كيف أدى هوس وسائل التواصل الاجتماعي بالتوسع إلى تعزيز المعلومات المضللة؟

5 دقائق
هوس وسائل التواصل الاجتماعي وتعزيز المعلومات المضللة
غيتي إميدجيز/هيروشي واتانابي

ملخص: كان الهجوم على مبنى الكونغرس الأميركي نتيجة تراكمات على مدى أعوام من المعلومات المضللة ونظريات التآمر التي أصبحت تستخدم كأسلحة على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي. هل كان بالإمكان منع هذا النوع من التسليح؟ ربما. أدى نموذج العمل السائد في هذه المنصات والذي يركز على التوسع دوناً عن الاعتبارات الأخرى إلى جعل هذه المنصات عرضة لشبكات المعلومات المضللة وما تسببه من ردود فعل سلبية متمثلة في خسارة دعم البنية الأساسية كما حدث مع منصة "بارلر" (Parler) والتهديد المتمثل في إجراءات القمع التنظيمي، كما حدث مع منصتي "فيسبوك" و"تويتر". في حين حقق نموذج العمل المرتكز على التوسع فوائد قصيرة ومتوسطة الأمد لتلك الشبكات، إلا أن مخاطره التي تم تجاهلها زمناً طويلاً وضعت المنصات قيد المحاسبة اليوم.

 

على مدى الأعوام الأربعة الماضية أصبحت المعلومات المضللة شعاراً عالمياً. فبعد التدخل الروسي في الشبكات الاجتماعية في أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، وضّح الخبراء مخاوفهم من تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى أسلحة باستمرار، وغالباً ما كانت هذه التحذيرات تلاقي رفضاً على اعتبارها غلواً.

لكن في حادثة حصار مبنى الكونغرس الأميركي في 6 من شهر يناير/كانون الثاني، تجلت قوة التآمر المنظم الذي ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. كان الهجوم نتيجة لتراكمات استمرت على مدى أعوام من المعلومات المضللة التي نشرها الرئيس ترامب، والتي ازدادت بدرجة كبيرة بعد إعلان فوز بايدن في الانتخابات، وكان أيضاً نتيجة لعدم قدرة شركات وسائل التواصل الاجتماعي على ضبط تحويل منتجاتها إلى أسلحة.

ولقد شهدنا على مر الأعوام تطور الأساليب المختلفة لهذا النوع من التسليح. ففي حين بيّن التدخل الروسي إمكانية انتشار المعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عند وضعها في المكان المناسب، فقد بيّنت حركة "وحدوا اليمين" في عام 2017 في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا الأميركية أن عدداً من المتطرفين البيض يستطيعون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التخطيط لتظاهرة عنيفة. أما حادثة حصار مبنى الكونغرس فهي تشتمل على عناصر من الحادثتين السابقتين، إذ تضمنت طيفاً أيديولوجياً أوسع من الذي كان في تظاهرة شارلوتسفيل، لكن لم ينسق المشاركون تجمعهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ببساطة بل تم جمعهم عن طريقها. كان تأييد المتمردين لدونالد ترامب هو ما جمعهم، إلى جانب اعتقادهم الخاطئ بأن الانتخابات سُرقت منه. وفي أوج تلك اللحظة استخدم ترامب وسائل التواصل الاجتماعي لإرسال رسالة فورية للمتمردين عبر هاتفه النقال من مكانه الآمن.

أثار ذلك أسئلة جوهرية حول مستقبل المنصات التي شهدت كل هذه الأحداث، إذ أجبرت المنصات الرئيسية مثل "فيسبوك" و"تويتر" على مراقبة سياساتها في الإشراف على المحتوى وباتت تواجه دعوات الخضوع للأنظمة الرقابية. أما شبكة التواصل الاجتماعي المحافظة "بارلر" التي تفتخر بنهج الحدّ الأدنى الذي تتبعه في الإشراف على المحتوى فقد خسرت بالكامل دعم البنية الأساسية الذي تقدمه "آبل" و"أندرويد" و"أمازون ويب سيرفيسز" بسبب المنشورات التي تحثّ على العنف، ومنها التخطيط والتنسيق للهجوم على مبنى الكونغرس، ومن دون دعم خدمات البنية الأساسية يصعب استمرار اتصال التطبيقات والمواقع الإلكترونية بالإنترنت.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة

لكن من أجل معرفة ما سيحدث بعد ذلك، يجب أن نطرح الأسئلة التالية: كيف أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي آلة لنشر المعلومات المضللة؟ وكيف يفسر نموذج عمل شركات التكنولوجيا ذلك؟

سيتم استغلال كل ما هو مفتوح

على مدى أكثر من 10 أعوام، تمثل نموذج العمل الذي تتبعه شركات وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة "فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" في السعي إلى التوسع. وتم التخلي عن بعض الأفكار العظيمة مثل منصة مشاركة مقاطع الفيديو "فاين" (Vine) في هذا المطلب، في حين رُبطت مؤشرات الأداء الرئيسة للمساهمين بتوسيع قاعدة المستخدمين. لكن هذا النهج مشوب بنقطة ضعف مهمة، وهي أنه عندما يعتمد نمو المنصة على انفتاحها تصبح أكثر عرضة لإساءة الاستخدام. وكما نرى اليوم فإن نموذج العمل المفتوح هذا يعرّض الشركات للمخاطر بطرق تجبرها اليوم على مراقبتها.

مرت الشركات بعدد من المراحل التي أفضت بها إلى هنا. وكل مرحلة منها وضحت بطريقتها طرق استغلال ضعف نماذج العمل المفتوحة المركزة على التوسع المتبعة في منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

ومنذ وقت مبكر نسبياً، ساعد التركيز على النمو في تهيئة الظروف الملائمة لتطوير صناعة الظلّ للمتابعين الوهميين والتفاعل الاصطناعي. وبحسب مصادر داخلية، كان هذا الأمر معروفاً ولكن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تجنبت مناقشة إساءة استخدام منتجاتها. وبلغت خسائر الإعلانات مليارات الدولارات بسبب تزييف نسب مشاهدة الإعلان والضغط على الإعلانات مع استفادة مزيد من الأطراف المسيئة من الانفتاح على اعتباره فرصة لتحقيق مكاسب مالية.

لكن عندما تحول التسويق الإلكتروني إلى أداة سياسية توسع ميدان الأطراف المسيئة بدرجة كبيرة وازداد الضرر الذي يمكنها التسبب به أيضاً. تجلّت العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الأحداث السياسية، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز ترامب، بعد أن أثارت كارول كادوالادر فضيحة شركة "كامبريدج أناليتيكا"، إذ شكلت هذه الحادثة دراسة حالة حول استخدام البيانات التي تجمعها وسائل التواصل الاجتماعي في استهداف جماهير محددة بمحتوى يؤجج التوترات السياسية ويمزق التحالفات، ناهيك بدس أخبار زائفة ونشر الفوضى والارتباك عموماً.

تزامن هذا الحدث مع حملة مشابهة على حساسية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، المتمثلة في إنشاء نظرية المؤامرة التي يؤمن بها هواة الخيال العسكري المعروفة باسم "كيو أنون" (QAnon) في عام 2017. وُلدت هذه النظرية من رماد مؤامرة "بيتزاغيت" التي زعمت أن هيلاري كلينتون كانت جزءاً من شبكة تستغل الأطفال في العاصمة واشنطن، إذ بدأ حساب غامض باسم "كيو أنون" بنشر خطابات مشفرة على منتدى إلكتروني معروف بنشر الصور الساخرة الفكاهية والرسومات الإباحية وأنشطة تنظيم المتطرفين البيض. وعلى الرغم من تعدد روايات نظرية "كيو أنون" فإن روايتها الرئيسية تقول إن ترامب شارك سراً في حرب مع ما يسمى "الدولة العميقة" لإلقاء القبض على كلينتون وإيقاف عصابة يديرها الديمقراطيون وأعضاؤها يستغلون الأطفال ويعبدون الشيطان ويعملون في الاتجار بالبشر على نطاق واسع. وعلى مدى أعوام، كان يُطلب من أتباع نظرية المؤامرة "كيو أنون" أن "يثقوا بالخطة" (أعلم أن هذا يبدو جنوناً، لكن الرواية ثبّتت نفسها في دائرة الأنباء، وتغذت على كل تطور وانعطاف في الإعلام يبدو قادراً على إعاقة ترامب عن تنفيذ خطته).

وهكذا دخل الخبر الهامشي إلى قلب الأحداث الرئيسية، وبدأت سلاسل مناقشات شبكات "كيو" (Q) تظهر في منصات "فيسبوك" و"ريديت" و"تويتر". ووفقاً لنموذج عمل المنصات القائم على النمو، فالمحتوى والمجموعات التي تولّد أكبر قدر من التفاعل تحظى بأولوية أكبر في التوصيات. بعبارة أخرى، قدمت مجتمعات "كيو أنون" المحتوى الذي تقدّره منصات التواصل الاجتماعي واستفادت من النهج الذي تتبعه. أدى عدد من الأحداث مثل اعتقال جيفري إبستين وإطلاق النار على مجموعة من المدنيين في مدينة لاس فيغاس إلى تزايد الاهتمام بالمنشورات المتعلقة بنظرية "كيو أنون" وتحليلها. كما أدرجت شبكات "كيو" انتشار "كوفيد-19" في نشاطها وأطلقت خدعة تزعم أن الجائحة هي خطة ينفذها الديمقراطيون ضد ترامب ونظمت عدة احتجاجات بهذه الحجة.

أبدت بعض شركات التكنولوجيا رداً متأخراً على هذه الحركة، إذ اتخذت شركتا "فيسبوك" و"تويتر" إجراءات من أجل إزالة شبكات "كيو" من منتجاتها هذا الصيف. في حين لم تواجه شركة "ريديت" نفس المشكلة لأنها اتخذت إجراءات في وقت مبكر وأزالت منتديات "كيو" من منصتها، وبذلك منعت نظرية المؤامرة من اكتساب موطئ قدم ثابت. لكن عندما اتخذت شركتا "فيسبوك" و"تويتر" إجراءاتهما، كانت مجتمعات "كيو" قد خططت بالفعل للخروج من المنصات وأنشأت شبكات كثيرة على تطبيقات أخرى تضم شبكات أصغر، مثل "غاب" (Gab) و"بارلر".

وعندما انتُخب جو بايدن في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2020 توضحت آثار هذه التوجهات. فقد كانت نتيجة هذه الانتخابات صادمة لمن ملأت نظريات المؤامرة هذه عقولهم، وشعور الكثير من متابعي شبكات "كيو" بأنهم قد عُزلوا سياسياً إلى جانب انعزالهم في أثناء الجائحة أدى إلى تأجيجهم إلى درجة أنه لم يكن على ترامب سوى إشعال عود الثقاب على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر نظرية التآمر على الانتخابات كالنار في الهشيم عبر الإنترنت.

في كل حادثة وقعت وصولاً إلى 6 من شهر يناير/كانون الثاني، كان الواجب الأخلاقي يملي على شركات وسائل التواصل الاجتماعي تخفيف سعيها للتوسع والانتباه أكثر إلى جودة المحتوى شديد الانتشار، لكنها لم تفعل ذلك ورأينا النتيجة بأم أعيننا.

إلى أين نتجه من هذه النقطة؟

كتب سيفا فيدياناثان في كتابه "ضد وسائل التواصل الاجتماعي" (Anti-Social Media): "إذا استغلت شركة إعلانات عالمية مجموعتها الواسعة من ملفات مستخدميها البالغ عددهم ملياري مستخدم لتقييد المنافسة ودعوة القوى المعادية للديمقراطية إلى إغراق قنواتها بالمعلومات المضللة، ويجب على الدول الديمقراطية التحرك لتفكيكها والحدّ مما يمكن للشركات معرفته واستخدامه من معلومات عن المواطنين". وبالفعل، بتنا نشهد اهتماماً متزايداً باتخاذ هذه الإجراءات في أعقاب الهجوم على مبنى الكونغرس.

مع تفكيرنا كمجتمع بالخطوات التي سنتخذها تالياً يجب ألا ننسى أن التركيز على التوسع يوجب التنازل عن الأمان. علاوة على ذلك فإن العجز عن التعامل مع المعلومات المضللة والتآمر واسع الانتشار لا يعني أنهما سيزولان ببساطة، بل سيحدث العكس في الحقيقة. وبما أن وسائل التواصل الاجتماعي تنقل الهامش وتدخله في قلب التيار السائد عن طريق الوصل بين أشخاص لديهم اهتمامات مشتركة تتراوح بين الأمور العادية والأمور الغريبة جداً، فمن الضروري أن تبتكر شركات التكنولوجيا خطة لتنظيم المحتوى والإشراف على المجتمع تعكس معياراً إنسانياً بدرجة أكبر.

يجب على شركات التكنولوجيا، ومنها الشركات الناشئة التي تخشى التجاوزات وشركات رأس المال المغامر (الجريء) أن تبدأ في طرح سياسات نموذجية كي تنظر الجهات التنظيمية فيها، آخذة في حسبانها أن الانفتاح والتوسع يعرّضان الأرباح والديمقراطية على حدّ سواء لمخاطر كبيرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي