وظائف شاغرة تبحث عن موظفين في الدول العربية ولا تجدهم لهذا السبب

11 دقيقة
وظائف شاغرة

هل تصدق أن هناك وظائف كثيرة شاغرة في العديد من الشركات العربية والعالمية، ولا تجد الباحثين عن العمل المناسبين لها؟ هل يحدث هذا في الدول العربية؟ نعم.

يخسر الإنسان كل سنة نحو 10% من مهاراته وتصبح لا قيمة لها مع تطور التكنولوجيا، وتضاف لسوق العمل مهارات جديدة يحتاج الإنسان إلى تعلمها، بحسب تقرير "مستقبل الوظائف" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

وعندما ذكرت هذه المعلومة خلال جلسة تدريبية تحدثت فيها إلى مجموعة من الإعلاميين الشباب العرب ضمن برنامج الإعلاميين الشباب الذي يستضيفه سنوياً مركز الشباب العربي في دولة الإمارات، فوجئ معظم المشاركين من الإعلاميين الشباب القادمين من دول المغرب إلى المشرق العربي.

هل تقصد أن هناك شواغر وظيفية لا تجد موظفين حالياً؟ سأشرح لكم الآن؛ كنت أتحدث عن حالة يعيشها معظم دول العالم الآن، وسماها تقرير "مستقبل الوظائف" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2025 "اضطراب المهارات". هذا الاضطراب يعني أن هناك فجوة بين المهارات التي تبحث عنها الشركات وما هو متوافر من مهارات في سوق العمل، مما تقدمه مؤسسات التعليم التي لم تستطع مواكبة سرعة تطور التكنولوجيا والطلب على المهارات.

عندما ذكرت هذه المعلومة في جلستي مع الإعلاميين الشباب، وأشرت إلى أن الدول العربية هي من أعلى دول العالم في هذا الاضطراب، حيث تحتل مصر أعلى نسبة في العالم (48%)، ثم البحرين والإمارات والسعودية، بحسب ما تجدونه في هذا التقرير الذي نشرناه في إم آي تكنولوجي ريفيو، كانت إحدى الإعلاميات الشابات من مصر تهز رأسها استنكاراً طيلة الحديث، لتنفجر مستغربة عند انتهائي من عرض الفكرة، وتسأل: هل تقصد أن هناك شركات مصرية تبحث عن موظفين، ولا تجدهم بين الـ 110 ملايين مواطن؟

الجواب نعم. لكن السؤال: هل تبحث الشركات بين كل المواطنين بدقة؟ لا أظن ذلك، ولكن النتيجة التي تقدمها هذه المعلومة، هي أن أصحاب المهارات المناسبين لكثير من الوظائف الجديدة والمتجددة التي تطلبها الشركات اليوم أصبحوا نادرين جداً، لدرجة أن رؤساء الشركات يقولون إنهم باتوا يستوردونهم من الخارج.

وظائف شاغرة

سأبدأ من مصر، فقد أجرينا مؤخراً مقابلة مع مصمم الأزياء المصري العالمي هاني البحيري، فقال إنه يسافر للبحث عن العمالة الماهرة في مجال تصميم الأزياء، وهو "حزين" لأنه لا يجدهم في بلده مصر، لذا فهو يضطر إلى استيرادهم من باريس والهند ودبي.

حسناً، ربما تستغربون كما استغربت زميلتي الإعلامية الشابة. هل من المعقول أنه لا يوجد محترفون في مجال تصميم الأزياء مناسبون للعمل مع هاني البحيري؟ الجواب، قد يكون أنه لم يجد فعلاً هذه المهارات المتكاملة، فهو يبحث عن مواصفات ومهارات وطريقة تفكير ولغات أجنبية وغيرها.

ولأزيدكم من الشعر بيتاً كما يقال، استمعوا إلى تجربة الرئيس التنفيذي السعودي، خالد سليماني، الذي التقيته في بودكاست "طريقتي". في الدقيقة (1:15) يتحدث عن وظيفة مسؤول علاقات المستثمرين، الذي يختصرونه بـ (IR). هذه الوظيفة المطلوبة في كل الشركات المدرجة في البورصة السعودية والشركات الاستثمارية وعددها لا يقل عن 600 شركة كبرى. وجميعها يبحث عن مسؤول علاقات مستثمرين جيد وماهر، لكن عددهم في كل السعودية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، كما يقول سليماني. لذا تستورد شركات كثيرة هؤلاء الموظفين الماهرين وتبحث عنهم خارج البلاد.

هل تتخيلون ذلك؟ أنا أتخيل. لأنني أفهم معنى "مهارات جيدة"، وأفهم ما يقصده المدير عندما يتحدث عنها، فالشركات الناشئة الجديدة والشركات الكبرى ذات المعايير العالمية في الدول العربية ومنها مصر والخليج والمغرب، لم تعد معاييرها تقليدية في التوظيف، بل تبحث عن عقليات ريادية، ذكية، مثابرة، طموحة، منتجة، ومتطورة. وهناك فرق بين أن يظن المرشح نفسه مؤهلاً للوظيفة والحقيقة التي يجدها من يبحث عن العمل. فنحن كثيراً ما نبالغ في تقدير قيمة مهاراتنا أكثر مما هي عليه في الواقع. وهناك مثل شعبي شامي يقول: "القط، لا يهرب من عرس"، ومعناه هنا، لو أن قادة الشركات وجدوا ما يبحثون عنه من مهارات في بلدهم، لما احتاجوا إلى الهرب باحثين عنها خارج البلد، بينما تكلفة الموظف من داخل البلد في الغالب أقل.

ولتأكيد هذه الجزئية بقصة أخرى، التقيت قبل أيام مديرة جامعة هيريوت وات في دبي، الأستاذة هيذر ماكغريغور، التي تعد سنوياً تقريراً عن نسبة النساء في مجالس إدارة الشركات العربية. وعلى هامش ذلك، عندما درست مع فريق عملها أكثر من 700 شركة مدرجة في البورصات الخليجية، وجدت كما أخبرتني مستغربة أن معظمها ليس لديه متخصصون في وظيفة مسؤول علاقات المستثمرين، ومعظم من يجري تعيينهم هم من فريق التواصل المؤسسي أو موظفي العلاقات العامة، بسبب عدم توافر المرشحين المناسبين.

مدارس بلا سنوات محددة

رؤساء الشركات حول العالم بدؤوا منذ عام 2021 يشعرون بالقلق من أن تسارع التطور التكنولوجي أصبح أسرع من المهارات التي تقدمها سوق العمل وتلك التي تخرجها الجامعات. ففي استبيان أجرته شركة البحوث العالمية غارتنر مع آلاف الرؤساء التنفيذيين حول العالم، وجدت أن ثلثي الموظفين الجدد ليس لديهم المهارات اللازمة للمستقبل، وأن على كل موظف أن يضيف 10 مهارات جديدة كل 18 شهراً لكي يواكب تطور المهارات.

وبحسب تقرير أصدرته دائرة التمكين الحكومي في أبوظبي مع منصة فيتوتشرز بلاتفورم، بعنوان "الاتجاهات الناشئة في إدارة المواهب (2024-2040)"، فإن مستقبل الشهادات الجامعية التقليدية في تراجع لصالح الشهادات المهنية، كما أن الشهادات التقليدية لا تواكب متطلبات سوق العمل. وسيتجه العالم بحسب التقرير نحو التعليم المستمر المعتمد على الدروس القصيرة المستمرة. و"ستظهر أنظمة جديدة للاعتراف بالبرامج التدريبية القصيرة والهجينة وتقييمها".

وإذا كان هذا التقرير الذي أشرف عليه خبراء عالميون لم يذكر ذلك صراحة، فقد أشار تقرير "50 فرصة عالمية" الذي أصدرته مؤسسة دبي للمستقبل هذا العام، إلى أن المدارس والجامعات ستصبح بلا سنوات محددة. أي أن نظام السنوات الأربع سينتهي، وستحل محله مناهج متطورة وسريعة بفضل الذكاء الاصطناعي، تمنح الشهادات لمن ينهي التعلم ويتجاوز الاختبارات حتى ولو خلال مدة قياسية.

لكن لماذا ما يزال النظام التعليمي متخلفاً عن الركب في كل دول العالم؟ مبدئياً، الكل يعترف بذلك. وفي تقرير صدر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية العالمية، فإن بطء النظام التعليمي في مواكبة تطورات التكنولوجيا وتحديث أنظمته هو مشكلة عالمية. وقد ذكر تقرير لشركة ماكنزي أن استبياناً عالمياً شمل 400 قائد من المؤسسات التعليمية الكبرى، اعترف فيه هؤلاء القادة بأن مؤسسات التعليم التقليدية لا تحقق أكثر من 20% من أهدافها، بسبب عدم توافر المهارات اللازمة في قطاع التعليم، ومقاومة التغيير داخل المؤسسات، وعدم توافر التمويل، والمدرسين، والتطبيقات العملية.

وإليكم بعض الأمثلة من الدول العربية على مقاومة التغيير في قطاع التعليم؛ وزارات التعليم في البلدان العربية التي يمكن أن نعول عليها في التغيير ما زال معظمها لا يعترف بشهادات التعليم عن بعد، ويشترط الحضور الشخصي على الرغم من أن الجامعات العالمية لا تشترطه، وكذلك فإن المؤسسات التعليمية كالجامعات كما تعلمون، تحتاج إلى سنوات لتعديل المناهج، وسنوات لكي تغيرها مجدداً، بينما المهارات العالمية تتغير كل سنة جذرياً.

وأذكر في هذا المجال أنني التقيت صحفية أميركية انتقلت إلى العمل مع إحدى الجامعات في الإمارات لنشر مجلة ناطقة باسم الجامعة. ذكرت زميلتي الصحفية أن أول ما لاحظته عند العمل في المجال الأكاديمي، هو أنه على الرغم من أن الجامعة التي تعمل بها من أفضل الجامعات عالمياً، فإن كل شيء بطيء في النظام التعليمي. وأضافت زميلتي أن التواصل في مجال العمل الصحفي سريع، فعندما ترسل إيميلاً تتوقع الرد بعد ساعات أو أيام على الأكثر، بينما في الأوساط الأكاديمية عليك الانتظار أسابيع وأشهر.

وأضيف إلى ما ذكرته زميلتي أن نشر الأبحاث العلمية في المجلات الأكاديمية يستغرق في المتوسط ​​من سنة إلى أربع سنوات. تخيلوا في هذا العصر المتسارع التغيرات أن كتابة بحث أكاديمي اليوم، الذي أصبح يتم بفضل الذكاء الاصطناعي خلال أسابيع، يحتاج إلى سنتين أو ثلاث لنشره.

ستكون الظروف قد تغيرت عند نشر البحث، والبحث بات غير مفيد للواقع.

من أين نبدأ؟

قليل من قادة المؤسسات التعليمية يجرؤون اليوم على التحدث عن هذا المستقبل الذي يقلص هذه الفجوة وهذا الاضطراب بين سوق العمل والمهارات المطلوبة. وبعضها سينتهي ليحل محله مؤسسات تعليمية ناشئة سريعة الحركة تسمى (Edtech) أو شركات التعليم الرقمي، التي تقدم التعليم والكورسات المختصرة المركزة، بينما ستلحق بعض المؤسسات التعليمية بالركب وتأخذ حصة من السوق، وسينتهي كثير من الجامعات والمؤسسات التي لن تستطيع المواكبة.

ماذا عن الشهادة الجامعية؟

لقد بدأت حكومة الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2024، بقيادة هذا التوجه العالمي لإلغاء شرط الشهادة الجامعية من الوظائف الحكومية، حيث طبقت ذلك 20 ولاية حتى الآن.

وفي المنطقة العربية، بدأت شركات كثيرة تستغني عنها باعتبارها شرطاً للتوظيف، فقد أظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام، من خلال استبيان، أن 38% من الشركات السعودية ستستغني عن اعتبار الشهادة الجامعية شرطاً في التوظيف، وستسأل عن المهارات والدورات القصيرة بدلاً من ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي