ازدادت مؤخراً الأصوات المعارضة "لأسهم الفئة المزدوجة"، والتي تنتهك مبادئ الديمقراطية في المؤسسات ومبدأ "صوت واحد لكل سهم"، إذ تطالب مجموعة إنفستور ستيواردشيب غروب المؤلفة من 50 عضواً نافذاً وتشرف على أصول بقيمة 22 تريليون دولار بإلغاء أسهم الفئة المزدوجة تماماً. كما طالب مجلس المستثمرين المؤسسين" مؤخراً، والذي يمثل مدراء يديرون أصول بقيمة 25 تريليون، بأن يتم تحديد صلاحية تطبيق أسهم الفئة المزدوجة ضمن الشركات بفترة سبع سنوات فقط. لكن مع ذلك، بدأت بورصات هونج كونج وسنغافورة هذا العام بالسماح للشركات بإدراج أسهم الفئة المزدوجة بعدما كانت تمنع ذلك في الماضي.
فمن المحق هنا؟ هل هم المستثمرون المؤسسيون المؤثرون أم بورصات هونج كونج وسنغافورة؟ وهل يجب إلغاء أسهم الفئة المزدوجة تماماً أم وضع بند انقضاء صلاحية إلزامي لها؟
نرى بدورنا أنه بينما يثير مقترح حظر أسهم الفئة المزدوجة قضايا مهمة، سيتسبب تنفيذه بالضرر أكثر من النفع نظراً للتحديات التي تطرحها الثورة الرقمية وحاجة الشركات القائمة بشكل متزايد لتحويل نماذج أعمالها.
واسمحوا لنا بتقديم شرح سريع للقراء غير المطلعين على ما سبق. تقدم الشركات التي لديها أسهم الفئة المزدوجة في العادة نوعين من الأسهم هما السهم A والسهم B، ويتمتع أحد النوعين عادة بحقوق تصويت أكثر قوة من الثاني. ويسمح الاحتفاظ بأسهم ذات قوة تصويت أكبر لمجموعة من المساهمين، هم المؤسسون في أغلب الأحيان، بالتحكم في قرارات مجلس الإدارة حتى مع وجود آخرين في الدائرة الأوسع مهتمين بمسار الشركة ومستقبلها. وتملك بعض أكبر الشركات الحالية من حيث القيمة السوقية، مثل: فيسبوك وألفابت وعلي بابا أسهم الفئة المزدوجة حالها حال بعض الشركات القديمة عائلية الطابع مثل: فورد ونيويورك تايمز.
ولقد تزايد مؤخراً استخدام أسهم الفئة المزدوجة، حيث كان لخمس الشركات المدرجة في البورصات الأميركية في العام الماضي أسهم فئة مزدوجة. ومن الغريب أنه وبينما يطالب وارن بافيت بشدة بإلغاء أسهم الفئة المزدوجة، تواصل شركته بيركشاير هاثاواي تقديم فئتي أسهم فيما يتعلق بالتصويت. وبينما تملك معظم الشركات ذات أسهم الفئة المزدوجة أسهم متفوقة من الفئة B تعطي قوة تصويت تزيد بعشرة أضعاف عن أسهم الفئة A، هناك شركات أخرى مثل ألفابت وأندر آرمور (Under Armour) وبلو أبرون (Blue Apron) وسناب شات قامت باستغلال هذا الأمر إلى أقصى حد عبر تقديمها فئة أسهم لا تملك حتى حقوق تصويت. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يقيّم المستثمرون أسهم الفئة C في ألفابت، والتي لا تملك أي حقوق تصويت، بنفس قيمة أسهم الفئة B والتي تمنح الحق في التصويت. ويشير استمرار اهتمام المستثمرين بالأسهم ذات قدرة التصويت الأقل أو حتى بلا قدرة تصويت إلى وجود سبب مهم لبقاء هذه الأسهم.
ولا تزال الأبحاث المتصلة بمزايا أسهم الفئة المزدوجة منقسمة؛ فبعض الدراسات ترى الشركات ذات أسهم الفئة المزدوجة تحقق عوائد أقل ولديها أسعار تداول أدنى فضلاً عن أنّ إدارتها تبقى لفترات أطول وتأخذ تعويضات تنفيذية أعلى وتجري عمليات استحواذ مدمرة للقيمة؛ في حين ترى دراسات أخرى أنّ بنية أسهم الفئة المزدوجة هي الخيار الأمثل أحياناً لسيناريوهات معينة، إذ غالباً ما تميل الشركات ذات فرص النمو الكبير وتلك التي تحتاج إلى تمويل خارجي على شكل أسهم لأن تكون شركات ذات أسهم فئة مزدوجة. كما تقدم الشركات ذات النمو الكبير والشركات ذات الملكية العائلية التي لديها أسهم الفئة المزدوجة عائدات أعلى للمساهمين على المدى الطويل. وأظهر تحليل أجرته إم سي إس آي (MSCI) مؤخراً أنّ أداء شركات أسهم الفئة المزدوجة فاق الشركات الأخرى في السوق خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2007 إلى أغسطس/آب 2017.
وبينما عُرفت شركات وسائل الإعلام مثل نيويورك تايمز وكومكاست (Comcast) ودش نتورك (DISH Network) وأيه إم سي هولدنغز (AMC holdings)، وليبرتي ميديا (Liberty Media) ونيوز كوربوريشن (News Corporation)، وفياكوم (Viacom)، بتقديمها أسهم الفئة المزدوجة بذريعة الحفاظ على استقلالية الأخبار، نرى في الوقت نفسه اعتماداً واسع النطاق لنظام أسهم الفئة المزدوجة لدى ما يقرب من 50% من شركات التكنولوجيا. وقمنا باستكشاف أسباب تنامي استخدام نظام أسهم الفئة المزدوجة في دراسة حالة قامت بها "إتش بي إس" (HBS) لشركات التكنولوجيا والتي خلُصت إلى أنّ شعبية تلك الأسهم ترجع إلى الأهمية المتزايدة للاستثمارات غير الملموسة وصعود المستثمرين الناشطين وتدهور آليات الحماية الأخرى المتاحة للإدارة حالياً مثل المجالس المتعاقبة (staggered boards) والحبوب السامة (poison pills) وهو تكتيك تستخدمه الشركات لمنع عمليات الاستحواذ العدائية. ويمكن أن تكون هيكلية أسهم الفئة المزدوجة خياراً مثالياً نظراً لأنها توفر الحصانة ضد ما يقوم به مستثمرو الأجل القصير، وتمكّن المدراء المؤسسين من تجاهل الضغوط التي يتعرضون لها من أسواق رأس المال، وتجنّب اتخاذ إجراءات قصيرة النظر مثل وقف الأبحاث والتطوير أو تأخير إعادة هيكلة الشركة.
لذا، فإننا نرى أنّ حظر أسهم الفئة المزدوجة بالمطلق لن يكون بلا تبعات؛ فعلى سبيل المثال، يمثل أحد الأسباب الرئيسة لتراجع عدد العروض العامة الأولية ازدياد إحجام شركات التكنولوجيا عن إدراج أسهمها، والذي يرجع بشكل كبير إلى ارتفاع نشاط المساهمين. وقد يشجع فرض الحظر على أسهم الفئة المزدوجة إلى بقاء المزيد من شركات التكنولوجيا كشركات خاصة، أو حتى تحفيز شركات التكنولوجيا المدرجة كشركات عامة على العودة للملكية الخاصة، ما سيقضي على فرصة المستثمرين العاديين في شراء حتى الأسهم التي تملك تصويتاً محدوداً. ومن المحتمل أن يكون هذا هو سبب قيام البورصات في هونج كونج وسنغافورة بتعديل موقفها السابق والسماح بأسهم الفئة المزدوجة.
ولكن ماذا عن بند الانقضاء الإلزامي لأسهم الفئة المزدوجة؟ يحوّل هذا البند تلقائياً حق التصويت المتفوق إلى حق تصويت عادي بعد الاكتتاب العام الأولي بفترة محددة مسبقاً. فعلى سبيل المثال، تحوّلت أسهم الفئة المزدوجة في شركات غروبون (Groupon) وتكساس رود هاوس (Texas Roadhouse) إلى أسهم تقليدية بعد خمس سنوات من إدراجها، ولدى شركات مثل فيتبيت (Fitbit) وكاياك (Kayak) ويلب بنود للتحوّل التلقائي لاحقاً. وتسمح هذه الهيكلية بوجود أسهم فئة مزدوجة لفترة محددة في وقت مبكر من حياة الشركة للسماح للمؤسسين بمتابعة المبادرات الخطرة والجريئة من دون تعريض أنفسهم لضغوط مستثمري الأجل القصير. وأظهرت الأبحاث أنّ فوائد أسهم الفئة المزدوجة تتبدد مع مرور الوقت، وأنّ تكاليف ترك الإدارة ترسّخ حضورها في مناصبها أسوأ من حماية الشركة من مستثمري الأجل القصير. ويدعم ما سبق التقييمات التي تتوقع عمراً أقل للشركات ذات أسهم الفئة المزدوجة مقارنة بتلك التي لديها فئة أسهم واحدة.
ومن وجهة نظرنا، سيكون بند الانقضاء مثالياً إذا كان هناك وقت ثابت ومحدّد تكون فيه الشركة قد غدت ناضجة بما يكفي بحيث لا تحتاج إلى إجراء المزيد من التغييرات في نموذج عملها. ومع ذلك، لا يمكننا أن نؤيد هذه الفكرة بشكل كامل لسببين. الأول هو عدم وضوح عمر الشركة الذي يجب تفعيل بند الانقضاء فيه، إذ قمنا بحساب عدد السنوات الذي تغدو فيه شركة قيد النمو شركة ناضجة في دورة حياتها بعد الاكتتاب العام الأولي لأسهمها في البورصات الأميركية ووجدنا أنّ هذا العمر آخذ في الانخفاض. ففي أواخر الثمانينات، كان 10 سنوات وانخفض إلى 7.6 سنة في التسعينيات ثم إلى 5 سنوات في القرن الحادي والعشرين. كما تختلف فترة النضوج باختلاف تكنولوجيا الشركة ونموذج العمل. بالتالي، من غير الممكن استخدام سياسة "مقاس واحد يناسب الجميع".
أما الأمر الثاني، والأكثر أهمية، فنحن غير متأكدين مما إذا كانت شركات اليوم قادرة على البقاء في نفس مجال عملها إلى الأبد بالنظر إلى وتيرة الإبداع والتنافس الناشئ من الشركات الرقمية، إذ تواجه الشركات العريقة مثل فورد، وكاتربيلر وول مارت ومايسيز (Macy’s) وسيرز (Sears) وبوينغ وجنرال إلكتريك وجون ديري (John Deere) وديوك إنيرجي (Duke Energy) وطمسون رويترز، اضطرابات تتطلب منها إجراء مراجعة شاملة لنماذج أعمالها، في حين اضطرت العديد من الشركات الكبرى والناضجة، مثل أمازون وألفابت وآي بي إم وأبل إلى إعادة اختراع نفسها عدة مرات. وبقدر ما يُسهّل نظام أسهم الفئة المزدوجة تحول الشركة، سيتسبب الافتراض بأنّ الشركة ستصل إلى مرحلة نموذج عمل دائم، وبالتالي عدم حاجتها إلى تحوّل إضافي، بالإضرار بالابتكار بشكل عام وبقيمة أسهمها. فعلى سبيل المثال، كان يمكن أن يُعاق تحول بيبسي من المشروبات السكرية إلى تقديم وجبات خفيفة صحية لو خضعت الشركة لمطالب صناديق التحوط.
باختصار، وبدل التوصية بفرض حظر تام على أسهم الفئة المزدوجة، أو حتى بند الانقضاء الإلزامي، نوصي بهيكلية أسهم أكثر مرونة. وقد تكون هناك حاجة لوجود شركات بأسهم فئة مزدوجة تطلب بعد فترة سنوات محددة سلفاً إبقاء هيكلية الأسهم تلك بعد الحصول على موافقة غالبية المساهمين. كما يجب في الوقت ذاته منح الشركات ذات فئة الأسهم الواحدة خيار التحوّل إلى أسهم فئة مزدوجة من خلال تصويت المساهمين عند حاجتها إلى القيام بتحولات كبيرة بدل اضطرارها إلى شطب نفسها من سوق الأوراق المالية بالكامل لتحقيق هذا الهدف.