تقرير خاص

كيف أعادت أبوظبي تشكيل قطاع الطفولة المبكرة لجذب الاستثمارات والابتكارات؟

7 دقائق
هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة
shutterstock.com/marikun
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مقابلة:

  • المدير التنفيذي لقطاع المعرفة والريادة في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، الدكتور يوسف سالم الحمادي.
  • أخصائي المواكبة والابتكار بقطاع المعرفة والريادة بالهيئة، مريم أحمد حسني.
  • مستشارة مشاريع بقطاع المعرفة والريادة بالهيئة، تارا نعمة.

إنفاق دولار واحد على برامج الرعاية والتعليم المبكرين يولد 8.60 دولارات في النشاط الاقتصادي. الاهتمام بالطفل في مرحلة مبكرة يعني معدلات جريمة أقل في المستقبل وفرص أكبر لجيل الغد في العثور على وظائف أفضل.

هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة (ECA) واحدة من الهيئات التي تدرك جيداً عائدات الاستثمار في جيل المستقبل. وضعت الهيئة استراتيجيات فعالة لبناء اقتصاديات متمحورة حول الطفل، في قلبها مبادرة “أنجال زِ” (ANGAL Z) وهي مبادرة تهدف إلى تشجيع الشركات الناشئة على تقديم حلول لأبرز التحديات التي تواجه قطاع تنمية الطفولة.

هارفارد بزنس ريفيو أجرت مقابلة مع وجوه قيادية في الهيئة من أجل فهم استراتيجيات الهيئة وكيف تقنع المستثمرين والمبتكرين على توجيه جهودهم لقطاع لا يخلو من فرص اقتصادية هامة.

ويتحدث المدير التنفيذي لقطاع المعرفة والريادة في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة الدكتور يوسف الحمادي، ورئيس قسم المواكبة والابتكار بالهيئة بالإنابة، مريم حسني، ومستشارة مشاريع في القسم ذاته، تارا نعمة، عن إمكانات نمو القطاع في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وأسس مبادرة “أنجال ز” ورؤيتها.

أولاً، ما المقصود ببناء اقتصادات متمحورة حول الطفل؟

د. يوسف الحمادي: على مدار التاريخ، يُنظر إلى قطاع الطفولة المبكرة باعتباره قطاعاً اجتماعياً، تموّله الحكومات فقط. ولكننا، في المقابل، نراه قطاعاً اقتصادياً واعداً، يتمتع بقدرة عالية على جذب الاستثمارات، ويمكنه المساهمة في اقتصادات الدول مثل القطاع الصناعي.

وحينما نتحدث عن الطفل، فإننا نقصد منظومة واسعة ومتشعبة. إذ يحيط بالطفل مجتمع كامل من أسرة وحضانة ومربيين ومدرسة ومستشفى وسائقين وبائعين ومصلحين اجتماعيين وداعمين نفسيين وحتى واعظين دينيين، وغيرهم، حتى إننا رصدنا نحو 120 وظيفة مرتبطة بالطفل.

وفي هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، لدينا نظرة جديدة إلى القطاع. إذ نؤمن بأنه قطاع اقتصادي واعد. فكما خلقت دولة الإمارات اقتصادات من قطاعات الطاقة المتجددة والفضاء والطيران والرعاية الصحية، وهي اقتصادات جديدة، ستخلق نظرتنا للقطاع قيمة اقتصادية عالية منه.

على المستوى العالمي، ينمو حجم سوق رعاية الأطفال بوتيرة معتدلة مع تسارع في معدلات النمو على مدى السنوات القليلة الماضية. هل ينطبق ذلك على الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟

تارا نعمة: يختلف نمو سوق رعاية الأطفال في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل بلد. وعلى الرغم من أن حجم النمو ليس مرتفعاً كما هو الحال في بعض المناطق الأخرى، غير إن هناك إمكانات هائلة لنمو الصناعة بالمنطقة بسبب التغيرات الديموغرافية، بما فيها النمو السكاني والتحضر، والطلب المتزايد على خدمات رعاية الأطفال.

فنجد بلداناً كثيرة تطلق مبادرات لتحسين جودة خدمات رعاية الأطفال وإمكانية الوصول إليها، مثل “استراتيجية رعاية وتنمية الطفولة المبكرة” التي أطلقتها حكومة الإمارات لتعزيز خدمات الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة.

منذ عام 2020، توقف ما يقرب من 20% من العاملين عن العمل لأنهم لم يتمكنوا من إيجاد خيار ممكن لرعاية الأطفال وسط الحجر والإغلاق الذي مسّ المدراس والشركات. كيف يمكن لهذا العامل أن يدفع الاقتصاد المتمحور حول الطفل إلى النمو؟

د. يوسف الحمادي: دفعت جائحة كوفيد-19 قطاعات كثيرة إلى النمو، ومن ضمنها كانت الاقتصادات المتمحورة حول الطفل. فلقد عاصرنا جميعاً ظهور شركات ناشئة متخصصة في تقديم خدمات تكنولوجيا التعليم، والتعليم عن بُعد، إلى جانب تسليط الضوء على خدمات تقديم الدعم النفسي للكبار والصغار.

ولدينا في مبادرة “أنجال ز” (ANJAL Z)، التي أطلقتها الهيئة لتشجيع الشركات الناشئة التي تركز على إيجاد حلول مبتكرة لمشكلات الطفولة المبكرة، نحو 20 شركة ناشئة لم تكن موجودة قبل عامين.

توصل أحد الأبحاث حول برامج الرعاية والتعليم المبكرين إلى أن إنفاق دولار واحد في هذه البرامج يولد 8.60 دولارات في النشاط الاقتصادي. كيف تعمل هيئة أبو ظبي للطفولة المبكرة كجزء من القطاع العام على تعزيز هذا التأثير الاقتصادي؟

د. يوسف الحمادي: ننظر في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة إلى الطفولة المبكرة كقطاع واعد يخلق قيمة اقتصادية، وهي النظرة التي قادتنا إلى إطلاق مبادرات لجذب رواد الأعمال والمستثمرين للقطاع، مثل برنامج “أنجال ز”، وتدشين معرض لاستعراض خدمات القطاع الخاص للشركات الناشئة والصغيرة بغيّة ربطها مع المجتمع.

كما عملنا أيضاً مع مكتب أبوظبي للاستثمار لدعم الشركات الناشئة في القطاع، إذ نقدم لها دعماً مادياً يصل إلى 700 ألف درهم، وخدمات تدريبية واستشارية، ومساحات للعمل، لمساعدتها على تعزيز نجاحها وضمان خلق المزيد من الفرص لتقديم خدماتها إلى المجتمع.

تبذل هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة جهوداً في مجالات مختلفة لضمان تقديم الرعاية بكافة أنواعها للأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم. كيف يُسهم الاستثمار في هذه المرحلة العمرية تحديداً في النمو الاقتصادي؟

د. يوسف الحمادي: توضح دراسة أجراها الباحث الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل جيمس هيكمان أن الاستثمار في الأطفال قبل 5 سنوات مختلف تماماً عن المراحل العمرية التي تلي ذلك. فكلما بدأنا مبكراً، ارتفع العائد على الاستثمار. وفي المقابل تكون التكلفة الاقتصادية للطفل الذي لم يلق الرعاية المطلوبة خلال مراحل الطفولة المبكرة مرتفعة بشكل كبير .

فعلى مستوى الصحة، تقود برامج رعاية الطفولة المبكرة إلى خفض خطر إصابة الأطفال بأمراض مزمنة بنسبة تتراوح بين 20% إلى 50%، وانخفاض المشاكل المتعلقة بالمخدرات أو الكحول بنسبة 50%. وعلى مستوى التعليم، يسهم الاستثمار في الأطفال قبل 5 سنوات في زيادة مستويات الذكاء بأكثر من 11 نقطة، وزيادة احتمالية إتمامهم المرحلة الثانوية بنسبة تزيد على 33%، وانخفاض الحاجة إلى برامج تعليم خاصة بنسبة 50%.

وعلى مستوى الإنتاجية، يرتفع متوسط الدخل الشهري للأشخاص الذين تلقوا برامج الرعاية المبكرة إلى أكثر من 30%، وتزداد احتمالية عثورهم على عمل أفضل، إضافة إلى أن هذه البرامج تخفض من معدلات الجريمة في المستقبل.

هل يمكنكم إخبارنا بالمزيد عن مبادرة “أنجال ز”، وكيف أسهمت في تحقيق رؤية هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة؟

تارا نعمة: “أنجال ز” هي جزء من رؤية هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة لتحسين جودة التعليم والتنمية في مرحلة الطفولة المبكرة في دولة الإمارات. إذ تم إطلاقها في عام 2020 لتشجيع الشركات الناشئة التي تركز على إيجاد حلول لمشاكل الطفولة المبكرة من خلال برنامج زمالة تجريبي ومخصص وقائم على الشراكة، ويقدم لهذه الشركات منصة فريدة لتطوير الأفكار والمنتجات المبتكرة التي يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على تنمية الطفولة المبكرة.

توفر المبادرة للشركات الناشئة المختارة الإرشاد والتدريب والتمويل وإتاحة خطوط للتواصل مع خبراء الصناعة لمساعدتهم على صقل أفكارهم وجعلها تؤتي ثمارها، إضافة إلى دعمها رواد الأعمال في تطوير نماذج أعمالهم وتوسيع نطاق عملياتهم وربطهم بالمستثمرين المحتملين.

لقد قمنا في “أنجال ز” بدعم 31 شركة ناشئة عبر ثلاث مجموعات، وعملنا مع أكثر من 35 شريكاً محلياً من القطاعين العام والخاص، وساعدنا على تأسيس 6 شركات في أبوظبي. وتعد هذه المبادرة خطوة مهمة نحو إنشاء نظام بيئي حيوي لتنمية الطفولة المبكرة، يتماشى مع رؤية هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة لتصبح رائدة عالمياً في هذا المجال.

ما هي الأفكار التي تدور حولها دور خدمات الشركات الناشئة في مبادرة “أنجال زِ”؟

تارا نعمة: تعمل المبادرة على تمكين الشركات الناشئة المحلية والعالمية التي تعالج أفكارها التحديات الحرجة المرتبطة بتنمية الطفولة المبكرة، من مرحلة الحمل وصولاً إلى عمر الثامنة، عبر مجموعة متنوعة من القطاعات المرتبطة بالطفل، بما في ذلك الصحة والتغذية وحماية الطفل والدعم الأسري إلى جانب الرعاية والتعليم المبكرين. وإليكم مجموعة من هذه الشركات:

  • لمسة (Lamsa): تطبيق يشجع على التفاعل مع الأطفال عن طريق توفير محتوى عربي تفاعلي مستمد من الثقافة المحلية.
  • كينيدو (Kinedu): منصة فيديو تعزز التجربة التعليمية.
  • كيندرلي (Kinderly): منصة تدعم العاملين في دور الحضانة.
  • نارتشيري (Nurturey): تطبيق ذكي موجه للوالدين يعنى بإدارة صحة أطفالهم وتنميتهم.
  • أفينيداتا (Afinidata): منصة محادثة تزود أولياء الأمور بنشاطات تعليمية متخصصة تهدف إلى تنمية أطفالهم.
  • دو براين (DoBrain): تطبيق قائم على الذكاء الاصطناعي مصمم ليكون أداة مساعدة تحقق الأهداف الثلاثة للتعليم والإدراك والعلاج.
  • فنلاند واي (FinlandWay): تطبيق فنلندي يقدم أفضل ما في نظام تعليم الطفولة المبكرة الفنلندي بطريقة تنافسية من حيث التكلفة إلى دور الحضانة في جميع أنحاء العالم.
  • مونكي بوكس (MonkiBox): برنامج يدعم الأطفال في تطوّرهم المعرفي والحركي من خلال الألعاب والأنشطة القائمة على العلوم.
  • ريمد في آر (RemmedVR): منصة التطبيب عن بعد التي تستخدم نظّارات الواقع الافتراضي والتمارين العلاجية لتصحيح مشاكل الحَوَل والغمش.
  • مختبرات ثينكربيل (Thinkerbell Labs): ابتكرت أول جهاز رقمي لمحو الأمية بأسلوب برايل في العالم لمساعدة ضعاف البصر على تعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل.
  • لوكس إيه أي (LuxAI): يعني بتقديم خدماته إلى الأطفال المصابين بالتوحد، حيث يمكّن مقدمي الرعاية غير المتخصصين وأولياء الأمور من تقديم تدخلات توحد مخصصة ومهارة محددة.
  • واندر تري (WonderTree): مزوّد العلاج الطبيعي والألعاب التعليمية الذي يستخدم الواقع المعزز لمساعدة الأطفال من أصحاب الهمم على تنمية المهارات الحركية والمعرفية والتعليمية.

يوجد عدد لا بأس به من الشركات الناشئة العالمية التي تنضم إلى مبادرة “أنجال ز”. هل يوجد عدد كبير من الشركات الناشئة العربية؟ وما الذي يميّزها عن الشركات الأخرى من مختلف بلدان العالم؟

تارا نعمة: لدينا شركة محلية واحدة لكل مجموعة (نشأت في الإمارات)، ونركز الآن على توسيع المشاركة المحلية في الأفواج المستقبلية. وأبرز ما يميز الشركات العربية عن غيرها هو فهمها العميق للثقافة والممارسات العربية، ما يكوّن لديها فهماً أكثر وضوحاً ودقة لمتطلبات العملاء واحتياجاتهم.

كجزء من القطاع العام، كيف تستطيع الحكومات خلق بيئة مناسبة تجذب المستثمرين ورواد الأعمال لبدء مشروعاتهم في هذا القطاع؟

مريم حسني: يلعب القطاع العام دوراً حاسماً في خلق بيئة جاذبة بدءاً من دعم السياسات واللوائح الملائمة للأعمال إلى تطوير البنية التحتية وإتاحة الفرص لأصحاب العلاقة. إذ نعمل في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، بالتعاون مع شركائنا من القطاعين العام والخاص، على ترسيخ تنمية الطفولة المبكرة كقطاع جذاب لرواد الأعمال والمستثمرين على حدٍ سواء، وهذا ما نقوم به في برنامج “أنجال زِ” الذي يوفر للشركات الناشئة الدعم اللازم للنمو والازدهار.

ما أهم إضافة جلبتها موجة الرقمنة التي نعيشها إلى عالم رعاية الطفولة؟ وهل نتج عنها جوانب سلبية خطيرة؟

مريم حسني: أدى النمو الهائل الذي أحدثته التقنيات الجديدة إلى تحويل الصناعات في جميع المجالات، بما في ذلك قطاع رعاية الطفولة المبكرة. إذ أحدثت الرقمنة ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع رعاية الأطفال، ما سمح لنا بتوسيع نطاق المشكلات وحلها بسرعة بطرق مبتكرة. فعلى سبيل المثال، توفر موارد التعلم الرقمي للأطفال فرصاً تفاعلية وجذابة وممتعة للتعلم، مع تطوير مهارات مهمة مثل حل المشكلات والتفكير النقدي والإبداع.

وفي قطاع تنمية الطفولة المبكرة، من الضروري أن تظل في الطليعة وأن تكون تحركاتك استباقية وليست مجرد رد فعل، لذا، يجب أن نراقب عن كثب التحولات في المجالات ذات الصلة مثل جودة المحتوى ومؤشرات التنمية الاجتماعية العاطفية. وفي هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، نسعى إلى استخدام التقنيات الجديدة مع إعطاء الأولوية لرفاهية أطفالنا ونموهم الصحي.

تأسست هيئة أبو ظبي للطفولة المبكرة منذ أكثر من 4 سنوات، ما التغيير الملاحظ في عقلية المتعاملين وشركاء القطاع الذين تنشطون فيه خلال هذه السنوات؟ وهل يوجد وعي أكبر لدى المجتمع للدور المهم والنبيل الذي تقومون به؟

د. يوسف الحمادي: نعم، رصدنا اهتماماً ملحوظاً بالقطاع من قِبل هيئات وجهات مختلفة من متخذي القرار والمستثمرين والقطاعات المختلفة ذات الصلة. وتلقينا عروضاً للتعاون معنا مثل مكتب أبوظبي للاستثمار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .