يعتبر وضع الحدود المهنية أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على بيئة عمل صحية ومستدامة، لكن العديد من الموظفين والمدراء يواجهون تحديات كبيرة عندما يتعلق الأمر بتحديد هذه الحدود دون أن يبدو الأمر عدائياً أو يثير الصراعات. في هذا المقال، سنتناول كيفية وضع حدود مهنية بفعالية مع الحفاظ على العلاقات المهنية الإيجابية.
الحدود المهنية هي الحدود التي تحدد المساحة الشخصية بين الأفراد في بيئة العمل. وهي تتعلق بكيفية التفاعل مع الآخرين، والأوقات التي تكون فيها متاحاً للعمل، ومدى استعدادك لتحمل مسؤوليات أو مهام إضافية خارج نطاق وظيفتك. تتمثل الحدود المهنية في تحديد ما هو مقبول وغير مقبول من حيث العمل، سواء كان ذلك في المواعيد، أو في مستوى الدعم المطلوب منك.
إنّ وضع حدود واضحة في بيئة العمل له تأثير إيجابي على الأداء النفسي والصحي، إذ ووفقاً لدراسة أجرتها الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA)، يمكن أن تؤدي بيئة العمل التي تفتقر إلى الحدود إلى مستويات عالية من التوتر والقلق بين الموظفين، ما يؤدي بدوره إلى الإرهاق وزيادة معدل دوران الموظفين. كما تبين أن الموظفين الذين يحددون حدوداً واضحة في مكان العمل يكونون أكثر قدرة على التوازن بين حياتهم الشخصية والمهنية ويشعرون بمزيد من الرضا الوظيفي
قد يكون من الصعب على البعض وضع حدود بسبب الخوف من أن يُنظر إليهم على أنهم غير متعاونين أو عدائيين. هذا الشعور يعود في جزء كبير منه إلى الضغط الاجتماعي داخل بيئة العمل الذي يروج لفكرة العمل الجماعي بلا حدود. ولكن على الرغم من أن هذه الحدود قد تبدو غير متوافقة مع المعايير الاجتماعية في العمل الجماعي، إلا أنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار النفسي والجسدي.
كيفية وضع حدود مهنية دون أن تبدو عدائياً
1. التواصل بوضوح وباحترام
التواصل هو العنصر الأساسي في وضع الحدود المهنية دون خلق توترات. عليك أن تكون صريحًا ولكن بلغة محترمة وواضحة. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بأنك متحمس لمساعدة زميل في مشروع إضافي ولكنك غير قادر على تحمل عبء العمل، يمكنك قول شيء مثل: "أود مساعدتك، ولكن لدي التزامات أخرى تتطلب انتباهي في هذه الفترة. يمكننا مناقشة كيفية تقديم الدعم في وقت لاحق."
2. تعلم قول "لا" بطريقة لطيفة
من المهم أن تتعلم كيفية قول "لا" عند الحاجة دون أن تكون جارحاً أو قاسياً. توصي خبيرة تطوير الذات ميل روبنز في كتابها "قاعدة الثواني الخمس" (The 5 Second Rule) بأن استخدام عبارات مثل "أقدر طلبك، لكنني غير قادر على تلبية هذا في الوقت الحالي" يمكن أن يساعد في وضع حدود بشكل لطيف ولكن حازم.
3. تحديد التوقعات منذ البداية
عند البدء في أي مشروع أو عند التفاعل مع زملاء العمل أو المدراء، من الضروري وضع التوقعات بوضوح من البداية. هذا يشمل توضيح ساعات العمل المتاحة، والموارد التي يمكنك تقديمها، والأدوار التي تتوقع منك القيام بها. في تقرير من شركة ديلويت (Deloitte) عن بيئة العمل الرقمية، تبيّن أن تحديد التوقعات الواضحة في بداية كل علاقة عمل يقلل من الصراعات ويزيد من فعالية التعاون.
4. الانتباه للغة الجسد والنبرة الصوتية
عند التواصل مع الآخرين بشأن الحدود المهنية، يجب أن تكون حذراً في نبرة الصوت ولغة الجسد. يجب أن تكون متسقة مع الرسالة التي تحاول نقلها. من خلال الحفاظ على نبرة صوت هادئة وواثقة، ستكون قادراً على نقل حدودك دون أن تكون هجومياً. في مقال من هارفارد بزنس ريفيو، أكد الخبير جون بالدوني أن الطريقة التي يعبر بها الأفراد عن احتياجاتهم وتوقعاتهم تؤثر بشكل كبير على كيفية تلقي رسالتهم من قبل الآخرين.
5. التفاوض على الحدود
أحياناً يتطلب الأمر التفاوض على الحدود. قد تشعر أنه من الصعب الحفاظ على حدودك إذا كان لديك زملاء عمل أو مدراء يتوقعون منك القيام بمهام إضافية. ولكن يمكنك التفاوض على ما يمكنك القيام به بطريقة مرنة. على سبيل المثال، إذا طُلب منك العمل لساعات إضافية بشكل متكرر، يمكنك التفاوض على ساعات مرنة أو حتى تقليل عدد المشاريع التي تتحملها في الوقت نفسه.
وضع الحدود بشكل فعال له العديد من الفوائد. وفقاً لدراسة أجراها المعهد الوطني للصحة في أميركا يساهم تحديد الحدود المهنية في تقليل التوتر وزيادة الإنتاجية. كما تبين أن الموظفين الذين يحددون حدوداً شخصية واضحة في العمل يعانون من مستويات أقل من الإرهاق ويحققون توازنًا أفضل بين العمل والحياة.
وضع حدود مهنية واضحة أمر ضروري لضمان بيئة عمل صحية ومنتجة. من خلال اتباع استراتيجيات التواصل الواضح والتفاوض المناسب، يمكن للموظفين أن يحافظوا على علاقتهم المهنية الجيدة مع زملائهم ومدرائهم دون أن يظهروا عدائيين. إن القدرة على وضع هذه الحدود بذكاء ولباقة ستؤدي إلى تعزيز الإنتاجية وتقليل مستويات التوتر، ما يعزز الصحة النفسية والرفاهية في بيئة العمل.