يحتل الذكاء الاصطناعي مساحة كبيرة من الأخبار في هذه الأيام، ويؤدي السعي لإنشاء وتطبيق حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي إلى فجوة كبيرة في المواهب. وتمتلك نحو 80% من الشركات استثمارات في مجال وظائف الذكاء الاصطناعي، وتواجه معظمها تحديات في توظيف القدرات التي تحتاجها لتطبيق أحد المنتجات أو برامج الذكاء الاصطناعي المفيدة. ومن الواضح أن ثمة سوقاً تتسم بالمنافسة الشديدة للمختصين في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، حيث تحاول الكثير من الشركات في البداية تعيين علماء بيانات بدرجة الدكتوراه من ذوي الخبرة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي و"هندسة السمات" Feature Engineering. وقد ساوى بعض المحللين "موهبة الذكاء الاصطناعي" بهؤلاء الباحثين.
وظائف الذكاء الاصطناعي
وعلى أي حال، تتجاوز موهبة الذكاء الاصطناعي درجات الدكتوراه في تعلم الآلة. وتعتبر مجموعة مشاكل المواهب التي تظهر في إدارة منتجات الذكاء الاصطناعي وهندستها على نفس القدر من الأهمية وقلة درجة الفهم. لم تقم معظم الشركات بشغل هذه الوظائف، وهو ما يؤثر سلباً على مشاريعها الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
وظيفة مهندس ذكاء اصطناعي
دعونا نركز على مهارات الهندسة أولاً، لأن البعض قد أدرك أهميتها بالفعل. أشارت إحدى المقالات المفيدة المنشورة مؤخراً إلى الفرق بين باحثي تعلم الآلة ومهندسي تعلم الآلة. والخلاصة هي أنّ معظم الشركات بحاجة إلى مهندسين لمساعدتها في تطوير منتجات وبرامج إنتاج بدلاً من باحثين لمساعدتها في توسيع نطاق تقنيات وتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.
تشمل مهارات الهندسة هذه إنشاء هيكليات تكنولوجية تقوم بتحديد نطاق برمجيات عصية على الاختراق، وكتابتها ونشرها، ودمج إمكانات الذكاء الاصطناعي مع الأنظمة القائمة. ويجب أن يعرف الموظفون في هندسة الذكاء الاصطناعي شيئاً عن الذكاء الاصطناعي، ويمتلكوا معلومات بنفس القدر عن البرمجة وعلم الحاسبات وبيئات تكنولوجيا المعلومات للشركات. وتصبح مثل هذه المهارات مهمة مع مرور الوقت مع نضوج معارف وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتسليع الخوارزميات والتقنيات.
وظيفة مسؤول بيانات الذكاء الاصطناعي
تحتاج مبادرات الذكاء الاصطناعي إلى خبراء بيانات أيضاً. وقد ناقشنا في موضوع آخر أن سباق تعلم الآلة يمثل على نحو متزايد سباق بيانات تقوم فيه بيانات فريدة، بدلاً من نمذجة متطورة، بإنشاء حلول ذكاء اصطناعي قيمة. وللأسف، فإنّ عمليات تعهيد البيانات وإدارتها تمثل مجموعة مهارات لا تتداخل كثيراً مع تطوير الخوارزميات. ويعتبر مسؤول بيانات الذكاء الاصطناعي منصباً نشأ مع مرور الوقت من خلال التجربة، ويمكن أن يكون التعليم في مجال علم الحاسوب أو الإحصاء مفيداً جداً مقارنة بتوظيف شخص من خارج الإطار التعليمي. وتشمل الوظيفة الإمكانات التالية:
- المعرفة بمصادر البيانات المفيدة للتعامل مع مسألة أو مشكلة ذكاء اصطناعي.
- الوعي بكيفية استخدام البيانات في الخوارزميات.
- تقييم جودة البيانات.
- تنقيح البيانات ومعالجتها.
- التركيز على البيانات (والحرص الشديد على جودة البيانات).
- التحلي بالقوة لمعارضة الفرق التقنية.
- المعرفة بالطرق النموذجية لتحويل البيانات.
كما تتطلب إدارة البيانات معرفة بالأعمال التجارية. دعونا نناقش مثالاً بسيطاً. تستخدم شركتنا الناشئة تعلم الآلة لإدخال الأتمتة في الاستشارات الاستراتيجية، وتعتبر المعلومات المالية بمثابة إحدى المدخلات الرئيسة التي تتضمنها التقارير السنوية. هذه البيانات بحد ذاتها لا تخلو من الثغرات. ولا تقوم جميع الشركات بالإبلاغ عن نفس القياسات، وغالباً ما يعزى السبب في الفشل في الإبلاغ إلى عدم وجود شيء للإبلاغ عنه في هذا التصنيف. على سبيل المثال، لا تهتم الكثير من الشركات بالإبلاغ عن إنفاقها في مجال البحث والتطوير لأنها لا تنفق شيئاً في هذا المجال. وهذا يعني أن أفضل إجراء لسد هذه الثغرات (والتي يجب سدّها كي تتمكن الخوارزميات من القيام بوظيفتها) هو ملؤها بالأصفار، بما يمثل عدم الإنفاق.
وعلى أي حال، تعتبر بيانات الملء بالأصفار نادرة للغاية في عالم علم البيانات وتعلم الآلة، بينما يعتبر الملء بقيمة وسيطة أفضل ممارسة ومقبولة بشكل عام. وبرنامجنا هو الحالة النادرة التي يقدم فيها الملء بقيمة وسيطة أخطاء في مجموعة البيانات، ومثال ذلك من خلال تعيين كمية متوسطة من الاستثمارات في مجال البحث والتطوير لكل شركة، بينما لا تنفق 70% من الأسواق أي شيء بالفعل على هذا المجال. إذا قمنا بتسليم زمام إدارة البيانات إلى فريق تقني كما تفعل العديد من الشركات، سنكون قد سلكنا مساراً خاطئاً. وبدلاً من ذلك، استطعنا تحديد المشاكل المحتملة من خلال امتلاك فريق عمل ذي خبرة ويشارك بنشاط في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي.
وظائف قادة المشاريع ومترجمي الذكاء الاصطناعي
تحتاج مجموعات الذكاء الاصطناعي إلى وظيفة تجمع بين استراتيجية العمل وطرق الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن لمثل هذا الشخص، الذي يشغل منصب مسؤول تنفيذي كبير عادة، أن يقوم بترجمة الأهداف الاستراتيجية ونماذج الأعمال إلى أنواع الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تعزيزها. وللأسف، قلما يتم مناقشة منصب قائد مشروع يمتلك بعض الفهم في طرق الذكاء الاصطناعي، بل ونادراً ما يتم شغل هذا المنصب.
والنتيجة هي أن الذكاء الاصطناعي غالباً ما يُستخدم لإنشاء مشاريع بعيدة عن الأهداف أو بتكاليف غير مستردة، حيث لا تحقق الاستثمارات التكنولوجية العائدات التي يتوقعها مجلس الإدارة أو فريق القيادة. بحكم تجربتنا في العمل مع القادة ومجالس الإدارة، فإن صناعة منتج ذكاء اصطناعي مستقر يوفر قيمة للزبون أو الموظف أو قيمة تشغيلية أو قيمة للمستثمر تمثل نحو 40% من تعريف المنتج والمشكلة. ويمثل التعهيد والتنقيح والملء والدمج 40% أخرى، بينما يمثل تطوير الخوارزميات 20% فقط.
ويتطلب حل هذه المشكلات شراكة مستمرة بين الأعمال والتكنولوجيا. ولكن معظم الشركات لا تمتلك رؤية واضحة حول كيفية مساعدة الذكاء الاصطناعي للشركات في اتخاذ قرارات أفضل وأسرع ومدروسة بشكل أكبر، أو صناعة منتجات وخدمات أكثر ذكاء. تتطلب أتمتة بعض جوانب عمليات اتخاذ القرار وتطوير المنتجات شخصاً استثنائياً قادراً على الجمع بين العمل في الاستراتيجية ونماذج الأعمال وتطوير البرمجيات وإنشاء الخوارزميات وتطوير المنتجات.
يعود عليك امتلاك شخص في هذا المنصب بفائدة كبيرة عندما يتعلق الأمر بتطوير الخوارزميات، حيث تمتلك الخوارزميات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي ميزات مختلفة، جيدة وسيئة، سواء في الأنظمة القائمة على القواعد، والانحدار اللوجستي والشبكات العصبية وغيرها. وعلى الرغم من أننا لا نتوقع معرفة جميع قادة الأعمال بذلك، إلا أننا نتوقع من قادة أعمال الذكاء الاصطناعي أو مترجمي أعمال الذكاء الاصطناعي المشاركة مع المطورين في التعامل مع هذه الميزات والعيوب للمساعدة في الدفع باتجاه اتخاذ القرار المناسب. على سبيل المثال، تفتقر الشبكات العصبية إلى القدرة على الشرح على الرغم من قوتها. ومن الصعب تحديد السبب وراء إعطاء النموذج للنتائج التي يأتي بها. ولن يفلح حل "الصندوق الأسود" مع الكثير من المنتجات، لرغبة المستخدمين في فهم كيفية عمله أو حاجتهم إلى ذلك.
وتسرع الكثير من الشركات للخوض في غمار المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي دون أهداف واضحة، على أمل أن يتمكن باحث ذكاء اصطناعي ذكي وأحد الفرق التكنولوجية من إنشاء شيء عظيم دون توجيه، وينتهي الأمر بهذه الشركات مع لا شيء تفخر به. امتلاك قائد يوجه الذكاء الاصطناعي لتوفير مدخلات أعمال وضمان النجاح ضمن مقاييس محددة بشكل جيد يعتبر بمثابة الوظيفة الأهم التي تفتقدها معظم الشركات بالكامل. وقد احتج البعض حول أهمية وظيفة المترجم بالنسبة لتحليلات الأعمال التقليدية، ولكنها أكثر أهمية مع تلك المجموعة من التكنولوجيات نظراً لتعقيدات الذكاء الاصطناعي. بكل تأكيد ستحتاج الكثير من مجموعات الذكاء الاصطناعي الكبيرة عدداً من الأشخاص لشغل وظيفة المترجم.
ولا حاجة لسيدة الأعمال أو رجل الأعمال الذي يشغل هذا المنصب بأن يصبح مبرمجاً أو أن يعرف أفضل أدوات الذكاء الاصطناعي من الباعة أو أن يتعمق في الفروق الدقيقة بين الشبكات العصبية والانحدار اللوجستي. إلا أنه يقع على عاتق ذلك الشخص فهم أساسيات طريقة عمل مختلف أنواع الذكاء الاصطناعي ومجموعة البيانات التي سيتم نشرها معه. كما يجب أن يمتلك هؤلاء الموظفون الرغبة في المشاركة والعمل بشكل متكرر مع فريق الذكاء الاصطناعي بدلاً من إلقاء المتطلبات "من فوق السور" وترك فريق تعلم الآلة للتعامل مع القرارات الصعبة بنفسه. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يقوم ذلك الشخص بوضع حالة استخدام اقتصادية واضحة وخريطة عمل للمنتجات تحقق قيمة بالنسبة للزبائن أو الموظفين أو الشركاء أو المستثمرين. وفي معظم الحالات، يجب أن يقود هؤلاء الأفراد مجموعة الذكاء الاصطناعي، ويتولى الباحثون والمهندسون ومسؤولو البيانات العمل تحت إدارتهم.
إنّ وجود أحد كبار المسؤولين التنفيذيين أو شخص ممن يعملون تحت إشرافه مباشرة ضمن الفريق، بحيث يتوفر لديه فهم بهذه المواضيع ويستطيع مراقبة وظائف الذكاء الاصطناعي الأخرى المهمة التي ناقشناها، من شأنه أن يساعد المؤسسات على تحقيق هدفها الأساسي، الذي يمثل القيمة بالنسبة لأصحاب المصلحة، مع تجنب دورات مكلفة وغير منتجة غالباً كتلك التي نراها في أعمال تطوير الذكاء الاصطناعي التي تفتقر إلى الإدارة الحكيمة.
اقرأ أيضاً: