دراسة حالة: هل يجب أن نتبنّى العملات المشفّرة؟

13 دقيقة
العملات المشفرة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية لمشاكل يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. تستند هذه الحالة إلى دراسة حالة في كلية هارفارد للأعمال بعنوان: “كيفية إدراج بيتكوين ضمن السجلات المحاسبية في تسلا” من تأليف تشارلز وانغ وسيو جانغ.

صدرت عن الهاتف الموضوع على المائدة بجوار السرير ثلاثة تنبيهات متتالية تنبئ بوصول رسائل نصية قصيرة قبل أن توقظ أنكيت جين الذي كان يغطّ في نوم عميق. وبينما كان يحاول الوصول إلى هاتفه، تلقّى ثلاث رسائل نصية إضافية. كان يعلم من المرسل. إنها من مديره ثورستن كونيغ الرئيس التنفيذي لشركة “آيفوري تاور” (Ivory Tower)، المنصة التعليمية الرائدة التي تعمل عن طريق الإنترنت.

أنا لدى شركة “صن فالي” (Sun Valley) ونحن نتحدث عن العملات المشفرة.

حان الوقت.

مدفوعات + استثمار.

بأي سرعة يمكننا إنجاز المهمة؟

أرجو أن تتواصل معي في أسرع وقت ممكن لنناقش المسألة.

أقنع شيرا وباول.

تنهّد أنكيت، فثورستن هو شخص ذكي جداً وضليع بالتكنولوجيا كان قد أسس شركة “داي تريدز” (DayTradz) ثم باعها، وهي واحدة من أوائل منصات التداول عبر الإنترنت المخصصة للأفراد. كان قد أنجز ذلك كلّه قبل أن يبلغ الثلاثين من العمر حتى، وكانت “آيفوري تاور” هي مشروعه الثاني الذي حقق نجاحاً باهراً. فقد تمكنت هذه المنصة من زعزعة حقل التعليم العالي من خلال توفيرها لدورات تعليمية جامعية عالية الجودة على مستوى شهادتي البكالوريوس والماجستير في جميع أنحاء العالم. كان بعض هذه الدورات مثل مادة “مدخل إلى علم الاقتصاد” التي يدرّسها أحد الحائزين على جائزة نوبل مجاناً في سبيل نشر العلم تعطى إلى الطلاب بتكلفة ميسّرة للغاية، في حين كانت مواد أخرى كتلك المتعلقة بالترويج للعلامة الشخصية التي تدرّسها كريس جينير (Kris Jenner) أو المادة المتعلقة بعمليات الاستحواذ والاندماج التي يدرّسها كارل آيكان (Carl  Icahn) باهظة التكلفة للغاية. كانت فكرة المنصة تقوم على جعل مستخدميها من الأغنياء يدعمون مستخدميها الأفقر حالاً، وكان الأثر الذي أحدثته “آيفوري تاور” في غضون خمس سنوات من إنشائها – وخلال الأشهر الثلاثة عشر التي تلت الاكتتاب العام على أسهمها – مذهلاً. غير أن تولّي منصب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة سريعة الحركة يقودها “عبقري مجنون” كان أمراً مُرهِقاً.

كان ثورستن يتحدث منذ أشهر عن إدماج العملات المشفرة ضمن أنشطة الشركة. فقد كان من كبار مناصري بيتكوين1 وسبق له أن استثمر ما يقرب من 5% من محفظته الاستثمارية الشخصية فيها. وقبل بضعة أسابيع، كان الرئيس التنفيذي قد طلب من أنكيت أن يأمر فريقه بدراسة فكرة قبول مدفوعات الأقساط الدراسية بالعملات المشفرة، والاحتفاظ بجزء من الاحتياطيات النقدية لشركة “آيفوري تاور” بهذا النوع من العملات. وفي المقابلات الإعلامية التي كان يجريها، بدأ ثورستن بالتلميح أيضاً إلى “مستقبلنا في مجال العملات المشفرة”، الأمر الذي عزز التخمينات القائلة إنه سيبني منصة للتداول بالعملات المشفرة أو سيشتري منصة من هذا النوع.2 بيد أن أنكيت كان يعلم مدى التزام ثورستن بشركته “آيفوري تاور” لبضع سنوات قادمة على الأقل. كذلك كان يدرك أن كل ما يصبو ثورستن إليه هو أن يجمع بين شركته تلك وبين شغفه الجديد.

