تشعر ريبيكا، وهي رائدة أعمال في مجالالتكنولوجيا، أن التغطية الشاملة التي حظيت بها شركتها في الصحافة تمثل قيمة مضافة هائلة، فهي تقول: "البارحة، كتبت عنا مجلّتا "تك كرانش" و"لوس أنجلوس"، واحتفاءً بهذه المناسبة تناولنا طعام العشاء في مطعم نوبو (Nobu)". لكن ما فات ريبيكا أن تذكره هو أن شركتها الجديدة لم تجد بعد لنفسها نموذجاً تجارياً قابلاً للنجاح، وأنها لم تكسب أي دولار من زبائنها بعد.
أما ستيفن، وهو أحد الشركاء الاستشاريين، فيغرد ما يُقارب 40 مرة في اليوم. "أفعل ذلك أساساً لأنه يمنحني شعوراً بالسعادة". إنه يقضي أكثر من 20 ساعة أسبوعياً في إرسال صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الآخرين، والتجول عبر شبكة الإنترنت بحثاً عن فرص تجارية جديدة، وهذا أمر لا شك سيؤثر على نوعية العمل المقدم إلى الزبائن الفعليين الذين يشكلون مصدراً لرزقه.
على الرغم من أن رغبتنا الأساسية بأن يلتفت الآخرون إلينا ليست بالظاهرة الجديدة، فإن استعمالنا لوسائل التواصل الاجتماعي إلى ما لا نهاية أدى إلى تضخم "الأنا" والذات لدى الكثير من الناس. وقد كشف عالم النفس الشهير جان توينغ مؤخراً أن السمات الشخصية المرتبطة بأهمية الذات لدى 37 ألف طالب جامعي أميركي ارتفعت بالسرعة التي ارتفعت بها البدانة منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر. كما أن الدراسات التي شملت عدداً لا حصر له من المجموعات الأخرى، من كبار المطربين الشعبيين وحتى أبناء الألفية الجديدة تثبت أننا وسط "وباء النرجسية".
هذا الهوس بالاعتراف الخارجي امتد الآن ليقتحم حياتنا المهنية. ففي كل يوم، نرى تنامياً في حالة الإدمان، بين صفوف أكثر رواد الأعمال والمدراء التنفيذيين وحتى الاستشاريين الأكثر انضباطاً، على المشاعر القوية المرتبطة بزيادة ظهورهم وبروزهم بين الناس. فهم يقضون وقتاً أطول من اللزوم ويبذلون جهوداً غير متناسبة في الترويج لشهرتهم الشخصية على حساب الأهداف الأوسع، وهو سلوك قد يشكل تهديداً لحياتهم المهنية في نهاية المطاف. فالمراهقون الذين ينشرون صورهم التي التقطوها لأنفسهم على موقع "إنستغرام" شيء، ولكن عندما يطغى البروز والظهور على الرؤية في عالم العمل، فإن تبعات خطيرة عديدة يمكن أن تظهر.
أولاً، نحن ننأى بأنفسنا عن محرك النمو الأساسي لحياتنا المهنية. بعبارة أخرى، نحن بذلك نفقد قدرتنا على إدراك ما هو مهم فعلاً. يجب أن يُنظر إلى الروابط التي ننشئها على موقع "لينكد إن" والمحاضرات العامة والظهور في الصحافة على أنها مكافآت للقيمة التي نضيفها، وليس العملية الفعلية التي نلجأ إليها لإضافة القيمة. فإذا كنت مفرط التركيز على "مقاييس الغرور" هذه، فإن الخطر يكمن في أن ترسم لنفسك صورة مفرطة في التفاؤل دون تحديد المحرّكات الأساسية لأدائك، وقياس هذه المحركات، وتحسينها فكيف بوسعك تحسين الأشياء التي لا يمكنك قياسها؟
ثانياً، نحن نسيء توزيع وقتنا وانتباهنا. لا يؤدي اللجوء إلى الظهور والبروز إلى الإنهاك فحسب، وإنما يتسبّب في تشتيت الانتباه. فعلى حد رأي ستيفن: "إدارة صفحاتي الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي تستغرق جهداً كبيراً. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، بل يمتد ليشمل الوقت الإضافي الذي أقضيه في التفكير فيها عندما يفترض بي أن أؤدي عملاً آخر". فقد أظهرت الأبحاث أن اضطرارنا كل يوم إلى التعامل مع وسائلالتواصل الاجتماعي بالتوازي مع الأمور الأخرى يقلل من عمقنا الفكري. ولكن إذا بالغ المرء في الأمر، فإنه قد يضاعف خسائره. يقول ستيفن نادماً: "ربما لو أنني خصصت الوقت، الذي قضيته لاكتساب 1,000 متابع جديد، للإشراف على المحللة اللامعة في شركتنا، لما غادرتنا".
ثالثاً، نحن نهمل أشخاصاً أساسيين في شبكاتنا المهنية. فإذا جعلت سعيك وراء الظهور والبروز يصبح المحرك الأساسي لسلوكك، فقد يبتعد مدراؤك وزملاؤك ومستثمروك عنك. اكتشفت آنيتا فانجيلستي، وهي عالمة نفس في "جامعة تكساس" (The University of Texas)، أن الأفراد المولعين بالظهور والبروز يحاولون إبقاء الحديث مركزاً عليهم، منفّرين بذلك من حولهم. ومن خلال أسلوبهم القائم على "الأخذ دون العطاء" فإنهم يولون الاهتمام لاحتياجاتهم الشخصية على حساب الآخرين، ولا يتأسفون كثيراً لما حصل لزملائهم الذين يتسببون لهم بالأذى طوال الوقت.
كان ألبرت آينشتاين يقول يوماً: "لا تجتهد لتكون ناجحاً وإنما اسعَ لتكون شخصاً ذا قيمة". ومع هذا الوله الذي يبديه البعض بوسائل التواصل الاجتماعي في حياتهم المهنية، لم يسبق لهذا القول أن كان صحيحاً كما هو اليوم. فعوضاً عن قياس تقدمك بمقياس الاعتراف الخارجي، ركز على تحقيق رؤيتك الفريدة الخاصة بك. ففي نهاية المطاف، الأشخاص الذين يتكلون اتكالاً أكبر على دوافعهم الداخلية الذاتية العميقة معرّضون بصورة أكبر للنجاح في المشاريع الطويلة الأجل ويحققون غايات أكثر نبلاً بالمقارنة مع من يعتمدون على مدح الآخرين. حقق رؤيتك وستكون أكثر ظهوراً وبروزاً مما تتخيل.