ملخص: يجب على المسؤولين التنفيذيين إعداد وثيقة بسيطة تُدعى وثيقة الاستراتيجية الرئيسية توضح معالم استراتيجياتهم وكيفية شرحها للموظفين. ويجب أن يستهلوا تلك العملية بتخيّل شركاتهم بعد نحو 5 سنوات من النجاح من منظور مراسل مستقل. كيف سيبدو النجاح حينها؟ وما الخيارات التي أسهمت في تحقيق النجاح؟ ثم يمكنهم بعد ذلك ملء عناصر وثيقة الاستراتيجية الستة استناداً إلى المستقبل المتخيّل، وهي مصادر الإيرادات المخطط لها، وافتراضات التشغيل الرئيسة، والغايات الرئيسة المنشودة، والآثار المترتبة على الإيرادات من تلك الغايات والافتراضات، والاستثمارات المطلوبة، واحتياجات البنية التحتية الإضافية. ولا ينبغي اعتبار وثيقة الاستراتيجية الرئيسية مستنداً متكاملاً بعد إعداده، بل يبقى وثيقة قابلة للتعديل مع تغيّر الظروف.
على الرغم من كمّ البحوث المكتوبة حول مفهوم الاستراتيجية، لا يزال المفهوم غامضاً. ولا يزال القادة يواجهون صعوبات في وضع الاستراتيجيات ومشاركتها مع فرقهم في الممارسة العملية. وقد كان ديفيد كوليس ومايكل روكستاد صريحين بهذا الشأن في مقالهما المنشور عام 2008 بعنوان "هل يمكنك الإفصاح عن استراتيجيتك؟" بقولهما: "لا يمكن لمعظم المسؤولين التنفيذيين التعبير عن أهداف أنشطتهم التجارية ونطاقها وميزاتها في بيان بسيط. وعندما يفشل المسؤولون التنفيذيون في تلك المهمة، فلا يمكن لأحد آخر النجاح فيها".
وسأصف في هذه المقالة وثيقة تمثّل جسراً بين الاستراتيجية والتواصلات الدائمة التي يجب إجراؤها لحثّ مختلف أصحاب المصلحة على تقديم الدعم اللازم لها. وأُدعو تلك الوثيقة "وثيقة الاستراتيجية الرئيسة" لأنها تصف كيفية تحويل الاستراتيجية إلى تدفقات محددة من الموارد. فكما يربط عمودك الفقري العديد من أجزاء جسمك معاً لخلق القدرة على الحركة، توضح وثيقة الاستراتيجية الرئيسة لأصحاب المصلحة الرئيسيين كيفية تواؤم جميع عناصر الاستراتيجية معاً.
التعلم من المستقبل
التزم الوضوح بشأن الأهداف النهائية والنطاق والمزايا الرئيسة قبل أن تبدأ إعداد وثيقة استراتيجيتك الرئيسة، كأن تضع إطاراً زمنياً من 5 إلى 6 سنوات. وأنصح أولئك الذين ينخرطون في إعداد استراتيجية هدفها كتابة قصة نجاح من المستقبل أن يكتبوها وفق الأسلوب الذي قد يروي به مراسل ما من إحدى دور النشر الرائدة في قطاعك قصة نجاحك بإعجاب.
كيف سيبدو تحقيق النجاح في ذلك العالم حينها؟ ما التجارب التي سيخوضها الزبائن والتي سيكونون على استعداد لدفع ثمنها؟ مَن شركاء بيئة العمل الذين ستتعاون معهم؟ وما طبيعة البيئة التي سيعمل فيها موظفوك؟ إذا كنت تعمل في مؤسسة موجهة بالمهام، فما نوع التأثير الذي ستحدثه وعلى مَن؟ تأكد من ذكر القرارات الرئيسة وخيارات تخصيص الموارد التي اتخذتها لتحقيق هذا النجاح في المستقبل.
وستجد خلال هذه العملية أنك تتخذ قرارات بشأن الخيارات التي قادتك إلى تحقيق ذلك النجاح وبشأن الأمور التي قد تشغلك عن تحقيقه، سواء كان اتخاذك لها عن قصد أو دون قصد. ويمكنك بعد ذلك معاودة التفكير في الحاضر وملء وثيقة الاستراتيجية الرئيسة.
