هل ينجح القادة بلا إعلام؟

4 دقائق
shutterstock.com/Gearstd

القاعدة الأولى التي لا نمل من تكرارها في برامج التدريب الإعلامي لكبار التنفيذيين والمتحدثين الرسميين هي: "الإعلام ليس صديقك"، نعم، لا تظن أن عبارات "بيني وبينك" (off the record) تحمل أي قيمة اجتماعية أو قانونية لو نُشرت تصريحاتك على الصفحات الاقتصادية في اليوم التالي. وفي المقابل، يمكن استكمال العبارة السابقة بالآتي: "الإعلام ليس صديقك.. وليس عدوك كذلك".

إن وظيفة الإعلامي هي ببساطة أشبه بساعي البريد الذي ينقل رسالتك لمن تحب، لكن الفارق مع الأول أنه يحمل رسالتك إلى جمهور واسع فيه المؤيد أو المتربّص أو ببساطة غير المكترث، فضلاً عن قدرة الإعلامي على إعادة توجيه رسالتك أو منع انتشارها لأسباب عدة. لذلك حريّ بنا أن نرسم حدود هذه العلاقة بكل مهنية واحترام، لضمان وصول رسالتنا كما نريد.

ولكن قبل الخوض في كل ذلك، هل نحن نريد هذه العلاقة؟ أو بصياغة أخرى هل نحتاج كقياديين في القطاعات الحكومية أو الخاصة أن نتعامل مع الإعلام لكي ننجح؟

هذا التساؤل المشروع كان محل دراسة في جامعات عدة، أولها لجامعة "كامبريدج"، والتي وجدت أن الشركات التي يحظى قياديوها بالظهور الإعلامي الموزون والإيجابي تتفوق على نظيراتها بما نسبته 7-8% من إجمالي العوائد السنوية لأسهم الشركة، وثمة علاقة مباشرة بين الظهور الإعلامي الإيجابي لقادة الأعمال وتقييم شركاتهم، بغض النظر عن إمكانات القيادي الفعلية في الميدان. أما الدراسة الأخرى، فكانت عبارة عن ورقة عمل لمركز "ستانفورد للديمقراطية والتنمية وحكم القانون"، والتي أعدها باحثان من جامعتي "هارفارد" و"ديوك" الأميركية، حيث خلصت إلى عدة نتائج منها أنه كلما زادت مبيعات الشركة أو أصيبت بأزمة، زاد الإعلام من اهتمامه بها، مما يدعو إلى التخطيط الإعلامي المسبق لاستثمار هذه الفرص. وكشفت الدراسة التي حللت أداء 80 شركة ضمن مؤشر "فوربس" لأفضل 500 شركة أميركية أداءً، أن حوالي نصف التغطيات الإعلامية لتلك الشركات على مدار 30 عاماً كانت من نصيب قادتها.

كاريزما قادة الأعمال

ثمة مفهوم في أدبيات علم الاتصال يسمى "تموضع القادة" (CEO Positioning)، وهو باختصار عمل ممنهج لبناء كاريزما القيادي من خلال بناء علامة شخصية متفرّدة للقيادي تسعى إلى عمل مقاربة بين السمات القيادية الشخصية والقيم والأهداف المؤسسية. وتتم من خلال عملية التموضع دراسة سمعة القيادي وتخطيطها وإدارتها عبر سلسلة من الأنشطة التي تُترجم إلى مقالات رأي متخصصة أو ورقة عمل في مؤتمر أو كلمة افتتاحية في حفل أو غيرها، ويتبعها بطبيعة الحال، برامج متخصصة في التدريب الإعلامي والتقييم المستمر وقياس العائد على الاستثمار المادي والمعنوي لتلك الجهود.

لتقريب المفهوم أكثر، هل لاحظتم مثلاً شخصية رجل الأعمال البريطاني الشهير ريتشارد برانسون مؤسس مجموعة شركات "فيرجين"؟ لاحظوا كلماته ومظهره ومؤلفاته وحتى هواياته، ستجدون أنها تتمحور حول الجرأة والمخاطرة والعفوية. وهذه سمات بطبيعة الحال تنسجم مع شخصيته، لذلك هو يجسّدها ويعبّر عنها منذ عقود دون تكلف. وجدير بالذكر أن برانسون يعتبر اليوم الشخصية الأكثر متابعة واهتماماً من مستخدمي منصة "لينكد إن" مع أكثر من 17 مليون متابع.

وفي المقابل، تستحضرني أمثلة كثيرة على سقوط قياديين أو اشتعال أزمات كان وراءها شرارة تصريحات أو تسريبات إعلامية. منها مثلاً، تصريحات إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا"، والتي كلّفته منصبه وهو رئيس مجلس الإدارة في عام 2018، حيث أعلن حينها عبر حسابه الشخصي على "تويتر" رغبته في استعادة ملكية الشركة لتكون في حوزة مجموعة صغيرة من المستثمرين، وذلك بعد إدراجها في الأسواق العالمية بصفة شركة مساهمة عامة. وبالطبع تعاملت هيئة الأوراق المالية مع هذا التصريح المخالف للوائح الإفصاح من خلال فرض تسوية قاسية تنص على دفع مخالفة قيمتها 20 مليون دولار أميركي، وإلزام ماسك باعتماد تغريداته مستقبلاً من محامي الشركة قبل النشر، إلى جانب تقويض صلاحياته التنفيذية كما هو مذكور أعلاه.

وربما جعل الانفتاح الذي نشهده على وسائل التواصل الاجتماعي والنشاط الملحوظ لقادة الأعمال قواعد اللعبة تبدو أصعب في التواصل مع الجمهور. في الواقع، تشير التوجهات الحديثة إلى "وجوب" وجود القيادي على وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الزمن المترابط. إن التواصل الجماهيري لقادة الأعمال عبر الإعلام التقليدي أو الجديد له منافع جمة كما له آثاره الجانبية لما تم دون تخطيط أو تقييم. على سبيل المثال، قد يظهر قيادي لشركة ما في مقابلة لبرنامج فني أو صحيفة ضعيفة الانتشار أو المصداقية، أو تكشف مثلاً التصريحات الإعلامية المكثفة، عن مختلف أنشطة المؤسسة التشغيلي منها قبل الاستراتيجي، وغير ذلك من أسباب ما قد تكون نتائجها كارثية في حال تكرارها.

نحن نحتاج الإعلام أم هو من يحتاجنا؟

لعل الحاجة الملحّة للإعلام تبزغ وقت الأزمات، أي مثل الأوقات التي نعيشها اليوم في مكافحة فيروس كورونا. حيث تتزايد الشائعات ولا يكترث الناس كثيراً في البحث عن مصادر المعلومة الموثوقة لتخفيف الهلع الذي يصيبهم. كما يقوم الإعلام في المقابل بفرد الصفحات والساعات لتحليل الوقائع والمستجدات. وعليه فالحاجة متبادلة هنا، ولكن ينبغي أن يلعب القيادي في هذه المعادلة دوراً جوهرياً في تسهيل عملية تدفّق المعلومات المطمئنة والمتجددة. ومن المهم كذلك الإشارة إلى نقطة مهمة هنا، وهو أن المجتمع بطبيعته يتعاطف مع من يعرفه ويستحسن ماضيه، وبالتالي، فإن الظهور الإعلامي المفاجئ وقت الأزمات سيتطلب مجهوداً مضاعفاً في كسب ثقة الرأي العام وتحقيق التجاوب الإعلامي الكافي.

يرجع التساؤل الأول: هل يمكن لقادة الأعمال النجاح بلا إعلام؟ والإجابة المختصرة هي، غالباً لا.

وتفصيلها المقنع، أن تعريف النجاح الذي نود الإشارة إليه هنا هو الدور المجتمعي والرسمي الذي يتولاه قادة الأعمال في تمثيل مؤسساتهم أمام العامة. فالظهور الإعلامي لقادة الأعمال سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة لا يقل أهمية عن أداء الأعمال الجوهرية للمؤسسة بل هو من صُلبها. ولعل الظهور الإعلامي المقصود هنا قد يأخذ أشكالاً عدة بدءاً من التصريحات الصحفية وتغطيات الفعاليات مروراً بمقالات الرأي المتخصصة والمقابلات وحتى إدارة المؤتمرات الصحفية. أما على صعيد منصات التواصل الاجتماعي، فوجود حسابات رسمية باسم الرئيس التنفيذي وصورته للتفاعل مع الجمهور والتعبير عن رؤيته وفلسفة العمل والقرارات والأنشطة والخدمات التي تقدمها المؤسسة. وبطبيعة الحال، فإن الدور المأمول لقادة الأعمال يكمن في فهم احتياجات الجمهور المستهدف ومخاوفه. ثم الوصول بالوسيلة الأنسب. وأخيراً، إيصال وجهة نظر المؤسسة لهم بالشكل المقنع والوافي. فالظهور الإعلامي المدروس يأتي بالعملاء والمستثمرين والشركاء المفضلين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي