هل ما تشعر به هو انزعاج أم حزن؟

6 دقائق

التقى أعضاء فريق التحرير بمجلة هارفارد بزنس ريفيو معاً افتراضياً منذ بضعة أيام في شاشة مليئة بوجوههم؛ وهو مشهد أصبح شائعاً للغاية في وقتنا هذا. وقد تحدث الفريق حول المحتوى الذي سيقدمه في هذا الوقت العصيب الذي يمر به العالم بسبب وباء فيروس كورونا وكيف يمكن مساعدة الناس. كما تحدث الفريق أيضاً عما يشعر به أعضاؤه، وعندما ذكرت إحدى الزميلات في الفريق أنها تشعر بالحزن، أومأ الجميع برؤوسهم مبدين شعورهم بالشيء ذاته.

ربما إذا استطعنا أن نسمّي مشاعرنا، سنتمكن من إدارتها والتحكم بها. ولهذا توجه الفريق إلى ديفيد كيسلر للحصول على أفكار حول كيفية القيام بذلك. يُعد كيسلر من أشهر الخبراء في الحزن في العالم. وقد شارك مع إليزابيث كوبلر روس في تأليف كتاب "حول الحزن والأسى: إيجاد معنى في الحزن عبر مراحل الفقدان الخمس" (On Grief and Grieving: Finding the Meaning of Grief through the Five Stages of Loss). وفي كتابه الجديد "إيجاد المعنى: المرحلة السادسة من الحزن" (Finding Meaning: The Sixth Stage of Grief)، أضاف مرحلة أخرى إلى هذه العملية. وأيضاً عمل كيسلر مدة عقد من الزمان في تجمع مكون من 3 مستشفيات في لوس أنجلوس، وقدم خدماته للفريق المعني بالمخاطر البيولوجية. وتتضمن أعماله التطوعية: العمل بوصفه متخصصاً في الحماية من الأحداث الصادمة لدى شرطة لوس أنجلوس، بالإضافة إلى عمله في فريق خدمات الكوارث بإحدى الجمعيات الدولية. كما أنه مؤسس الموقع الإلكتروني "www.grief.com" الذي يحصد أكثر من 5 ملايين زيارة سنوياً من 167 دولة.

شاطر كيسلر أفكاره لفريق مجلة هارفارد بزنس ريفيو حول أهمية الإقرار بالحزن الذي قد نشعر به وكيفية إدارة هذا الشعور وكيف نؤمن أننا سنجد معنى فيه.

تم تعديل الحوار قليلاً توخياً للوضوح.

هارفارد بزنس ريفيو: يشعر الأشخاص بمزيج من المشاعر في الوقت الحالي، فهل من الصواب أن نعتبر أن بعض المشاعر هي شعور بالحزن؟

كيسلر: نعم، بل ونشعر أيضاً بمجموعة مختلفة من مشاعر الحزن. فنحن نشعر أن العالم قد تغير، وهو ما حدث بالفعل. نعلم أن هذا الوضع مؤقت ولكنه لا يبدو كذلك؛ فنحن ندرك أن الأمور ستكون مختلفة. تماماً مثلما أصبح الذهاب إلى المطار مختلفاً عما كان عليه قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ستتغير الأمور وهذه هي المرحلة التي بدأت فيها بالتغير. حيث إن فقدان حياتنا الطبيعية والخوف من الخسائر الاقتصادية ونقص التواصل؛ تصيبنا بحزن جماعي. ونحن لم نعتد على هذا النوع من الحزن الجماعي.

هل تقصد أننا نشعر بأكثر من نوع من الحزن؟

نعم، ونشعر أيضاً بحزن متوقع؛ وهو ما ينتابنا عندما نفكر فيما يحمله المستقبل وعندما نشعر بالغموض. وعادة ما يركز هذا الشعور على الموت، حيث نشعر به عندما يعلم شخص ما أنه مصاب بمرض أليم أو عندما تراودنا الأفكار العادية أننا سنفقد أحد والدينا يوماً ما. ينطوي الحزن المتوقع أيضاً على تخيُّل ما قد يحدث في المستقبل بصفة عامة، كأن تفكر في أن هناك عاصفة قادمة، أو أن هناك شيئاً سيئاً في الخارج. ومع وجود فيروس منتشر، يصبح هذا النوع من الحزن مربكاً للغاية للأشخاص، حيث يعلم عقلنا البدائي أن هناك شيئاً سيئاً يحدث ولكننا لا نستطيع رؤيته. وهو ما يجعلنا نشعر أننا فقدنا الشعور بالأمان. لا أعتقد أننا سبق وفقدنا الشعور بالأمان بصورة جماعية كما يحدث حالياً. يمكن أن نكون قد شعرنا بذلك بشكل فردي أو في مجموعات صغيرة، ولكن لم يسبق أن شعرنا بهذا الشعور بشكل جماعي. أي أننا نشعر بالحزن على المستويين الجزئي والكلي.

ما الذي يمكن للأفراد فعله لإدارة هذا الشعور بالحزن؟

يجب في البداية فهم مراحل الحزن. ولكن كلما تحدثت عن مراحل الحزن ذكّرت الأشخاص أن تلك المراحل قد لا تحدث بالترتيب المذكور. فهي ليست خريطة ولكنها تساعدنا على النجاة في هذا العالم المجهول. نمر أولاً بمرحلة الإنكار، إذ كثيراً ما كنا نقول في بداية الأزمة: هذا الفيروس لن يصيبنا. ثم ندخل في مرحلة الغضب؛ لأننا أُجبرنا على المكوث في منازلنا وإيقاف أنشطتنا. ثم تأتي مرحلة التفاوض حيث نسأل: حسناً، إذا التزمت بالتباعد الاجتماعي لأسبوعين، كل شيء سيصبح على ما يرام، أليس كذلك؟ ثم نمر بمرحلة الحزن، وفيها نقول: لا أعلم متى ستنتهي هذه الأزمة. وأخيراً يأتي التقبل، حيث نقول: هذا الأمر يحدث بالفعل، وعليّ أن أجد طريقة للمضي قدماً.

وفي التقبل تكمن القوة والتحكم. عندما تتقبل ما يحدث تقول لنفسك أشياء من قبيل: يمكنني أن أقي نفسي بغسل يدي، والالتزام بالتباعد الاجتماعي، ويمكنني أن أتعلم كيف أعمل عن بُعد.

يترافق الشعور بالحزن مع ألم جسدي وتسارع الأفكار في عقولنا، فهل من طرق تمكننا من التعامل مع هذا الأمر وجعله أقل حدة؟

لنعاود الحديث عن الحزن المتوقع. فالحزن المتوقع غير الصحي هو في الواقع شعور بالقلق، وهذا هو ما يسبب تلك الأعراض، حيث يبدأ العقل في عرض صور لك بأن والديك يمكن أن يصابا بالمرض مثلاً. أي أننا نتصور أسوأ السيناريوهات؛ وهذا لأن عقولنا تحاول حمايتنا. والهدف ليس أن نتجنب تلك الصور أو أن نحاول محوها؛ فعقلك لن يسمح لك بذلك وقد يكون من المؤلم أن تحاول إجباره. ولكن الهدف يتمثل في إيجاد التوازن في الأشياء التي نفكر فيها. إذا وجدت مثلاً أن أسوأ الصور على وشك أن تتشكل في ذهنك، فكّر في أفضل الصور، كأن تقول لنفسك: قد نمرض جميعنا قليلاً ولكن العالم سيستمر. ولن يموت كل مَن أحبهم. وربما لن يموت أحد لأننا جميعاً نتبع إجراءات السلامة. ما يعني أنه لا يجب تجاهُل أي من السيناريوهين ولا يجب في الوقت ذاته أن يهيمن أحدهما على الآخر.

الحزن المتوقع يعني أن العقل يذهب إلى المستقبل ويتصور أسوأ السيناريوهات. لذلك، لتهدئة نفسك، يجب أن تظل في اللحظة الحالية. هذه النصيحة ستكون مألوفة لدى أي شخص يمارس التأمل أو اليقظة الذهنية، ولكن الناس دائماً ما يتفاجؤون من مدى بساطة هذا الأمر. على سبيل المثال، يمكنك ذِكر 5 أشياء في الغرفة: هناك كمبيوتر وكرسي وصورة شجرة وسجادة قديمة وفنجان قهوة. نعم، الأمر بهذه البساطة. تنفَّس بعمق، واعلم أن في اللحظة الحالية لم يحدث أي شيء كنت توقع حدوثه. فأنت في هذه اللحظة بخير، ولديك طعامك، ولست مريضاً. استخدم حواسك وفكّر فيما تشعر به: المكتب صلب، واللحاف لين، ويمكنني أن أشعر بالهواء وهو يدخل أنفي. فمثل هذه الأشياء ستساعدك حقاً على تخفيف بعض من هذا الألم الذي تشعر به.

يمكنك أيضاً أن تفكر في كيفية التوقف عن التفكير في الأشياء التي لا يمكنك التحكم بها. فما يفعله جارك، على سبيل المثال، يُعد خارج نطاق سيطرتك. ولكن ما يمكنك أن تتحكم به هو أن تبقى بعيداً عنه بمسافة مترين وأن تغسل يديك. لذا ركّز على ذلك.

وأخيراً، هذا هو الوقت المناسب لكي تتحلى بالتعاطف. يشعر الأشخاص بمستويات مختلفة من الخوف والحزن ويظهرونها بطرق مختلفة. على سبيل المثال، وجدت أن أحد زملائي في العمل أصبح فظاً معي للغاية في يوم ما وفكرت في أن هذا ليس من طبعه، إنها فقط الطريقة التي يتعامل بها مع الأمر، فما أراه هو تعبيره عما يشعر به من خوف وقلق. لذا، كن صبوراً، وفكّر في الحالة التي عادة ما يكون عليها هذا الشخص وليس ما يبدو عليه في تلك اللحظة.

أحد الجوانب المثيرة للقلق بشأن هذه الجائحة هو نهايته المفتوحة.

من المفيد أن نذكّر أنفسنا أنها فترة مؤقتة. فقد عملت مدة 10 سنوات في نظام المستشفيات، وتدربت على التعامل مع مثل تلك المواقف. كما أنني درست أيضاً "الإنفلونزا الإسبانية"، ووجدت أن الإجراءات الوقائية التي نتخذها هي الصحيحة والمناسبة لمثل هذا الوضع. والتاريخ يخبرنا بذلك أيضاً. سننجو من هذه الأزمة. وهذا هو وقت الحماية والوقاية المفرطة وليس المبالغة في ردود الأفعال.

أؤمن أننا سنجد معنىً في تلك الأزمة. وقد شَرُفت أن عائلة إليزابيث كوبلر روس سمحت لي أن أضيف مرحلة سادسة للحزن، ألا وهي: إيجاد المعنى. فقد تحدثت مع إليزابيث قليلاً حول ما يأتي بعد التقبل. كما أنني لم أرغب في التوقف عند مرحلة التقبل عندما تعرضت لبعض الحزن الشخصي. كنت أود أن أجد معنى ومغزى في تلك الأوقات الحالكة. وأنا أؤمن أننا سنجد ضوءاً في وسط هذا الظلام الذي نشهده حالياً. فقد أصبح الناس يدركون الآن أن بإمكانهم التواصل عبر الوسائل التكنولوجية؛ وأنهم ليسوا بعيدين عن بعضهم البعض كما كانوا يعتقدون. وأدركوا أيضاً أنهم باستخدام هواتفهم يمكنهم إجراء محادثات طويلة. وأصبحوا يقدّرون قيمة التنزه خارج المنازل. أرى أننا سنستمر في إيجاد معنى ومغزى فيما نمر به الآن وحتى بعد أن ينتهي.

ماذا تقول لشخص ما زال غارقاً في الحزن بعد أن قرأ كل ذلك؟

استمر في المحاولة. هناك شيء قوي وراء تسمية هذه المشاعر بالحزن. فالحزن يساعدنا على الشعور بما يكمن داخلنا. قال لي الكثير من الأشخاص الأسبوع الماضي عبارات من قبيل "أقول لزملائي في العمل أنني أمر بوقت عصيب" أو "بكيت الليلة الماضية". فعندما تسمّي مشاعرك فإنها تتحرك عبرك؛ حيث إن المشاعر تحتاج إلى حركة. ومن المهم أن نعترف بما نمر به. من النتائج الثانوية المؤسفة للمساعدة الذاتية هي أننا الجيل الأول الذي تنتابه مشاعر حول مشاعره. فنحن نقول لأنفسنا أشياء من قبيل "أشعر بالحزن ولكن لا ينبغي لي ذلك لأن الآخرين في حال أسوأ مني". ولكن يمكننا، بل ويجب علينا، أن نتوقف عند أول شعور بالحزن؛ يجب أن تمنح نفسك الفرصة لأن تشعر به. فمهمتك هي أن تشعر بمشاعر الحزن والخوف والغضب التي تنتابك، أياً كان ما يشعر به الآخرون. ومقاومة تلك المشاعر لن يعود عليك بالنفع لأن جسمك هو الذي أنتجها. فإذا سمحنا لتلك المشاعر بالخروج، فإنها ستخرج بطريقة منظمة، وتمنحنا القوة. وحينها لن نصبح ضحايا لها.

بطريقة منظمة؟

أجل. أحياناً نحاول ألا نشعر بما نشعر به لأننا دائماً ما نتصور المشاعر على أنها "عصابة"؛ إذا عبّرت عما أشعر به وسمحت له بالدخول فإنه لن يتركني أبداً، ومجموعة المشاعر السيئة ستسيطر عليّ. ولكن الحقيقة هي أن المشاعر تتحرك عبرنا. فنحن نشعر بها ثم تمضي ثم نشعر بمشاعر أخرى، وهكذا. ولا وجود لمجموعة من المشاعر يمكن أن تسيطر علينا. من السخيف الاعتقاد أننا لا ينبغي لنا أن نشعر بالحزن في الوقت الحالي. بل اسمح لنفسك بالشعور بالحزن ثم امضِ قدماً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي