كيف تؤثر مساحات العمل المشتركة على الهويات المهنية للموظفين؟

6 دقائق
تأثير مساحات العمل المشتركة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ ظهور أول مساحة عمل مشتركة في عام 2005، افتُتحت أكثر من 14,000 مساحة عمل حول العالم بسبب تأثير مساحات العمل المشتركة. وبينما سعى الجيل السابق من مساحات العمل إلى تزويد العمال المستقلين بالموارد والدعم الذي تعذر عليهم إيجاده في المنازل أو المقاهي أو غيرها من الأماكن المتنقلة، إلا أنّ المساحات اليوم تطورت إلى أعمال تدعم احتياجات المؤسسات الكبيرة. وتستخدمها بعض الشركات لاستضافة الموظفين الذين يسكنون في أماكن نائية، وذلك لتوفر على نفسها تكاليف الإيجارات طويلة الأجل. وتقوم شركات صغيرة ومشاريع مغامرة أخرى في مراحلها المبكرة، والتي تمتلك توقعات غير أكيدة حول عدد الموظفين أو معدلات نمو العمل، بتنفيذ أعمالها بالكامل من خلال مساحات عمل مشتركة نظراً لمرونتها المكانية.

وقد قمنا على مدار السنوات العديدة الماضية بدراسة كيفية تأثير هذه البيئات على الأفراد العاملين، مع مراعاة مدى توفر وسائل الراحة، وترويج العلامة التجارية، والنواحي الجمالية والثقافات الفريدة التي يخلقها الأشخاص والشركات المختلفين الذين يعملون معاً تحت سقف واحد. وتبين لنا أنّ العاملين يستفيدون من مساحات العمل المشتركة أكثر من المكاتب التقليدية، حيث يتمتعون بمستويات أعلى من المرونة والازدهار (ويعرّف بالحيوية والتعلم أثناء العمل)، وقدرة أكبر على إقامة العلاقات المهنية، إضافة إلى حس مجتمعي أقوى. وعلى أي حال، لم نعرف حتى هذه اللحظة كيف يؤثر هذا الأمر على العمل الذي يقومون به.

وهدفنا في دراستنا الأخيرة إلى الإجابة عن هذا السؤال: كيف تؤثر ثقافات العمل المشتركة المنسقة بعناية على الهويات المهنية للأعضاء ومؤسساتهم؟

وأردنا أن نعرف إلى أي مدى يرتبط الأعضاء بثقافة مساحة عملهم المشتركة وفيما إذا كان ذلك يؤثر على مدى ارتباطهم بشركاتهم أو أصحاب العمل أم لا. ففي نهاية المطاف، تستثمر المؤسسات موارد قيّمة لرعاية الترابط بين الموظفين وتطوير ثقافات العمل. ولكن ثمة الكثير من الرسائل والنماذج والقيم التي تتنافس لكسب اهتمام الأعضاء في مساحات العمل المشتركة التي تأوي مؤسسات عديدة.

بين عامي 2017 و2018، قمنا بالتعاون مع وي وورك لاستطلاع آراء أكثر من ألف من أعضائهم الجدد في الولايات المتحدة. عمل 71% بدوام كامل لدى الشركات الموجودة في مكتب وي وورك أو تستخدم وي وورك للأفراد والفرق عن بعد. وضمت نسبة 29% المتبقية أصحاب أعمال ومتعاقدين ومالكين وحيدين وموظفين بدوام جزئي. ومن خلال استبانة، طلبنا من الأعضاء تحديد مستوى موافقتهم على عبارات مثل “لديّ الكثير من القواسم المشتركة مع آخرين في وي وورك” و”لديّ الكثير من القواسم المشتركة مع مؤسستي” لتحديد نسبة ارتباطهم بشركة وي وورك بالمقارنة مع مؤسساتهم. وجرى تعريف الهوية على أنها مدى الارتباط العاطفي والنفسي والشخصي الذي يشعر به الموظف تجاه صاحب العمل (أو أي منصة أخرى يعمل لصالحها)، وقيست على مقياس من 1 إلى 5، حيث يرمز 1 إلى أقل ارتباط و5 إلى أعلى ارتباط.

ووجدنا أنّ الأعضاء يرتبطون بشدة مع مؤسسات عملهم، بأغلبية تسجل أكثر من 4 نقاط، حتى بعد العمل في مكتب وي وورك لفترة طويلة من الوقت. وبشكل عام، ينسجم الموظفون بنسبة أقل من ذلك مع وي وورك، بأغلبية تسجل أقل من نقطة على نفس المقياس المكون من خمس نقاط. هذا الاختلاف في نتائج الهوية أثار فضولنا وقادنا إلى استكشاف السبب.

وفي نهاية دراستنا، طلبنا من الأعضاء وصف كيفية تأثير وي وورك على الهوية المهنية. وأجاب بعض الأشخاص المستطلعة آراؤهم بحياد، قائلين “إنها مساحة لا غير”. حصل هؤلاء الأعضاء على فوائد من جوانب ذات طابع عملي أكثر في الوظيفة، مثل وسائل الراحة المكانية أو ملاءمة الموقع. وقال أعضاء آخرون إنّ وي وورك تؤدي دوراً فاعلاً في تشكيل هوياتهم المهنية والتنظيمية. وامتلك هؤلاء الأعضاء نتائج أعلى على مستوى الهوية لمؤسسات عملهم ووي وورك (على الرغم من بقاء الفجوة بين الطرفين). كما لمسوا مستويات أعلى من الازدهار والإنتاجية في العمل.

تأثير مساحات العمل المشتركة

تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنّ هوية علامة وي وورك لا تنتقص من هوية المؤسسات المستضافة في مساحتها. وبدلاً من ذلك، يشير بحثنا إلى أن الموظفين يلمسون نتائج إيجابية عندما تتواءم بيئة عملهم مع رسالة العلامة التجارية لشركتهم وقيمها. وعندما قمنا بتنظيم التعليقات التي تصف كيفية قيام وي وورك بتشكيل الهوية المهنية على نحو إيجابي، وجدنا ثلاثة محاور رئيسة. كل واحد من هذه المحاور يسلط الضوء على إمكانية أن تقوم مساحات العمل المشتركة بتعزيز الطريقة التي يرتبط بها الموظفون مع مؤسساتهم، واعتقاداتهم حول نظرة الآخرين إليهم (الزبائن، والموظفين الآخرين، والمنافسين، وغيرهم).

تمنح مساحات العمل المشتركة بعض الأعضاء إحساساً بالمهنية والمصداقية لا يوفره العمل التقليدي عن بعد

وهذا يؤكد إحدى النتائج من دراساتنا المستمرة حول تأثير مساحات العمل المشتركةحول العالم، وهي تتمثل في أنّ العمل من مكان عمل حقيقي (على العكس من مكتب المنزل أو المقهى) قد يوحي إلى الآخرين أنك تأخذ عملك على محمل الجد، ويراك الآخرون كعامل جدّي. لقد أصبح مكان العمل رمزاً لـ “الشرعية”. استخدم بعض الأشخاص المستطلعة آراؤهم هذه الكلمة لوصف كيفية مساهمة وي وورك في هوياتهم المهنية، حيث علّق أحد مالكي الأعمال الصغيرة من نيويورك قائلاً: “أرتبط مع الشركات الناشئة الأخرى في مختبرات وي وورك”. وهو يشعر أنّ العمل هناك يضفي صفة الشرعية على شركته الصغيرة في عيون زملائه وعملائه. وشعر آخرون من المستطلعة آراؤهم بالفخر والثقة من العمل في مكتب وي وورك في موقع مرموق. وأشار أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم إلى أنّ موقع مكتب وي وورك يعتبر ميزة.

يشعر العمال أصحاب العضوية المدعومة من شركات أنّ أصحاب العمل يأخذون احتياجاتهم على محمل الجدّ، بغض النظر عن موقعهم

ونتيجة لذلك، يشعر هؤلاء الأعضاء أنّ أصحاب العمل يقدرونهم بنفس درجة الموظفين المقيمين في شركاتهم. أخبرنا أحد الأشخاص المستطلعة آراؤهم والمقيم في نيويورك أنّ “مقر شركتنا في كاليفورنيا يضم 90% من قوتنا العاملة. ومن خلال وضعنا في مكتب وي وورك بدلاً من مساحتنا الخاصة، يتذكر فريقي هنا في نيويورك أننا في موقع متقدم نوعاً ما. وعلى أي حال، نعلم أيضاً أنّ ذلك يعني أننا مهمون ونستحق التكلفة التي يدفعونها للحفاظ علينا مجتمعين في بيئة مكتبية”. وقال أحد المستطلعة آراؤهم في مقر دنفر: “أشعر أنّ شركتي تقدّرني. إذ تضفي الأجواء والحركة إحساساً بالأهمية إلى عملي”. وسمعنا عدداً من التعليقات المشابهة تتطرق إلى أثر مساحات العمل المشتركة على صورة الموظفين. وهذا بدوره يؤثر على مدى ارتباط الأعضاء بشركاتهم.

تساعد مساحات العمل المشتركة الأعمال الجديدة على خلق انطباع إيجابي لدى مجموع العملاء المحتملين

قالت محامية في منطقة خليج سان فرانسيسكو: “أنا [أعمل] مع رواد أعمال شباب وشركات ناشئة في المجال التكنولوجي. وأعمل مع الكثير من الموظفين ذوي المهارة العالية”. يضفي تصميم المكتب طابعاً مهنياً، وعصرياً في الوقت ذاته، على عملها، ما يساعدها على الارتباط بعملائها. وقال مالك شركة تكنولوجيا متطورة في منطقة العاصمة: “أمضي في اتجاه آخر، ونقل أشيائي إلى وي وورك هو في إطار استراتيجيتي لجعلهم يفكرون على نحو مختلف. هذا جزء من الهوية الجديدة”. ويشير ذلك إلى أنّ هذا المالك يعتقد أنّ اعتماد طريقة عمل جديدة يثبت للزبائن والموظفين على حد سواء جاهزية الشركة وانفتاحها على التغيير، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الوضوح ويساعد على الارتقاء بالعمل. وقال بعض الموظفين الذين تعمل شركاتهم خارج وي وورك إنّ علامة وي وورك أثرت على صورة علامتهم الشخصية. وعلّق أحد المستطلعة آراؤهم قائلاً: “سعت الشركة مؤخراً إلى إعادة تعريف نفسها واعتمدت نموذج شركة ناشئة. يساعد الاعتماد على وي وورك مؤسستنا في الظهور بمظهر حيوي يركز على المستقبل بدلاً من التزام مظهر محافظ والبقاء في سجن الماضي”.

تعزز نتائج هذه الدراسة موضوعاً رئيساً من سنوات بحثنا، وهو أنّ خيار العمل في مساحة عمل مشتركة يعتمد على متغيرات عملية ذات دوافع مالية، إلى جانب متغيرات ذات دوافع ثقافية. فعلى المستوى الأساسي، يعتبر العمل المشترك خدمة تبسط عملية الوصول إلى القوة العاملة وتشغيلها. وعلى أي حال، فهو أيضاً منتج اجتماعي يغذي الإحساس بالانتماء لأعضائه. وبالإضافة إلى المساحات التي تستهدف مجموعة واسعة من التراكيب السكانية للأعضاء، هناك مثلاً مساحات عمل مشتركة مخصصة للنساء والأقليات العرقية والشركات الاجتماعية والمحامين والمهندسين وتجارة الأزياء. ويستطيع الأعضاء اختيار مساحة تعبر عن هويتهم والهوية التي يريدون تكوينها لعملهم نظراً لانخفاض تكاليف النقل بين مساحات العمل المشتركة نسبياً بسبب قلة إيجارات الأعضاء طويلة الأجل وتوفر مزودين مختلفين لهذه الخدمة.

وتشير نتائجنا الأخيرة إلى أنه عندما تستغرق المؤسسات وقتاً في اختيار مساحة عمل مشتركة تتواءم مع الصورة التي تريد إبرازها حول موظفيها وأعمالها، سيلمس الموظفون مستويات عالية من الازدهار، وستستفيد المؤسسات أيضاً، ما سيجعل الموظفين يرتبطون بقوة أكبر مع هدفها وقيمها.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .