب على سارة أن تؤكّد أيضاً أن كبار التنفيذيين في عموم الشركة يجب أن يكونوا متوافقين على شكل النجاح وكيف ستحققه الشركة. وبوصفها الرئيسة التنفيذية، ستكون هي من يقود استراتيجية الشركة، لكن يجب على كل أعضاء فريقها أن يفهموا كيف يضعون خارطة للوصول إلى هذه الاستراتيجية وأن يعملوا معاً لتحقيقها.

في الوقت ذاته، يجب على سارة أن تدرس بعناية ما إذا كانت تبالغ في تقديرها لقيمة خبرة خورخي بالنسبة لشركة إيغل. فهو يدير قسم الأجهزة الطرفية منذ 10 سنوات – وهذا عمر كامل في عالم التكنولوجيا – ورغم أنه ربما كان الشخص المناسب لتحقيق نجاحه الحالي، إلا أنه قد لا يكون الشخص الصحيح القادر على نقل القسم إلى المستوى التالي. لم يكن الابتكار من ضمن نقاط قوته على ما يبدو، وفي شرائح سوقية سريعة التغير مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، لعل القطار قد فاته.

ملاحظات على دراسة الحالة

1- وفقاً لـ "مصفوفة حصص الأقسام في النمو" الخاصة بـ "بوسطن كونسلتينغ جروب" (BCG)، فإن قسم خورخي يُعد بقرة مدرة للأموال، فهو يحتاج إلى القليل من الاستثمار لكنه يحقق الكثير من الأموال النقدية.

2- غالباً ما يُنظر إلى الشركات الكبيرة بوصفها مفرطة في البيروقراطية وتتجنب المجازفة في الابتكار. لكن دراسة أجرتها كلية أولين للأعمال (Olin Business School) تكشف أن الشركات التي يزيد عدد موظفيها على 500 تنخرط في أنشطة أبحاث وتطوير تزيد بمقدار ستة أضعاف على ما هو حاصل في الشركات الأصغر حجماً.

3- في المتوسط، 25% فقط من الشركات الناشئة المدعومة برأسمال مغامر تعيد رأس المال المستثمر فيها. هل يجب على سارة أن تركّز على جهود الأبحاث الداخلية عوضاً عن ذلك؟

4- هل من المرجح أن يصبح النموذج التجاري الجديد محركاً للنمو؟ أم أن تحديات الإدماج مرهقة للغاية؟

5- هل يمكن لحالة الاستياء التي يشعر بها خورخي أن تكون سبباً يسهم في تشويش نظرته إلى وضع قسمه؟

6- هل خورخي معرض لخطر ترك الشركة؟ ما الذي ستعنيه مغادرته للشركة لكل من إيغل وسارة؟

7- ماذا ستكون التبعات على أداء الشركة إذا ما مولت سارة عدداً أقل من المشاريع الجريئة الجديدة ورفعت موازنة خورخي؟

8- أثّر صعود أجهزة الكمبيوتر المحمولة وهبوط الطلب على الحواسب الشخصية سلباً على السوق الخاص بالأجهزة والمعدات الطرفية للحواسب، بحسب موقع ناسداك (com).

9- هل اصطفت سارة بشكل غير منصف إلى جانب جينيفر؟ هل صداقتهما تؤثر على طريقة حكمها على الأمور التجارية؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي