أعترفُ أني أمتلك نظرة متفائلة، وأؤمن بإمكانية حلّ معظم المشكلات من خلال العمل الجاد وامتلاك العقلية الصحيحة. قرأت البحث الذي يشير إلى أن أصحاب التفكير الإيجابي يكونون أكثر نجاحاً في الدراسة والعمل والحياة. ولعلي افترضتُ حتى أن التفاؤل معدٍ، وأن الموظفين يفضّلون العمل مع قائد يتمتع بالثقة والتفاؤل. وبما أنني أتمتع بنظرة متفائلة ومفعمة بالإيجابية، لم يخطر على بالي للحظة أن يسبب تفاؤلي أي مشكلة.
ثم اكتشفت من زميلي يوماً أن تفاؤلي لم يكن مطمئناً له. كنا نعمل على مشروع بحثي ذي مخاطر عالية يتطلب كتابة مقال لنشره في مجلة أكاديمية بارزة خلال فترة زمنية قصيرة. تطلبت كتابة المقال إجراء تحليل معقد، والعمل على بحوث إضافية، والكتابة بأسلوب متقن؛ وكان علينا العمل على تلك المهمة إلى جانب التزامنا بالعديد من المشاريع الأخرى وبميزانية محدودة.
بدا ذلك التحدي ممكناً ومثيراً للاهتمام بالنسبة إلي، وبدأت العمل عليه بحماس، إلى أن توجّه إلي زميل مبتدئ في أحد الاجتماعات المهمة قائلاً: "هلّا توقفتِ عن قول ذلك يا لمى؟!".
فسألته: "قول ماذا؟"
"قول العبارة التي تكررينها دائماً: وما الصعب في ذلك؟" شعرتُ بالارتباك. ثم أضاف: "أنت تكررين هذه العبارات طوال الوقت. ما الصعب في ذلك؟ يمكننا إنجاز المهمة. ما الصعب فيها على أي حال؟".
فهمت سبب انزعاجه، وبدأت شرح السبب الذي دفعني إلى ترديد تلك العبارة: عملتُ سابقاً لصالح شركة أوراكل كوربوريشن (Oracle Corporation)، وهي شركة صغيرة لكنها سريعة النمو، واستلمت منصباً إدارياً في سن 24 عاماً، وطُلب مني تولي مهمة تدريب موظفي الشركة كلها، ثم كُلّفت بإعداد مؤسسة أوراكل التعليمية ضمن الشركة وجعلها تناسب احتياجات الموظفين في جميع أنحاء العالم. وتعلّمت أن أحفّز نفسي بترديد عبارة: "يمكننا إنجاز المهمة. ما الصعب فيها على أي حال؟" وشرحت له أن عقلية النمو هذه ساعدتني أنا وزملائي على تحقيق النجاح على مر السنين. ومع ذلك، تشبّث زميلي برأيه قائلاً: "هذا هو بالضبط ما أريدك أن تتوقفي عن تكراره".
فسألته مستفسرة: "لكن ما السبب؟
صمت قليلاً ثم قال: "لأن المهمة التي نعمل عليها صعبة حقاً، وأريد منك أن تدركي ذلك".
لم يعترض على فكرة أن المهمة كانت قابلة للتنفيذ، بل أراد مني ببساطة أن أعترف بصعوبة التحدي وأن أُبدي تقديري للجهد الذي يبذله في العمل عليه؛ ولم يتقبّل فكرة أن أتجاهل التحدي بارتداء قناع التفاؤل. فاعترفت قائلة": "صحيح، المهمة صعبة، وصعبة جداً". ثم أكدت له أني سأبذل قصارى جهدي للتوقف عن تكرار تلك العبارة. وحدثت نفسي في أثناء ذلك قائلة: "يمكنني بالتأكيد التوقف عن تكرارها. ما الصعب في ذلك على أي حال؟"
هل يمكن للسلوك الإيجابي الذي ساعدك على تحقيق النجاح أن يؤدي إلى فشلك بصفتك قائداً؟
قد يُسفر تفاؤلك عن التقليل من قيمة الصعوبات التي تواجه الفريق أو الجهد الشاق الذي يبذله أعضاؤه لاكتساب المعرفة (أو يعطي انطباعاً بأنك تقلل من قيمة تلك الجهود بالفعل). وقد يتساءل موظفوك إن كنت فقدت الاتصال بالواقع. وعندما لا يركز القائد على المشكلات إلا نادراً، سيشعر المدراء المبتدئون بالقلق بشأن المخاطر حينها. في الواقع، قد يُجبر تفاؤلك المفرط موظفيك على تبنّي نظرة متشائمة لكن بصورة عقلانية. والأسوأ من ذلك، قد يعطي تفاؤلك انطباعاً بأن الخطأ والفشل غير مقبولين، "فما الصعب في ذلك على أي حال؟" ومع ذلك، يدرك المدراء الذين يتمتعون بالحكمة أن ارتكاب الأخطاء أمر لا مفر منه، وأن الفشل جزء من رحلة الإبداع.
اكتشفت بعد أن دربت العديد من المسؤولين التنفيذيين أن مناصب القيادة العليا مليئة بالأشخاص الذين يركزون على الجانب المشرق من الحياة (في الواقع، يجب على المرء امتلاك نظرة متفائلة بالفعل للتكيّف مع الضغوط المتأصلة في هذه المناصب). لنتأمّل دور رئيس التصميم العالمي في شركة نايكي، إنك (Nike, Inc)، جون هوك، في إحداث تحوّل في مؤسسته بمجرد أن أدرك الأثر المعيق الذي تركه تفاؤله وتفاؤل فريق إدارته في الموظفين. جمع جون كبار قادة شركته مدة أسبوع خارج المقر الرئيسي لاستكشاف أفكار جديدة في مجال التصميم ودراسة كيفية زيادة عدد المواهب في المؤسسة، وساعدتُه في تنظيم الفعالية. وعندما ذكرتُ صفات القائد المتفائل والمبدع والنشيط، أدرك جون وفريقه بسرعة أن تلك الصفات تنطبق عليهم وعلى أسلوبهم في القيادة، وكانوا متشوقين لفهم أثر سلوكياتهم غير المقصودة في تقويض قدرات موظفيهم وتفكيرهم الإبداعي. فطلب جون التوقف عن متابعة جدول الأعمال مؤقتاً لفهم أثر أسلوبه المتفائل في القيادة في إثارة مشاعر القلق بين موظفيه. وشرح أعضاء فريقه الضغط الهائل الذي يشعرون به لتقديم تصميم مثالي في كل مرة. ومع اقتراب دورة الألعاب الأولمبية في لندن والتزام العلامة التجارية الحفاظ على وعدها، أصر الفريق على النجاح بأي ثمن.
وقررنا بتشجيع من جون إتاحة الفرصة للموظفين لتجربة أفكار جديدة واختبارها دون خوف. وصنّفنا سيناريوهات العمل المختلفة بسرعة إلى مجموعتين: كان الفشل في المجموعة الأولى مقبولاً، في حين كان تحقيق النجاح في المجموعة الثانية أمراً غير قابل للتفاوض. ناقش أعضاء المجموعة كل سيناريو بالتفصيل إلى أن توصلوا إلى اتفاق بشأن كل منهما. ونجحوا في غضون ساعة في إنشاء بيئة آمنة ومحايدة لفرقهم للتجربة ومواجهة التحديات وربما الفشل حتى، دون أن يكون لذلك أثر سلبي في أعمالهم أو علاقاتهم مع أصحاب المصالح. وانتشرت فكرة الابتكار والتجريب هذه في منظومة التصميم في شركة نايكي، وحفزت قادتها على طرح هدف "المخاطرة والتكرار" الذي شجع كل عضو في الفريق على اتخاذ مخاطر في أفكاره وتجاربه، وتطوير حلول لها على مدار العام، وربما أبرزهم نائبة رئيس العمليات الإبداعية، أنجيلا سنو، وكبيرة مدراء الإدارة في قسم عمليات التصميم العالمية، كيسي لينر. أتاح هذا الجهد تقبّل الفشل باعتباره جزءاً من عملية الابتكار، وخلق بيئة آمنة للمصممين لمواجهة المشكلات الصعبة.
لم يقلل جون هوك وفريق إدارته من طموحاتهم الكبيرة أو يبدوا تشاؤمهم بشأن قدرات فريقهم، بل أتاحوا لفرقهم الوصول إلى مستويات أبعد في الابتكار والتطوير وتحقيق نتائج أفضل من خلال الاعتراف بالتحديات المرتبطة بعملية الابتكار، مثل التعقيد والتكرار.
باختصار، أبدِ تفاؤلك دون تردد، لكن احرص أولاً على الاعتراف بالتحديات المرتبطة بأي مهمة أو مشروع لتُتيح لفريقك استكشاف الفرص التي تُسهم في نجاحه.