إعداد وثيقة الاستراتيجية الرئيسية
تتكون وثيقة الاستراتيجية الرئيسية من 6 عناصر:
-
- مصادر الإيرادات: إذا كنت تجهل كيفية تحديد مصدر لمواردك المهمة، فعليك بذل جهد كبير لإعداد استراتيجية متينة. والأسئلة الأساسية التي يجب طرحها هنا هي: من سيقدم لك الأموال؟ وكيف؟ ولماذا؟ وباستخدام أي نموذج عمل؟ ستكشف الإجابة عن تلك الأسئلة مضمون بقية المستند كاملاً، ومن الضروري لذلك أن تكون واضحاً للغاية في إجاباتك.
- الافتراضات الرئيسة. إن الاستراتيجية التي تنقل مؤسستك إلى المستقبل تتيح لك الاستعداد لعالم غير موجود بعد. وستذكر في هذا الجزء من الوثيقة أهم الافتراضات التي تضعها فيما يتعلق بمصادر إيراداتك. تجنّب أن تكون دفاعياً هنا إذا واجهت تحدياً ما بشأن افتراضاتك، بمعنى آخر، حاول ألا تقع فريسة إظهار أنك على حق عندما تكون مهمتك مقتصرة على التعلم فقط.
- الغايات الرئيسة المنشودة استناداً إلى إطارك الزمني: حدد بعد ذلك المقاييس التي يمكن لأصحاب المصلحة استخدامها لتقييم التقدّم المحرز نحو الأهداف النهائية الرئيسة في وقت ما في المستقبل، على سبيل المثال، في غضون 5 سنوات. ومجدداً، يجب أن تستند تلك المقاييس إلى مصادر إيراداتك. قد تضطر إلى تغيير المقاييس بمرور الوقت عندما تحوّل افتراضاتك إلى حقائق، لكن من المفيد توثيقها كتابياً أيضاً لئلا تجد نفسك في عالم تضطر فيه إلى تغيير أهدافك باستمرار.
- الآثار المترتبة على الإيرادات استناداً إلى إطارك الزمني: بعد أن تحدد مصادر الإيرادات والافتراضات الرئيسة والغايات المنشودة، عليك أن توضح أثر تلك الخطوات على الإيرادات التي ستحققها الاستراتيجية عندما تصل إلى الأفق الزمني المحدد. وترتبط هذه الخطوة بالتخطيط الموجه بالاكتشاف الذي نقترح فيه وضع تعريف للنجاح قبل بدء العمل على خطة في ظروف غير مؤكدة.
- الاستثمارات الداعمة اللازمة: تتطلب هذه الخطوة التالية توضيح الاستثمارات اللازمة لإنشاء عرض كامل لكل مزود من مزودي الإيرادات. فإذا كنت بحاجة إلى الاستثمار في التكنولوجيا، فستذكر هنا شراء أصل مادي، وتعيين عدد معين من الموظفين، أو غير ذلك. ومن المهم أن يفهم أصحاب المصلحة العلاقة بين الإيرادات المحتملة في المستقبل والاستثمارات التي تُجرى اليوم.
- احتياجات البنية التحتية الإضافية: قد تضطر أحياناً إلى تقديم التزامات أساسية بإجراء تحديثات مستمرة بصرف النظر عن الاستثمارات المطلوبة لدعم كل مصدر إيرادات. وقد يعني ذلك إجراء استثمار للتخلص من الأنظمة القديمة، وإدخال بنية تحتية مادية إلى جانب الأنظمة الرقمية، وتحديث التجهيزات القديمة، وما إلى ذلك. ويجب أن تميّز هنا بين المجالات التي عليك الاستثمار فيها لدعم القوة التشغيلية كاملاً، والمجالات المرتبطة بجزء معين من استراتيجيتك فقط.
ولتوضيح المعنى الفعلي لوثيقة الاستراتيجية الرئيسة، لنلق نظرة على كيفية تعامل شركة معروفة مع فرصة جديدة. سأبدأ بوصف استراتيجية الشركة ثم أملأ عناصر وثيقة الاستراتيجية الرئيسة. ولا بدّ لي من الإشارة إلى حقيقة أني لا أعمل مع هذه الشركة ولا أمتلك أي معلومات داخلية منها.
منصة شركة يونيليفر (Unilever) لتعزيز الجمال الإيجابي
أطلقت شركة يونيليفر العملاقة للسلع الاستهلاكية المعبأة مشروعاً جديداً في شهر سبتمبر/أيلول عام 2021 أطلقت عليه اسم "منصة تعزيز الجمال الإيجابي". وهو جزء من استراتيجية أكبر للشركة تهدف إلى ربط قضيتي عدم المساواة والاستدامة البيئية. تمثّل العلامات التجارية المستدامة بالفعل فرصاً عالية النمو للشركة، حيث ذكرت في عام 2019 أن علاماتها التجارية الموجّهة بالغرض قد تفوقت على العلامات التجارية الأخرى في محفظتها الاستثمارية من حيث النمو.
وتسعى المنصة إلى تمويل الشركات الناشئة وذات النمو السريع لإطلاعها على أساليب الشراء المتغيّرة لدى الزبائن، ولا سيما من خلال الآليات التي تنطوي على الروابط الاجتماعية. حيث وجد بحث أجرته شركة غراند فيو (Grandview) أن طريقة الشراء تلك تُقدّر قيمتها بحوالي 474.8 مليار دولار في الحجم اليوم، لكن من المتوقع أن تنمو بسرعة إلى حوالي 3.4 تريليونات دولار بحلول عام 2028. وذلك يعني إجراء استثمار كلاسيكي في مجموعة من الخيارات، بمعنى آخر، استثمارات ذات إمكانات تطوير ضخمة تنطوي على جوانب سلبية محدودة نسبياً.
قد يرغب المرء بالممارسة العملية في معرفة الأهداف النهائية التي تتيح للمشروع المساهمة في قسم العناية الشخصية. وعلى الرغم من أنني غير مطلع على تلك المعلومات، يمكننا الحديث عما نعرفه فقط. بلغت عائدات القسم في عام 2019 حوالي 24.5 مليار دولار أميركي، ولا تزال تحقق نمواً من ذلك الحين، بحسب شركة ستاتيستا (Statista).
ومن الواضح أن إحدى غايات تلك الاستراتيجية هي الاجتماع مع الزبائن أينما كانوا، وهو أمر لم تعهده متاجر البيع بالتجزئة التقليدية بالنسبة للمنتجات التي تبيعها شركة يونيليفر. في الواقع، أفاد المحرر في مجلة ديغيداي (Digiday)، سيب جوزيف، أن 8% من إجمالي مبيعات شركة يونيليفر عام 2020 أتت من قنوات التجارة الإلكترونية، مقارنة بنسبة 6% العام السابق. وإذا أجرينا حسابات مستقبلية، فسنجد أن التجارة الإلكترونية ستمثّل 10% من مبيعات القسم، وذلك يعني استثمارات لجني 2.5 مليار دولار من إنفاق المستهلكين من قبل أولئك المنخرطين في الأنشطة الاجتماعية إلى جانب التجارة.
وثيقة استراتيجية رئيسية افتراضية
يُظهر الشكل التوضيحي وثيقة الاستراتيجية الرئيسية وعناصرها كاملة. قد يكون من الصعب ملء الوثيقة بالأرقام والغايات المحددة دون امتلاك معلومات داخلية، لكنني سأقدم بعض الأمثلة التوضيحية.
اطلع على المزيد من مخططات هارفارد بزنس ريفيو في قسم "إنفوجراف".
كيف يمكنك استخدام الوثيقة؟ يمكن اعتبارها وثيقة قابلة للتعديل تساعد على دمج مبادئ العمل المرن في الاستراتيجية، ويمكنك في الواقع إعداد وثيقة وإثراء معارفك والتماس التقييمات ثم تحديثها عند اكتسابك معلومات جديدة. وستتيح لك الوثيقة بتنسيقها البسيط إدراك مدى تواؤم جميع العناصر المختلفة للإيرادات والاستثمار معاً. ويمكنك حتى استخدامها للماضي لإعداد المقاييس السنوية والأهداف التي أصبحت جزءاً من خطة التشغيل، وهو ما يتيح لك تعديل الخطة في أثناء اختبار افتراضاتك وتعلّم المزيد حول ماهية الأساليب المجدية. حظاً سعيداً!