هل نستطيع الوثوق بالآلات التي تشبهنا إلى حد كبير؟

4 دقائق

قريباً جداً سيكون لكل شيء صوت. فهاتفك يُصدر صوتاً بالفعل، وربما أيضاً جهاز المتحدث المنزلي الذكي، وسيارتك، وجهاز التحكم عن بُعد بالتلفزيون، وقريباً سوف تُصدِر المحمصة الخاصة بك صوتاً هي الأخرى. ويُحتمل أن تكون تلك الأصوات كلها موثوقة إلى حد بعيد، ومبنية على أساس كاذب في الوقت نفسه.

في الوقت الحالي، فإن الخبرة الشائعة التي يمتلكها الكثير منا في التعامل مع جهاز الكمبيوتر الذي يتحدث بصوت يشبه الصوت البشري، تحدث عبر الهاتف من قبل بعض المحتالين الذين يحاولون حملنا على التبرع لمؤسسة خيرية وهمية، أو دفع مال مقابل المساعدة في حلّ مشكلة غير حقيقية في نظام التشغيل ويندوز. ولكن فيما يتعلق بالوعي العام، ما زلنا نربط بشدة بين التطبيقات الحاسوبية ذات الصوت البشري والأجهزة الرقمية المساعدة مثل "سيري" (Siri)، و"أليكسا" (Alexa)، و"مساعد جوجل" (Google Assistant)، و"كورتانا" (Cortana)، وما شابه ذلك. إن واجهات المستخدِم لتلك الأجهزة المساعِدة تناسب الغرض أكثر من الأزرار والمفاتيح، فبإمكانكِ التفاعل معها بينما تحملين طفلك بكلتا يديك، ثم تتلقّين منها الردود دون الحاجة إلى تحويل بصرك عن متابعة البيض الذي تقلينه، ودون أن يصيبك القلق من الأخطاء المطبعية إطلاقاً. والآن، الموجة الجديدة في طريقها إلينا: فالواجهات الصوتية هي الحل الأمثل لإنترنت الأشياء على سبيل المثال، وهو جميع الأجهزة والأدوات المنزلية المتصلة ببعضها البعض، ولولا ذلك لكان لكل منها واجهاتها الخاصة، ولعملت كل منها بطريقة مشوشة. قريباً جداً سنجد أنفسنا نتكلم مع أي شيء تقريباً يحتوي على مفتاح كهربائي، وكلها ستُجيب بصوت بشري.

تلك الأنظمة كلها – وخصوصاً الأجهزة المساعدة - لديها ما يُحفزها لتقول لنا الحقيقة. ومع ذلك كله، سوف نكتشف عندما نخطو خارج المنزل ما إذا كان الجو غير مشمس حقاً كما وعدنا بذلك مساعدنا الرقمي. وعندما نرجع إلى المنزل، ونخرِج عشاءنا من الفرن، سنكتشف ما إذا كانت تلك التأكيدات التي أطلقها المساعد الرقمي بأنه أوقد الفرن لا أساس لها من الصحة. بل ربما نكتشف أن كيفين بيكون ليس أطول قامةً من توم هانكس، رغم ما أخبرنا به مساعدنا ذو الصوت الجميل. فإذا اكتشفنا، في مثل تلك الحالات العملية البسيطة أن هذه الأجهزة المساعِدة لا تخبرنا بالحقيقة، فسوف نتوقف ببساطة عن استخدامها.

لكن جميع تلك الأنظمة لديها أيضاً ما يدفعها إلى أن تكذب علينا كذبة كبيرة في كل مرة تتحدث فيها: وهي أنها تشبهنا. ولهذا السبب، فإن المساعد الرقمي ذا الذكاء الاصطناعي "جوجل دوبلكس" (Duplex)، يُصدر في بعض الأحيان صوتاً يدل على التفكير فيقول "أممم". إن "جوجل دوبلكس" هو البرنامج الذي سوف يتصل، مثلاً، بالمطعم ليحجز لك فيه دون أن يكتشف الشخص على الطرف الآخر أبداً أنه كان يتحدث مع برنامج للذكاء الاصطناعي. وعندما يقول "جوجل دوبلكس" "أممم"، فليس لأنه حائر في أمره حقاً ولا يجد كلاماً يقوله، وإنما يُحاول فقط أن يخدع الشخص على الطرف الآخر من الهاتف، تماماً كالصوت الذي تسمعه في مكالمات الاحتيال عبر الهاتف. وقد يحقق ذلك الأمر نجاحاً كبيراً في تلك اللحظة، فموظف الاستقبال لن يرتبك بفعل فكرة التحدث إلى آلة بدلاً من التحدث إلى بشر مثله. ولكن ذلك قد يُؤدي أيضاً إلى محو إحدى طرقنا الأساسية لتقدير الثقة: كيف يبدو شخص ما.

الآن، يُمثل "جوجل دوبلكس" حالة خاصة وغريبة بعض الشيء. وقد يكون أيضاً حلاً مؤقتاً: فبمجرد شراء المطاعم وغيرها من الأماكن لنسخها الخاصة من "جوجل دوبلكس" لإتمام عمليات الحجز، يمكننا تصور أن تتخلى تقنيات الذكاء الاصطناعي على جانبي المكالمة الهاتفية عن التظاهر ببشريتها، وتتمّم عملية الحجز بكل اقتدار على طريقة الروبوت في إطلاق الصفارات عوضاً عن التلفظ بكلمة "أممم".

لكن في الوقت نفسه، تبدو تلك الأجهزة المساعدة كلها شبيهة بالبشر لأن صانعيها أرادوا كسب ثقتنا. فهم يعرفون مدى ارتباطنا وتعلقنا عاطفياً بالأصوات البشرية. ولهذا السبب أيضاً تميل تلك الأجهزة المساعدة إلى استخدام صوت المرأة كوضع افتراضي فيها: فنحن البشر، على الأقل في الغرب، نثق كثيراً على ما يبدو في تلك الأصوات. ولو كان في إمكان شركة "آبل" (Apple) أن تجعل "سيري" تستكين بأنفها البارد وتطلب التدليل والملاطفة، فلربما فعلت "آبل" ذلك. ولكن ذلك لن يزيد من ثقتنا في تلك الأنظمة المساعدة أكثر.

إن ما يزيد من ثقتنا في هذه الأنظمة هو أنها تشبه الإنسان، وتشبه النوع الأنثوي منه بالتحديد، ولكن ليس لأنها جديرة بالثقة لشيء أكثر من ذلك. وإذا بدت "سيري" شبيهةً بضفدع موهوب، وحدث أن لعبت دوراً في خياراتنا البيولوجية، فحينئذ سوف تتكلم بصوت الضفدع كيرميت. إن الثقة التي تأتي عفواً من دون جهد ينبغي ألا تكون موثوقة.

ثم إن إضفاء طابع الإنسانية على كل شيء، لا يتماشى مع مصالحنا الواقعية. فبينما يطيب لـ "أليكسا" أن تظن أنني أريد الاسترخاء على كرسي هزاز بصحبتها في الشرفة الأمامية لبيتي واحتساء كوب من الشاي اللذيذ الشهير خاصتها، إلا أن هذه ليست، في الحقيقة، الطريقة الأكثر فعالية للآلة في نقل المعلومات لنا. أودّ لو أنني أستطيع إخبار "أليكسا" أن تتحدث أسرع من ذلك، وتترك الإطراء في الواقع، إن الجهاز الذي يتحدث بصوت خافت وسريع، والذي لم يُصمم فقط لنقل المعلومات بكفاءة، قد يكون هو الأفضل في الإشارة إلى أن مصالح صانعيه تتوافق مع مصالحنا: فنحن نريد فقط أن نعرف أن الموقد سوف يعمل على درجة 425 فهرنهايت لمدة 10 دقائق، ثم ينخفض إلى درجة 350 فهرنهايت. فلسنا في حاجة إلى أن يتظاهر الموقد بأنه مهتم بنا. في الواقع قد يستجلب الصوت الآلي الثقة أكثر من لفظة "أممم" هذه، مثلما يفعل الإنسان إذا تحدث بطريقة واضحة دون تملّق أو ثرثرة. على الأقل بالنسبة للبعض منا.

قد نكون مبالغين كثيراً إذا طلبنا ألا تحاول أجهزتنا أن تتحدث مباشرة مثل البشر. ولكن بما أن الأشياء من حولنا بدأت تتنافس على جذب انتباهنا وكسب ثقتنا من خلال التحدث بنبرات إنسانية دافئة، ولكنها متكلفة كما في بعض أفلام ديزني البائسة، فقد تجد الشركات أن إتاحة الخيار لنا بأن نطلب أن يتحدث مساعدنا الرقمي بطبيعته الآلية التي لا روح فيها هو أمر منطقي جداً من الناحية التجارية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي