المبالغة في ولائك لشركتك قد يقودك لسلوكيات غير أخلاقية

5 دقائق
تقييم الولاء

ملخص: للولاء في العمل فوائد كثيرة، فمن دونه سيفتقر مكان العمل إلى الثقة أو الالتزام أو روح الفريق، لكن ثمة ما يمكن تسميته مغالاة في تقييم الولاء أو الإخلاص الأعمى، وأثبتت الأبحاث والتجارب الواقعية أن الموظف الذي يبالغ في ولائه تزداد احتمالات مشاركته في أعمال غير أخلاقية في سبيل الحفاظ على وظيفته، وتزداد احتمالات استغلال مؤسسته له أيضاً. إذاً ما الذي يمكنك فعله كي تحصد ثمار الولاء وتقلل مخاطره في آن معاً؟

  • أولاً، إذا رأيت خطأ ما فلا تصمت عنه؛ وحتى إن ولّد ولاؤك لمؤسستك لديك شعوراً بالقلق من إثارة أي مشكلة، تذكّر أن الصمت عن المخالفات هو ما يسمح باستمرارها غالباً.
  • لا تنافس زملاءك بل تعاون معهم؛ عندما تصبح بيئة مكان العمل تنافسية يفقد الموظف القدرة على التمييز بين السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي، في حين يزيد البحث عن طرق للتعاون مع زملائه فرص التزامه السلوكيات الأخلاقية.
  • غيّر وجهة نظرك. إن وجدت نفسك في موقف مشحون بسبب ولائك لمؤسستك، فحاول أن تتمعن في الأمور من زاوية أبعد وبعقلية مختلفة؛ يمكنك مثلاً التفكير في الموقف الذي تواجهه من وجهة نظر طرف ثالث بعيد عنه.

 

فلنقل إنك بدأت العمل في وظيفة جديدة، ربما هي أول وظيفة لك بعد تخرجك في الجامعة، أو انتقلتَ إليها من وظيفة سابقة بعد تخرجك بسنوات. وبعد مرور أسبوعين بدأت تتعرف على ثقافة المؤسسة الجديدة وقيمها، ومع مرور الوقت تمكنت من بناء علاقات وطيدة مع بعض زملائك ونما لديك شعور بالولاء تجاه الشركة نفسها، فالإنسان بطبيعته مخلوق اجتماعي يشعر بالولاء للمجتمع والمؤسسة التي ينتمي إليها.

هذا جيد؛ فمن دون الولاء سيفتقر أفراد المجتمع إلى الثقة أو الالتزام أو روح الفريق، ولذلك نرى أن المؤسسات تثمن عالياً موظفيها المخلصين. لكن ثمة ما يمكن تسميته مغالاة في تقييم الولاء أو الإخلاص الأعمى، وهو ليس جيداً، إذ أثبتت الأبحاث والتجارب الواقعية أن الموظف الذي يبالغ في ولائه تزداد احتمالات مشاركته في أعمال غير أخلاقية في سبيل الحفاظ على وظيفته وتزداد احتمالات استغلال مؤسسته له أيضاً.

قد تصعب موازنة هذه المعادلة لا سيما إذا كنت حديث الانضمام إلى القوة العاملة ولم تتعلّم بعدُ طرق إدارة علاقاتك مع زملائك ومع المؤسسة ككل، إذاً ما الذي يمكنك فعله كي تحصد ثمار الولاء وتقلل مخاطره في آن معاً؟

يجب أن تفهم هذه الثمار والمخاطر بوضوح أولاً، ولعل نتائج تقرير المراجعة الذي ألفناه مؤخراً تبيّن لك الصورة:

فوائد الولاء للمؤسسة

يعود ولاء الموظف لمؤسسته بالفائدة على كليهما؛ فللولاء أثر مُلزِم يوطّد علاقات الموظف المخلص بالآخرين، وهذا مهمّ للعمل التعاوني والسعي لتحقيق الأهداف المؤسسية المشتركة.

كما أن إخلاصك لمؤسستك يرفع من سويّة أدائك ويقلص التوتر المرتبط بالوظيفة ويفتح لك آفاق فرص جديدة ويثبت جدارتك بالثقة، وبالتالي ستجني ثماره المتمثلة في أمور مثل الحصول على الترقية وفرص العمل المميزة، وبالنتيجة ستشعر بالرضا والسعادة في وظيفتك؛ لن تنحصر الفوائد التي تحصدها بالمكاسب المادية إنما تشمل مكاسب نفسية أيضاً.

مخاطر المبالغة في الولاء

سيجعلك الولاء أفضل حالاً، أنت ومؤسستك على حدّ سواء، ولكن إذا لم تُحسِن إدارته فسيولّد سلوكاً غير أخلاقي؛ فقد بيّنت الأبحاث أنه عندما يبدي الموظف ولاء شديداً لمؤسسته تقل احتمالات أن يبلغ عن المخالفات والفساد فيها مثلاً، إذ يشعر أنه جزء من هذا المجتمع ويرغب في حمايته بالتغاضي عن المخالفات التي يرتكبها أفراده.

خذ مثلاً المقر الرئيس لشركة توشيبا (Toshiba) في اليابان حيث غرس القادة مبدأ الولاء على اعتباره جزءاً من ثقافة الشركة، وأوهموا الموظفين بأنهم سيستمرون بالعمل في المؤسسة مدى الحياة تقريباً إذا أبدوا التزاماً تجاهها وتجاه أهدافها وأفرادها. وأدى ذلك إلى ارتكاب كبار المدراء مخالفات محاسبية جسيمة على مدى فترة طويلة من الزمن من دون أي مساءلة، وعلى الرغم من إدراك كثير من الموظفين لما يحدث فقد التزموا الصمت معتقدين أنهم "يقومون بما يخدم مصلحة الشركة".

هذه العلاقة بين الموظفين المخلصين لمؤسستهم والقيادة العليا ليست حكراً على شركة توشيبا، ففي شركة إنرون (Enron) تمت عمليات الاحتيال المالي التي أدت في نهاية المطاف إلى انهيار الشركة بدعم من ولاء الموظفين الذي غشّى أعينهم ومنعهم من رؤية ما يحدث. ويتمثل أحدث مثال في شركة ثيرانوس (Theranos) للتكنولوجيا الطبية التي كانت تدّعي أنها ستغيّر العالم، إذ استغلت ولاء الموظفين وأنشأت وحدات عمل منعزلة بين الأقسام التي كان عليها التعاون فيما بينها من أجل تطوير منتجات عملية آمنة، ولكن تجزئة الفرق أدت إلى جذب مزيد من الاستثمارات من دون الاضطرار إلى مواجهة واقع فشل المنتجات التكنولوجية التي يعملون على تطويرها.

كيف تدير مستوى ولائك؟

بالنظر إلى ما تعلمناه وما عرفتَه الآن عن ثمار الولاء وتكاليفه، نقدم لك 3 اقتراحات قد تساعدك في تعظيم فوائد الولاء وتقليص مخاطره في آن معاً:

إذا رأيت خطأ ما فلا تصمت عنه

عندما يبدو لك أمر ما خاطئاً، أو تشعر أنه خاطئ فلا تصمت وأبلغ زملاءك أو مديرك، وحتى إن ولّد ولاؤك لمؤسستك لديك شعوراً بالقلق من إثارة أي مشكلة، تذكّر أن الصمت عن المخالفات هو ما يسمح باستمرارها غالباً.

إذا كنت قد أثبتّ ولاءك للمؤسسة بالفعل فعلى الأرجح أنك اكتسبت ثقتها وباتت تثمنك عالياً، لذلك احرص على أن تقوم بواجبك بالاستفادة من تأثيرك لتغيير صورة الموظف المخلص لمؤسسته؛ أزل الغشاوة عن عينيك واحرص على الإبلاغ عن المخالفات التي تلاحظها بما أنك تعرّفت على الأذى الذي يمكن أن يسببه الصمت وفهمته.

لا تنافس زملاءك بل تعاون معهم

ابحث عن طرق للتعاون مع زملائك بدلاً من منافستهم، فعندما تصبح بيئة مكان العمل تنافسية يفقد الموظف القدرة على التمييز بين السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي، إذ ينحصر تركيزه في العمل على تحقيق الربح لفريقه مهما كان الثمن ويعجز بالتالي عن رؤية التبعات الأخلاقية لسلوكه، في حين يزيد البحث عن طرق للتعاون مع زملائه بدلاً من التنافس معهم فرص التزامه السلوكيات الأخلاقية.

وعليك التنبه أيضاً لما يدل على تنامي المنافسة ضمن مؤسستك ومحاولة إيقافه، خذ مثلاً محاولة الحطّ من قدر فرق أو مجموعات معينة (مثل كراهية الفرق الأخرى) وتفسير المواقف بعقلية الربح أو الخسارة لا بعقلية تحقيق الربح لجميع الأطراف، والتشديد على أن نتائج بعض الأفراد أدنى من غيرها (مثل الإشارة إلى أن من يقترحون أقل من 10 أفكار في جلسة توليد الأفكار فاشلون)، فكلها تؤدي إلى التنافس ضمن المؤسسة وبالتالي زيادة السلوكيات غير الأخلاقية.

لا بد من الانتباه إلى أن عقلية التنافس تنتشر في المؤسسة بطرق ماكرة.

غيّر وجهة نظرك

إن وجدت نفسك في موقف مشحون بسبب ولائك لمؤسستك، فحاول أن تتمعن في الأمور من زاوية أبعد وبعقلية مختلفة؛ إذ اكتشف الباحثون مؤخراً أن تغيير المنظور أو العقلية التي يتبناها الإنسان يؤثر في نظرته إلى المعضلات المتعلقة بالولاء واستجابته لها.

مثلاً، لاحظ شريكنا في تأليف هذا المقال، سودن، في بحث أجراه مع زملائه أنه عندما يُطلب من أي شخص تأكيد رؤيته صديقاً مقرباً يرتكب مخالفة أخلاقية مثل السرقة أو الاحتيال فسيقول الحقيقة إذا تمكن من التفكير في الموقف من منظور الطرف الثالث الأبعد.

وتؤيد أبحاث أخرى هذه الفكرة التي تشير إلى أنه في مواقف معينة يكون تبني عقلية غير نمطية (مثل التوجه الجماعي بدلاً من الفردي أو التفكير التجريدي بدلاً من التجسيدي) قادراً على تحفيز الإنسان على التفكير والتصرف بطرق اجتماعية أشمل، الأمر الذي يتمتع بأهمية كبيرة حين تجد نفسك في مواجهة معضلة يتزاحم فيها الولاء مع المخاوف الأخرى (مثل الإبلاغ عن مخالفة ما).

الولاء هو قيمة مهمة تعود بالفائدة عليك بصفتك مهنياً شاباً في بداية عملك في وظيفة جديدة أو مسار مهني جديد، لا تخف من إبداء ولائك ولكن احرص على أن تبقى متنبّهاً، فعندما تتبع الجماعة من دون وعي لن تدرك ما يجري حولك. لذلك احرص على أن تكون مخلصاً لمؤسستك ومحباً للاطّلاع في آن معاً؛ وإن تمكنت من ذلك فستجني مكاسب حقيقية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي