يعد "تسريع عملية النمو" إحدى المهام الرئيسية في جدول أعمال كل رئيس تنفيذي. فيتعهد قادة الأعمال كل سنة بتنفيذ الهدف المتعلق بنمو العائدات الكلية للمؤسسة. لكن الواقع أن تحقيق النمو ضمن عالم الأعمال هو أمر متفاوت وغير ثابت، إذ تنمو بعض القطاعات أسرع من غيرها، بحيث يأمل المرء أن يعوض النمو في هذا الجانب التراجعَ الذي حدث في الجانب الآخر. يقول ديف كالهون، النائب السابق لرئيس شركة "جنرال إلكتريك" (General Electrice)، ويشغل حالياً منصب المدير الإداري في "بلاك ستون غروب" (Blackstone): "إنه من الأفضل للشركات التمسك بمضاعفة الأرباح في القطاعات التي تحقق نمواً بدلاً من العمل على إصلاح الخسارة في القطاعات الأخرى. لكن يبدو أنه من الصعب اتباع هذا الرأي عند تخصيص الموارد من الأعلى في الكثير من الشركات التي تعمل بعقلية تطبيق معيار واحد على كل الأقسام".
ولهذا السبب، ربما يميل الكثيرون إلى وضع تقديرات قليلة لمكافأة القادة في المناصب الوسطى، حتى عندما يرون فيها فرصة عظيمة. إذ نعرف، شخصياً، ثلاثة من القادة التنفيذيين أصحاب الفضل الأساسي في إطلاق مشاريع ابتكارية تزيد قيمتها على 100 مليون دولار، وعلى الرغم من القيمة المتنامية العظيمة التي حققها هؤلاء القادة لشركاتهم، فقد أخفقت خطط التعويض التي وضعوها لمكافأتهم كما ينبغي لقاء النجاح العظيم الذي حققوه. صحيح أنهم تلقوا علاوات وتقديراً عاماً، لكن كان عليهم في المقابل الصراع مع أقسام الموارد البشرية ليضمنوا بأن فرق العمل لديهم تلقت جزءاً بسيطاً من القيمة التي صنعوها. لماذا؟ مرة أخرى يعود الأمر إلى المقاييس ومؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)، التي لم تتمكن من الإلمام بالتفاصيل الدقيقة والأسرار الكامنة وراء آلية تحقيق النمو في الأعمال التجارية. وللأسف، غادر هؤلاء المدراء شركاتهم الكبرى، وانتقلوا للعمل في شركات أصغر حجماً وأكثر تبني للمفهوم الريادي.
إذاً، يتجلى هنا سؤال مهم: كيف يمكننا إصلاح المشاكل المتعلقة بكل من القياس وتحديد المصادر ومكافأة الأشخاص الذين يدفعون بعجلة النمو؟ وهنا تبرز فكرتان لتحقيق ذلك: الأولى تذهب إلى ضرورة أن تتطلع الشركات إلى ما وراء مقدار الحصة السوقية وتركز بدلاً من ذلك على حصة النمو باعتبارها المقياس الرئيسي لدفع العمل قدماً، بينما تشير الفكرة الثانية إلى أهمية إيجاد الشركات طريقة ملائمة لمضاعفة المكافأة للقادة الذين يرفعون حصة النمو.
إذا أضافت الشركة عامل حصة النمو إلى مؤشرات الأداء الرئيسية، فإنها بذلك تحل ثلاثة من عيوب قيمة الحصة السوقية.
تعريف الحصة السوقية يبدو قديماً. إذ يندر تحديث تعريف الحصة السوقية، والحقيقة أن وضع الكثير من الأسواق يبدو ضبابياً بسبب "الابتكار المزعزِع". وأصبح مبدأ التنافس الآن هو تنافس فئة مقابل فئة بدلاً من تنافس علامة تجارية مقابل علامة أخرى.
النظرة إلى الحصة السوقية في تراجع بطبيعة الحال. هذا السبب تحديداً يجعل التطلع إلى حصة النمو أمراً أكثر قيمة وأهمية. لنأخذ، على سبيل المثال، حالة سوق منتج أكواب القهوة ذات الاستخدام لمرة واحدة، التي تصنعها شركة "كيوريج" (Keurig). فإذا نظرتَ إلى قيمة حصة النمو لهذا المنتج، فيمكنك أن تتنبأ بها لثماني سنوات قادمة على المستوى المحلي. إذاً، تخبرك قيمة حصة النمو إلى أين سيذهب السوق، وليس ما كان وضعه عليه سابقاً.
تثير حصة النمو عواطف حماسية أكثر من تلك التي تحدثها الحصة السوقية. تميل الحصة السوقية إلى خلق نظرة عالمية ثابتة، حيث يقع أصحاب القيمة السوقية العالية تحت خطر الثقة المفرطة، في حين يعاني أصحاب القيمة السوقية المتدنية من خطر الإحباط القاتل الذي يكبح قدرتهم على اتخاذ القرار. ولكن في المقابل، يخلق النظر إلى قيمة حصة النمو فضولاً يحثّ القادة على التساؤل: "لماذا ينمو هذا القطاع بهذه السرعة، وماذا يمكنني فعله حيال ذلك؟".
ومن الأمور المهمة أيضاً لإضافة الشركات مقاييس لحصة النمو، أن الأخيرة تتحكم في تخصيص المصادر والمكافآت بدرجة تفوق أضعاف ما هو عليه الحال في البرامج النموذجية. وبنفس الطريقة التي يمكن فيها لنجم رياضي جني أموال أكثر من تلك التي يحصل عليها مدربه أو المدير العام للنادي، يجب أن يكون لدى المدراء ونواب الرؤساء القدرة على كسب مكافآت بالملايين (وحتى كسب أموال أكثر من الرؤساء التنفيذيين) إذا تمكنوا من تحقيق قيمة مرتفعة لحصة النمو.
لن يكلف هذا المؤسسة كثيراً. إذ درس اثنان من زملائي حالة أكثر من 27 ألف علامة تجارية، باستخدام بيانات شركة "نيلسن" (Neilsen) الأميركية، المتخصصة في جمع البيانات والمعلومات ومؤشرات القياس. وتبين أن نسبة 3% فقط من العلامات التجارية تزيد فيها قيمة حصة النمو على الحصة السوقية. وينبغي على الشركات أن تحتفظ بقيمة 5% - 10% من ميزانياتها ومن صندوق الحوافز للإنفاق على العلامة التجارية ومكافأة القادة الذين يعملون على زيادة حصة النمو.
ولننظر الآن معاً في بعض الأمثلة. إذ بدأت إحدى مؤسسات النشر الكبرى إنشاء مجلة أسبوعية جديدة تهتم بمتابعة أخبار المشاهير. ووضعت المجلة برنامج "خيار الأسهم الوهمية"، الذي يسمح بمشاركة الموظفين فيها بنسبة 10% من الأرباح المحققة في حال نجحت هذه العلامة التجارية. الآن، تعتبر هذه المجلة الجديدة هي المجلة الأسبوعية الأولى الناجحة منذ عشر سنوات، علاوة على أنها قد حققت أسرع معدل اشتراكات في التاريخ. وبعد سنوات، صرح الناشر أن المجلة تدين بالكثير من نجاحها إلى خطة الحوافز التي مكنتها من استقطاب أفضل المواهب الموجودة في هذا القطاع ليعملون في مشروع جديد محفوف بالمخاطر.
ولنأخذ مثالاً آخر من شركة منتجات ورقية ذات حصة سوقية مسيطرة. قررت الشركة أن التركيز على الحصة السوقية فقط لمنتجات من فئات عالية النمو مثل حفاضات البالغين، لن يكون كافياً لنجاح الشركة. لذلك سعت الشركة إلى قياس حصة النمو بالتوازي مع قياس الحصة السوقية. وهكذا، تمكنت من زيادة حاجتها ورغبتها الملحة لتحقيق موقع رائد في السوق بأقصى سرعة ممكنة. وكانت النتيجة أن الشركة لم تنجح فقط، بل استطاعت أن تنمي فئة المنتج. إذ من المتوقع أن تنمو فئة منتج حفاضات البالغين بمقدار 48% بحلول العام 2020، أو أن تحقق تقريباً مليار دولار، وذلك وفق دراسة أجرتها شركة استشارات "يورومونيتور" (Euromonitor).
وتشير البيانات إلى أن العلامات التجارية التي تبلغ فيها حصة النمو قيمة أعلى من حصتها السوقية تنتمي إلى علامات من مختلف الأنواع والأحجام، وتقع ضمن منطقة المنتجات ذات المبيعات البالغة 100 مليون – مليار دولار. ما مقدار النمو الذي يمكن تحقيقه إذا أضيف المزيد من الفحم إلى المرجل؟
في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن أحد الجوانب السلبية لإضافة حصة النمو أن الأخيرة ليست مقياساً مباشراً. يتطلب الأمر دراسة متأنية، خاصة إن كنت ستعتمد عليها لتقييم الرؤساء التنفيذيين لديك ومكافأتهم بناءً على قيمتها. ومع ذلك، قد تكون إضافة بعض التعقيد والفوضى إلى أحد مؤشرات الأداء الرئيسية القوية مثل الحصة السوقية هو تماماً ما يحتاجه التنفيذيون للعمل بجدية أكبر لتحقيق النمو.