تنفق الشركات في الولايات المتحدة أكثر من 160 مليار دولار على التدريب والتطوير، وفقاً لـ "جمعية تنمية المواهب" (Association for Talent Development) الأميركية. ويشمل ذلك استثمارات تلك الشركات في الدورات التدريبية والمنشآت والأنظمة والأدوات. إلا أنه لا يتم إنفاق سوى القليل من المال أو الوقت الثمين في إعداد دماغ المتعلم وتمكينه. والحقيقة هي أن هذه الاستثمارات لن تكون مجدية إذا لم يتمتع المتعلم بقدرة عقلية حاضرة للانتباه.
إذ يدخل الكثير من الناس في خضم تجارب التعلم مع وجود أشياء كثيرة تشغل بالهم. ويبدو الأمر وكأن عقولهم ممتلئة، ولا يوجد فيها مساحة كافية لمعلومات إضافية أو أفكار جديدة. وبالنسبة للمؤسسات التي ترغب بزيادة عائداتها من الاستثمار في التدريب، فنحن نعتقد أنه يجب على جميع المتخصصين في التنمية، وكل المتعلمين، الانتباه إلى إعارة الانتباه.
كيف يمكنك أن تفعل ذلك؟ مع تدريب اليقظة الذهنية. لقد ثبت أن تدريب اليقظة الذهنية يحسن الوظائف الإدراكية، بما فيها الانتباه والذاكرة والوظيفة التنفيذية. جميع هذه الميزات تعتبر ميزات ذات أهمية بالغة للتعلم. ويعتبر تعلم إدارة الانتباه في صميم اليقظة الذهنية. ولكن لا يمتلك جميع الموظفين الوقت أو الرغبة لبدء برنامج يقظة ذهنية. لذلك يقع على عاتق المتخصصين في التنمية إدخال اليقظة الذهنية في تجاربهم داخل الفصل. وهذه هي الطريقة للقيام بذلك.
أنشئ بيئة مواتية للتعلم. لا تقلل من أهمية إنشاء إطار يمهد الطريق لتعزيز تجربة التعلم. في الوضع المثالي، يجب أن تحتوي بيئات التعلم على فوضى أقل، ومساحات مفتوحة للاستبطان "التأمل في النفس" والتعاون ونوافذ كبيرة تسمح بدخول أكبر قدر من ضوء النهار وزوايا هادئة للتأمل الشخصي أو ممارسة اليقظة الذهنية. وإضافة إلى ذلك، إذا تم تقديم وجبات كاملة أو وجبات خفيفة، فيجب أن تحتوي هذه الوجبات على قيمة غذائية عالية وأن تنسجم مع آخر ما توصلت إليه علوم الدماغ حول الأغذية التي تعزز الطاقة والأداء، كأن تحتوي على كمية أكبر من الخضار والبقوليات والمكسرات والتوت، وكمية أقل من السكر.
قلّل جميع عوامل التشتيت إلى أدنى حد ممكن. تظهر الأبحاث أن الأشخاص يحتاجون إلى 30 دقيقة ليتمكنوا من العودة إلى عملهم الذي كانوا يقومون فيه في حال تشتت انتباههم. وكلما زاد تعقيد المهمة التي يقومون بها، تطلب الأمر وقتاً أطول. ويعتبر تعلم شيء جديد أحد أكثر المهمات صعوبة على العقل. حيث يمكن أن تكون ثمة علاقة بين معرفة أن عليك تقليص حالات التشتت والقيام بذلك فعلاً. وفي أجواء الفصل، يتضمن ذلك حث الأشخاص على إطفاء جميع الأجهزة إلا إذا كانت جزءاً من التجربة التعليمية. وقد تكون قراءة رسالة واردة أمراً مغرياً بالنسبة للمشاركين في دورة مكتظة (لن يلاحظ أحد، أليس كذلك؟). أكِّد لهم أهمية الانضباط، وشجعهم على الالتزام بالتجربة التعليمية من خلال تعطيل جميع الإشعارات وإبعاد الأجهزة أو الأدوات التي تشتت انتباههم.
ابدأ كل جزئية تعليمية بدقيقتين من اليقظة الذهنية. يمكن لدقائق معدودة من تدريب اليقظة الذهنية في بداية التجربة التعليمية، وبين كل جزئية جديدة، أن تساعد المشاركين على تنظيف الفوضى العقلية والانفتاح على أفكار ومحتوى جديد. وقد يكون ذلك بسيطاً كدقيقتين من الجلوس بثبات، ما يمنح شعوراً بالاسترخاء للجسم والعقل والتركيز على التنفس وترك الأمور المشتتة للانتباه. وللمساعدة في ذلك، يمكنك استخدام هذا التطبيق أو دمج لحظات من الممارسة في جدول الأعمال الرسمي.
خذ فترات استراحة للتأمل الواعي. فكِّر ملياً فيما سيفعله المشاركون خلال فترات الاستراحة. يستخدم الكثير من الأشخاص فترات الاستراحة كفرصة لمتابعة أنشطة العمل، وهذا يضر بعملية التعلم لسببين: الأول، هو أن ذلك لا يوفر فرصة لاستقرار المعلومات واستيعابها في العقل. وهذا يعيق انتقال المعلومات من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد. والثاني، هو أنه يعمل على زيادة الفوضى في العقل. ساعد المشاركين على مقاومة الرغبة في التحقق من هواتفهم. وشجعهم على الاستمتاع بفترات استراحة من التأمل الواعي، والتي قد تتضمن المشي في الهواء الطلق أو الكتابة في مجلة ما أو فرصة للتعبير عن ما تعلموه مع أحد الزملاء.
وبعد انتهاء التدريب، شجع المشاركين على ممارسة 10 دقائق من تدريب اليقظة الذهنية كل يوم. فإذا كانت عقولهم أكثر صفاء وتركيزاً وهدوءاً، فإنهم يمتلكون فرصة أفضل في الاحتفاظ بما تعلموه.