لا تدع الهياكل الإدارية التي عفا عليها الزمن تقضي على شركتك

3 دقائق

تحدثتُ، خلال مشاركة استشارية في تكتل شركات تبلغ قيمته 50 مليار دولار أميركي، إلى شاب كان يُبدي قلقاً بشأن التجاوزات المحتملة في تكاليف أحد المشاريع. وسألته عما إذا كان قد اصطدم بحجر عثرة. فقال "إنها حقاً ليست قضية كبيرة، فأنا أعلم أننا نمتلك الخبرات الفنية الداخلية لحل هذه المشكلة، فقط يتعين عليّ الحصول على موافقة بعض الزملاء من فريق آخر". وسألته: إذن، أين تكمن المشكلة؟ فرد قائلاً "أنتظر أن يعطيني مديري إشارة البدء".

وتعمل هذه الشركة على نسق هيكل "المركز والأطراف" الإداري، التي تُحال فيه القرارات المهمة إلى المدير الرسمي للمرء بدلاً من إحالتها إلى الشخص الأكثر ملاءمة لاتخاذ القرار، بصرف النظر عن منصبه في السلّم الوظيفي. وقد منح هذا الهيكل الإداري الشركة القدرة على اتخاذ القرارات بسرعة في الأيام الأولى. لكنّه، في الوقت الحالي، يؤدي إلى إبطاء المؤسسة نظراً لما جُبل عليه من عجز في إفساح المجال لاتخاذ قرارات سريعة وتعاونية ومشتركة بين الأقسام الوظيفية المختلفة. (وفي هذه الشركة، على غرار العديد من الشركات الأخرى، فإن تحقيق القيمة - في أغلبه - يحدث عبر العمل الذي تقوم به فِرق المشاريع المشتركة بين الأقسام الوظيفية المختلفة).

وقد لاحظتْ إدارة هذه الشركة هذه الفجوة وطلبتْ المساعدة في الإجابة عن السؤال المتمثل في: هل يتعين عليها مراجعة هيكلها الإداري للسماح بتحسين التعاون بين كل فريق من الفِرق في الشركة؟

إذ إنه وفق نموذج "المركز والأطراف"، فكل مجال من المجالات يُحسّن كفاءته لتحقيق النتائج التي تنشدها القيادات العليا (أو المركز، بالاستخدام المجازي للمركز والأطراف)، ولكسب ود هذه القيادات. وفي الأسواق المعاصرة ذات الوتيرة المتسارعة، فإن الفِرق التي يتعين عليها الوقوف مكتوفة الأيدي انتظاراً لقيام القائد بتدارس الأمر تخسر المنافسة قبل أن تبدأها. ويتعين على القادة، بالأحرى، رسم أفق واضح يمثل مصدر إلهام للفِرق ذاتية الحركة للمضي قدماً في ضوء التعاون الآني، ومن ثَم الخروج من طريقها الذي تشقه.

وينطوي هذا التحول على أمر مهم حقاً بشأن الطبيعة المتغيرة للقيادة. ويقول كيفن مارتن، الرئيس التنفيذي للأبحاث بمعهد الإنتاجية المؤسسية (i4cp) إنه "يجب أن تنظر المؤسسات إلى القادة عبر منظار مختلف. حيث إن الفطنة والمهارات التجارية قد أضحت الآن هي الحد الأدنى الذي يجب توفره. والأمر الذي يُحدث التغيير الأكبر على فعالية القيادات العالمية هو قدرتها على التأثير في التعاون بين الثقافات والحدود والتخوم المختلفة وعلى دفع هذا التعاون".

ومن الواضح أن التحول في الكفاءات القيادية يتطلب تحولات مكملة في الهيكل التنظيمي وعمليات اتخاذ القرارات وأنظمة إدارة الأداء. تخيّل، بدلاً عن نظام المركز والأطراف، مضمار سباق يمكن لكل فريق ذاتي الحركة أن ينافس فيه على أساس أربعة مقومات أساسية:

1- التداخل بين الأهداف. ستتسم الأهداف بتداخل ملحوظ، فكل فرد وكل فريق يفهم أنهم يسعون لتحقيق هدف مؤسسي جماعي واحد.

2- أوجه الترابط بين الأدوار. سوف يؤدي كل فرد وكل فريق وكل قسم وظيفي دوراً مختلفاً في هذا السباق، وفي الوقت نفسه يدعمون أدوار بعضهم البعض. وينبغي لكل فرد أن يكون واضحاً بشأن كيفية الارتباط بين أدوار الأفراد والفِرق والأدوار المؤسسية.

3- التعاون المستمر. تشكل الحقيقة المتمثلة في أنه ما من فرد أو فريق يمكنه الفوز بهذا السباق وحده صميم الأساس الذي يرتكز عليه هذا النموذج. فهم سوف يفوزون فحسب إذا أدوا أدوارهم على أكمل وجه وساعدوا الأشخاص الآخرين المرتبطين بهم.

4- إعادة الاكتشاف المستمرة. ستقوم الفِرق، على نحو مستمر، بمعالجة البيانات الجديدة، وهو ما يخلق مشهداً من التعلم وإعادة المواءمة بين المستويات المختلفة.

وتوجد بعض الإشارات المبكرة على التخلي عن نهج الإدارة وفق مفهوم المركز والأطراف. فتعتبر مراجعة الأداء المنتشرة انتشاراً واسعاً إحدى الوسائل الرئيسة على ذلك النظام. وفي الوقت الحاضر، تفيد 6% من شركات فورتشن 500 بالتخلي عن التصنيفات، وفق شركة الأبحاث الإدارية "سي إي بي" (CEB). وتحتوي هذه الشركات على أسماء كبيرة مثل شركات "مايكروسوفت" (Microsoft)، و"أدوبي" (Adobe)، و"غاب" (Gap)، و"ميدترونيك" (Medtronic). في خريف عام 2016، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة "أكسنتشر" (Accenture) لصحيفة "واشنطن بوست" Washington Post أن شركته، أيضاً، ستتخلى عن المراجعة السنوية للأداء واصفاً هذه الخطوة بأنها "ثورة هائلة".

والسؤال الوجيه الذي يطرحه عليَّ عملائي في الوقت الحالي هو: هل يستحق إحداث هذا التغيير المخاطر المترتبة عليه؟ وردي على ذلك بسيط، وهو أنه: لا بد مما ليس منه بُد. فيتعين عليك إحداث هذا التغيير إذا كنت تود البقاء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي