"أين ترى نفسك بعد خمس سنوات من الآن؟"
في مرحلة ما، من المحتمل أن يكون أحد أساتذتك أو أحد أفراد عائلتك أو من يجري معك مقابلة العمل قد طرح عليك هذا السؤال، وربما كان رد فعلك الأول هو الامتعاض؛ فهذا السؤال مبتذل، أليس كذلك؟
اتضح أن وضع خطة طويلة الأمد لحياتك المهنية يمكن أن يكون مفيداً، فتخصيص وقت للتفكير في مسارك الوظيفي يمكن أن يقلل التوتر المرتبط بالعمل ويحسّن تصورك لفُرصك في التوظيف، ويعزز ارتباطك بغايتك. ومع ذلك، تبين في استطلاع أجرته مؤسسة غارتنر (Gartner) في مارس/آذار 2022 أن أقل من موظف واحد من بين كل ثلاثة موظفين يعرف كيف سيطور حياته المهنية على مدى السنوات الخمس المقبلة،
إذا لم تكن ممن يملكون خطة مهنية خمسية، فاعلم أن هناك طرقاً لصياغتها وإحراز التقدم المهني الذي ترغب فيه. لجني فوائد صياغة خطة مهنية طويلة الأجل، يجب عليك أولاً الابتعاد عن عادة الاكتفاء بوضع أهداف مهنية سنوية.
لماذا لا تنجح الأهداف المهنية السنوية؟
رسّخت تقاليد مثل قرارات السنة الجديدة والمراجعات السنوية انطباعاً لدينا بأن أفضل طريقة للتفكير في الحياة المهنية هي التخطيط لها على أساس سنوي. ولكن الحياة المهنية لا تُبنى في عام واحد، وفيما يلي بعض أسباب عدم نجاح خطط السنة الواحدة دائماً.
يتطلب صقل بعض المهارات عدة سنوات من العمل، ومنها التواصل بشفافية وتقديم الملاحظات البناءة والتفاوض بفعالية وصنع القرارات في أوقات عدم اليقين، وهي تتطلب ممارسة مستمرة لتعلمها والثبات عليها. صحيح أنه من المحبذ أن تضع أهدافاً تدريجية لتعلم هذه المهارات، ولكن من المهم أن تفكر سلفاً في كيفية الاستمرار في تطويرها بعد أن تتعلمها.
كما يمكن أن يكون من السهل أن تفقد الحافز وتنحرف رؤيتك عن الصورة الكبيرة، فالأهداف مثل المهارات تماماً؛ لن تحققها إلا بعد عدة سنوات. على سبيل المثال، قد يبدو إكمال برنامج الدراسات العليا للحصول على درجة الدكتوراة صعباً جداً عندما تفكر في حياتك المهنية على مدى العام المقبل فقط؛ إذا كنت تخطط لتحقيق هدف مهني أكبر فعليك التخطيط لفترة طويلة في المستقبل والتفكير في أفضل توقيت لاتخاذ خطوة جديدة.
وأخيراً، يمكن أن تتعرض لتحديات تعوق جهودك لتحقيق الأهداف قصيرة المدى فتفشل فيها، لذلك ضع في اعتبارك جميع الظروف غير المتوقعة التي يمكن أن تطرأ خلال السنة؛ قد يغادر زميلك في الفريق الشركة فتتغير مسؤولياتك في دورك، أو قد تعجز شركتك عن تحقيق أهدافها المالية فتضطر إلى تغيير أولوياتها الداخلية، أو قد تواجه طارئاً على الصعيد الشخصي مثل الإصابة بمرض أو وفاة أحد أفراد العائلة. يكفي حدث واحد فقط من هذه الأحداث لإخراج خطة محكمة لعام واحد عن مسارها تماماً.
لماذا خطة مدتها 5 سنوات أفضل (خطة خمسية)؟
ببساطة، تتيح لك الخطط الخمسية فرصة للتفكير ملياً في الصورة الأكبر على الصعيدين الشخصي والمهني، وإليك سبب نجاح الخطط الخمسية:
يمكن أن يساعدك وضع خطة طويلة الأجل على التركيز على تطوير مهاراتك القابلة للاستخدام في أدوار ومجالات مختلفة بدلاً من التركيز على المهارات اللازمة في دورك الحالي ومؤسستك الحالية فقط. وعندما توضح أهدافك على المدى الطويل تقل احتمالات أن ينحصر تفكيرك في الأعمال الروتينية اليومية فقط، وستتمكن من تحديد الفرص التي تتوق إليها ورفض المهام والمشاريع التي لا تتماشى مع أهدافك، وبناء المهارات التي تحتاج إليها للنجاح على المدى الطويل.
تمنحك الخطط الخمسية أيضاً المرونة لتغيير ما يفقد أهميته بالنسبة إلى أهدافك طويلة الأجل دون إعاقة تقدمك، وبذلك ستستمر بالعمل على تحقيق ما تريده حقاً، كما أن المرونة تقلل احتمالات الفشل (أو انحرافك عن مسار أهدافك)، إذ يمنحك الوقت الإضافي الفرصة لمعالجة المشاكل بفعالية عند حدوثها وتعديل أهدافك عند الضرورة.
ويمكن أن تساعدك الخطة المتعددة السنوات على الشعور برضا أكبر عن دورك الحالي، فتركيزك على أهدافك الطويلة الأجل التي تعمل على تحقيقها يجعل كل يوم تمضيه وكل عمل تؤديه هادفاً لأنك ترى الصورة الأكبر التي تعزز حماسك في العمل.
كيف تضع خطتك الخمسية؟
القصد من الخطة الخمسية هو التفكير بأهداف أكبر ونطاق أوسع، وهي تعني وضع نهج منظم لحياتك المهنية مع ضمان المرونة للتصرف في الأزمات والتحديات. قد يبدو ذلك مربكاً للغاية، ولكن خذ الأمر خطوة بخطوة:
1. العصف الذهني
ابدأ بالتفكير في التطور المهني الذي تود تحقيقه وما يحتاج إليه، وهو يتطلب التأمل الذاتي. سيتعين عليك تحديد هدفك الأساسي وشغفك وأهمية مهاراتك الحالية في تحقيقهما ونقاط ضعفك التي تحتاج إلى تحسين. تتضمن بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها على نفسك ما يلي:
- ما هي المجالات التي لدي شغف فيها؟
- ما هي الوظيفة التي أعتبرها وظيفة أحلامي؟
- ما هي الخبرات والمهارات التي أمتلكها بالفعل؟
- ما هي المهارات التي يمكنني تطويرها؟ ما هي المهارات التي أحتاج إلى تطويرها؟
- ما هي الأدوار التي قد أكون مؤهلاً لها ولم أفكر في أدائها من قبل؟
- ما هو العائق الوحيد الذي أواجهه ويمكنني معالجته الآن؟
ستساعدك هذه الأسئلة على التعمق في نفسك أكثر والكشف عن أهدافك المهنية الحقيقية. إذا كنت لا تزال تشعر بالضياع، فقد يكون من المفيد إجراء تقييم لمساعدتك على فهم نفسك وقيمك على نحو أفضل.
2. جمع الملاحظات
الإنسان غير قادر على رؤية إمكاناته ونقاط قوته بوضوح وموضوعية، ولهذا من المهم في بداية عملية التخطيط أن تجمع ملاحظات من رؤسائك ومرشديك وأقرانك، فقد تساعدك هذه الملاحظات على اكتشاف فرص مهنية لم تفكر فيها من قبل، وتدلّك على نقاط القوة التي قد تغفل عنها وتوضح لك مجالات نموك وتطورك. تتضمن بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها خلال هذه المحادثات للحصول على تلك الملاحظات ما يلي:
- من أجل تطوير مسيرتي المهنية، برأيك ما هي المهارات التي يجب أن أطورها أو أتخلى عنها؟
- إذا كنت في مكاني، ما هي المجالات التي ستركز على تطويرها؟
- ما هي المهارة الوحيدة التي تنصحني بإتقانها للارتقاء إلى المستوى التالي في مسيرتي المهنية؟
- هل هناك مهارة تعتقد أنها ستساعدني على الانتقال إلى الدور أو المجال الذي أرغب فيه؟
استناداً إلى أجوبة زملائك عن هذه الأسئلة، يمكنك العودة إلى المعلومات التي جمعتها من تأملك في ذاتك، هل تتطابق أجوبتهم مع أجوبتك أم أن هناك أشياء مختلفة؟
3. ضع خطة
بعد أن أجريت التأمل الذاتي وجمعت الملاحظات، حان الوقت لتنظيم المعلومات التي جمعتها. هناك العديد من الطرق المختلفة لتحديد ملامح خطتك الخمسية وأهدافها، ومن المهم أن تجد النهج الذي سيضمن استمرارك فيها. إذا كنت من الأشخاص الذين يفضلون الورقة والقلم فقد ترغب في تدوين خطتك على مجموعة من أوراق الملاحظات اللاصقة أو في دفتر يومياتك، وإذا كنت تريد شيئاً يسهل تحديثه فيمكنك استخدام شرائح العرض أو جداول البيانات؛ مهما كانت الطريقة التي تختارها، حاول اتباع هذا الهيكل العام:
الشريحة 1
استخدم الشريحة أو الصفحة الأولى لتحديد أهدافك المهنية، تأمل مجدداً في شغفك واهتماماتك للتحقق من أنواع العمل والأدوار التي قد تروق لك.
هذه هي فرصتك لتصوّر السيناريو المثالي الذي تريده. ماذا كنت ستفعل إذا لم تكن لديك أي قيود سواءً في الوقت أو المال؟ كيف ستقضي أيامك ولياليك؟ ما هو الأثر الذي ترغب في إحداثه في العالم؟ كن جريئاً وطموحاً. لا تقيد نفسك بما هو واقعي أو ممكن. لا تنس أنه بإمكانك دائماً تعديل خطتك لاحقاً، ولكن ابدأ بالسماح لنفسك بالحلم.
الشريحة 2
في الشريحة أو الصفحة الثانية، اذكر المهارات التي تملكها بالفعل والمهارات التي ستحتاج إليها لتحقيق أهدافك المهنية النهائية. يمكنك الرجوع إلى الملاحظات التي تلقيتها من زملائك حول نقاط قوتك والمجالات التي تحتاج إلى تحسين، وسيساعدك ذلك على تحديد الفجوات في مهاراتك الحالية والمستقبلية.
الشريحة 3
في الشريحة أو الصفحة الثالثة، اكتب أنشطة التطوير التي تخطط لتنفيذها خلال السنوات الخمس القادمة. إحدى الأدوات التي يمكنك استخدامها في ذلك هي مخطط غانت (Gantt chart)، وهي أداة لإدارة المشاريع مصممة لمساعدتك على وضع تصور لمسار تطور مهامك مع مرور الوقت.
يمكن أن يتمثل نشاط تطوير المهارات في أي نشاط يساعدك على الوصول إلى أهدافك أو تعلم المهارات التي تحتاج إليها لإحراز تقدم مهني، فمثلاً يمكنك تضمين أي من أهداف التطوير التالية في خطتك:
- الانضمام إلى رابطة
- حضور حلقة دراسية عبر الإنترنت (ويبينار)
- الاعتماد على التعليم الإلكتروني
- الملازمة الوظيفية
- العمل في مجلس إدارة مؤسسة غير ربحية
- الدراسة الجامعية
- قراءة الكتب
- الاستعانة بموجه
- التدريب التعليمي الرسمي
- العمل مع فريق مشروع أو دور إشرافي
- التدريب متعدد التخصصات
سيساعدك هذا الرسم البياني على ترتيب أولوياتك وموازنة أهدافك المهنية والشخصية، كما أنه سوف يثنيك في أثناء سعيك لتنمية قدراتك عن النقيضين؛ الإفراط في الالتزام أو انعدام الالتزام.
الشريحة 4
في الشريحة الأخيرة، يجب أن تقدم لنفسك سيناريو أسوأ الحالات في الشريحة الأخيرة، يجب أن تقدم لنفسك سيناريو أسوأ الحالات
كما يجب أن تقترح بعض الحلول أو البدائل للتغلب على هذه الصعوبات، مثل تعديل الجدول الزمني أو تحديد نشاط تطويري ميسور التكلفة. بهذه الطريقة، يمكنك تذكير نفسك بأنك مستعد لأي موقف وجاهز للتكيف مع الظروف المتغيرة.
إذا كان بإمكانك تصور أنك تسير في عدة مسارات أو تؤدي عدة أدوار مختلفة، فقد ترغب في وضع خطة لكل منها. ولكن كي تضمن أن تكون خطتك ملائمة للظروف المستقبلية يجب أن تحاول التركيز على المهارات وأنشطة التطوير التي يمكن استخدامها في المسارات المتعددة التي تهتم بها.
4. التكرار
على عكس تحديد الأهداف لعام واحد، فعملية وضع خطة خمسية لا تكتمل أبداً، يجب أن تكون خطتك مرنة بما يكفي لتعديلها باستمرار طوال حياتك المهنية. وإحدى الطرق لضمان تحديث خطتك باستمرار هي وضع تذكير على جدول مواعيدك كل 3 أشهر. سيساعدك ذلك على أن تراعي في خطتك تطورات حياتك الشخصية أو المهنية وأن تجري التغييرات الضرورية.
عندما تضع خطتك موضع التنفيذ، اطرح على نفسك الأسئلة التالية للتأكد من أنك على المسار الصحيح:
- هل تناسبني هذه الوتيرة؟ هل كنت طموحاً أكثر من اللازم أو صارماً في جدولي الزمني أم أنني بحاجة إلى تسريع الأمور؟
- ما الذي تعلمته ويمكنني إضافته إلى رصيد مهاراتي وقدراتي؟
- هل تتماشى خطتي مع أهداف مؤسستي الحالية وتخدم تطلعاتي على المدى الطويل في آن معاً؟
- هل تمدني هذه الخطة بالطاقة أو الإلهام لمواصلة التعلم؟
- هل تستنزف هذه الخطة طاقتي أو تجعلني أشعر بأن هذا المسار ليس مناسباً؟
كما يجب أن تأخذ هذه التعديلات في الحسبان ملاحظات مديرك وموجهيك وأقرانك، بالإضافة إلى المدربين الخارجيين والخبراء والأكاديميين. شارك خطتك واطرح عليهم الأسئلة التالية:
- هل ترى أي نقص في هذه الخطة؟
- هل هناك أي خبرات أو مهارات إضافية تنصحني بتطويرها في هذه المرحلة؟
- هل هناك طريقة أفضل لإتقان إحدى المهارات المذكورة في قائمتي؟
- بالنظر إلى ما تعرفه عني، هل تعتقد أنه بإمكاني تحقيق هذه الأهداف في الوقت المناسب؟ هل خطتي متسرعة جداً، أو بطيئة جداً؟
- هل هناك أدوار أخرى يجب أن أفكر فيها؟
بعد أن تفكر ملياً في خطتك وتجمع الملاحظات، خذ وقتك لتعديلها. على سبيل المثال، قد تحتاج إلى تعديل المهل الزمنية لاكتساب مهارات معينة ضرورية لخطوتك المهنية التالية. أو قد تضطر إلى التخلي عن دورة تعليمية أو تجربة لن تخدمك على المدى الطويل.
حين تبدأ رحلة التطوير المهني يجب أن تتبنى عقلية النمو والتفكير فيما هو أبعد من المدى المنظور، فقد حان الوقت لإعادة صياغة عملية التخطيط المهني وتحويلها من مجرد مهمة سنوية تؤديها بصورة روتينية إلى عملية تطوير مستمرة تقربك من أهدافك. التخطيط لخمس سنوات بدلاً من سنة واحدة يتيح لك المجال لتوسيع إمكاناتك ومواكبة التغيير. لديك حياة واحدة، فتولى زمامها ولا تنس أن طموحاتك لا حدود لها.