لنفترض أنك أطلقت العنان لبنات أفكارك مؤخراً، وبدأت تحلم بإنشاء مشروع جديد، أو انتهاج مسار مهني جديد، أو أداء دور جديد في شركتك الحالية.
إلا أن الأمور لم تبدأ كما تخيلتها بداية مفعمة بالحماس. هل تعتبر هذه البداية النقطة الأدنى في منحنى النمو السيني، وهي الخط المسطّح، قبل أن تبدأ الأمور في التحسّن؟ أم سوف يستمر الحال على المنوال نفسه؟
فما من أحد يرغب في إعلان تلاشي حلمه ما لم يتلاشَ هذا الحلم فعلياً. لكن، إذا كان حلمك على المحك، وأنت توجّه مواردك الثمينة صوب قضية ميؤوس منها، فربما يتعين عليك أن تدرك الأمور التي لا مفر منها. وهي كيف يمكنك معرفة أنه من السابق لأوانه التخلي عن حلمك؟ لقد قيّمتُ آلاف المشاريع الجديدة وساعدتُ مئات الحالمين بحياة مهنية، وأقول إن الرد بالإيجاب على الأسئلة التالية يشير إلى أنك تقف في أسفل المنحنى، بيد أن النمو مقبل. والأسئلة هي:
هل يتبوأ مشروعك التجاري (أو منصبك في الشركة التي تعمل بها) مكانة لولاه (أو لولاك) لظلت شاغرة؟ هل تُلبي حاجة لم يتم تلبيتها بالكامل بعد أو حاجة لم تُكتشف بعد؟ فيمكن أن تكون مساهمتك المبتكرة جيدة، حتى إذا كان الاهتمام بها فاتراً في البداية، وحالك في هذا هو حال كثيرين، لأن العديد من الأشخاص الذين صنعوا الفارق بابتكاراتهم لم يحظوا باهتمام يُذكر في المراحل الأولى من علمهم. فالشقيقان أورفيل رايت وويلبور رايت كانا يختبران آلاتهما الطائرة دون أي جمهور لسنوات، وقوبلت مساعيهما بالتشكيك واللامبالاة. ولم تحظَ الطائرات الأولى ذات المحركات التي صنعاها بالتغطية الإعلامية، بل إنه لم يصدق حقيقة تحليقها سوى عدد قليل من الجيران المقربين. وكان الشقيقان رايت يتمتعان برؤية بعيدة المدى، فثابرا فيما يقومان به إلى أن برزت عبقريتهما أعلى المنحنى وفوق القياسات كلها. فالبداية البطيئة لا تعني أن الأمور ستمضي على الوتيرة نفسها حتى النهاية.
هل تلعب على نقاط قوتك؟ نحن نرغب في عمل ما نحب، إلا أنه في بعض الأحيان لا يتقاطع شغفنا مع نقاط قوتنا. لذا، من الأهمية أن تتبيّن مواهبك الحقيقية، قم بعمل تقييم أمين لقدراتك ذات الصلة بالموارد التي تتطلبها مؤسستك. هل هما متشابهتان؟ أم أنك تلاحق شغفاً لا تتواءم معه قدراتك بالقدر الكافي؟ وإذا كنتَ حقاً لا تعلم، فابحث عن بعض الأصدقاء المخلصين أو الموجهين واطلب منهم أن يكونوا صادقين معك.
وبناءً على أجوبتهم عن الأسئلة السابقة، هل تتوقع المخاطر الصحيحة؟ إذا كانت المنافسة ضارية، فهذا يعني أنك قد تقبّلت زيادة احتمالات الفشل. وإذا كنتَ قد اتخذت لنفسك مكانة مميزة تبوأتها من منطلق نقاط القوة التي تتحلى بها، فقد حان الوقت للاستقرار والمثابرة.
هل تجد عملك شاقاً لكنه ليس منهِكاً؟ وهل تواجه اليوم الجديد بكل حماس حتى إذا كان مضنياً؟ إذ يمكن، على الرغم من ذلك، أن يكون النمو القوي قريباً. لكنّ البحث الذي أجراه غريغوري ميلر وكارستن روش، الأستاذان المشاركان في علم النفس، يُبيّن أن مواصلة السعي لتحقيق الأهداف الخاطئة يمكن أن يزيد مستويات بروتين سي التفاعلي (C-reactive protein) في الجُزيء الملتهب، الذي يرتبط بمشكلات صحية مثل أمراض القلب ومرض السكر والشيخوخة المبكرة لدى الأشخاص البالغين. ويُعتبر التخوّف من عملك أو التعرض إلى ظروف جسدية سلبية من أعراض اتجاه منحنى النمو لديك إلى التسطيح المستقيم.
هل تكتسب زخماً جديداً؟ إذ يمكن قياس الزخم كمياً. وتوجد العديد من المعايير التي يمكنها قياسها، مثل: عدد الزبائن وإتمام العمليات التجارية ومستوى التعرض والعملاء المرتقبين في مسار المبيعات، وما إلى ذلك. فإذا أظهرت مقاييسك تحسناً أو زيادة في النمو، فقد حان الوقت لمضاعفة مساعيك. في عام 2004، أطلق براڨو برنامج "بروجكت رانواي" (Project Runway)، وهو برنامج تنافسي من برامج تلفزيون الواقع للمصممين الطموحين. وتُبيّن معدلات المشاهدة التي ترصدها شركة "نيلسن" (Nielsen) للأبحاث الإعلانية أن أقل من شخصين من مجموع ألف شخص شاهدوا العرض الأول من هذا البرنامج، وهو ما يمثل 10% من توقعات "براڨو". ولم تتحسن معدلات المشاهدة خلال الفترة الممتدة من الأسبوع الثاني إلى الأسبوع الرابع. إلا أن "براڨو"، بدلاً من الاستسلام بشأن البرنامج والعودة إلى البرامج مؤكدة النجاح، عرض الحلقات الثلاث الأولى منه مراراً وتكراراً. وبعد شهر، ارتفعتْ معدلات مشاهدة البرنامج بمقدار أربعة أضعاف. وفي حين أن البرنامج لم يبلغ التوقعات الأولية المتمثلة في 20 شخصاً من بين كل ألف مشاهد، إلا أنه مع تسارع الزخم، سرعان ما أصبح وضع أسفل منحنى النمو في عِداد الماضي.
معرفة متى تتخلي عن حلمك
يُفضي أي تغيير مزعزع إلى فقدان الكفاءة في الأجل القصير، على الأقل. وهناك الكثير من الأوقات التي يكون فيها الشيء الوحيد الذي يقف بيننا وبين تحقيق النتائج المنشودة هو الصبر والمثابرة، إلا أنه في أوقات أخرى، يكون ما يحول بيننا وبين مسعانا هو انعدام الوصفة السليمة للنجاح فحسب، وحتى عندما نتّبع الخطة الصحيحة، فإن حوالي ثلثَي المشاريع الجديدة سيكون مصيرها الفشل. ووفق البيانات الصادرة من "مجلس الرؤساء التنفيذيين" (CEB)، فإن ما بين 50-70% من المسؤولين التنفيذيين الجدد لا يحققون النجاح.
وتشير الإجابات بالسلب عن الأسئلة المذكورة آنفاً إلى أنه ربما قد حان الوقت للتخلي عن حلمك. ويرد خبير التسويق سيث غودن على العقلية الثقافية الشائعة التي مفادها "الناجحون لا ينسحبون أبداً"، بالقول: الناجحون ينسحبون طوال الوقت، فهم ينسحبون فقط من الأشياء غير المناسبة في الوقت المناسب".
ومن المغري الاعتقاد أن إنفاق مقدار أكبر من الوقت والمال، أحدهما أو كليهما، سينقذ الموقف، فجميعاً نتأثر بالأفكار المغلوطة ذات التكاليف الباهظة. لكنّ معرفة الوقت المناسب للتخلي عن حلمك بمثابة الفرق بين غرق زورق صغير وغرق سفينة "تايتنك".
وحتى إذا كان منحنى نموك قد بلغ أدنى نقطة، فستكون الخبرة التي تتمتع بها خير معين لك، لأن المشكلات تُحل بالقضاء على العوامل المتغيرة، وتساعدنا المشاريع الفاشلة في التخطيط لمسلك أذكى. وقد درس معهد "أبحاث الأداء الرياضي بنيوزلندا" (Sports Performance Research Institute New Zealand) راكبي الأمواج المنافسيين، وحدد أنهم يقضون في العادة 8% من وقتهم في ركوب الأمواج، و54% منه في التجديف و28% منه في انتظار الموجة. ولا يوجد أحد يدّعي أن التجديف والانتظار والسقوط المحتوم ليست مكونات أصيلة من نجاحهم في نهاية المطاف. ويمكن جداً أن تكون الفرصة التالية التي تغتنمها هي منحنى النمو الذي كنت تتطلع إليه.