6 أسباب لفشل المنصات

7 دقائق
أسباب فشل المنصات

لقد كان النجاح الذي حققته شركات منصات الأعمال مثل "علي بابا" (Alibaba) و "إير بي إن بي" (Airbnb) و"أوبر" (Uber)، لافتاً لدرجة أننا غالباً ما نُغفل التركيز على مدى صعوبة إنشاء هذه المنصات في أي نقاش يدور حولها. فمقابل كل منصة ناجحة، هناك العديد من المنصات التي تكافح لأجل البقاء أو التي تفشل ببساطة بسبب كثرة أسباب فشل المنصات لديها. حتى أنه كان لشركتي "جوجل" و"آبل"، وهما الأعلى قيمة سوقية في العالم، حصة من هذا الفشل كما سنذكر لاحقاً. وبعد دراسة هذه النجاحات والإخفاقات، استطعنا تحديد 6 أسباب رئيسة لفشل المنصات، بحيث يتلخص جميعها في سوء فهم المدراء لكيفية عمل المنصات وآلية تنافسها.

أسباب فشل المنصات

تشكل شركات منصات الأعمال جسراً يربط بين المنتجين والمستخدمين وذلك لخلق عمليات تبادل فعّالة للقيمة، فعلى سبيل المثال، تعمل "أوبر" على الربط بين السائقين والركاب تماماً كما تربط "يوتيوب" (YouTube) بين مصوري الفيديو والمشاهدين. فهم يُسَخِرون تأثيرات الشبكة لمصلحتهم، حيث أنه كلما زاد عدد المشاركين في المنصة، زادت القيمة المُنتَجة. ولكن يمكن للأخطاء الإدارية أن تُعيق تبادل القيمة كما يمكن أن تعمل عوامل التأثير في الشبكة على تعطيل المنصة. دعونا نلقي نظرة على هذه الأخطاء الرئيسة.

اقرأ أيضاً: هل يجب أن تعتمد استراتيجية تقنيات الصوت في شركتك على منصات مثل أليكسا؟

1. الفشل في تحديد المستوى الأمثل من "الانفتاح"

نظراً لأن المنصات تعتمد على القيمة التي يُنشِئُها المشاركون، فمن الأهمية بمكان إدارة "انفتاح" المنصة بعناية، ونقصد بالانفتاح درجة الوصول المتاحة للمستهلكين والمنتجين وغيرهم، إضافة للصلاحيات الممنوحة لهم في المنصة. فإذا كانت المنصة منغلقة للغاية، بحيث تعمل على استبعاد المشاركين المحتملين المرغوب بهم، ستكون النتيجة تعطيل عوامل التأثير في الشبكة. وبالعكس، فإذا كانت هذه المنصة منفتحة للغاية، ستظهر لدينا عوامل تأثير أُخرى مُقَوضه للقيمة، كالمساهمات رديئة الجودة أو السلوك السيئ من قبل بعض المشاركين والذي سيؤدي إلى انسحاب المشاركين الآخرين من المنصة.

لقد فشل ستيف جوبز فشلاً ذريعاً في إدارة الانفتاح في شركة "آبل" في ثمانينيات القرن الماضي. لقد كلّف مطوري مجموعة الأدوات بالعمل، وبذلك حال دون مشاركة منتجي البرمجيات الذين كان ينبغي مشاركتهم في منصة "آبل". وبالتالي كانت النتيجة معاناة الشركة لإنشاء منصة قوية تعمل على ربط عملائها بمنتجي البرامج. ولسنوات، ظل تغلغل شركة "آبل" في السوق معلقاً ضمن مجال واحد. ومنذ ذلك الحين، تمكنت شركة "آبل" من التوصل إلى التوازن وذلك من خلال فتح المنصات التي تعمل وفق نظام "آي أو إس" (iOS) أمام مطوري التطبيقات. وعلى النقيض تماماً، أنشأ بيل غيتس نظام التشغيل "ويندوز" (Windows) لكل من مطوري البرامج والأجهزة، ما مَكَنَ "ويندوز" من الهيمنة على منصات الأجهزة المكتبية بفضل قدرتها الفائقة على ربط منتجي البرامج والأجهزة مع المستهلكين.

اقرأ أيضاً: العناصر الثلاثة لاستراتيجية المنصات الناجحة

على الرغم من ذلك لا يزال انفتاح المنصات بدرجة كبيرة أمراً ممكناً. ولكن يجب عليها المحافظة على درجة كافية من التحكم في الأصول الأساسية للتمكن من ضبط بيئة العمل المتكاملة وتحقيق الأرباح. لقد تعلمت شركة "جوجل" هذا الدرس جيداً عندما عملت شركتا "أمازون" و "سامسونج" (Samsung) على تجزئة أو «تشعيب» (كما في لغة التكنولوجيا) المنصة المفتوحة التي تعمل وفق نظام «أندرويد» (Android) لإنشاء إصداراتهما الخاصة المفتوحة المصدر. وبالتالي، سرعان ما خسر نظام أندرويد من جوجل (Google Android) حصته في السوق لصالح هذه الإصدارات الجديدة. ولكن وبرد فعل سريع، استعادت شركة "جوجل" السيطرة على نظام "أندرويد" من خلال تقييد الوصول إلى خدماتها التي يصعب استنساخها مثل مسح الخرائط وتحويل واجهات برمجة التطبيقات المهمة (APIs) إلى ملكية متجر "جوجل بلاي" (Google Play). تُبيّن قصة نظام "أندرويد" هذه أن انفتاح المنصات هو أحد القرارات الإدارية الرئيسة التي يمكنها تحديد نجاح المنصة أو فشلها.

2. الفشل في إشراك المطورين

يعد تحديد درجة انفتاح المنصات المناسبة أمراً ضرورياً ولكنه غير كافٍ. بحيث يجب على مالك المنصة أيضاً أن يُبَيّن لمطوري البرامج الفائدة التي يمكن أن تعود عليهم من خلال المشاركة في هذه المنصة. ففي عام 2013، دعت شركة "جونسون كونترولز" (Johnson Controls) المطورين لمساعدتها على بناء منصة "بانوبتكس" (Panoptix)، وهي منصة تهدف لرفع كفاءة استخدام الطاقة في المباني والمساحات المكتبية. ولكن وفي بداية عام 2015، توقفت الشركة عن قبول المساهمات الجديدة في السوق المفتوحة الخاصة بها، كما توقفت عن دعم واجهات برمجة التطبيقات للمطورين الخارجيين، حيث لم تجتذب "بانوبتكس" العدد الكافي من التطبيقات الجديدة الذي يُبَرر ضخ الموارد لدعم هذه التنمية الخارجية المحدودة.

لذا عليك أن تتعلم أنه لا يكفي إنشاء المنصات وفتح المجال للمشاركة فقط. فالمنصات الناجحة لا تكتفي بذلك فهي تشارك في الترويج للمنصة، حيث توفر لمطوري البرامج الموارد اللازمة للابتكار، كما تزودهم بالتقييمات حول التصاميم والأداء، بالإضافة لتقديم المكافآت على مشاركتهم. فكر في الأمر كما يلي: إذا كنت تريد استضافة مناسبة ما بنجاح، فعليك أن تخطط بعناية فائقة لهذه المناسبة، وأن تدعو الأشخاص المناسبين، كما عليك تأمين الضيافة المناسبة، وأن تواكب المنافسة مع الحفلات الأخرى. تخيل أن لديك دعوة من "أندرويد" لحضور حفلة "هاوايان لوا" متضمنة وليمة مكونة من خمسة أصناف، مع تغطية تكاليف السفر. وسيتسنى للحضور لقاء الممثل روبرت داوني الابن والممثلة ساندرا بولوك، وفي نفس الليلة تقدم لك "جونسون كونترولز" دعوة لتناول البسكويت في كليفلاند وتطلب من الحضور التكفل بتكاليفهم الخاصة، برأيك أي الحفلة سيختار المطورون حضورها؟

اقرأ أيضاً: يمكن إنشاء منصات الإعلام الاجتماعي بناء على الجودة لا الحجم

3. الفشل في مشاركة الفائض

يعد وجود التفاعلات القيّمة السبب الأساسي للمشاركة في المنصة، حيث ستعم الفائدة على كل من المستهلك والمنتج والمنصة إذا كان التوزيع يناسب الجميع. ولكن إذا حصل أحد الأطراف على حصة غير كافية، فلن يكون لديه الدافع للمشاركة. ففي عام 2000، استثمرت العديد من شركات صناعة السيارات، بما في ذلك "دايملركرايسلر" و"فورد" و"جنرال موتورز" و"نيسان" وغيرها في "كوفيسينت" (Covisint)، وهو سوق إلكتروني يهدف إلى التَوفيق بين المشترين والموردين لقطع غيار السيارات. ولسوء الحظ، فإن بنية الملكية في هذا السوق وصيغة المُزايدة المعتمدة فيه التي تتوافق لدرجة كبيرة مع شركات السيارات (الذين يلعبون دور المستهلك في هذه المنصة) كان لها دور في إجبار الموردين على الدخول في منافسة شرسة على الأسعار، وبذلك كان مبلغ القيمة المتبقية بالنسبة للموردين ضئيلاً أو حتى معدوماً. ونتيجة لذلك، ترك موردو قطع الغيار المنصة ولم ينجح السوق في أن يُعتبر مصدراً دائماً للأرباح. وفي عام 2004، تم بيع الأصول المتبقية في هذه المنصة بمبلغ لا يتجاوز 7 ملايين دولار، وهو جزء ضئيل للغاية من استثمارات شركات صناعة السيارات في هذا السوق التي بلغت 500 مليون دولار.

هناك قاعدة بسيطة يجب على مدراء المنصات أن يتبعوها ألا وهي: اقبل بحصتك حتى وإن كنت ترى أنها لا تساوي مجهودك، ووزّع القيمة بشكل عادل على جميع المشاركين.

4. الفشل في تحديد الجانب الصحيح لإطلاقه بعيداً عن أسباب فشل المنصات

يتعيّن على مدراء المنصات معرفة أسباب فشل المنصات من أجل التحديد الدقيق لأي جانب من جوانب سوق المنصات يجب التركيز عليه ومتى. فمن المهم أحياناً عند الإطلاق التركيز على جذب المستهلكين دوناً عن المنتجين، وأحياناً أُخرى يكون العكس، أما في بعض الأحيان ومنذ البداية نجد أن كلا الجانبين يحتاج إلى الاهتمام المتساوي.

وعلى الرغم من الضجة الكبيرة التي أثيرت حول "جوجل هيلث" (Google Health) فإن زعيم المنصات صاحب الخبرة الواسعة قد فشل، حيث كان من المفترض أن يحتل "جوجل هيلث" المرتبة الأولى عند المستهلكين في تعزيز معلوماتهم الصحية. لقد حاولت شركة "جوجل" حسب استراتيجيتها المفضلة التركيز أولاً على جانب المستهلك من السوق، وهو النهج الذي نجح تماماً مع تطبيقات البحث والبريد الإلكتروني والخرائط. لكن هذه المرة كان على شركة "جوجل" التركيز أولاً على الجانب الآخر من السوق، المتمثل في مقدمي الخدمات. فربما كان المستهلكون سيستخدمون هذه الخدمة لو انخرط كل من الأطباء وشركات التأمين المعنيين بالاحتفاظ بالمعلومات الصحية في هذه المنصة. لكنهم لم يرحبوا بفكرة المراقبة أو بفقدان السيطرة على بيانات يملكونها مسبقاً، حيث كان تأمين مشاركتهم سيلعب الدور الحاسم في نجاح منصات المعلومات الصحية.

5. الفشل في وضع أولوية تأمين عدد المشاركات الأساسية على تحقيق الأرباح المادية

هل تتذكر "بيلبوينت" (Billpoint)؟ نظام الدفع الرقمي في موقع "إيباي" (eBay) قبل أن تتم إزاحته لصالح "باي بال" (PayPal). وكمطلعين على المنصات الراسخة، نرى أنه كان من المفترض فوز "بيلبوينت" في هذه المنافسة. ولكن في الوقت الذي ركزت فيه "بيلبوينت" على منع الاحتيال، تفرغت "باي بال" للتركيز على ميزة سهولة الاستخدام. فبينما كانت "بيلبوينت" تفرض رسوماً أعلى على معاملاتها، دفعت "باي بال" مبالغ بقيمة 5 و10 دولارات للمستخدمين الذين يساهمون بتسجيل مستخدمين آخرين في التطبيق. يمكن أن يساهم منع الاحتيال في خفض تكاليف المنصة على المدى الطويل ولكنه سيخلق الحزازيات في معاملات المستخدمين، ما سيقوض من أنشطة خلق القيمة. وَفَرَ "باي بال" تكاليف مكافحة الاحتيال بالاتجاه نحو التركيز على النمو السريع من خلال تبسيط المعاملات وتحفيز المشاركين على جذب مشاركين آخرين. نتيجة لذلك، تجاوز "باي بال" "بيلبوينت" بسرعة وأصبح نظام الدفع المفضل على موقع "إيباي". وفي عام 2002، وإقراراً بالهزيمة اشترى موقع "إيباي" "باي بال" مقابل 1.4 مليار دولار، وتم التخلص تدريجياً من "بيلبوينت" خلال عام. وهنا نجد أن "بيلبوينت" ارتكب خطأ التركيز على توليد الإيرادات في البداية، بدلاً من جذب عدد كبير من المشاركين.

حتى بعد انتهاء الدعم، فإن السيولة التي تحتاجها المنصة على شكل نفقات لبناء عوامل التأثير في الشبكة نادراً ما تكون مستدامة على المدى الطويل، وذلك لأنها تعمل ضد الآلية الأساسية لخلق القيمة التي تعمل المنصات وفقاً لها وعلى نطاق واسع.

6. محدودية التَصوّر أحد أسباب فشل المنصات

لعل أفظع أنواع الفشل الذي قد تواجهه المنصة على الإطلاق هو ببساطة عدم رؤيتها مطلقاً في طور العمل. تعد هذه المشكلة من أصعب العقبات على الشركات التقليدية لتخطيها. فهذه الشركات مدانة بأنها لا تستطيع أن تتجاوز فكرة بيع المنتجات حتى عندما تعمل على بناء بيئة العمل المتكاملة. فقد ارتكبت كل من "سوني" (Sony) و"هيوليت-باكارد" (آتش بي) (Hewlett Packard HP) و"غارمين" (Garmin) خطأ التركيز على المنتجات بدلاً من التركيز على المنصات. ففي عام 2007، وقبل إطلاق "آيفون" (iPhone) سيطرت "آتش بي" على مجال الآلات الحاسبة المحمولة بنوعيها العلمي والمحاسبي. غير أن اليوم يمكن للمستهلكين شراء تطبيقات الآلة الحاسبة المثالية تقريباً من منصات "آي تيونز" (iTunes) و"جوجل بلاي" وذلك بتكلفة لا تتجاوز جزءاً من تكلفة شراء الآلة الحاسبة. لم تقم شركتا "آبل" و"جوجل" بصناعة هذه البدائل، ولكنهما قاما بتوفيرها بمجرد تأمين المنصات التي تربط بين منتجي التطبيقات مع مستهلكيها الذين يحتاجون إلى الآلات الحاسبة.

لقد باعت "سوني" سابقاً مجموعة تُعد من أفضل المنتجات الإلكترونية التي تم تصنيعها على الإطلاق: ففي وقت ما سيطرت "سوني" على مجال أجهزة الموسيقى الشخصية المحمولة عبر إنتاجها لجهاز "ووكمان" (Walkman). كما أنتجت أول وأفضل مشغلات الأقراص المدمجة في العالم. وبحلول عام 2011، أصبح جهاز "بلاي ستيشن" (PlayStation) الذي أنتجته "سوني" أحد أكثر وحدات التحكم بألعاب الفيديو مبيعاً على الإطلاق. ومع ذلك، وعلى الرغم من قوتها التكنولوجية، أفرطت "سوني" بالتركيز على إنتاج المنتجات ولم تهتم بإنشاء المنصات. (ماذا حل بزبائن "سوني" يا ترى؟ لقد استحوذت عليهم منصة "آي أو إس" تماماً). لقد واجه جهاز رسم الخرائط المصممة من شركة "غارمين" (Garmin) المصير نفسه، حيث واعتباراً من عام 2012، باعت "غارمين" 100 مليون وحدة منه بعد خبرة تقدر بـ 23 عاماً في السوق. وفي المقابل، باعت "آيفون" 700 مليون وحدة بعد مضي ثماني سنوات لها في السوق فقط. ومن ناحية أخرى نجد أن عدد المستخدمين الذين يلجؤون لهواتف "آيفون" للحصول على إرشادات الاتجاهات كبيراً مقارنة بمستخدمي منتجات شركة "غارمين"، والفضل هنا لا يعود لخرائط "آبل" فقط ولكن أيضاً لتطبيقات "خرائط جوجل" (Google Maps) و"ويز" (Waze). وفيما يتعلق بالمنصات، نرى أن منصتي "آي أو إس" و"أندرويد" تمتلكان بيئة العمل المتكاملة المؤلفة من المنتجين والمستهلكين إضافة لعوامل أخرى ساعدت في انتصار المنصات على المنتجات مثل، كاميرا "سيسكو فليب" (Cisco Flip)، وجهاز ألعاب "سوني بي إس بي" (Sony PSP)، وخدمة الصور "فليكر" (Flickr)، ومسجل صوت "أوليمبوس" (Olympus)، ومنتجات "مايكروسوفت زون" (Microsoft Zune)، ومصباح "ماغنوس" (Magnus)، وجهاز تعقب اللياقة البدنية "فيتبيت" (Fitbit).

فعند دخول المنصة إلى السوق، لا يُعد تركيز مدراء المنتجات على الميزات والخصائص في تلك المنتجات خطأً في التقدير فحسب، بل يُعد أمراً بعيداً كل البعد عن الصواب بسبب كثرة أسباب فشل المنصات هذه.

اقرأ أيضاً: دراسة لأكثر من 250 منصة تكشف لماذا فشل معظمها

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي