اقتصاد تطلعات العملاء الحديثة: السر الكامن وراء تعزيز الولاء للعلامة التجارية

5 دقائق
تعزيز ولاء العملاء للعلامة التجارية
shutterstock.com/ tanyabosyk

ملخص: تقوم برامج تعزيز ولاء العملاء للعلامة التجارية في الأساس على رشوة العميل لشراء المزيد من منتجات شركتك، ولكنها تكاد تكون معدومة الأثر. إذ إننا نعيش عصر ما يُعرف بـ "اقتصاد تطلعات العملاء الحديثة" (Modern Aspiration Economy)، ولن يتقارب العميل بصورة حقيقية مع العلامة التجارية إلا إذا منحته شعوراً بالانتماء لمنظومة متكاملة. وتعتبر استراتيجيات العضوية وسيلة فاعلة لتحقيق هذا الهدف. وإن أردت النجاح في تنفيذ هذه الاستراتيجية، فاحرص على التركيز على المجموعات الصغيرة المتفردة من المستهلكين المتحمسين، وانسج الأساطير حول أندية العملاء التي تنشئها لكي تحمل الأشخاص على الاقتناع بقصة علامتك التجارية، وشجّعهم على الالتقاء بعضهم ببعض، إما افتراضياً أو بصورة شخصية، وحافظ على التفاعل معهم من خلال توفير نقاط تواصل روتينية تجعل الأعضاء على اتصال دائم بعلامتك التجارية.

تكتنف معظم برامج ولاء العملاء الحالية مفارقة عجيبة، وهي أنها لا علاقة لها بالولاء من قريب أو بعيد. ويمكن القول إنها أقرب إلى معاملة اقتصادية منها إلى إنشاء تقارب حقيقي مع العلامة التجارية، مثلما يحدث في بعض الشركات التي تسمح لك بربح نقاط مقابل متابعة حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي أو تقييم منتجاتها على موقعها الإلكتروني. عادة ما تجذب هذه الرشاوى الجمهور الأقل ولاء والأقل قيمة، فالأشخاص يهتمون في الغالب بالمكافآت غير المستثمرة في العلامة التجارية.

ولاء العملاء الحقيقي

أما الولاء الحقيقي فمسألة عاطفية وغير مادية تؤدي إلى شعور العميل بأنه عضو في مجموعة حصرية، وهو ما يؤدي به إلى أن يصبح عضواً مخلصاً أو جزءاً من شبكة المستهلكين. والإنسان بطبعه يحب أن يكون جزءاً من ناد يجمعه مع الآخرين، ويتضايق حينما يشعر بأنه مستبعد منه. ولك أن تنظر مثلاً إلى عشاق الأحذية الرياضية الذين يصطفون في طوابير طويلة طوال الليل لتسجيل أسمائهم ضمن قائمة الراغبين في اقتناء النسخة الجديدة من حذائهم المفضل. وهم لا يفعلون ذلك بدافع الاتجار وكسب المال، بل حباً في مباهاة أندادهم باقتنائه. وانظر أيضاً إلى كل هؤلاء الذين يشق عليهم إلغاء عضويات أندية اللياقة البدنية المبالغ في أسعارها، على الرغم من عدم استغلالها من جانبهم، وأود أن أسجل هنا شهادتي الشخصية بصعوبة ترك هذه المجتمعات.

وهكذا، تمثل العضوية تحولاً من شراء السلع على أمل أن تنال إعجاب الآخرين وإعجابك أنت شخصياً (الاستهلاك الترفي) إلى الاستثمار في الذات، بمعنى الوصول إلى أحدث المنتجات والشعور بالانتماء وتذوق المبتكرات واكتساب الخبرات والإحساس بالخصوصية والحصول على المعرفة وتحقيق الذات. فالمستهلكون هم المعجبون والمؤثرون وأصحاب الهوايات ودعاة حماية البيئة وهواة الجمع في اقتصاد تطلعات العملاء الحديثة. ويتمحور حولهم التصميم الهيكلي لأفضل استراتيجيات العضوية التي تقوم على رأس المال الاجتماعي والثقافي.

قد تتمثل ذروة تجارب أندية المستهلكين في تلقي دعوة لزيارة قصر "شاتو دي ساران" (Château de Saran) الذي يعتبر حجر الزاوية في إمبراطورية مويت شاندون. وهو ما أوضحه ستيفان باشيرا، رئيس المجموعة المالكة للقصر ورئيسها التنفيذي، قائلاً: "لا يكفي أن تدفع المال لكي تجيء إلى القصر وتقيم فيه، بل يجب أن تتلقى دعوة بالحضور أولاً". وبالمثل، يتم اختيار أعضاء نادي "برادا" (Prada) الخاص بصورة انتقائية من قبل العلامة التجارية.

ويمكن تنفيذ هذه المبادرات خارج قطاع الترفيه أيضاً، إذ يمكن لأي علامة تجارية أن تنشئ مجموعة منتقاة من الأشخاص المتحمسين لما تمثله هذه العلامة التجارية ولما تسعى إلى تحقيقه في العالم من حولها. قد ينصب تركيزك على هوايات مثل صنع القهوة أو الجري أو طقوس العناية بالنفس، أو على قضايا محددة، مثل التكافؤ بين الجنسين والاستدامة، أو على مجرد نواحٍ جمالية معينة. ويمارس العملاء بعض هذا العمل فعلياً، وهو ما يمكنك ملاحظته على موقعي إنستغرام وفيسبوك اللذين يحفلان بمجموعات التبادل التجاري من خلال عمليات البيع والشراء التي تركز على تسميات محددة للأزياء، مثل "غيرل فريند كولكتيف" (Girlfriend Collective) أو "إيس آند جيغ" (Ace and Jig)، بينما يقوم الكثير من أصحاب قنوات اليوتيوب (اليوتيوبرز) بالتواصل مع مشاهديهم حول كل شيء، بداية من الساعات مروراً بأدوات النظافة والتجميل وانتهاء بالألعاب الإلكترونية.

ولا يكمن مفتاح السر بالضرورة في تحقيق مكانة مرموقة في المجتمع ولا امتلاك ترخيص حصري للأشياء، بل يكمن في تحقيق هوية معينة والشعور بالانتماء. فالإنسان يحب الشعور المتولد عن حميمية الاستهلاك والتفاعل مع مجتمع يفكر أفراده بطريقة تشبه أسلوبه في التفكير. وعندما تعمل الشركات على تشكيل هذا "النادي"، بحيث توفر إمكانية اقتناء أحدث منتجاتها فور طرحها في الأسواق والمشاركة في فعالياتها المقامة بهذه المناسبة، أو تتيح المزيد من الخدمة العملية أو حتى أصغر الامتيازات الإضافية، فسوف تتحسن تجربة العميل.

السمات المميزة لاستراتيجيات العضوية الناجحة

ونتناول فيما يلي بعض السمات المميزة لاستراتيجيات العضوية الناجحة التي يجب مراعاتها:

صِغَر الحجم

غالباً ما تركز العلامات التجارية على قطاعات فرعية معينة من العملاء وتكثّف التواصل معها، وذلك لتلافي الآثار العكسية المترتبة على وجود الشبكات والحفاظ على ارتفاع نسبة الإشارة إلى الضجيج. ويحقق هذا الأسلوب نتائج باهرة مع العلامات التجارية التي تبيع منتجات يسهل تحويلها إلى سلع تباع وتشترى. فعلى سبيل المثال، تحافظ شركة "يونيكلو" (Uniqlo) المتخصصة في صناعة الأزياء على تجدّدها الدائم ولفت أنظار العملاء المهتمين بأحدث صيحات الموضة من خلال التعاون مع مجموعة من مصممي الأزياء والملابس الشبابية والفنانين ومصممي الأثاث والمطاعم. وأعلنت "إيكيا" مؤخراً عن إنشائها خطاً لصناعة الأثاث خصيصاً لأعضاء مجتمعها من هواة الألعاب الإلكترونية. كما يعدّ نادي "أديداس كرياتورز كلوب" (Adidas Creators Club) برنامجاً للعضوية يتيح لنخبة منتقاة من العملاء الحصول على "أفضل منتجات أديداس"، مثل قسائم الشراء والخصومات والشحن المجاني.

نسج أسطورة

تأسست شركة "هاجن داز" (Häagen-Dazs) في ستينيات القرن الماضي على يد اثنين من المهاجرين البولنديين يعيشان في حي برونكس بمدينة نيويورك. لا تعني هاتان الكلمتان أي شيء بأي لغة، ولكن الاسم الذي يبدو أوروبياً أعطى بُعداً ثقافياً لعلامة تجارية تحاول التميز في سوق صناعة الآيس كريم المتخم بالشركات العاملة في هذا المجال، وحوّل منتجاً عادياً إلى منتج يرغب المستهلكون في شرائه، وخاطب المستهلكين المهتمين بمصنوعات العالم القديم وثقافته. ويمكن أن نستدل بمثال آخر من شركة "أميركان إكسبرس". فقبل عام 1999، كانت بطاقة الشحن المخصصة المعروفة باسم "سينتوريون أميكس" (Centurion Amex) مجرد أسطورة حضرية. ولم تكن قد ظهرت بعد البطاقات الصادرة بموجب دعوة موجهة ودون حد ائتماني، ولكن عندما طرحت "أميركان إكسبرس" بطاقة "بلاك كارد" (Black Card)، أصبحت الأسطورة حقيقة ملموسة، وغدت أفضل سفير للعلامة التجارية للشركة.

تنظيم لقاءات دورية

تتميز المجموعات التي تجيد ربط الأعضاء بعضهم ببعض، بصورة افتراضية أو شخصية على حد سواء، بتماسكها وازدياد متانة العلاقة بين أفرادها بمرور الوقت. فعلى سبيل المثال، تتيح الفعاليات المحلية لشركة "بوشمارك" (Poshmark) والمعروفة باسم "بوش إن سب" (Posh ’N Sip) الفرصة أمام البائعين لمشاركة خبراتهم في إدارة المخزون وخدمة العملاء وتبادل نصائح التصوير وغيرها من المجالات والتعلم من أقرانهم. وتشجع شركة "فيتبيت" (Fitbit) أعضاءها على توجيه بعضهم بعضاً في أنظمة التمرين. ومنذ إنشائها، استضافت العلامة التجارية "لايفلي" (Lively) للملابس الداخلية لقاءات تروج لفكرة أن عميلاتها هنّ مجتمع من النساء يدعم بعضهن بعضاً ويسهمن في تمكين بعضهن بعضاً.

الاستمرارية

أثبتت الأبحاث أن المستهلكين يفضلون المكاسب الصغيرة المتكررة والمكافآت المتزايدة على المكاسب الكبيرة التي لا تتكرر كثيراً. لذا يجب أن تحرص برامج العضوية على استمرارية التفاعل من خلال توفير نقاط تواصل دائمة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة "يوكس نت أيه بورتر" (Yoox Net-a-Porter) التي ضاعفت في العام الماضي عدد أفراد فريقها المختص بالتسوق الشخصي وعلاقات العملاء لأكثر من 200 موظف في مواقعها في نيويورك وكاليفورنيا ولندن ودبي وهونغ كونغ. ويمكن للعملاء الذين يستخدمون هذه الخدمة (أي الانضمام إلى النادي) التواصل مع مصممي الأزياء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ومعاينة العناصر وحجزها قبل طرحها مباشرة على الموقع الإلكتروني وتخصيص العناصر وحضور المحادثات الافتراضية وفعاليات المصممين.

تقوم برامج تعزيز ولاء العملاء للعلامة التجارية في الأساس على رشوة العميل لشراء المزيد من منتجات شركتك، ولكنها تكاد تكون معدومة الأثر. إذ إننا نعيش عصر ما يُعرف بـ "اقتصاد تطلعات العملاء الحديثة"، ولن يتقارب العميل بصورة حقيقية مع العلامة التجارية إلا إذا منحته شعوراً بالانتماء لمنظومة متكاملة. وتعتبر استراتيجيات العضوية وسيلة فاعلة لتحقيق هذا الهدف، شريطة أن يتم تنفيذها بالشكل الصحيح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي