إليكم هذه القصة التي تتحدث عن موضوع اتجاهات الرعاية الصحية حول العالم. في أوائل مايو/أيار 2017، صوت الجمهوريون في "مجلس النواب الأميركي" لصالح إلغاء واستبدال قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة (Affordable Care Act) المعروف باسم "أوباما كير". بعد ذلك، بدأ الجمهوريون في مجلس "الشيوخ الأميركي العمل" على مشروع قانون يؤدي إلى النتيجة نفسها. يتضمن مشروع قانون "مجلس النواب" ثغرات، وبالتالي يترك الكثير من المسائل معلقة، وقد وعد "مجلس الشيوخ" بمعالجتها. وفي حين أن مصير القانون غير محسوم، هناك ثلاثة اتجاهات ثابتة في نظام الرعاية الصحية الأميركي لن تتغير. نتيجة لذلك، وبغض النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه القانون، ستظل هناك فرص هائلة للمستهلكين ومقدمي الخدمات الطبية ومن يشترون بوليصات تأمين صحية والمستثمرين لتقرير مواصفات نظام الرعاية الصحية وتحسينه.
اتجاهات الرعاية الصحية
الاتجاه الأول ديموغرافي:
الأميركيون يتقدمون في السن. في عام 1960، كان متوسط عمر الرجال والنساء في الولايات المتحدة 29,5 سنة، في حين يبلغ الآن 37,9، ويتوقع أن يتجاوز 40 سنة خلال 12 عاماً. تبلغ تكاليف الرعاية الصحية السنوية للفرد حوالي 4,500 دولار للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و44 عاماً، ويتضاعف المبلغ لمن هم بين سن 45 إلى 64، ثم يتضاعف مرة أخرى لمن يبلغون من العمر 65 عاماً وما فوق. ومع تقدم السكان في العمر، ستزداد الحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية بشكل طبيعي وكذلك سيزداد الضغط لإيجاد طرق فعالة لتقديم هذه الخدمات.
ثانياً، أصبحت التكنولوجيا عنصراً أساسياً منتشراً في مختلف أقسام نظام الرعاية الصحية مع تأثير كبير على التشخيص والعلاج والاتصالات:
في عام 2004، استخدم واحد من كل 5 أطباء ممارسين سجلاً صحياً إلكترونياً (EHR) في الولايات المتحدة الأميركية. واليوم، يستخدم نحو 9 من كل 10 أطباء السجل الصحي الإلكتروني على أساس منتظم. هناك كمية هائلة من المعلومات والبيانات المنظمة المتاحة الآن لتوجيه العلاج وتقييم النتائج وقياس جودة الرعاية. خارج نطاق السجلات الصحية الإلكترونية، أصبحت الأدوات الصحية الرقمية، مثل التطبيقات والأجهزة القابلة لزرعها في الجسم أو ارتدائها، وغيرها من الأجهزة والبرامج التي تقيس وترصد البيانات الصحية الحيوية، شائعة وجزءاً من حياة المستهلكين. من عام 2015 إلى عام 2016، وظف المستثمرون أكثر من 8 مليارات دولار في هذه الأدوات. ويوجد الآن أكثر من 3 آلاف تطبيق للمساعدة في إدارة مرض السكري وحده. من الواضح أن معظم هذه الأدوات لن تعمر طويلاً. لكن التكنولوجيا أصبحت راسخة في الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وكما هي الحال في أي مكان آخر، سيختار المستهلكون العديد من التكنولوجيات الناجحة والمؤسسات والشركات التي تقف وراءها.
اقرأ أيضاً: كيف نقلل أعباء عمل أطباء الرعاية الأولية مع تحسين نظام الرعاية الصحية؟
ثالثاً، بصرف النظر عن التعديلات التي ستُدخل على نظام "أوباما كير"، ستستمر مختبرات الأبحاث في تسجيل المزيد من الاكتشافات في علوم الحياة التي تعزز الجودة وتطيل العمر:
ويعود السبب في ذلك إلى اتجاهين رئيسيين هما: توفر البيانات الصحية الشخصية، وانخفاض تكلفة دمج مجموعات البيانات الصحية الضخمة في الحوسبة السحابية. بناء على هذين الاعتبارين الأساسيين، سنبدأ في رؤية الطب الشخصي يتجسد أمامنا.
تزدحم خطوط الإنتاج اليوم بالأدوية الجديدة، وتنتظر السوق طرح الأجهزة والأدوات الجديدة في مجال الصحة الرقمية الناشئ بسرعة أكبر. وتفيد شركة "كوينتايلز آي إم إس" (QuintilesIMS) أن هناك أكثر من ألفي دواء في المراحل الأخيرة من عملية الحصول على ترخيص، وسوف تنتج 45 مادة دوائية فعالة جديدة سنوياً على مدار السنوات الخمس القادمة. هذا الطوفان من الأدوية سيجعل عملية اتخاذ القرار أكثر تعقيداً للأطباء الذين يجب عليهم فهم فعاليتها ومخاطرها، وبالنسبة لمشتري الخدمات الصحية الذين يجب عليهم اختيار بروتوكولات العلاج الأكثر مواءمة لهم اعتماداً على أفضل تسعير. وقد تشكل في الواقع وفرة العلاجات الجديدة تحدياً خطيراً للاستراتيجية الحالية المتبعة من قبل الجهات التي تغطي تكاليف الرعاية الصحية للتفاوض على أسعار مواتية مع شركات إنتاج الأدوية والأجهزة.
ستؤدي هذه الاتجاهات الثلاثة مجتمعة إلى تغييرات جذرية في الرعاية الصحية بغض النظر عن السياسات الحكومية. نرى عدة مجالات سيستفيد منها على الأرجح المرضى ومقدمو الرعاية، فضلاً عن رواد الأعمال والمستثمرين.
أولاً، ستكافأ الشركات التي تساعد المرضى على فهم نظام الرعاية الصحية والوصول إليه واستخدامه. كانت مشاركة المريض هي الشعار الذي رفعه أولئك الساعون إلى إصلاح نظام الرعاية الصحية، حيث يسود اعتقاد على نطاق واسع بأن المرضى الذين يشاركون في اختيار الرعاية الصحية الخاصة بهم يحققون نتائج صحية أفضل. تلعب التكنولوجيا دوراً مهماً في تعزيز المشاركة، جزئياً عن طريق مواءمة المعلومات الطبية لكل مريض والمنصات الرقمية، سواء كانت مواقع إلكترونية أو تطبيقات أو سجلات صحية إلكترونية، حيث تساعد المرضى على فهم حالاتهم الطبية وخياراتهم العلاجية والوقائية التي ستزداد أهمية.
يركز المستثمرون بشدة على هذا المجال، حيث تتنافس العديد من الشركات الحديثة الناشئة على شريحة من السوق. في عام 2011، حصلت 81 شركة ناشئة في مجال الصحة الرقمية على تمويل لمشاريعها. ومع الزيادات السنوية الثابتة، حصلت 296 شركة ناشئة على تمويل في عام 2016. ويراهن قطاع رأس المال المجازف كثيراً على الصحة الرقمية، مع استثمار 4 إلى 5 مليارات دولار سنوياً في المجال. لكن نماذج الأعمال التقليدية التي تركز وتخدم تسديد أموال طرف ثالث تجد صعوبة في كيفية تأمين مردود مالي من الأدوات الصحية الرقمية. نعتقد أن نماذج ستظهر لالتقاط القيمة من طلب المستهلكين المتزايد للحصول على دعم رقمي فعال لتعزيز الرعاية الصحية. وسوف تنجح في السوق الحلول التي تعزز مشاركة المريض وتحسن حالته الصحية.
اقرأ أيضاً: كيف تتعاون مع مبتكرين من خارج مجال الرعاية الصحية؟
ثانياً، نتوقع أن تنمو الأعمال التجارية بطريقة تسهل على المستهلكين الحصول على الرعاية الصحية بأسعار معقولة في المكان الذي يرغبون بالعيش فيه وفي بيئة يمكنهم تحمل كلفتها. في الولايات المتحدة، المحركان الرئيسان لهذا الاتجاه هما شيخوخة السكان والحاجة إلى ضبط التكاليف. ويزداد دور الطب عن بعد كخدمة مساعدة مواكبة لهذه الاتجاهات. وتمكن التكنولوجيا اليوم الأطباء من توسيع نطاق خدماتهم ورؤية عدد أكبر من المرضى في وقت أقل وتتضمن التحليلات التي يمكن أن تساعد في تركيز وقت الأطباء على الحالات التي يمكن أن يكون لهم فيها أكبر تأثير. يحبذ المرضى التطبيب عن بعد لأنه يسمح لهم بالتفاعل مع الأطباء بشكل متكرر أكثر مما يحدث خلال الزيارات الشخصية، وهي خدمة مساعدة على نحو خاص للمرضى الأكبر سناً الذين يعانون من حالات مزمنة ويستفيدون من تكرار التواصل وتنسيق الرعاية اللذين توفرهما خدمة التطبيب عن بعد.
ويتوقع أن ينمو سوق الخدمات المصممة خصيصاً للمسنين التي تساعدهم على البقاء في مكان عيشهم ويتسع في العديد من الاتجاهات. تقدم مؤسسة "ستانلي للرعاية الصحية" (Stanley Healthcare)، وهي فرع من مؤسسة "ستانلي بلاك آند ديكر" (Stanley Black & Decker Corporation)، التي تبيع منتجاتها لأكثر من 17 ألف مستشفى ودار لكبار السن، مثالاً جيداً على ذلك. يساعد أحد منتجاتها على تقليل حوادث السقوط، ويساعد منتج آخر يُسمى "واندر غارد" (Wander Guard)، كبار السن في المراحل المبكرة من الخرف على العيش بشكل شبه مستقل. نمت حصة "ستانلي" وغيرها من الشركات المماثلة في السوق بسرعة من خلال تلبية احتياجات هذه الفئة من السكان وتلبية تطلع المرضى ومقدمي الرعاية الصحية لاعتماد التقنيات المساعدة.
مجال النمو الثالث، هو السجل الصحي الإلكتروني والتطبيقات الصحية الرقمية، وبينما نشهد باستمرار ظهور عروض جديدة للسجل الصحي الإلكتروني، أدى تمحور السوق حول عدد قليل من اللاعبين الكبار إلى إعاقة الابتكار وقابلية التوافق التشغيلي لهذه البرامج. ولكن من المحتمل أن تضعف طبيعة حقوق الملكية الفكرية والمعايير الخاصة بالسجل الصحي الإلكتروني، إذ سيؤدي ضغط القطاع التجاري إلى فتح مستودعات البيانات وسيجعل الوصول إلى البيانات الشخصية أكثر سهولة. وتستحق مبادرتان اهتماماً خاصاً، إذ ستعجل كلاهما تحرير البيانات وتعاقب الشركات الممانعة وتكافئ الباعة الذين يدخلون السوق مبكراً وهما: منصة واجهة برمجة التطبيقات البشرية "هيومن أي بي آي" (Human API)، ومواصفات التوافق التشغيلي السريع لموارد الرعاية الصحية (FHIR). على الرغم من اختلافهما عن بعضهما، فهما محاولتان مهمتان لاسترجاع وتجميع ووضع بيانات المرضى الطبية ورفاههم في سياقاتها الصحية. مع وجود شركة رأس المال الاستثماري "آندرسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) وإريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة "ألفابت" (Alphabet) بين مستثمريها، حددت "هيومن أي بي آي" لنفسها هدفاً جريئاً يتمثل في إنشاء مستودع رقمي يتحكم به المستهلك، حيث تُشارك البيانات الصحية بشكل آمن فقط مع تلك الأطراف التي يختارها المستهلك. أما التوافق التشغيلي السريع لموارد الرعاية الصحية (FHIR)، فهو معيار وضعته مؤسسة "هيلث ليفل سفن" (Health Level Seven)، غير الربحية لتيسير التوافق التشغيلي بين الأنظمة الصحية. فبدلاً من تمرير المستندات الصحية بأكملها بين مقدمي الرعاية الصحية، تسمح المبادرة بنقل البيانات السريرية والإدارية بين تطبيقات البرامج المستخدمة من قبل مختلف مقدمي الرعاية الصحية فتتيح لهم الوصول إلى البيانات المحددة المطلوبة من السجلات الطبية المخزنة في مختلف الأنظمة.
اقرأ أيضاً: تطوير الأفكار الإبداعية لتحسين الرعاية الصحية من بيانات الحياة اليومية للأفراد
نحن مقتنعون بأن اتجاهات الرعاية الصحية هذه ستؤدي في نهاية المطاف إلى تبني الحلول الصحية الرقمية التي ثبت نجاحها، وعلى نطاق واسع. عندما تثبت التجارب السريرية فعاليتها وتسمح الحلول بتحسين إدارة التكاليف، سنبدأ في رؤية نماذج متعددة تظهر: سداد التأمين، وإعانات صاحب العمل، ومشتريات المستهلكين. مع زيادة تبني هذه الحلول، ستبدأ الشركات التي تقدم اليوم العلاجات، ولا سيما شركات تصنيع الأدوية والمستلزمات الطبية، في إضافة حلول الصحة الرقمية إلى محافظها المالية.
لا يتوقع أن يؤثر عدم اليقين المحيط بقانون الرعاية الصحية مادياً على نجاح الحلول المختلفة حول موضوع اتجاهات الرعاية الصحية حول العالم. في الواقع، في ظل المأزق الذي تشهده الحكومة حالياً، فإن التطور السريع والطلب المتزايد على تقنيات الرعاية الصحية الجديدة قد يساعد صانعي السياسة على رسم المسار نحو المستقبل.
اقرأ أيضاً: إشراك الرئيس التنفيذي يحسن من مستوى الرعاية الصحية في شركتك