هل ستتمكن وول ستريت من كسب ثقة المستثمرين الأصغر سناً؟

4 دقائق

لقد حولت شركتا "أوبر" و"نتفليكس" سلوك المستهلك تحولاً أساسياً وزعزعت الشركات القائمة. في بحثنا، بدأنا نرى علامات تدل على أن وول ستريت تتعرض للتهديد من قبل قوى مماثلة.

نشأ نجاح "أوبر" و"نتفليكس" من خلال استراتيجيتين غاية في الأهمية. أولاً، استحدثت كل شركة من الشركتين توليفة تجمع بين ابتكار منتج متميز وابتكار نموذج أعمال متميز -أي استحداث فئة عمل جديدة. ثانياً، لجأت "أوبر" و"نتفليكس" إلى المستهلكين الفائقين الأصغر سناً قبل دخولهما هذه الفئة، متغلبين بذلك على قادة السوق في هذا المضمار.

في الخدمات المالية، هناك دلائل على أن المنتجات التقليدية مثل الصناديق المالية المشتركة بدأت في التلاشي. وفقدت الصناديق ذات الرسوم الكبيرة التي تدار بفعالية 500 مليار دولار من أصولها منذ عام 2015، مع تدفق جزء كبير منها إلى الصناديق السلبية ذات التكلفة الأقل كثيراً (مثل صناديق المؤشرات المتداولة). لكن إجمالي التدفقات الصافية من الأموال إلى جميع الصناديق المشتركة والصناديق المتداولة في البورصة وصل إلى أدنى مستوياته منذ عام 2014.

في هذه الأثناء، ظهرت أسواق جديدة للاستثمار وحسابات التقاعد الفردية (IRA) التي توفر قنوات استثمارية بديلة عن الأسهم والسندات والصناديق المشتركة التقليدية، وتمتلك سيولة مالية مماثلة ولكنها تتمتع بمزيد من الشفافية، وكانت في السابق متاحة فقط للأثرياء جداً.

شركة ومنصة "ييلد شيلد" (YieldStreet) هي أحد أمثلة الجيل التالي من القنوات الاستثمارية المتاحة حالياً التي تقدم مجموعة متنوعة من الاستثمارات في الديون، بما في ذلك العقارات والتمويل البحري وتمويل القضايا والدعاوى القضائية، وحققت معدل عائد داخلي يتجاوز 12.5% على مبلغ نصف مليار دولار تم استثماره على المنصة حتى الآن. وبالمثل، اقتصر الوصول إلى عالم الاستثمار في الشركات الناشئة على "الأندية الحصرية" مثل صناديق رأس المال المغامر (أو صناديق رأس المال الجريء) وشبكات المستثمرين أصحاب الثروات الكبيرة. في الوقت الحالي، تمكّن منصات مثل "إنجيل ليست" (AngelList) و"وي فندر"(WeFunder) و"ريببليك" (Republic) مستثمري التجزئة العاديين من المشاركة في هذه المرحلة من نمو الشركة. ووفقاً لمسح استقصائي أجريناه مع شركة البحوث "ريسيرش ناو إس إس آي" (Research Now SSI) حول الاستثمار والتقاعد في عينة من 2,000 أسرة كنسبة تمثيلية على المستوى الوطني، فإن 15% من إجمالي هذه الأسر مهتمة للغاية بهذا الأمر. فمن خلال هذه المنصات، يستطيع المستثمرون فحص الشركات الناشئة حسب الصناعة، ومراجعة خطط الأعمال، وطرح أسئلة على المؤسسين مباشرة.

ولعل أكبر علامة على الزعزعة المستقبلية لشركات وول ستريت التقليدية القائمة هو مدى حداثة وصغر سن هؤلاء المستهلكين الفائقين من أصحاب الاستثمارات البديلة. تُظهر بياناتنا أن المستهلك الذي يكون "مهتماً للغاية" بالاستثمارات البديلة يكون صغير السن جداً، ومن أصحاب الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط عمر هؤلاء تقريباً 35 عاماً، ويتجاوز متوسط الدخل السنوي للواحد منهم 130 ألف دولار. في المقابل، فإن المستهلكين الأقل اهتماماً بالاستثمارات البديلة أعمارهم في منتصف الخمسينيات، وأما دخولهم فهي متوسطة. من الواضح أن أموالاً كثيرة يمكن أن تذهب إلى الاستثمارات، فوفقاً لدراسة استقصائية أجريت على 3 آلاف أميركي تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عاماً، كان إنفاق واحد من كل ثلاثة على القهوة أكثر من استثماراتهم جميعاً في عام واحد. وليس هذا مفاجئاً، حيث يجد 67% الاستثمار مخيفاً ومربكاً، بينما يعتقد 52% أن "سوق الاستثمار مصمم لأشخاص غيره".

تذكّر أن الكثيرين من المستثمرين الشباب نشؤوا في ركود عام 2008 وربما لم يثقوا في سوق الأسهم مطلقاً. إن زيادة عدد المستثمرين (خاصة الأصغر سناً منهم) عن طريق جذب المزيد منهم أمر أساسي للغاية. والسؤال هو كيف نفعل ذلك؟

ويكشف المزعزعون الطريق من خلال جلب استثمارات أيسر فهماً وأكثر توجهاً نحو الغرض المطلوب، وتكون مدفوعة بالشغف، وكلاهما جذاب للغاية لمستثمري الألفية الثالثة. يمكنك الآن الاستثمار في العقارات عن طريق "الشراء والترميم ثم البيع السريع" (ويطلق عليه بالإنجليزية fix and flip) عبر شركات مثل "غراوندفلور" (Groundfloor) و"ليندينغ هوم" (Lending Home) و"بيرستريت" (PeerStreet). فهي تتيح للمستثمرين إقراض المال إلى تلك الشركات التي تقوم بالشراء والترميم ثم البيع السريع "fix and flippers" بحيث يقوم الشخص بشراء أحد المنازل، ثم ترميمه وبيعه بسعر أعلى. شركة وبوابة "وي فندر"، وهي شركة مبادلات تجارية ناشئة، تركز على العثور على استثمارات تكون مدفوعة بأغراض كبيرة وسامية وتتسم بالشغف الكبير، وقد وجدت أن العديد من مستثمريها هم أنفسهم مستهلكون فائقون لدى الشركات التي كانوا يستثمرون فيها. وقد وجدت "وي فندر" أن مستثمريها الفائقين كانوا متحمسين للاستثمار، حيث كانت لهم مصلحة واضحة في ضمان استمرارية الشركة على المدى الطويل، تماماً مثلما تفعل شركة "كيك ستارتر" الأميركية (Kickstarter) مع ابتكار المنتجات ولكن مع ميزة إضافية تتمثل في احتمالية نمو الاستثمار.

ما مقدار الزعزعة التي يمكن أن تواجهها وول ستريت؟ يعتمد ذلك على مدى استعداد واستباقية هؤلاء. يمثل المستهلك الفائق الاستثماري البديل حوالي 20 إلى 25 مليون عائلة ممن لديهم حوالي 25 تريليون دولار في هيئة أصول قابلة للاستثمار، وأصول تقاعدية تقدر بنحو 8 تريليونات دولار. إن هؤلاء المستهلكين على أتم الاستعداد لتحويل 20 إلى 25% من أصولهم التقاعدية  - أي ما يقرب من 2 تريليون دولار - إلى حساب للتقاعد الفردي (IRA) المتخصص في الاستثمار إلى أصول بديلة. يقول إيريك ساتز، الرئيس التنفيذي لشركة "آلتو آي آر أيه" (AltoIRA): "إن دولارات التقاعد هي الوقود اللازم لإضفاء طابع الديمقراطية على الاستثمارات البديلة".

ربما يمثل هؤلاء الشباب المستهلكين الفائقين الفكر الثاقب الأكثر أهمية. ولم تكن لشركات وول ستريت القائمة علاقة مع هؤلاء المستهلكين الفائقين الأصغر سناً، ولذلك كان من الصعوبة بمكان بالنسبة لهذه الشركات توقع الزعزعة.

المستهلكون الذين لا يدخلون هذه الفئة من العمل عند النقطة المعتادة يكونون مخيفين بشكل خاص بالنسبة للشركات التقليدية. فمن خلال عدم الدخول عند العمر المتوقع، ربما لا يدخلون في تلك الفئة على الإطلاق وقد لا يظهرون للأجيال اللاحقة أي طرق مختلفة يسيرون فيها.

كانت شبكة "إي إس بي إن" (ESPN) تقوم بأعمالها كالمعتاد حتى بلغت الذروة عندما وصل عدد المشتركين فيها إلى 100 مليون مشترك في عام 2011؛ ولكن انخفض عدد المشتركين حالياً إلى 87 مليون مشترك، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أولئك الذين يستبدلون بالتلفاز الإنترنت ممن لم يشتركوا في القنوات المدفوعة مطلقاً. لقد كانت صراعات سيارات الأجرة في مدينة نيويورك أكثر إثارة - فقد وصلت تراخيص سيارات الأجرة بها حالياً إلى حوالي 200 ألف دولار لكل ترخيص، حيث انخفضت قيمة الترخيص إلى 1.3 مليون دولار قبل 5 سنوات فقط، لأن الشباب راحوا يستخدمون شركة "أوبر" بدلاً من سيارات الأجرة، ما ألحق اضراراً بعائدات سيارات الأجرة.

يأتي متوسط عمر عميل شركة إدارة الثروات التقليدية منتصف الخمسينيات. ويشبه هذا إلى حد كبير التهديد الذي يمثله الذين يستبدلون بالتلفاز الإنترنت من أجيال الألفية الثالثة بالنسبة لشركات التلفزيون الكبلية (القنوات المدفوعة الثمن)، فمن غير المرجح أن ترى المؤسسات المالية التقليدية هذا الأمر وسوف تواجه تحديات زعزعة مماثلة ما لم تبادر إلى اتخاذ إجراءات الآن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي