تحويل وظيفة اليوم السيئة إلى وظيفة المستقبل الجيدة

4 دقائق

تتجه جميع الأنظار نحو مستقبل الأعمال وأثر الأتمتة وتعلم الآلة على الوظائف في الولايات المتحدة. وبهذا الصدد، تُعد الأعداد الهائلة من المؤتمرات والمبادرات والمقالات والتقارير حول الإعداد للتغييرات التي ستُحدثها التقنية في اقتصادنا مهمة جداً. وعلى الرغم من أن ما يحدث اليوم مهم أيضاً، فإن علماء المستقبل غير مكترثين به.

العمل بصورته الحالية غير مجدٍ لملايين الأميركيين، حيث يتلقى نحو 11.5 مليون شخص ممن يعملون مندوبي مبيعات وأمناء صندوق في قطاع التجزئة وفي إعداد الطعام وخدماته، وهي المهن الثلاث الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة أجوراً ضمن مستوى الفقر ويعملون وفق جدول متقلب ويحظون بفرص قليلة للنجاح والنمو وتفتقر وظائفهم إلى المعنى والكرامة. يعمل هؤلاء العمال بوظائف سيئة وهم بحاجة إلى وظائف أفضل، بل ويستحقونها الآن بغض النظر عمن سيشغل وظائف معينة في المستقبل.

ويُعد تحويل هذه الوظائف السيئة إلى وظائف أفضل طريقة للإعداد للمستقبل، فالعديد من الوظائف في قطاع التجزئة والمطاعم تتطلب أعمالاً يدوية غير روتينية ومهارات جسدية وتواصلاً اجتماعياً، وهو ما يصعب تطبيقه عن طريق الأتمتة وفقاً للباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) دارون أسيموغلو وديفيد أوتور. ولكن على فرض أن الأتمتة تقلل الوظائف فعلاً في قطاعي التجزئة والمطاعم، ستستفيد المطاعم والمتاجر ذات الوظائف الجيدة من الأتمتة بصورة أفضل، بالإضافة إلى تحسين خدمة عملائها وموظفيها والمستثمرين اليوم. إليكم السبب.

تطوير مهارات ذات أهمية مستقبلاً

يصنف رواد الفكر وعلماء المستقبل حل المشكلات المعقدة والتفكير النقدي والإبداع على أنها أهم المهارات المطلوبة لوظائف المستقبل. ولكن الشركات ذات الوظائف الجيدة تطلب المهارات ذاتها منذ الآن وتطورها وتستثمر فيها.

تحقق الشركات ذات الوظائف الجيدة- بأجور مناسبة وجداول أعمال منتظمة وفرص للنجاح والنمو- هذا الأمر اليوم عن طريق الجمع بين الاستثمار في الناس والخيارات التشغيلية التي تزيد من إنتاجية الموظفين ومساهماتهم. يسمى هذا النهج "استراتيجية الوظائف الجيدة". أحد الخيارات الأساسية التي تقدمها هذه الشركات هو تمكين الموظفين من اتخاذ قرارات لصالح العملاء وإشراك الموظفين في عملية التطوير.

نأخذ "ميركادونا" (Mercadona)، على سبيل المثال، وهي شركة تجزئة ذات وظائف جيدة، وتعد أكبر سلسلة سوبر ماركت في إسبانيا. تستخدم "ميركادونا" مهارات موظفيها الإبداعية ومهارات حل المشكلات في اقتراح عمليات تطوير المنتجات والتغليف ووسائل النقل وهو ما وفر على الشركة ملايين اليوروهات. ويتمتع موظفو متاجر "ميركادونا" بصلاحية طلب المنتجات وعرضها بطريقة تُرضي العملاء وتحسن من أداء الشركة.

يشجع مدراء المتاجر في شركة "كوستكو" (Costco)، وهي شركة تجزئة ذات وظائف جيدة أيضاً، على عرض البضائع وإدخال معطيات إلى نظام البضائع. ومع أن خوارزمية الترويج تقدم أفكاراً حول ما يجب تخزينه، فإن مدراء المتاجر يعملون ميدانياً بصورة يومية مكرّسين مهاراتهم ومهارات موظفيهم في حل المشكلات وفي التفكير النقدي والإبداع، وهي مهارات المستقبل، لإنجاز عمل اليوم. من الذي سيكون لديه الميزة التنافسية عندما نصل إلى المستقبل الذي نتحدث عنه؟

النظر إلى الأتمتة على أنها مكملة للبشر

تمكّن استراتيجية الوظائف الجيدة الشركات من الاستفادة قدر الإمكان من إمكانات موظفيها. ولهذا من غير المرجح تركيز الشركات ذات الوظائف الجيدة على فكرة أن الآلات سوف تستبدل العمال، بل من المرجح أن تركز على أن هذه الآلات مكمّلة لموظفيها المهمين. قال المدير عندما زار أحدنا مركز توزيع "ميركادونا" المؤتمت كلياً "أقيم هذا المركز بناء على أساس منطقي وهو ألا نجعل الناس تفعل ما يمكن للآلات تأديته. الجهد الوحيد الذي نسعى للحصول عليه إليه من موظفينا هو تقديم مهاراتهم ومعرفتهم".

وصف المدير التنفيذي لإحدى الشركات ذات الوظائف الجيدة عندما سُئل عن أتمتة الوظائف في قطاع التجزئة في أثناء زيارته لأحد صفوف معهد "ماساتشوستس" أنها عامل مضاعف للقوة. يقوم موظفوه حالياً بالعديد من المهام (مثل تنظيف الأرضيات وعدّ النقود) التي لا تؤثر مباشرة على تجربة العميل. ولكن إذا كان بإمكان الروبوتات ممارسة مثل هذه الوظائف مستقبلاً يمكن لموظفيه التركيز على تحسين تجربة العميل. وأضاف: "يمكن للموظفين في أي شركة مسح الأرضيات، ولكن لا يحظى الموظفون في جميع الشركات بتدريب ودعم لتقديم خدمة ممتازة للعميل". يعلم هذا المدير مسبقاً أن شركته لديها ميزة تنافسية وهم موظفو الخطوط الأمامية وأن الأتمتة لن تزيد إلا من قيمة هؤلاء الموظفين.

كما يقول زميلانا إيريك برينيولفسون وإندرو ماكافي في كتابهما "عصر الآلات الثاني" (The Second Machine Age) أن البشر الذين يعملون إلى جانب الآلات ينجزون عملاً أفضل من عمل كل منهما على حدة. تستطيع الكمبيوترات المخصصة للعب الشطرنج الآن التغلب على عباقرة الشطرنج مثل غاري كاسباروف، ولكن الفِرق التي تدمج بين البشر والكمبيوتر تتغلب على الكمبيوترات ضمن ما يسمى بمباريات الشطرنج الحرة. ولهذا ستسعَد الشركات ذات الوظائف الجيدة، بما في ذلك موظفي الخطوط الأمامية، إذا نجحت المتاجر التي افتتحتها "أمازون" لاختبار عدم وجود أمين صندوق وتقليلها بذلك الحاجة إلى موظفين لعدّ النقود.

القدرة على تطبيق تقنيات جديدة

لن توفر الشركات التي تُشرك قواها العاملة وظائف جيدة وتجربة عميل ممتازة فحسب، بل ستكون على أتم الاستعداد لتبِعات ثورة الروبوتات. من السهل نسيان أن عملية طرح تقنية جديدة تتطلب إشراك موظفي الخطوط الأمامية. وهذا ينطبق على المستقبل أيضاً فالروبوتات لن تدخل إلى مكان العمل ببساطة موجهة التحية إلى الموظفين القدامى لتبدأ بالعمل. ولهذا يجب تثقيف العملاء ودعمهم تدريجياً لتحقيق كفاءة عالية. كما ستتعرض الأنظمة التي تعمل في المختبرات ومجالس الإدارة إلى أعطال وستكون بحاجة إلى إصلاح. سيُجهز الموظفون المتعاونون والمنتجون وأصحاب الصلاحيات جيداً لمساعدة الشركات في طرح الابتكارات الجديدة، وسيكتسبون خلال هذه العملية مهارات جديدة وبهذا يكون انتصاراً لجميع الأطراف. في الواقع يُعزى فشل طرح بعض التقنيات الجديدة، إذ لم تحقق الفوائد المرجوة للاستثمارات الكبيرة جداً -جزئياً إلى عدم إشراك موظفي الخطوط الأمامية في عملية الطرح. على سبيل المثال، عندما أصبح بوب نارديلي المدير التنفيذي لشركة "هوم ديبوت" استثمر بكثافة في الأنظمة والتقنيات. وقد أنفقت "هوم ديبوت" في عام 2005 مليار دولار على ترويج الأتمتة وعمليات المتاجر. ولكن هذا التغييرات، التي كانت منطقية بحد ذاتها، كانت مصحوبة بانخفاض الاستثمار في الشركات الزميلة وكانت إجبارية بالنسبة لهذه الشركات ومدراء المتاجر. معظم الأنظمة إما فشلت أو لم ترق إلى تحقيق النتائج الموعودة بسبب سوء إدارة عملية الطرح وعدم تدريب المستخدم أو بسبب عدم ملاءمة هذه الأنظمة مع احتياجات داخل المتاجر، وهذا يعود جزئياً إلى عدم إشراك المتاجر الزميلة في العملية.

وفي المقابل، أنفقت "ميركادونا" 600 مليون يورو بين عامي 2005 و2008 لتثبيت معظم الخدمات اللوجستية الحديثة والتقنيات المستخدمة داخل متاجر التجزئة، وقد تمت عملية الطرح بسلاسة بسبب إشراك العاملين في العملية. عندما احتفظت الشركة بجميع الموظفين، لم ينظروا إلى التقنيات الجديدة على أنها عدو لهم، بل دُربوا جيداً على التقنية الجديدة وأتيح لهم الوقت والاستقلالية لمساعدة المستخدمين على الاعتياد عليها. كان هذا عاملاً مساعداً للشركة خاصة وأنها تركز تبعاً لاستراتيجية الوظائف الجيدة على العميل بصورة كبيرة، وقد طورت هذه التقنيات المستخدمة داخل المتجر ليس لزيادة الكفاءة فقط، بل لتحسين تجربة العميل أيضاً.

ازدادت إنتاجية شركة "ميركادونا" على الرغم من النفقات العالية وعدم تسريح أي موظف؛ حيث ارتفعت مبيعات الموظف من 179,142 يورو في عام 2005 إلى 232,260 يورو في عام 2008. وهذا تماماً ما تتمحور حوله استراتيجية الوظائف الجيدة الآن وفي المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي