خلال مسيرتي المهنية، سنحت لي الفرصة للعمل مع أشخاص يقومون بأمور رائعة، سواء كانوا مبتكرين أو رواد أعمال أو صنّاع أفلام وغيرهم. إذ يحطم هؤلاء الأعراف ويغيرون السائد ويُدخلون علينا البهجة بطرق جديدة. وعلى الرغم من الاختلافات في أساليبهم وشخصياتهم ومجالات سعيهم، إلا أن هناك تشابهاً صارخاً فيما جعلهم ناجحين. على وجه التحديد، هم يدمجون موهبتهم مع توازن مهم بين الثقة بالنفس والتعاون.
من تجاربي الشخصية مع قادة مثل الراحل ستيف جوبز من شركة "آبل"، وإد كاتمول وجون لاسيتر من شركة "بيكسار"، رأيت أن ثقتهم تأتي عبر طرق عديدة:
أولاً، هم يعيشون وفقاً لرؤية، ولديهم الشجاعة للتمسك بها. قبل وقت طويل من توافر تقنية صنع فيلم الرسوم المتحركة التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، كان كل من كاتمول ولاسيتر مصممين على صنع فيلم. ومع أنه كانت هناك العديد من العوائق التي جعلتهم دوماً على وشك الفشل، إلا أنهم تمسكوا برؤيتهم. وبالمثل، لم يتخل جوبز أبداً عن حلمه في جعل "آبل" شركة تقنيات المستهلكين الأروع، حتى خلال الأعوام الاثني عشر التي كان فيها بعيداً عن الشركة.
وفي غضون ذلك، يركز هؤلاء الرواد على التفاصيل. هم يؤمنون أنهم يعرفون خير المعرفة كيف يمكنهم جعل أفكارهم واقعاً، ولا يستسلمون حتى تتحقق معاييرهم العالية. وكان جوبز أسطورة في هذا: فقد فكر في كل شيء من وظائف المنتج إلى تصميم غلافه. ورأيت لاسيتر يوظف نفس الانتباه في كل إطار ضمن أفلام بيكسار.
هناك عامل آخر يُضخم الثقة بالنفس والعزيمة في هؤلاء الأفراد، يتمثل في مدى عمق معرفتهم بتاريخ مجالهم. فقد درس جوبز صناعة الكمبيوتر والإلكترونيات، وكان بإمكانه سرد ليس فقط ماضي صناعة الكمبيوتر بل أيضاً تاريخ صناعة إلكترونيات المستهلك. وكان كاتمول يقول عادة إن أي صانع أفلام يودّ أن يُصبح خبيراً في إخبار القصص عليه أولاً أن يُتقن بنية الحكاية التقليدية. في جميع الأحوال، لدى هؤلاء أيضاً تباه بالأعراف. ولديهم طاقة ثائرة ومعدية وهم يسعون دوماً لاختراق الحواجز ومحاربة البيروقراطية، ويشككون في صلاحية الوضع الراهن. كما أن معرفتهم العميقة بالتاريخ تعزز ثقتهم في تغيير النموذج الفكري.
لكن مع أن جميع هذه النواحي في الثقة ضرورية لتحقيق العظمة، إلا أن تأثيرها الجمعي يجنح خارجاً عن السيطرة إن تُرك دون ضوابط. فقد وُضع اللوم في الإخفاقات الشهيرة لكل من آبل ليزا وماكينتوش الأول وكمبيوتر نكست على تعنت جوبز، كما توقف إنتاج "بيكسار" لفيلم "قصة لعبة" بسبب مشاكل في القصة لم يتم حلها.
نحن بحاجة إلى ثقل موازنٍ، هو التعاون.
يكمن التحدي في أن الثقة الذاتية المطلوبة للتقدم إلى الأمام تتآمر ضد الحاجة الظاهرة للتعاون الجيد. وهناك طريقتان استخدمهما القادة أمثال جوبز وكاتمول ولاستير للتغلب على هذا التحدي.
أولاً، يحيطون أنفسهم بالأشخاص المناسبين. يتمثل المعيار في هذه الطريقة بالموهبة الحية على اختيار الأشخاص المساهمين. إضافة إلى أن للسياسة والأقدمية اعتبار صغير في الاختيار هنا. على سبيل المثال، ركزت "بيكسار" على الفن مع فريقها ذائع الصيت "أمناء العقل"، وهو فريق صغير من رواة الحكايات المشهود لهم بإنجازاتهم، توكل إليهم مهمة مساعدة المخرجين على تطوير الأفلام. حتى كبار التنفيذيين يُستثنون من هذا الفريق. وقد كان معروفاً عن جوبز تقبله فقط للممتازين من الأشخاص.
ثانياً، يستمعون إلى الأفكار والنقد. لا يعني هذا أنهم سوف يغيّرون رؤيتهم أو رأيهم حول التنفيذ. لكن التعاون الناجح يعني أن القادة الواثقون من أنفسهم يحرصون على البقاء منفتحين لسماع وتقييم ما تقوله حلقتهم المقربة، ويقاومون ما يُعتبر عادة هفوة في التعاون الجيد، فالانحياز التأكيدي، هو أن يعطي شخص ما أهمية كبيرة لوجهات نظر تصادق على أفكاره الخاصة. في قمة عطائه، كان لدى جوبز حلقة صغيرة جداً من المستشارين المختارين بعناية، وكان يضع جانباً رغبته الجامحة بتجنب الاستماع لنصائحهم. من خلال توليفة ملهمة من الإتقان والتواضع.
إذاً، يتطلب التميّز سمتين يصعب وجودهما معاً: ثقة قوية بالذات ورغبة بالتعاون. إذا توافرتا لدى القائد، فستحصل العجائب.