كان تقاضي الرسوم الدراسية بعملة بيتكوين والاستثمار فيها بالنسبة لثورستن مسألتين بسيطتين، تشبهان التداول باليورو أو الدولار، وهو شيء كانت “آيفوري تاور” تفعله أصلاً. كما أن تبنّي بيتكوين يمكن أن يسمح للشركة التي تعمل انطلاقاً من الولايات المتحدة الأميركية أن تتحوط تحوطاً إضافياً ضد تضخم قيمة الدولار.3

أما أنكيت فكان يعلم أن الأمر أعقد بكثير. فرغم أن جاذبية العملات المشفرة كانت تتزايد في الأوساط العامة، إلا أنها كانت شديدة التقلب بما في ذلك العملة الأكثر رسوخاً ألا وهي بيتكوين، حيث إن التذبذبات الكبيرة في قيمتها جعلتها تبدو أقرب إلى أسهم المضاربة. ولا شك أن بالإمكان تلقّي الدفعات ببيتكوين ومن ثم تحويلها إلى دولار، لكن الشركة ستكون مضطرة وقتها إلى تحديد ما إذا كان من المنطقي بناء القدرات الداخلية المطلوبة أو الاستعانة بطرف خارجي لتولي شؤون هذه العمليات. كما أن استثمار الأرباح في العملات المشفرة كان مسألة أخرى تماماً. فمجرّد تفكير أنكيت بالتحديات المرتبطة بإصدار التقارير المالية كان كفيلاً بأن يصيبه بالصداع، ناهيك عن مسؤولية الأمانة المهنية الملقاة على عاتقه كرئيس تنفيذي للشؤون المالية والمتمثلة في الإجابة عن السؤال التالي: هل كان المساهمون يريدون حقاً لشركة “آيفوري تاور” أن تراهن على العملات المشفرة إذا كان الإقدام على هذه الخطوة قد يشكّل خطراً على رأس المال المطلوب لاحقاً لتطوير تكنولوجيات ودورات دراسية أفضل وتوسيع انتشار الشركة؟

لكن المؤسف في الأمر هو أن ثورستن نادراً ما كان يقبل أن يُواجه بالرفض. لذلك نهض أنكيت من سريره وبعث برسالة نصية قصيرة إلى أعضاء فريقه قال فيها: “صباح الخير. ثورستن يسأل عن العملات المشفرة مجدداً. هل نعقد اجتماعاً على زووم لنناقش الأمر عند الساعة الثامنة؟ هو سينضم إلينا في الثامنة والنصف”.

في غضون أقل من دقيقة، تلقّى ردّين على شكل إبهامين مرفوعين يشيران إلى موافقة مرسليهما على الاجتماع. فقد بات الجميع معتاداً على اجتماعات ثورستن المرتجلة. لكن أنكيت كان يأمل ألا ينتهي هذا الاجتماع بفرمان ما.

دراسة الخيارات

“نستطيع قبول دفع الأقساط الدراسية ببيتكوين”، قال باول آبيبي المراقب المالي في “آيفوري تاور” للمجتمعين عبر زووم. كان الجميع يعملون من المنزل منذ أن بدأت الجائحة، بينما كانت الشركة قد قررت عدم اشتراط عودة أي من موظفيها إلى مقرّها الرئيس في مانهاتن. “إنها مزعجة لأن تداولها ليس بسهولة تداول العملات غير الرقمية كما هو واضح. وستكون هناك اعتبارات تخص التقارير المرفوعة إلى مصلحة الضرائب الأميركية والالتزام بأحكام مكافحة غسيل الأموال ويجب علينا أخذها بالحسبان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يجب أن نُقْدِم على هذه الخطوة؟”

“ثورستن يقول إن هذه الخطوة تتماشى مع أخلاقياتنا المتمثلة في تبنّي كل ما يخص المستقبل، وأداء دور رائد في نشر التكنولوجيات الجديدة، وإحداث هزة في المجتمع التربوي الذي عفا عليه الزمن”، قالت شيرا مساعدة أنكيت. “وإيدو معجب بهذه الفكرة أيضاً”. كانت تشير بهذا الكلام إلى إيدو سانغر، الرئيس التنفيذي لشؤون التسويق في “آيفوري تاور”. “هو يعتقد أنها ستستقطب اهتماماً صحفياً كبيراً”.

“وهل سيُترجم ذلك إلى عدد أكبر من المستخدمين وإلى إيرادات أكثر؟”، سأل باول بنبرة تشكيك. “ما هي النسبة المئوية لطلابنا الذين يهتمون لهذا الأمر أصلاً؟”4

“دوراتنا الخاصة بتقنية “البلوك تشين” (سلاسل الكتل) والعملات المشفرة هي من بين أكثر دوراتنا رواجاً، لكن ثورستن يعترف أن معظم الناس في الوقت الحاضر لن يدفعوا أقساطهم بعملة بيتكوين أصلاً”5، قال أنكيت. “هو مهتم أكثر باستثمار أموالنا النقدية الفائضة. فهل من أفكار؟”

“هذه فكرة مريعة”، قال باول.

“أوافقك الرأي”، قالت شيرا. “ليس هناك حتى الآن إرشادات في المعايير المحاسبية المقبولة (GAAP) تنصّ على كيفية التعامل مع هذه المسائل.6 لكن المعهد الأميركي للمحاسبين القانونيين المعتمدين (AICPA) يقول إن بيتكوين لا تُعتبر ضمن فئة النقد أو المكافئات النقدية، أو المخزونات، أو الأدوات المالية، لذلك يجب التعامل معها على أنها من الأصول غير الملموسة، وهذا يعني أنه إذا تراجعت قيمتها، فإننا يجب أن نخفّض قيمتها في ميزانيتنا العمومية. أما إذا ارتفعت قيمتها، فإننا لا نعلن عن هذه المكاسب إلا عندما نبيع. وبالتالي، إذا كنا سنستثمر فيها استثماراً كبيراً، فإن صافي دخلنا قد يتعرّض لخسائر كبيرة عشوائية لسبب لا يخص نشاطنا التجاري. وهذا يعني أن الحديث مع الآخرين عن أداء الشركة سيصبح أعقد”.

“ولكن إذا ارتفعت قيمة بيتكوين على المدى البعيد، فهل سيسمح لنا ذلك بتحقيق مكاسب تساعدنا في التقليل من مشاكل ربحيتنا أو تعززها؟” سأل أنكيت مُضيفاً: “مساهمونا لا يبحثون عن نتائج فصلية مثالية، بل يريدون منا أن نستثمر بحكمة لكي ننمّي الشركة”.

هنا اعترض باول قائلاً: “أعذروني. لا يمكن أن نعتبر الاستثمار في أصل تتغير قيمته من 60 ألف دولار إلى 30 ألف دولار في غضون شهر استثماراً حكيماً. كيف بوسعنا أن نعرف أن قيمة بيتكوين العام المقبل ستكون مشابهة لقيمتها الآن؟ وهل سنكتفي باستعمال بيتكوين أم أننا سنستعمل أيضاً أيثر أو أي واحدة من آلاف العملات المشفرة الأخرى؟”

“في الوقت الحاضر، ثورستن يتحدث عن بيتكوين فقط”، قال أنكيت. “فهي تتمتع بأكبر قاعدة مستخدمين عدا عن أنها الأقدم. وهو مقتنع أن قيمتها سترتفع”.

“إذا كان مساهمونا يريدون الرهان على العملات المشفرة، بوسعهم فعل ذلك مباشرة”، قال باول. “عندما تقدّمنا بأوراق الاكتتاب العام الأولي، لم نذكر شيئاً عن بند محاسبي خاص ببيتكوين”.

“حسناً، بوسعنا الإفصاح عن الأمر، وبوسع المستثمرين بيع حصصهم إذا لم يرق لهم ذلك”، قالت شيرا. ثم هزّت رأسها. “لكنني أتفق معكم أن هذا التحرك سابق لأوانه وأن هذه العملة شديدة التقلب. أنا أصوّت لصالح قبول المدفوعات ببيتكوين، ويمكننا فعل ذلك دون تعقيدات كبيرة تخص الإفصاح والجوانب التقنية. أما الاستثمار فيها فلا”.

“أنا أرفض الأمرين معاً”، قال باول.

لحظتها تماماً انتبه أنكيت إلى أن ثورستن كان في غرفة الانتظار في تطبيق زووم. “حسناً يا أصدقاء ها قد جاء ثورستن”، قال باول وهو يضغط على الزر ليسمح للرئيس التنفيذي بالانضمام إلى الاجتماع.

حيّا ثورستن زملاءه مباشرة بعد أن ظهرت صورته على الشاشة.

“يا له من يوم رائع لنتحدث فيه عن المستقبل. هلّا أخبرتموني بما توصّلتم إليه بخصوص خططنا المتعلقة بالعملات المشفرة؟”

تولّى أنكيت الحديث قائلاً: “درسنا الخيارات المتاحة أمامنا. صحيح أننا نثمّن الفوائد المحتملة لبيتكوين، إلا أننا سنتقدّم بمشورة نعارض فيها ….”

“هكذا إذن! كنت أعلم يا أصحابي أنكم ستقولون هذا الكلام. فواجبكم يقتضي منكم الانتباه إلى الأرقام والبيانات. أنا أتفهم ذلك. لكن هذا هو سبب وجودي هنا، فأنا حاضر بينكم لمساعدتكم على رؤية الصورة الأكبر. بيتكوين هي المستقبل. من المستحيل أن يكون أداؤها أسوأ من أداء أي عملة أساسية خلال العقد المقبل.7 لدينا كمّ هائل من الاحتياطيات النقدية. فلماذا لا نستثمر جزءاً منها في أصول تحقق عوائد عالية لشركتنا؟ بوسعنا تحقيق مكاسب تبلغ عشرة أضعاف ما يمكن تحقيقه في استثمار آخر. وسوف نساعد بيتكوين على المضي إلى الأمام، ونساعد في نشر حركة الديمقراطية في مجال استعمال الأموال، تماماً كما نعمل حالياً على نشر الديمقراطية في مجال التعليم. يجب علينا فعل ذلك!”

عرف أنكيت أن كلاً من باول وشيرا قد فترت حماستهما، وأنهما أصيبا بالدهشة. وها هي سياسة الأمر الواقع تفعل فعلها من جديد. فلطالما كان ثورستن يحصل على كل ما يريده.

مخاوف مجلس الإدارة

تفقّد أنكيت بريده الإلكتروني بعد أن أفسح المجال أمام فريقه لكي يعمل على تحديد الطريقة التي تسمح بقبول المدفوعات ببيتكوين ولكي يُمضي بضع ساعات في وضع نماذج متنوعة لدراسة تأثيرات المستويات المختلفة من الاستثمارات في بيتكوين. كانت سيندي يو، أحدث أعضاء مجلس الإدارة عهداً ورئيسة لجنة التدقيق فيه، قد أرسلت رسالة تطلب منه الاتصال بها.

“مرحباً سيندي. لقد رأيت رسالتك للتو. كيف حالك؟”

“مرحباً أنكيت، وشكراً لك على الاتصال بي. اتصلت لأخبرك ببعض المخاوف الموجودة لدى مجلس الإدارة. هل بمقدوري أن أصارحك بأمر على أن تبقيه سرّاً بيننا؟”

“بكل تأكيد”.

“ثورستن ذكر لعدد من أعضاء مجلس الإدارة أنه مهتم بزيادة حجم بيتكوين في محفظة استثمارات “آيفوري تاور”. وفي الوقت ذاته، هو شخصياً استثمر مبلغاً غير زهيد في بيتكوين. بعضنا يشعر بالقلق من أن هذا الأمر ينطوي على شيء من تضارب المصالح، ولو ظاهرياً”.8

“مفهوم”.

“الأهم من ذلك كله هو أن بعضنا لديه تساؤلات بخصوص الحكمة من قبول المدفوعات بالعملات المشفرة. من الواضح أنني أتوقع أن نناقش هذه المسألة في اجتماع مجلس الإدارة الأسبوع المقبل لكنني أردت إبلاغك بالأمر سلفاً. أعتقد أن ثورستن قد طلب منك أن تعرض علينا خطة، لكننا نريد رأيك الصريح. هو لديه حلفاء بالطبع. غير أننا ومن موقعنا كأعضاء مجلس إدارة غير تنفيذيين يجب أن نتخذ القرارات التي تخدم مصلحة الشركة، وأتوقع من الفريق المالي تقديم التوصيات بالاستناد إلى المعايير ذاتها”.

“بالطبع”.

“أعلم أن ثورستن شخص مندفع جداً وليس من السهل الاختلاف معه في الرأي.9 وإذا كنت تختلف معه في الرأي، فإن مجلس الإدارة بحاجة إلى سماع ذلك، وسوف تحظى بدعمنا”.

الضغط من الرئيس التنفيذي

عند الساعة السابعة، وبينما كان أنكيت قد خرج لممارسة الرياضة رن هاتفه. كان المتصل هو ثورستن.

“أنكيت. أرجو ألا أكون قد اتصلت بك في وقت غير مناسب. أردت معاودة الحديث معك بشأن العملات المشفرة”.

“أنا أجري في الملعب. لا مشكلة”.

“حسناً، بمقدورك مواصلة الجري وأنا سأخبرك في هذه الأثناء بما أريد”، قال ثورستن. “أريدك أن تعرف أنني أتفهم ترددك. وبوسعنا أن نتبنى الأمر ببطء وبالتدريج. لكنني أتمتع بسجل حافل في معرفة ما سيحصل مستقبلاً في عالم الأعمال. في البداية كانت شركة “دي تريدز” والآن “آيفوري تاور”، وكلتاهما شركتان ناجحتان جداً، رغم أن الكثير من الناس لم يكونوا يصدّقون أنهما ستنجحان. بوسعك أن تثق بي مجدداً الآن. لقد تفوّقت بيتكوين على الدولار في الأداء منذ بدايتها، وهي تحظى بشعبية متزايدة في أوساط مستخدمي موقعنا، وبرأيي الشخصي ستكون أكثر كفاءة وأمناً من العملات العادية. الشركات الأخرى التي تعمل في مجال التكنولوجيا الحديثة بدأت تنضم إلى الجوقة. وهذا هو الوقت المناسب لكي ننضم إليها نحن أيضاً. دعمنا سيساعد حركة العملات المشفرة. سنسحب القوة من المؤسسات الكبيرة ونضعها في أيدي الناس. هذا الأمر يتوافق تماماً مع رسالتنا”.

لم يكن أنكيت واثقاً كيف يردّ على ثورستن، لكن الأخير اكتفى بما قاله ولم يضغط أكثر. “حسناً، تابع تمارينك الرياضية يا صديقي. وغداً سوف نركض نحو المستقبل معاً!”

بعد أن انتهى أنكيت من المكالمة، عاد للجري بسرعة وحاول أن ينسى كل شيء لينسجم مع الموسيقى التي تصدح من جهاز آيفون لكنه أخفق في مهمته. هل كان ثورستن على حق؟ إذا كانت التبادلات النقدية سوف تتجه نحو العملات المشفرة، يجب على “آيفوري تاور” عندها وبكل تأكيد أن تكون سبّاقة على غيرها. ولكن ماذا لو قررت الحكومات أن تكافح العملات المشفرة؟ أو ماذا لو خسرت بيتكوين كل قيمتها؟ كان أعضاء مجلس الإدارة على حق في طرحهم للأسئلة الصعبة. ولم يكن أنكيت واثقاً كيف يجيب عن أسئلتهم.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

ملاحظات على دراسة الحالة

  1. بيتكوين هي أول عملة مشفّرة أنشئت عام 2009. وبوسع المستخدمين على شبكتها إرسال بيتكوين إلى بعضهم البعض دون وجود وسطاء مثل البنوك. وتحظى هذه العمليات بتسهيل من تكنولوجيا البلوك تشين (سلاسل الكتل) التي تسمح لقاعدة بيانات حاسوبية بتتبع الملكية وعمليات نقلها بأمان.
  2. تشمل قائمة المنصات التي تحظى بشعبية وتستخدم لتداول العملات المشفرة كلاً من “كوين بيس” (Coinbase)، و”جيميني” (Gemini)، و”باينانس” (Binance). ويبلغ حجم تداولات كل واحدة منها حالياً مليارات الدولارات.
  3. في الربع الثاني من 2021، حصل ارتفاع حاد في التضخم في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تضاعفت قيمته تقريباً، في حين تراجعت قيمة بيتكوين بالدولار بنسبة 41%.
  4. توصّل بحث أجرته منصة “جيميني” عام 2020 إلى أن ما يقرب من 14% من سكان الولايات المتحدة الأميركية كانوا يمتلكون عملات مشفرة.
  5. ما الذي سيجعل الطلاب أكثر ميلاً إلى دفع أقساطهم بالعملات المشفرة؟
  6. لا تقدّم المعايير المحاسبية المقبولة (GAAP) في الولايات المتحدة الأميركية ومجلس معايير المحاسبة المالية إرشادات فيما يتعلق بالتعامل مع العملات الرقمية. ويجب على الشركات أن تفسّر كيفية انطباق المعايير الحالية عليها.
  7. ما هو الدليل الذي يمتلكه ثورستن لدعم تنبؤاته؟ كيف بوسع أنكيت مساعدته على تصوّر مستقبل مختلف أو رؤية المخاطر التي قد تتسبب بها بيتكوين؟
  8. هل هناك مشكلة في أن يستثمر المسؤولون التنفيذيون في الشركات في ذات الأصول التي تستثمر فيها شركاتهم؟
  9. ما الذي قد يعنيه أخذ أنكيت لموقف مخالف لرئيسه التنفيذي بالنسبة لمسيرته المهنية في “آيفوري تاور” وفي وقت لاحق؟
[/su_expand]

رأي الخبراء

هل يجب على أنكيت دعم خطط ثورستن المتعلقة ببيتكوين أم لا؟

أمريتا أهوجا (Amrita Ahuja): الرئيسة التنفيذية للشؤون المالية في “سكوير” (Square).

يجب على أنكيت دعم هذا الاندفاع نحو بيتكوين، سواء كشكل مقبول للمدفوعات أو كاستثمار يوضع في الميزانية العمومية للشركة.

في “سكوير” نحن نؤمن أن ثمة احتمالاً كبيراً أن تكون للإنترنت عملتها المشفرة الخاصة بها مستقبلاً، وبيتكوين هي أقوى المنافسين على هذا اللقب. فهي العملة المشفرة الأكثر أماناً ومرونة في مواجهة الشدائد، وهي تقوم على نموذج تنموي مبدئي، ولا مركزي، وشفاف يعتمد على مبدأ التوافق الجماعي. وبحسب ما نرى مآل الأمور مستقبلاً، فإن الشركات لن تكون مضطرة إلى التعامل مع العملات التقليدية والقواعد والأنظمة المحلية التي تتسبب بتعقيد العمليات العابرة للحدود بالنسبة للمستهلكين وترفع تكاليفها بالنسبة لهم. وهذا يعني أن حالات عدم الكفاءة في التكلفة، والوقت، والأمن سوف تتراجع، وستكون الشركات التي تقبل المدفوعات ببيتكوين قادرة على خدمة أي شخص في العالم، بمن في ذلك الأشخاص الذين همّشتهم الأنظمة المالية في السابق، أو الأشخاص الذين لا يثقون بالبنوك المركزية (كما هو الحال في أميركا اللاتينية وبعض المناطق الأخرى). هذا الشيء يتطابق تطابقاً تماماً مع مهمة “آيفوري تاور” المتمثلة في تقديم التعليم العالي ذي الجودة الرفيعة إلى المجتمعات غير المخدّمة على النحو الكافي، ويجب على الشركة أن تكون متقدمة على غيرها في هذا السباق.

كما أن ثورستن محق في قوله إن وضع استثمارات ببيتكوين في الميزانية العمومية سوف يُظهِرُ للزبائن، والموظفين (الحاليين والمستقبليين)، والمساهمين، والمراقبين إنها جادة في الاستثمار فيما تؤمن فيه وستساعد في تحويل عملة إنترنت أكثر شمولاً إلى واقع. إضافة إلى ذلك، يمكن لبيتكوين أن تمثل تنويعاً جاذباً للأصول ضمن المحفظة الاستثمارية وأداة للتحوط ضد التضخم.

استثمرت “سكوير” 5% من أموالها النقدية والمكافئات النقدية لديها في بيتكوين. ونؤمن أن الفرصة التي يوفّرها هذا الاستثمار على المدى البعيد تعوّض أي تقلبات على المدى القصير، وأن استثمارنا سيمكننا من التعلم والمساعدة في تحسين النظم مع زيادة الثقة فيه. ولكي تحقق “سكوير” هذه الغاية، أنشأت “تحالف براءات الاختراع المفتوحة للعملات المشفرة” (Crypto Open Patent Alliance) من أجل زيادة إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا العملات المشفرة عبر مكتبة من براءات الاختراع تعمل وفق مبدأ التعاون؛ و”سكوير كريبتو” (Square Crypto)، وهو فريق مستقل ينصبّ تركيزه حصرياً على الإسهام في دعم عمل المصادر المفتوحة لبيتكوين؛ ومبادرة بقيمة 10 ملايين دولار للطاقة النظيفة الخاصة ببيتكوين من أجل تقديم حوافز للمنقبين لكي يستعملوا مصادر طاقة متجددة؛ وصندوقاً وقفياً بقيمة 5 ملايين دولار لتمويل عمليات تثقيف الناس عن بيتكوين والترويج لتبنّيها. وعلى المنوال ذاته، يمكن لشركة “آيفوري تاور” أن تكون في طليعة المساهمين في تطوير الشبكة، وبناء علاقات طيبة مع الجهات التنظيمية لتفعيل عملية حماية المستهلك والتصدي للجهات السيئة، فضلاً عن تعزيز الابتكار وتحديد الطرق المناسبة للتعامل مع مسائل الحفظ، والتأمين، والتبادل، والمحاسبة، وجداول الرواتب، والتقارير الضريبية، والامتثال.

يحتاج أنكيت بطبيعة الحال إلى الرد على جميع الاستفسارات الواردة من فريقه ومن سيندي يو وتهدئة مخاوفهم. لكنه يستطيع بدعم من ثورستن، وبوجود استراتيجية واضحة وخطة تنفيذية محددة أن يقدّم الاثباتات التي تدل على أن الشركة تتمتع بفرصة تصدّر المشهد في هذا الاتجاه الصاعد بسرعة. وهذا هو الوقت الذي يجب عليه أن يثبت فيه ريادته من موقعه كرئيس تنفيذي للشؤون المالية.

روكسي وين (Roxi Wen): الرئيسة التنفيذية للشؤون المالية في “إنفيتي” (Invitae).

الأسباب الموجبة لعدم اتجاه “آيفوري تاور” نحو قبول بيتكوين والاحتفاظ بها أقوى من الأسباب الموجبة للإقدام على هاتين الخطوتين.

يجب على أنكيت معارضة الخطة – لكنه لا يجب أن يُقدِم على هذه الخطوة إلا بعد أن يخوض حواراً صريحاً مع ثورستن لتبيان السلبيات واستكشاف أفكار أخرى.

باول محق في الحديث عن شدّة التقلبات في العملات المشفرة وعدم أهليتها للإدراج في الميزانية العمومية. فإذا ما أرادت “آيفوري تاور” التحوط ضد التضخم، فإن هناك الكثير من البدائل الأقل خطورة مثل الذهب والعقارات. وعلاوة على ما سبق، فإن إدارة عمليات بيتكوين والاحتفاظ بها سيتطلبان تزويد القسم المالي بقدرات جديدة تماماً مثل كيفية تخزين مفاتيح بيتكوين، ومن غير الواضح أن هذا سيحقق الاستفادة الأفضل من جهد الموظفين. يُضاف إلى ذلك كله حالة عدم اليقين الكبير التي تحيط بالبيئة التشريعية، حيث لا يُستبعد ظهور قواعد إفصاح صعبة أو اشتراطات قاسية للتخارج من الاستثمارات في أي وقت من الأوقات.

كما أنني أجد صعوبة في تصديق فكرة لجوء الناس إلى دفع أقساطهم الدراسية ببيتكوين. إذ إن معظم من يشترون العملات المشفرة يريدون الاحتفاظ بها لتحقيق زيادة في رأس المال وكتحوط ضد التضخم، حالهم حال ثورستن. فلماذا سيستعمل الزبائن مقتنياتهم من العملات المشفرة لسداد الأقساط الدراسية، بحيث يسجّلون مكاسب رأسمالية خاضعة للضرائب الآن؟

يعتقد ثورستن أن بيتكوين ستكون أكثر أماناً وكفاءة من العملات المدعومة من الحكومات. لكن هذا الأمر خاضع للنقاش، بما أن المدفوعات بالعملات التقليدية، وتحديداً في الدول المتقدمة، تتحرك بطريقة آمنة وغالباً ما تكون حركتها أسرع من حركة كتل بيتكوين.

من المؤكد أننا سنصل إلى يوم يتداول فيه الناس بيتكوين بذات السهولة والتواتر اللذين يُتداول بهما الدولار، واليورو، والين. ربما تستفيد “آيفوري تاور” تسويقياً من أنها سبّاقة على غيرها ومن خلال تعزيز سمعتها كجهة تقدّمية مُبتكِرة. ولكن نظراً للتعقيدات التي تحيط ببيتكوين، أعتقد أن ثمة طرقاً أكثر كفاءة لكسب ميزة تنافسية على حساب الآخرين.

يحتاج أنكيت إلى التعامل مع ثورستن بشيء من البراعة. فعندما تعمل مع قائد ذكي وصاحب رؤية مستقبلية ثاقبة ومخزون لا ينصب من الأفكار، غالباً ما تشعر أن وظيفتك تكمن في قول كلمة لا طوال الوقت. لكن هذا النوع من العلاقات ليس مُثمراً. عوضاً عن ذلك، تتمثل الاستراتيجية الأفضل في خوض حوارات استراتيجية صريحة.

يجب على الرجلين أن يتحدثا عما يريده ثورستن حقاً. هل الهدف هو تبنّي بيتكوين؟ أم أن الهدف هو المشاركة في ثورة البلوك تشين؟ فإذا ما كان الهدف الثاني هو المقصود، هل هناك طريقة أخرى لاستعمال التكنولوجيا في الشركة؟ على سبيل المثال، هل يمكن استعمالها لإنشاء نظام تشغيل مفتوح وموزَّع يسمح للمستخدمين بإنشاء صفوفهم الدراسية الخاصة بهم؟ هل بالإمكان تحصيل المدفوعات عبر “البلوك تشين” حتى لو دفع الزبائن الأقساط بالعملات التقليدية؟ هناك أسئلة أشمل بكثير، وقد تكون إجابات ثورستن مفيدة لأنكيت وتساعده في العثور على طريقة تسمح له باحترام رغبات الرئيس التنفيذي دون أن يفعل بالضبط ما يقوله ثورستن.

في شركتي هناك موظفون كثر لديهم أفكار عديدة عما يمكننا فعله بالاحتياطيات النقدية الكبيرة الموجودة لدينا. ومهما بدت هذه الاقتراحات مجنونة، إلا أنني لا أرفضها البتة على الفور. بل أجلس مع الناس، وأسألهم عن الهدف الذي يحاولون تحقيقه من خلال الفكرة المطروحة، ونمارس العصف الذهني بخصوص كيفية تحقيق هذه الأهداف وإن كانت بطرق تختلف عن الطرق التي اقترحوها. ويجب على أنكيت فعل الشيء ذاته مع ثورستن.

بطبيعة الحال، يمكن للرئيس التنفيذي أن يضرب بيده على الطاولة وأن يُقنِع مجلس الإدارة بدعمه. فإيلون ماسك كان قد تمكّن من فعل ذلك من خلال استثمارات تسلا في بيتكوين. ولكن حتى في تلك الحالة، بوسع أنكيت الترويج لفكرة تطبيق تجربة منخفضة المخاطر، مثل إنشاء شركة قابضة منفصلة لاختبار فكرة الاستثمار في بيتكوين.

يتمتع الرئيس التنفيذي للشؤون المالية بالصلاحيات والمصداقية لدى ثورستن ومجلس الإدارة ولا يجب أن يخشى استعمالهما.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .