ملخص: قد يؤدي شيوع مشاعر الغضب والاستياء بين أفراد فريقك إلى ازدياد صعوبة مهمة القيادة، بكل ما فيها من صعوبات. لكن الطريقة التي تستجيب بها لمشاعر الإحباط لدى موظفيك أمرٌ بالغ الأهمية لضمان عدم تأثر فاعليتك القيادية بالمشاعر السلبية. ويقدم كاتب المقالة 4 توصيات ينصح بتجربتها: 1) هدّئ مشاعرك أولاً قبل التفاعل مع مشاعر الإحباط لدى أعضاء فريقك. 2) تعامل مع غضبهم بنيّة التعلم. 3) تعاونوا معاً لإعادة تصميم أهداف الفريق. 4) احرص على تعميق جذور الثقة المتبادلة من خلال تحسين أسلوبك.
تعاني أماكن العمل هذه الأيام حالة عنيفة من عدم الاستقرار، وقد تشعر في ظل هذه الأجواء بالعجز عن أداء مسؤوليات وظيفتك اليومية وعدم القدرة على تطوير مسيرتك المهنية على المدى البعيد. وعندما يؤدي الشعور بعدم الأمان إلى الشعور بالإحباط، قد يكون من الصعب أن تتمالك أعصابك وتحافظ على هدوئك. ولكن عندما تشغل منصباً قيادياً، فإنك ستواجه تحدياً أكثر صعوبة يتمثّل في إدارة الحالة المزاجية لفريقك دون السماح لنوبات الغضب التي تعتريهم بإضعاف فاعليتك.
ولا يُعتبر الغضب وانفلات الأعصاب في مكان العمل أمراً جديداً. فقد أثبت الكثير من الدراسات أن ضغوط العمل تعتبر إلى حدٍّ بعيد أهم مصادر التوتر من بين كل ضغوط الحياة الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فقد توصلت الأبحاث الحديثة التي أجرتها "مؤسسة غالوب" إلى أن المعدلات اليومية للغضب والتوتر والقلق والحزن بين العاملين الأميركيين قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال العقد الماضي.
لكن العامين الماضيين شهدا ازدياد عوامل الإحباط لدى كلٍّ من الموظفين والقادة بصورة حادة وغير مسبوقة، ومن أبرز هذه العوامل اضطرار الموظفين إلى العمل خلال الظروف المصاحبة لتفشي جائحة فيروس كورونا والمخاوف بشأن تحقيق العدالة والمساواة بين مختلف العرقيات وزيادة معدلات الدوران الوظيفي في مكان العمل. وقد سلّطت دراسة حديثة الضوء على الصدام بين القادة والموظفين حول سياسة العمل من المنزل، وتتوقع تفاقم الصراع بين فرق العمل حول سياسات العمل الهجين في المستقبل القريب.
وعلى الرغم من أن منصبك كقائد للفريق لا يجعلك مسؤولاً عن إسعاد الجميع طوال الوقت، فإن هذا لا ينفي أنك مسؤول عن إرساء ثقافة تقوم على الثقة المتبادلة والأمان النفسي. وإليك بعض التوصيات التي يمكنك تجربتها عندما تدرك أن مشاعر الاستياء تعمُّ أعضاء فريقك:
هدّئ مشاعرك أولاً قبل التفاعل مع مشاعرهم
من الطبيعي أن تؤثر مشاعر أعضاء فريقك على مشاعرك. ولكن قبل أن تندفع في التفاعل مع غضبهم، يجب أن تعمل على تهدئة انفعالاتك. وقد تستجيب في البداية بطرق مختلفة، اعتماداً على حالتك الشعورية. على سبيل المثال: إذا كنت تحاول إدارة إحباطاتك في العمل، فقد تتجاهل في البداية شكاوى الفريق، معتقداً أنه يتعين عليهم تجاوزها بالطريقة نفسها.
وإذا كنت تشعر بالتعاطف مع مخاوفهم، ولكنك لا تعرف كيفية حلها، فقد تبدأ في المراوغة عند ظهور المشكلات، من خلال إبداء الاهتمام ثم تغيير الموضوع وعدم اتخاذ أي إجراء حيال ذلك.
وإذا كنت منفصلاً عاطفياً عن فريقك، فقد يكون رد فعلك الأول هو اللجوء إلى اتخاذ موقف دفاعي كطريقة لحماية نفسك. فقد أثبتت الأبحاث أن هذه الاستجابة تكون أكثر تكراراً عندما نشعر بأننا منبوذون في المجموعة بسبب حاجتنا البشرية للانتماء. لكن الأساليب الدفاعية لن تؤدي سوى إلى المزيد من الاستياء المتبادل.
كل هذه الاستجابات الثلاث: الرفض والمراوغة واتخاذ موقف دفاعي عند التعامل مع الغضب هي استجابات غريزية ولكنها غير فاعلة بالمرة في القيادة. فهي تخلق حاجزاً نفسياً لا داعي له بينك وبين الأشخاص الذين تتحمل مسؤولية إلهامهم وتحفيزهم وتوجيههم. لذا، بدلاً من الاستجابة بهذه الطرق، ركّز أولاً على تهدئة انفعالاتك.
ولا تحاول شخصنة المواضيع عند تلقيك للملاحظات المباشرة وغير المباشرة التي تدل على شعور أعضاء فريقك بالغضب. فمن الضروري أن تنظر إلى هذه الملاحظات باعتبارها بيانات، وليست غضباً. وستتاح لك الفرصة لمشاركة وجهة نظرك في الوقت المناسب، ولكن لا تنشغل في الوقت الحالي بكيفية انعكاس غضب فريقك عليك أنت شخصياً.
وتذكّر أن مشاعر فريقك، أياً كانت، وسواء كنت تتعاطف معها أو لا، توفر رؤية قيمة تفيدك في دورك القيادي. وعندما تقاوم الدافع الأولي لإصدار أحكام مسبقة على هذه البيانات أو محاولة تبريرها، ستكون قادراً على الاستجابة باستراتيجية أكثر فاعلية تساعدك على التوصُّل إلى الحل المناسب.
تعامل مع غضبهم بنيّة التعلم
بعد تلقي الملاحظات التي تفيد بأن فريقك مصاب بالإحباط دون إصدار أحكام مسبقة عليهم أو على نفسك، يمكنك معالجتها عندئذٍ بذهنٍ صافٍ وعقل منفتح.
لا تحاول قمع غضبهم ولا تتجاهله. وبدلاً من ذلك، اطلب المزيد من المعلومات لكي تُظهر لهم أنك تهتم بأمر أعضاء فريقك بما يكفي وأنك تُقرّ بحقهم في الشعور بالغضب. وأعد صياغة مفهوم الغضب في العمل، حتى تتمكن أنت وفريقك من التعامل معه بوعي، دون تخويف أو ترهيب. ومثلما يتعين عليك ألا تسمح لغضب الفريق باستثارة أساليبك الدفاعية، فيجب ألا تنظر أيضاً إلى كل أنواع الغضب باعتبارها أمراً سيئاً.
في الواقع، يُعدُّ الغضب الذي يؤدي إلى أضرار جسدية أو يتسبب في إيذاء مشاعر الآخرين أمراً غير مقبول بالمرة. ولكن بصرف النظر عن تلك المواقف المضرة، فإن الغضب جزء من الطبيعة البشرية، وعند إدارته بطريقة فعالة، يمكن أن يكون حافزاً لتحسين قدراتك القيادية في التعامل مع أفراد فريقك.
امنح أعضاء فريقك مساحة آمنة للتنفيس عن غضبهم أمامك دون خجل أو خوف من الانتقام، ثم شجعهم على التعاون معك لاستكشاف حلول جديدة تعود بالنفع على الجميع.
يمكنك أن تقول: "أعلم أنكم غاضبون، وما دمتم لا تؤذون أحداً، فأريدكم أن تعرفوا أنه لا بأس في التعبير عن أنفسكم أمامي. فأنا أؤمن بضرورة دعم كل فرد في الفريق مهما كانت المشاعر التي يمر بها، دون قمعها. وأعدكم بأن أستمع إليكم بقصد التعلم، دون فرض رأيي عليكم. ولكن إذا كنتم تريدون تغيير هذا الوضع، فأنا بحاجة إلى مساعدتكم للتوصُّل إلى حل مناسب. وهذا يعني أن تفكروا في العوامل التي تسهم في تأجيج غضبكم والتي تحتاجون إلى إدارتها، وأن تقدموا لي بعض الأفكار الملموسة حول كيفية تقديم يد العون".
تعاونوا معاً لإعادة تصميم أهداف الفريق
بمجرد أن تسيطر على مشاعرك وتخفف من حدتها عن طريق دعوة الآخرين إلى الحوار والتعرّف على مصدر غضبهم، يمكنك اتباع طرق معينة لتوجيه إحباطهم نحو تحقيق نتائج بنَّاءة.
فقد أثبتت الأبحاث أنك تصبح أكثر استباقية وتزيد من الدافعية عندما تعيد توجيه طاقتك السلبية الناتجة عن إحباطك، وتتخلى عن محاولات السعي للتناحر بغرض إلحاق الأذى بالآخرين، وتستعيض عنها بمحاولة بذل جهود تعود عليهم بالنفع. ولن تؤدي مساعدة أعضاء فريقك على تنظيم مشاعرهم وإعادة توجيهها إلى مساعدة الجميع على الشعور بالتحسن فحسب، بل يمكن أن تحفّز أيضاً المزيد من الإبداع حول التغييرات التي يجب إجراؤها وكيفية البدء.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك الاستفادة من غضبهم لتطوير المزيد من القدرة على التحمل والمثابرة سعياً لتحسين مستوى أدائهم، من خلال تصميم الأهداف والتوقعات بطريقة معينة. فقد أثبتت إحدى الدراسات أنه عندما يضع الأشخاص أهدافاً تتضمن السعي لتحقيق النجاح في مهمة ما، بدلاً من وضع أهداف تسعى إلى تجنب الفشل، فيمكن أن يؤدي الغضب إلى مزيد من المثابرة واندماج الموظفين.
ومن ثم، عليك أن تحرص على مراعاة جودة أهداف فريقك في تلك الأوقات التي يشعر فيها أعضاؤه بالإنهاك والتعب. هل تسهم هذه الأهداف في توسيع آفاق فريقك بطرق تجعل النجاح ممكناً، أو أنها أهداف غير منطقية لدرجة أنها قد تدفع أعضاء فريقك إلى الاستسلام مُجلَّلين بالعار؟ وهل تأتي توقعاتك مصحوبة بإمكانية قبول الفشل بصورة صحية، أو أنها ترفضه رفضاً قاطعاً لدرجة أن الموظفين يعملون بدافع الخوف بدلاً من الإلهام؟
ومن خلال التعاون مع أعضاء فريقك في وضع أهداف تصقل قدراتهم وتُعدهم للنجاح، فإنك تحوّل الإحباط من عاطفة سلبية إلى عاطفة إيجابية مثمرة.
احرص على تعميق جذور الثقة المتبادلة من خلال تحسين أسلوبك
فكّر فيما إذا كان أسلوبك القيادي به أي نقاط مبهمة قد تسهم في تأجيج سورة غضبهم. وقد لا يكون أسلوبك سبباً مباشراً في إصابة أعضاء فريقك بالإحباط، نظراً للكثير من المشكلات التي تثير غضب الموظفين هذه الأيام. ولكن الطريقة التي تعاملهم بها كجماعات وأفراد، بحكم منصبك كقائد لهم، يمكن أن تؤدي إمّا إلى تفاقم التوتر أو تحسين الثقة المتبادلة.
وقد اختار أحد عملائي الذين أتولى تدريبهم، ويشغل منصب النائب الأول لرئيس إحدى كبريات الشركات، الأسلوب الثاني، مستخدماً بكل تواضع غضب فريقه وتوتره كحافز لتطوير نفسه ليصير قائداً أفضل، ما قلّل بدوره من استيائهم.
وأجرينا مقابلات لتقييم أدائه بطريقة 360 درجة مع زملائه عبر مختلف مستويات الشركة، وكشفت هذه المقابلات عن بعض التصورات السلبية التي لم يكن على دراية بها. وقد علم أن الموظفين كانوا يعتبرونه غير مستعد للتحلي بالشفافية في أثناء الأزمات، ما أثار غضبهم عندما كانوا في أمسّ الحاجة إلى التوجيهات القيادية. واستاء زملاؤه أيضاً من اعتماده المبالغ فيه على الأشخاص "المُقرَّبين منه"، ما يتيح لهم فرصاً غير عادلة للحصول على الترقيات واكتفائه بدائرته الداخلية الصغيرة. ومن المثير للاهتمام أن الافتقار إلى الشفافية والاعتماد على الشخصيات المُقرَّبة يُعد واحداً من أكثر العوامل المدمرة للثقة المتبادلة في المؤسسات.
بدأ عميلي محاولة تغيير هذه الصورة السلبية المأخوذة عنه، من خلال تعامله مع زملائه بتواضع والتعبير عن امتنانه لإسهاماتهم. وأعلن أمامهم عن الجوانب التي يريد التحسُّن فيها، بل وسألهم عمّا إذا كان من الممكن أن يعتبرهم "مدربيه"، وطلب مشورتهم وتقديم نصحهم له والتعبير عن رأيهم في سلوكه بصفة مستمرة مرةً كل شهر. كان هذا الأسلوب المباشر والصريح هو الطريقة الوحيدة لتغيير الصورة السلبية المأخوذة عنه وتحويلها إلى أخرى إيجابية بطريقة مستدامة تقلّل من الشعور بالإحباط في المستقبل. أمّا مجرد التشدق بعبارات جوفاء وتقديم حلول لا معنى لها، مثل: "أنا أتحمل مسؤولية أخطائي، وسأبذل قصارى جهدي في المرة المقبلة" فلن يحل المشكلة.
فقد أدى التحيز التأكيدي إلى سعي الفرق العاملة تحت إشرافه إلى البحث المتواصل عن أدلة تدعم ما كانوا يؤمنون به بالفعل. لذلك عندما طوّر الموظفون تصورات سلبية في الماضي حول أسلوب قيادة عميلي، لاحظوا عيوبه بصورة أوضح بكثير من أي صفات إيجابية. ولكي يكون فاعلاً في المستقبل، كان بحاجة إلى تغيير هذا التحيز وقلبه لصالحه. كان عليه أن يشجع موظفيه على ملاحظة الأهداف النبيلة التي كان يحاول تحقيقها وتطوير الاستعداد لتفسير الشك لصالحه، بدلاً من التسرع في إبداء مشاعر الغضب عند أي خطأ. وقد أثمرت جهوده. فحينما تحمّل صراحةً مسؤولية حاجته إلى التطوّر، وأظهر سعيه الدؤوب للحصول على تعليقاتهم ونصائحهم، بدأ زملاؤه يؤمنون به وبرغبته الصادقة في التحسُّن. نتيجة لذلك، بحثوا عن المزيد من الأمثلة لدعم هذا التصوّر الإيجابي، وشعروا في النهاية بتراجع غضبهم.
قد يؤدي شيوع مشاعر الغضب والاستياء بين أفراد فريقك إلى ازدياد صعوبة مهمة القيادة، بكل ما فيها من صعوبات. لكن الطريقة التي تستجيب بها لمشاعر الإحباط لدى موظفيك أمرٌ بالغ الأهمية لضمان عدم تأثر فاعليتك القيادية بالمشاعر السلبية. وحينما تتبع هذه الاقتراحات، لن تتمكن من احتواء غضبهم فحسب، بل ستستطيع أيضاً الاستفادة منه لزيادة مستويات الثقة المتبادلة والدافعية من أجل رفع مستوى الأداء في المستقبل.