إظهار الاحترام للعاملين في شركتك يحسن نتائج أعمالك.
عندما تسأل الموظفين والعاملين في الشركات والمؤسسات عن أكثر الأشياء التي يهتمون بها في العمل ستجد أن الشعور بالاحترام من قبل رؤسائهم هو ما يتصدر قائمة اهتماماتهم. فقد كشف استطلاع أجرته مؤخراً كريستين بوراث من جامعة جورجتاون، والذي شارك فيه ما يقرب من 20,000 موظف حول العالم، صنف المشاركون في الاستطلاع الاحترام على أنه أهم سلوك في القيادة، ومع ذلك لا يزال يشير الموظفون إلى حدوث سلوكيات أكثر إزعاجا وغير حضارية كل عام.
ما سبب هذا التباين؟ على الرغم من أن الموظفين الذين لا يعاملون باحترام مدركون تماماً لغياب صفة الاحترام في التعامل إلا أن الأشخاص الذين يعاملون باحترام بشكل منتظم – والذين عادة ما يكونون في مناصب إدارية أو مناصب رفيعة أخرى - لا يفكرون في ذلك كثيرا. وهو ما يجعل القادة غير مدركين لتلك المشكلة. لكن البحث الذي أجريته أظهر أن ذلك ليس إلا جزءاً من تفسير المشكلة وأن القضية الكبرى هي أن القادة لديهم فهم غير مكتمل لما يشكل الاحترام في مكان العمل – لذا فإن الجهود الحسنة التي تبذل لتوفير مكان عمل محترم قد لا تفي بالغرض.
ويشير البحث الذي أجريته إلى أن الموظفين يقدرون نوعين متميزين من الاحترام هما: الاحترام الواجب الذي يُمنح لجميع الأعضاء في مجموعة العمل أو المؤسسة بالتساوي وهو يشير إلى رغبة إنسانية لدى الجميع بالشعور بأن لهم قيمة متأصلة. ومنح الاحترام للجميع تظهره الأجواء التي تعكس أن كل عضو في المجموعة هو فرد له قيمة متأصلة في ذاته. وعلى العكس في أماكن العمل التي توفر مقداراً أقل من الاحترام الواجب، تظهر مبالغة في الرقابة وتمارس الإدارة التي تخوض في الأمور التفصيلية الدقيقة وعدم التحضر وإساءة استخدام السلطة والشعور بأن الموظفين قابلين للاستبدال باستمرار. أما الاحترام المكتسب فيحصل عليه الموظفون الذين يظهرون صفات أو سلوكيات قيمة. وهو يميز الموظفين الذين تجاوزوا التوقعات لاسيما في إعداد بيئة عمل المعرفة ويؤكد أن كل موظف لديه نقاط القوة والمواهب الفريدة. والاحترام المكتسب يلبي حاجة الأفراد للحصول على التقدير عند تقديم العمل بشكل أفضل لأنهم يستحقون الاحترام المكتسب. بينما سرقة الفضل في نجاحات الآخرين وعدم الإقرار بإنجازات الموظفين علامات عدم وجود تلك الصفة داخل المؤسسة.
من أصعب التحديات التي تعيق بناء بيئة عمل محترمة هي العثور على التوازن المناسب بين نوعي الاحترام. وكما كتبت مؤخراً في مقال أنا وبليك أشفورث من جامعة أريزونا ستيت فإن انعدام التوازن قد يخلق إحباطاً بين العاملين. مثلاً، قد تجعل أماكن العمل التي فيها الكثير من الاحترام الواجب والقليل من الاحترام المكتسب الإنجاز الفردي أولوية أقل لدى الموظفين بسبب ما يرونه من تساوٍ في المعاملة يتلقاها الجميع بغض النظر عن أدائهم. ومع أن هذا قد يكون التنسيق المناسب في بيئة فيها حاجة للإنجاز كفريق، إلا أن فيه مجازفة قد تتسبب بتقليل الابتكار والمساءلة. بالمقابل، قد تشجع أماكن العمل التي فيها القليل من الاحترام الواجب مع الكثير من الاحترام المكتسب على إفراط في التنافس بين الموظفين. ومع أن هذا قد يلبي هذا غاية لدى المنظمة، كما هو حال موظفي المبيعات الذين ليس لديهم عادة الدافع للتعاون والاعتماد على بعضهم البعض. لكن هذا قد يعيقهم عن مشاركة معرفة حيوية حول نجاحاتهم وإخفاقاتهم، وهو ما قد يشجع عادة على سلوكيات عدائية لن تفيد أحداً. عندما يفهم القادة هذه الفوارق الدقيقة سيتمكنون من تكوين بيئة تتلاءم وحالتهم - وهي في معظم الحالات بيئة فيها مستويات عالية من كِلا نوعي الاحترام.
لوظائف الناس دور محوري في تحديد هويتهم ونظرتهم عن أنفسهم، لهذا تعتبر أجواء الاحترام في البيئة الاحترافية أدلة مهمة على التقدير الاجتماعي. كما أن الموظفين ينضمون غالباً إلى المؤسسات على أمل تطوير هوياتهم بمرور الوقت عبر إحراز تقدم مهني وإنتاج نسخة أفضل عن أنفسهم. التعبير عن الاحترام آلية مهمة لإبداء الرأي بالآخر وتحفيز نموه. وصف بحث أجرته هيرمينيا إيبارا من كلية لندن للأعمال كيف أن تجريب الموظفين الجدد لسلوكيات جديدة وغريبة عليهم، يؤدي لإدماجهم تدريجياً ضمن "ذواتهم الحقيقية". يسلط بحثي مع بليك أشفورث وكيفن كورلي من جامعة أريزونا ستيت الضوء على هذه التجربة، وقد توصلت إلى أن الشعور بالاحترام في العمل يقوي هذه السلوكيات التجريبية بصورة تساعد الموظفين على الانتقال من الإحساس بأن "هذا شعور غريب عليّ" إلى "لعل هذا ما أنا عليه حقاً" وهو أمر يدّعم نموهم الشخصي.
يعود مكان العمل المحترم بفائدة عظيمة على المؤسسات. فالموظفون الذي يعربون عن شعورهم بالاحترام هم أكثر شعوراً بالرضا تجاه أعمالهم وأكثر امتناناً وولاءً لشركاتهم. هم أكثر مرونة وأكثر تعاوناً مع الآخرين وأداؤهم أعلى وأكثر إبداعاً، كما أن احتمال تقبلهم لتوجيهات القادة الآخرين أكبر. بالمقابل، قد يُحدث الافتقار للاحترام ضرراً حقيقياً. واقتبس هنا من كتاب Crucial Conversations (حوارات حيوية) الأكثر مبيعاً "الاحترام كالهواء. لا أحد يلقي له بالاً طالما كان موجوداً. لكنك لو انتزعته، فسيصبح الشغل الشاغل لتفكير كل الناس". يدعم البحث هذا الادعاء، حيثُ وُجد أن 80% من الموظفين الذي يعامَلون بصورة غير حضارية يقضون مدة طويلة من وقت العمل يجترون مرارة السلوك السيء، وأن 48% يتعمّدون تقليل جهودهم نتيجة لذلك. بالإضافة لهذا، المعاملة غير المحترمة تتفشى بين الزملاء وتنعكس على تعاملهم مع العملاء.
لقد قضيت 15 شهراً أدرس برنامج عمل فريد لنزيلات أحد سجون الولايات. قليلة هي الأماكن التي تُظهر الفوارق بين بيئة غير محترمة وبيئة محترمة أوضح مما تظهره بيئة تتنقل فيها نساء كل يوم بين كونهن سجينات وكونهن موظفات. مع أنهن يرتدين نفس الملابس الأرجوانية لدى تأديتهن كلا الدورين، إلا تفاعل هؤلاء النساء مع الآخرين يختلف اختلافاً كبيراً.
كيف أسست شركة تيليفيرد ثقافة يسودها الاحترام
تيليفيرد شركة تعمل في مجال التسويق بين الشركات وتركز على التقنية ومعظم موظفيها من السجينات. استحوذ جيم هوكر على عملياتها بعد فترة قصيرة من تأسيسها في عام 1995–كانت تتضمن سبع نساء في تجربة وحيدة وشاملة أجريت في مبنى سجن النساء في أريزونا – وقد اضطلع حينها بمنصب الرئيس التنفيذي. كان لدى تيليفرد في تلك الفترة حاسوب واحد ولم يكن لديها عملاء يدفعون لقاء خدمات الشركة. أدرك هوكر أن هناك وجود فرصة تجمع بين تلبية حاجة في سوق التقنية الآخذة بالاتساع مع فرصة لتوفير وظائف مهمة للنساء السجينات. يتضمن العمل الاتصال بشركات نيابة عن عملاء تيليفيرد بهدف تحديد مواعيد مع فرق مبيعات العميل. وقد ساعدت الموظفات السجينات تيليفيرد على تحقيق تدفق استثنائي من الربحية خلال السنوات الماضية، وقد شهدت الشركة تحقيق معدل نمو سنوي مركب بلغ 8.5% على امتداد العقد الماضي. توظف الشركة الآن 650 شخصاً -425 منهم من السجينات- ولديها تسع مراكز اتصال في الولايات المتحدة واسكتلندا والأرجنتين وأستراليا. ولعل أكثر ما يثير الدهشة في الأمر أن نسبة عودة موظفيها من السجينات إلى الجريمة أقل بـ 80% عن المعدل الوطني. صحيح أن عبقرية استراتيجية هوكر تتمثل في إدراكه وجود حاجة في السوق، لكنني أرى أن تأكيده على الاحترام الواجب والاحترام المكتسب هو ما مكن تيليفريد من النجاح.
الاحترام الواجب. أجريت 92 مقابلة وقضيت 185 ساعة أراقب العمليات في ثلاثة من مراكز اتصال تيليفيرد. ومع أنني أجريت مقابلات مع أفراد من جميع المستويات في المنظمة، إلا أنني ركزت على الموظفات الجدد، وذلك من منطلق أن القوى المحركة للاحترام سوف تكون أكثر ظهوراً لدى النساء الجديدات في العمل. تصل هؤلاء النسوة إلى يومهن الأول في العمل بهويات مسلوبة وتقدير ضعيف لذواتهن بعد شهور أو سنوات من الحياة في السجن. لكن على الرغم من تقليل المجتمع عموماً من تقدير النساء المسجونات بتصويرهن نمطياً على أنهن خطرات وشريرات وأمهات سيئات، تخبرهن تيليفيرد أنهن موضع تقدير وجديرات بفرصة أن يكن ناجحات في عالم الأعمال. ومع أن جميع السجينات مطالبات بالعمل في السجن، فإن هناك اختلافاً في وظائف السجن من حيث مكانتها وما تدفعه من أجر. يكون الأجر في تيليفيرد بحسب الحد الأدنى الفدرالي للأجور وهو 7.25 دولار بالساعة – وهو أكثر بكثير من أجور وظائف السجون الأخرى كأعمال المطبخ والتنظيف والبستنة. كانت جلسات الإعداد التي راقبتها تبدأ بنبذة عن تاريخ الشركة ونجاحاتها، بما في ذلك أهم إنجازاتها والجوائز التي فازت بها والتي يتم وصفها بأنها نتيجة للعمل الرائع من النساء في مراكز الاتصال. يُرحَّب بعد ذلك بالنساء في عالم تيليفيرد، ويقال لهن "حالما تدخلن من ذلك الباب، أنتن زميلات لنا ولستن سجينات".
تخاطَب الموظفات بأكثر طريقة شخصية ممكنة تسمح بها قوانين السجن، "الآنسة فلانة" ولا يخاطبن أبداً باسم "سجينة" أو بأرقامهن. يعمل المدربون وقادة الشركة على فهم وجهات نظرهن. وقد رأيتهم يشرحون للنساء أفكاراً معقدة في الأعمال باستخدام سيناريوهات صادفتها النساء غالباً في السابق: مثلاً، وضّح المدربون الهيكل التنظيمي باستخدام أمثلة من مطاعم معروفة وشرحوا لهن إدارة سلسلة التوريد في سياق تجارة المخدرات.
كذلك أخبرهن القادة أن القادمات الجدد هم استثمار على قدر كبير من الأولوية. وقد وصفوا لهن الفرص العديدة للتطوير المهني، كفرص المشاركة في حصص تدريبية ونوادي الكتب وعدد من ورشات العمل على مدى ستة أشهر في العام قبل إطلاق سراحهن، بهدف تهيئة النساء ذهنياً وعاطفياً ومهنياً للتحول القادم. كذلك تُخبَر العاملات أنهن قد يحصلن على فرصة للعمل في مكاتب الشركة بعد إطلاق سراحهن، وقد كان هذا ما فعلته 25% منهم. بوسع النساء أيضاً التقدم لمنحة تيليفيرد لمتابعة التعليم العالي. كما أنه وضمن مشروع تدريبي امتد على مدى أسبوعين وكنت حاضرة فيه، قدمت كل موظفة خطة عمل تبني فيها شركة افتراضية حول فكرة أو شغف لديها. حضر هذه العروض التقديمية مديرون ورؤساء وتنفيذيون من تيليفيرد.
يعتمد القادة أيضاً أسلوباً خاصاً في تقديم الموظفين للأشخاص في الخارج. فعندما يزور عملاء حاليون أو محتملون مراكز الاتصال، يتحدث المديرون عن مدى احترافية وشغف وكفاءة الموظفات. مثلاً، قالت أحد الموظفات مستذكرة تجربتها عندما انضمت لجيم هوكر في اجتماع مع مجموعة من العملاء "جلس هناك كأب فخور بأولاده.. لم يقاطع. ولم يصحح لنا. كان محترماً جداً، وقد وثق تماماً بقدرتنا على الخوض في حوار واعٍ مع العملاء".
الاحترام الواجب أقوى من الثقافة. فقد قامت بعض الموظفات من السجينات بإخبار القادمات الجدد أنهن مستعدات لدعمهن - مثلاً، بعرضهن تقديم المساعدة في فهم مواد التدريب بعد ساعات العمل أو مشاركة قصص عن الشكل الذي سار بها منحى تعلمهن. كذلك نظمت الموظفات في أحد مراكز الاتصال جلسة اجتماعية بعد الظهيرة للقادمات الجدد، تعرف من خلالها الأعضاء من كلا المجموعتين على بعضهن البعض وتشاركن نصائح للعمل في مركز الاتصال وناقشن طموحاتهن المهنية المتطورة.
يستخدم مكان العمل هذا أدوات تقوي من هذا الاحترام الواجب بتذكير الموظفات بقيمتهن للشركة- من هذا مثلاً، ملصق موقع من رئيس تنفيذي مشهور من أحد عملاء الشركة يشكر الموظفات على عملهن الرائع. كما أن مكان العمل مصمم بحيث يقلل من الفوارق في المكانة: يجلس المديرون والوافدات الجدد والموظفات ذوات الخبرة في مكاتب متماثلة بجانب آخرين يعملون على نفس المشروع. ويكون بديهياً للجميع الترحيب بأسئلة القادمات الجدد وعدم اعتبارها.
تؤسس هذه الممارسات وتوطد لدعامة حقيقية ومتسقة من الاحترام الواجب لجميع العاملات. هكذا وصفت الأمر أحد الموظفات: "في تيليفيرد، أنت تعامل كشخص راشد. تحصل على اعتراف بك كإنسان، كشخص له قدره وقيمته". بمرور الوقت أصبح واضحاً لي أن تكرر الشعور بالاحترام الواجب يعتبر حافزاً ليس فقط لرفاه الموظفات لكن أيضاً لمجمل أداء الشركة.
الاحترام المكتسب. يتطلب تكوين والمحافظة على مستويات عالية من الاحترام المكتسب تجاه الموظفات من السجينات إبداعاً إدارياً، لأن تقييدات السجن تشترط أن لا تُمنح السجينات علاوة أو مكافأة أو ترقية. عوضاً عن ذلك، كان على السجينات من اليوم الأول في عملية التوظيف تجاوز عقبات محددة كاختبار في الطباعة وإتمام مقابلة على الهاتف بنجاح. هي إنجازات مهمة تستمر طوال عملية التدريب. في الجلسات التي راقبتها، كانت هذه الإنجازات في شكل اختبارات وعروض لخطة عمل أو إجراء اتصالات مبيعات بوجود مشرفين، حيث كل نجاح صغير يقدم فرصة للموظفين وللمديرين للإشادة بإنجازات الوافدات الجدد.
بالإضافة لهذا، تشارك الوافدات الجدد في جلسات لتقديم الآراء التقويمية وجهاً لوجه مع مدربة من الموظفات النزيلات أو من الشركة. أكد لي المدربون في كلا المستويين على أهمية الصراحة في مثل هذه الجلسات وعلى أهمية عدم تقديم مديح غير مستحق. يستمر تقديم الآراء التقويمية حتى بعد إتمام التدريب عبر عملية لمراقبة الجودة يتم فيها الإشادة بالإنجازات وتقدم فيها توجيهات تطويرية. كما يمرر المديرون الآراء التقويمية الإيجابية من العملاء الحاليين والمحتملين للموظفات، وهو ما يعزز شعورهن بأن الاحترام تجاههم يتجاوز أسوار السجن.
كذلك تروج تيليفيرد لإنجازات الموظفات داخلياً. ففي كل مرة تقترب فيها موظفة من تأمين عملية بيع، تدق جرساً – إشارة للزملاء والمديرين للإشادة بها. (قيل لي أنه في المرة الأولى التي تدق فيها الموظفة الجرس، يقف الجميع ويصفقون لها.) كما يمنح المديرون والمدربون للموظفات شهادات تحتفي بالإنجاز الاستثنائي - حين تصل موظفة لعتبة معينة من تحقيق العوائد، مثلا. تعرض النساء هذه الشهادات بفخر في حجراتهن.
علاوة على ذلك، يحتفي المديرون بالأداء الفردي أمام باقي الموظفات. حيث تُكتب أحياناً أهداف الأداء مع كل تقدم تحرزه الموظفة لتحقيقها على لوح ظاهر لكامل الفريق. تمكّن هذه الشفافية الموظفات من الربط بين الإعراب عن الاحترام المكتسب، سواء كان موجهاً نحوهن أو نحو زميلاتهن، وبين إنجازات بعينها. كما أن هذا يشجع الموظفات على قياس أدائهن في مقابل أداء معياري موضوعي بدل قياسه عبر مقارنات مع موظفات أخريات وهو ما قد يروّج للمنافسة في هذا السياق ويقوض من اللُّحمة واللباقة.
ترى الموظفات هذه التعبيرات المستمرة عن الاحترام المكتسب جوهرية لأدائهن. "بفضل هذا الاحترام... نحن نكتسب ثقة بأنفسنا"، أخبرتني إحداهن. "وكلما زادت الثقة في داخلك، تتزايد ثقتك على الهاتف.. وهذا طبعاً يجلب المزيد من النجاحات ومزيداً من الثقة. ليستمر الأمر بالتعاظم تلقائياً بتأثير أشبه ما يكون بكرة الثلج".
تطوير الهوية. من أهم الخلاصات التي توصلت لها من دراسة تيليفيرد هي أهمية الاحترام لإحساس الموظف بذاته. لقد كانت تتضاءل لدى العاملات اللواتي راقبتهن نظرتهن لأنفسهن على أنهن سجينات وتتنامى نظرتهن لأنفسهن على أنهن موظفات محترفات. في اليوم الأول لهن في العمل، أخبرهن أحد القادة في الشركة أن لديهن الآن فرصة للقيام باختيارات أفضل، بغض النظر عن اختياراتهن الماضية. كما أن سماعهن مقولة "ارتداء اللباس البرتقالي لا يعكس حقيقتهن" هو بمثابة تحد للوافدات الجدد لأن ينأين بأنفسهن عن خياراتهن السابقة وحياة السجن، في حين أن أسس الاحترام الواجب جعلت واضحاً لديهن بما لا يترك مجالاً للشك أنه ينظر إليهن على أنهن ذوات جوهر جيّد. يؤسس هذا لبيئة آمنة يمكنهن فيها تجريب هوياتهن الجديدة.
أخبرتني النساء أن تجربة السجن تلغي شخصياتهن. وقالت إحداهن: "تُجبَر على الشعور بأنك صغير جداً، بأنك رقم". أما تجربتهن مع تيليفيرد فعلى النقيض تماماً. فالشركة لا تطلب منهن ترك أنفسهن والتلاؤم مع صورة نمطية عن الموظف الناجح، بل تشجعهن على تحديد وبناء سماتهن وقواهن الخاصة. من أوائل التمرينات التي لاحظت أنها تساعد الموظفات على تحديد الصفات الشخصية الطاغية لديهن وجعلهن يعملن على التوصل لطريقة لربطها بعملهن هي شرح المدرب كيفية مساهمة كل سمة في نجاحهن. هذه التعبيرات المبكرة عن الاحترام المكتسب القائم على سمات متنوعة تساعد الموظفات على تصور ما بإمكانهن تحقيقه كموظفات في تيليفيرد، أو كموظفات محترفات عموماً.
تدعو تيليفيرد الموظفات ذوات التجربة إلى التحدث في دورات تدريبية. رأيت موظفات من المكتب الرئيسي للشركة يتوقفن للتحدث عن مسيرتهن، مشيرات إلى أنهن كن قد بدأن في نفس المقاعد التي تشغلها الوافدات الجدد. لاحظت كيف حولت هذه الأمثلة عن النجاح والتطور تركيز الوافدات الجدد عن أنفسهن في الماضي إلى ما يمكن أن يصبحن عليه. تجعل هذه البيئة الوافدات الجدد يشعرن بالأمان عند تجريب سلوكيات قد تعتبر محرمة في أوساط السجن، كما يمنحهن التشجيع الإيجابي من المديرين والزملاء والعملاء الثقة للنمو والتغير. قالت إحدى الموظفات "سمعت هذا من الكثير من النساء، ولدي نفس الشعور: عندما تأتي للعمل هنا كل يوم، فأنت لست سجيناً. أنت لا ترتدي البرتقالي.. أنا موظفة متعلمة ولامعة أخوض يومياً في حوارات لامعة وذكية مع تنفيذيين ورؤساء لأقسام المعلومات ومديرين من شركات مصنفة في فورتشن 500 وفورتشن 100.. هذه أنا".
لعل تيليفيرد تشتغل في سياق غير اعتيادي، لكن حاجة الموظفين للاحترام أمر عالمي. فالدافع للتطور لا يقل قوة عن احتياجاتنا الجسدية، وهو يعتبر بالنسبة للكثير منا عاملاً أساسياً في اختيار الشركة التي سنعمل فيها أو في التفاعل في العمل. قلة من العاملين سيختبرون تحولاً كهذا من سجناء إلى موظفين محترفين، لكن لدى كل عامل الفسحة للنمو بطرق قد تكون أقل وضوحاً، وهو نمو مهم للأداء وللرضا في العمل على حد سواء. فالموظفون سيشعرون غالباً بالتزام نحو رب عمل يمكنّهم من الازدهار والتطور.
كثيرة أيضاً الحوادث التي تحدث في الشركات التقليدية والتي تثير مشاعر لا تختلف كثيراً عن مشاعر تشكيك السجينة بقيمة ذاتها وحاجتها الملحة للاحترام. خذ مثلاً حالة شخص يعمل في درجة متدنية في أحد الوظائف أو يعمل في شركة تمر بعملية تغيير في القيادة تثير لديه تساؤلات حول ما إذا كانت الشركة ستستمر بالتعبير عن التقدير لموظفيها. الحاجة للاحترام الواجب والمكتسب -وما تمنحه من مصادقة على الذات- جميعها عوامل أساسية في تشكيل مواقف الموظفين وسلوكياتهم في مجموعة متنوعة من المواقف في العمل.
ردم الهوة
في جميع أماكن العمل باستثناء تلك التي استشرى فيها الكثير من الأفراد الخبيثين، لا يتطلب بناء مؤسسة محترمة إصلاحاً لسياسات الموارد البشرية أو أي تغيير آخر رسمي. كل ما يتطلبه الأمر أن تُؤخذ دوماً في الاعتبار أشياء صغيرة لكن مهمة يمكن من خلالها التعبير عن الاحترام المكتسب والواجب تجاه للموظفين. سنستعرض فيما يلي سبع طرق يمكن للقادة والمديرين استخدامها لخلق تأثير هائل على العاملين.
1- ضع معياراً للاحترام الواجب. يجب أن يشعر كل موظف بأن الإقرار بكرامته واحترامها أمر مسلم به. هذا أمر على درجة كبيرة من الأهمية للعاملين في المستويات الدنيا. ففي دراسة نظرت في مدى تواجد أو غياب التقدير في العمل، أجرتها جين داتون (جامعة ميتشغن) وجيلاي ديببي (جامعة جورج واشنطن) وإيمي جشنيفسكي (جامعة ييل)، أشار العديد من عمال النظافة في المشافي إلى وجود إشارات دقيقة تولد لديهم شعوراً بأن تقدير الآخرين لهم قد زاد أو نقص. كان في الدراسة عاملون لم يحصلوا أبداً على اعتراف بهم من الآخرين، وهو ما جعلهم يشعرون أنهم غير مرئيين أو كما لو أنهم ليسوا جزءاً من عمليات المستشفى. هناك آخرون أشاروا إلى انتعاش في طاقتهم وشعورهم بأهميتهم لمجرد إلقاء طبيب التحية عليهم أو إمساك الباب لهم. ولا تقتصر أهمية مسائل الاحترام على الشركات الجديدة بل تتعداها إلى العريقة أيضاَ. فقد وصف أحد موظفي المبيعات في شركة آبل انطباعه الأول عن الرئيس التنفيذي للشركة في مدونة في عام 2011: "بالنسبة لتيم كوك لا وجود لشيء اسمه سؤال غبي. عندما أجاب عن سؤالي، تحدث إلي كما لو كنت الإنسان الأذكى في آبل. لقد خاطبني كما لو كنت ستيف جوبز نفسه. لا زلت أذكر نظرته ونبرته وعدم تعجله في إنهاء الحديث معي. كان ذلك اليوم الذي بدأت أشعر فيه أنني أكثر من مجرد قطعة غيار قابلة للاستبدال. كنت واحداً من عشرات آلاف الأجزاء المتكاملة فيما بينها في آبل.‘‘ فكر للحظة إن كانت مكانتك الوظيفية تحجب عنك رؤية فجوة في الاحترام، ولاحظ أن مجرد اعتراف بسيط أو مديح من القائد يكفي عادة لجعل الموظف يشعر بالتقدير.
2- اعرف كيف تعبر عن الاحترام في سياق عملك. سواء كنا قادة أو زملاء، بإمكاننا جميعاً خلق بيئة يقوي فيها الزملاء المؤشرات الدالة على الاحترام ويجعلون من القيمة الاجتماعية واقعاً يومياً لبعضهم البعض. يشير البحث إلى أن هناك سلوكيات محددة تعبر عن الاحترام الواجب، مثل الاستماع النشط وتقدير الأشخاص على اختلاف أفكارهم وخلفياتهم. بالنسبة للقادة، هناك سلوكيات عديدة لنشر الاحترام منها تفويض مهام مهمة وتقبّل النصيحة وإعطاء الموظفين الحرية لتنفيذ أفكارٍ خلّاقة وإبداء الاهتمام بحياتهم خارج العمل ودعمهم علناً في مواقف حرجة.
3- انتبه للأعراف التي تحكم كيفية التعبير عن الاحترام لأنها قد تختلف من قسم لآخر. فالتعبير عن الاحترام الواجب الذي كان يتم تلميحاً في مكان عملك القديم عبر تبادل مجاملات صباحية، قد ينظر له زملاؤك في عملك الجديد على أنه تشتيت فظ خلال الفترة الصباحية المهمة. والمديح وإبداء الرأي خلال جلسات التدرب على تقديم العروض الذي كان يُنظّر له على أنه تعبير عن الاحترام المكتسب في بيئة عملك السابقة قد يراه زملاؤك الحاليون امتهاناً لهم.
اعترف أن للاحترام تداعيات. كثيراً ما يحاكي الأفراد في المنظمة سلوكيات قادتهم، ومثلما يمكن للهمجية أن تستشري كذلك يمكن للاحترام أن يتفشى. هذا التدفق من أعلى إلى أسفل سوف يسهم غالباً في تحديد شكل طريقة تعامل الموظفين مع العملاء وشركاء الصناعة وأفراد المجتمع. ليس مصادفة أن صُنفت شركة كوستكو (Costco) في السنوات الأخيرة بأنها أفضل موظِّف كبير في أميركا بحسب فوربس ونُسب لها لقب "متجر التجزئة المفضل في أميركاً" في استطلاع للآراء أجراه مؤشر رضا العميل الأميركي. في المقابل، تتصدر الشركات التي تتصدر قائمة "أسوأ خدمة عملاء" عادة قوائم "أسوأ مكان عمل".
4- خصص الكم من الاحترام المكتسب الذي تقدمه للآخرين. على القادة النظر لأبعد من مجرد الحرص على وجود معيار للاحترام الواجب. عليهم تحديد وتخصيص مزيج من أنواع الاحترام التي من شأنها تمكين الموظفين من الازدهار أكثر في عملهم. صحيح أن هناك حاجة لمستويات مرتفعة من الاحترام الواجب والاحترام المكتسب، لكن قد تكون لديك أسباب تدفعك للتركيز على نوع دون الآخر. قد تكون قد حددت مثلاً هدفاً يتطلب الكثير من التعاون والتلاحم وهو ما يستدعي كماً أكبر من الاحترام الواجب. أو قد تكون الثقافة السائدة أكثر تركيزاً على المساهمات الفردية، مما يجعلك تود التركيز أكثر على الاحترام المكتسب مع ضمان أن تكون معايير الأداء شفافة بحيث توجه انتباه الموظفين إلى منجزات موضوعية مستهدفة عوضاً عن قائمة من المقارنات الشخصية مع زملائهم. كيف يكون شكل التعبير عن الاحترام المكتسب؟ بحسب استطلاع عالمي لمؤسسة ماكنزي شمل أكثر من 1,000 تنفيذي ومدير وموظف، وُجد أن الحصول على مديح من مدير مباشر أو انتباه من قائد وفرصة لترأس مشروع، أمور ذات تأثير على التحفيز أكبر من تأثير الحوافز المالية.
5- الاحترام مورد لا ينضب. تحديد متى يُسبَغ الاحترام ليس كتقرير كيفية تقسيم مورد ما في العمل (كما هو مثلاً تخصيص الانتباه أو الوقت أو دفع المكافآت)، كما يجادل ستيفن بلادر وسيو يو من جامعة نيويورك (إن واي يو). ليس الاحترام مورداً محدوداً، لأن منحه لموظف لا يُنقص ما يحصل عليه موظفون آخرون. ينطبق هذا على الاحترام الواجب والمكتسب: لجميع الأفراد في المؤسسة الحق في النوع الأول من الاحترام، ولجميع الموظفين الذي يحققون أو يتجاوزون معايير الأداء الحق في النوع الثاني من الاحترام. كما أن موقع موظف ما في الهيكل التنظيمي لا يجعله أكثر أو أقل استحقاقاً للاحترام. يجب أن يُمنح الاحترام الواجب بنفس القدر سواء كان للناطور أو للرئيس التنفيذي، ويجب أن يُمنح الاحترام المكتسب بحسب ما يتم تحقيقه أو تجاوزه من معايير أداء خاصة بدور الشخص في العمل.
6- انظر للاحترام على أنه موفّر للوقت، وليس مبدداً له. لا يأتي الإعراب عن الاحترام بالضرورة على حساب المهام الحساسة. ترى كريستين بوراث أن الافتقار للوقت "عذر فارغ" وتشير إلى أن الاحترام يعتمد إلى حد كبير على كيفية قيامك به أصلاً. تتفق معها في هذا جين داتون، وترى أن إدماج الاحترام الواجب في تعاملاتنا اليومية هو الطريقة الأفضل. يكون ذلك بصور بسيطة كالتواصل والاستماع بطرق تظهر تقديراً، وأن تكون حاضراً إن احتاجك الآخرون، وبالتأكيد على أهمية الآخرين للشركة. هل لا زلت قلقاً من إضاعة الوقت؟ ستوفر على نفسك الكثير من الوقت إن أنت أضفت أموراً صغيرة تعرب عن الاحترام. ترى بوراث أن لتجاهل الاحترام تكلفة أكبر بكثير من الإيفاء به: التعامل مع عواقب سلوك غير محترم يستهلك سبع أسابيع في كل العام من وقت القادة والتنفيذيين في شركات فورتشن 1000. أما الوقت والجهد المطلوبان للإقرار بالأداء الجيد أو إلقاء التحية أو إمساك الباب للآخرين فتلك أمور بسيطة جداً بالمقارنة.
7- اعرف متى تعود جهود الإعراب عن الاحترام بنتيجة معاكسة. قد يكون الضرر الناجم عن محاولات إظهار الاحترام أكثر من نفعها إن هي كانت عشوائية أو افتقرت للاستمرارية. سيرى الموظفون في التعابير المبهمة الصادرة عن موظفي الموارد البشرية وكبار القادة أنها استغلالية أو مخادعة في حال لم يكن يُصادق عليها يومياً في التعاملات مع المديرين والزملاء. ولو أن الناس أظهروا الاحترام في بعض المواقف دون غيرها - كأن يقوم مدير بالمديح فقط في تواجد (أو غياب) كبار القادة- فسيُنظر لكلماتهم غالباً على فيها نفاقاً. أخيراً، عليك التنبه إلى أن لا فائدة من احترام مكتسب يُمنح من غير استحقاق. وكما شرحت الأمر أحد الموظفات في تيليفيرد "ليس الأمر كما لو أن عليك توقع أن تنهال عليك المجاملات فارغة طوال الوقت.. كل ما في الأمر أنني أتطلع لأي يكون عملي ذا قيمة". ولأن الموظفين يرون في الصدق أحد أهم التعبيرات عن الاحترام، فإن الإطراءات غير الصادقة، وإن كانت صادرة عن نية حسنة، تعود غالباً بنتائج عكسية.
خلال الشهر الأول لها في العمل، قالت لي أحد الموظفات في تيليفيرد أنه لم يسبق لها العمل بوظيفة بدوام كامل، ولم يكن لديها فكرة عن كيفية التحدث إلى الرؤساء التنفيذيين، وكان لديها شك بأن الوظيفة تعكس شخصيتها فعلاً. بعد مرور تسع شهور، أخبرتني نفس الموظفة عن زملاء داعمين، وإنجازات في العديد من المشاريع، وعن مديح هادف من مديرها. كما أضافت "لقد تعلمت في الواقع شيئاً منذ أن قلت ذلك التصريح (قبل تسع شهور)... أنت من تقرر ما تريد أن تكون". وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتنسيق العمليات اليومية هي المهام الرسمية للمدير. لكن كما يُظهر بحثي، فإن مسؤولياته لا تنتهي عند هذا الحد: يجب أن يبني المديرون أيضاً مكان عمل يسمح للموظفين-وبالنتيجة لشركاتهم- أن يصبحوا أفضل نسخة ممكنة من أنفسهم.