نود جميعاً أن نكون جزءاً من مؤسسة عظيمة ومكان عمل يتميز بأداء عالٍ. نريد أن نكون الأفضل، وأن يحيط بنا زملاء يمكنهم مساعدتنا وتحدينا، وأن نؤدي عملاً مجزياً لنا من الناحية المادية ومهم لنا على المستوى الشخصي. لكن للمؤسسة الناجحة أشكال عديدة، ومكان العمل الذي يتسم بالإنتاجية له أكثر من نوع. ما يهم في العمل هو أن تكون القيمة الموعودة التي تدفع شركتك متسقة مع القيم التي تحفزك، وأن تكون الثقافة التي تحدد الحياة داخل المنظمة تتماشى مع أسلوب حياتك، وأن يجعلك من تعمل معهم تفكر وتكبر، وتضحك حتى.
وهذا يعني أن علينا جميعاً التفكير في نوع مكان العمل الذي يناسبنا بغض النظر عن موقعنا في مسارنا المهني أو نوع العمل الذي نؤديه. هل تضعنا المنافسة الداخلية والخارجية في قمة أدائنا أم أننا في أفضل حال في بيئة قائمة على التعاون؟ هل لدينا نهم للإنجاز الفريد والتميز الشخصي أم أننا نحتفي بروح الفريق والنجاح الجماعي؟ هل نحن مستعدون للتضحية بالرضا العاطفي والنفسي مقابل المردود المالي، أم أن قيامنا بشيء ذي معنى أهم عندنا من كسب المال؟
سمحت لي الفرصة خلال العقدين الماضيين الغوص في بعض أكثر أماكن العمل ابتكاراً وحماسة وإنتاجية في العالم، من شركات الرعاية الصحية إلى شركات الخدمات المالية، ومن وادي السيليكون إلى ماديسون أفنيو. إنها مؤسسات حققت نجاحاً باهراً في السوق بسلوكها طرائق مختلفة كلياً في أماكن عملها. في تأملي للشركات العديدة التي زرتها ودرستها، توصلت إلى أن هناك أربع أنواع فريدة لأماكن العمل، ووضعت قائمة من 16 سؤالاً لمساعدتك كي تحدد مكان العمل الأفضل لك.
بطبيعة الحال، لا توجد أجوبة صحيحة عن هذه الأسئلة: ولا وجود لمكان عمل مثالي للجميع. على كل منا اكتشاف مكان العمل الذي يقدم له أفضل فرصة للقيام بعمل رائع.
ما هي أنواع الشركات؟
الشركة التي تشبه المجتمع
يعتمد هذا النوع من أماكن العمل على روح "الكل للواحد والواحد للكل"، التي تعتبر فيها الثقة والعمل الجماعي والولاء مبادئ مركزية وليست مجرد كلام بلاغي. الزبائن مهمون بالطبع، تماماً كأهمية مصالح الشركاء والمستثمرين. لكن مكان العمل هذا يضع احتياجات الموظفين فوق أي مكوّنات أخرى. تبدأ صيغة النجاح في الشركة مما يراه الأشخاص في العمل صحيحاً. مثلاً، في شركة "دافيتا" (Davita)، وهي مزود ضخم للعناية الصحية مقرها في دنفر، كولورادو، يحب الرئيس التنفيذي كينت ثيري القول إن شركته ترتكز على "بناء المجتمع أولاً، والشركة ثانياً". ويشرح: "لقد قلبنا الوسائل وكذلك الغايات. وجود شركة رابحة بما فيه الكفاية هي الوسيلة. أما بناء مجتمع حقيقي من البشر فهو الغاية".
كوكبة من النجوم
هذه المؤسسات مجموعة من الأفراد الشديدي الاندفاع والشرسين في تنافسهم، يقيسون نجاحهم في مقابل أهداف شخصية، وحتى مقابل بعضهم البعض. الروح فيها ارتقِ أو اخرج، اسبح أو اغرق، قيّم واطرد. هي بيئة صعبة، لكنها البيئة الصحيحة للموهوبين الذي يطمحون لأن يكونوا نجوماً لامعين. تشتغل الكثير من المصارف ومحافظ الاستثمار بهذه الطريقة، كذلك تفعل بعض شركات المحاماة والمؤسسات الاستشارية وعمالقة التقنية. هناك قول شهير عن الرئيس التنفيذي لـ "فيسبوك" في مقابلة مع نيويورك تايمز: "المتفرد في عمله ليس فقط أفضل بقليل من شخص جيد جيداً؛ بل هو أفضل منه بمائة مرة". في أماكن العمل المصممة من أجل النجوم، يعتمد النجاح التنظيمي على الإنجاز الفردي.
ليس مجرد شركة، بل قضية
الموظفون في هذه البيئة أقل اهتماماً بسعادتهم الشخصية أو انتصاراتهم الفردية من اهتمامهم بتأثيرهم الجماعي. هناك صبغة من إنكار الذات في أماكن العمل هذه ورغبة بتقديم التضحيات والذهاب لأبعد ما يمكن للإيفاء بالعهود المقطوعة للعملاء والجهات الأخرى. هناك روح من "الرسالة أولاً" -قم بالعمل مهما كلف الأمر. أكثر شركة يظهر فيها هذا النموذج بجلاء هي شركة "يو إس أيه أيه" (USAA)، شركة الخدمات المالية المذهلة في نجاحها، التي تقدم أعمالها حصرياً لأفراد الجيش العاملين والمتقاعدين وعائلاتهم. أصبحت "يو إس أيه أيه" علامة شغف، شهيرة بخدماتها التي لا يضاهيها أحد بفضل قاعدتها من الموظفين الذي يتمتعون بانتماء كبير للجنود وعائلاتهم ويضعون هذه المصالح فوق مصالحهم. هذا ما يعنيه أن تكون قضية، في مقابل أن تكون شركة فقط.
الأصغر أحلى
بعض الأشخاص، سواء كان دافعهم إحساس برسالة الشركة أو تعطش للإنجاز الفردي، يكونون في أفضل أحوالهم في البيئات البسيطة حيث عدد أقل من العوائق بين الأفكار وتنفيذها، وحيث الشعور بالإلحاح يحدد وتيرة الحياة. في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشر المعلم ورائد الأعمال بو برلينغهام النسخة العاشرة من كتابه الكلاسيكي عن الأعمال "عمالقة صغار: شركات اختارت أن تكون عظيمة على أن تكون ضخمة" (Small Giants: Companies That Choose to Be Great Instead of Big). يأسر عنوان الكتاب الروح بهذا النوع من مكان العمل، حيث المقياس البشري أهم من العائد الضخم والحصة الكبيرة في السوق. في عالم يمكن فيه لمجموعة أقل وأقل من الأشخاص إنجاز عدد أكبر وأكبر من الأشياء، الحجم مهم فعلاً -والأصغر قد يكون أحياناً أكثر فائدة من الأكبر.
لا شيء أجمل من فعل ما يهم، لكن ذلك يعني إيجاد شركة أو منظمة أو فريق مع مكان عمل مناسب لك. في عالم فيه الكثير من العمل الممتع والمهم، جميعنا نستحق أن نحظى بفرصة لنكون في أفضل أحوالنا وأن يحيط بنا زملاء يعينوننا على استحضار أفضل ما لدينا.