يعتبر ما يسمّى "اختبار المارشميلو" لجامعة "ستانفورد"، والذي أجراه والتر ميشيل، عالم النفس، في أواخر ستينيات القرن الماضي، حجر الزاوية في علم النفس التطوري. فقد وضِع طلاب إحدى روضات "ستانفورد" من الأطفال البالغ عمرهم ما بين 4 إلى 6 سنوات في غرفة لا تحتوي إلا على طاولة مائدة وكرسي. ووضع على المائدة نوعاً واحداً من الحلويات أو البسكويت الذي كان كل الطفل قد انتقاه. (إضافة إلى المارشميلو، عرض الباحثون أيضاً قطع بسكويت أوريو وأصابع مملحة). وقيل لكل طفل بأنه إذا انتظر لمدة 15 دقيقة قبل أكل قطعة الحلوى، فإنه سيحصل على قطعة حلوى أخرى. ومن ثم تُركوا لوحدهم في الغرفة.
أظهرت دراسات المتابعة اللاحقة التي جرت مع الأطفال في مرحلة لاحقة أثناء فترة المراهقة، وجود ترابط بين القدرة على الانتظار لفترة كافية من أجل الحصول على قطعة حلوى ثانية ومختلف أشكال النجاح، مثل الحصول على علامات أعلى في اختبار "سات" (SAT) الوطني.
كبالغين، نواجه شكلاً من أشكال اختبار المارشميلو هذا في كل لحظة تقريباً من لحظات حياتنا الواعية وفي كل يوم. بالطبع نحن لا نتحدث عن إغراء قطع الحلوى السكرية، وإنما عن إغراءات مختلف الأزرار على متصفح الإنترنت، أو الهواتف، أو الحواسيب اللوحية، و(قريباً) ساعاتنا – أي كل الأجهزة التي تربطنا بالشبكة العالمية، وهي المصدر الذي يوفر لنا المعلومات المتدفقة التي تفعل بنا ما فعلته المارشميلو بأطفال الروضة.
إن الحلويات السكرية تغرينا بتبنّي عادات غذائية غير صحية، لأن الأنظمة الزراعية والتجارية التي تلبي احتياجاتنا الغذائية اليوم تختلف اختلافاً هائلاً عن البيئة التي تطوّر فيها الجنس البشري في المراحل التاريخية السابقة. فالبشر الأوائل عاشوا في عالم فقير بالسعرات الحرارية، وبالنسبة لشيء ما مثل قطعة فاكهة فقد كانت نادرة وقيّمة في الوقت ذاته. وقد طورت أدمغتنا آلية استجابة لهذه الجوائز الغذائية بما يعكس قيمتها – ارتفاع كبير في الاهتمام والإثارة، وشعور بالمكافأة والرضا – وهو أمر يشعرنا بقدر هائل من المتعة. ولكن على الرغم من أننا أعدنا تغيير شكل العالم من حولنا، مخفّضين كثيراً التكلفة والجهد المطلوبين للحصول على السعرات الحرارية، لا يزال لدينا تلك الأدمغة التي طورناها على مدار آلاف السنين، وعدم التوافق هذا هو في صميم السبب الذي يجعل الكثير منّا يكابد في مقاومة الأغذية المغرية التي نعلم بأنه لا ينبغي تناولها.
ثمة عملية مشابهة تتحكم باستجابتنا للمعلومات. فالبيئة التي تشكّلنا فيها نحن الجنس البشري كانت فقيرة بالمعلومات تماماً مثلما كانت فقيرة بالسعرات الحرارية. كما أن خصائص تلك البيئة – وتحديداً أفراد مجتمعنا من المحيطين بنا وتفاعلاتنا معهم – تغيرت بندرة وبالتدريج. وبالتالي كانت المعلومات الجديدة على شكل أفراد جدد في المجتمع أو طرق جديدة للتفاعل أحداثاً غير معتادة وغير ملحوظة أشارت إلى شيء عظيم الأهمية. وتماماً كما طوّرت أدمغتنا آلية استجابة اعتبرت بعض الحلويات السكرية جوائز، فإننا تطوّرنا بحيث نولي اهتماماً خاصاً للمعلومات الجديدة المتعلقة بالأشخاص من حولنا وتفاعلاتنا معهم.
ولكن تماماً كما قاد تطوير التصنيع الزراعي والتجارة الواسعة النطاق إلى تغيير عميق في بيئة السعرات الحرارية المحيطة بنا، فإن إمكانية التواصل العالمي قد قادت إلى تغيير كبير في بيئة المعلومات المحيطة بنا. إذ إننا لا نتعرّض فقط إلى مقاطعة من نغمات التنبيه وأصوات الإنذارات، والرنين، والنغمات التحذيرية التي تخبرنا أن هناك معلومات جديدة معينة قد وصلت، وإنما نحن نعمل دائماً على قطع ما نفعله بحثاً عن المعلومات الجديدة.
من الواضح أن الثورات الزراعية والتجارية شكّلت مكسباً أساسياً للإنسانية، حيث مكّنت أعداداً أكبر من الناس من أن يعيشوا حياة أفضل من ذي قبل، وسيكون من الخطأ تماماً ولا طائل من التلميح إلى أننا يجب أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء فيما يخص هذه الإنجازات وهذا التقدّم. وبالمثل، فإن ثورة المعلومات تساعدنا نحن الجنس البشري على تحقيق قفزات كبيرة، وأنا ممتن جداً لهذه الثورة. وتماماً كما يجب أن نكون أكثر وعياً تجاه ما نستهلكه من السعرات الحرارية، بحيث نؤخر تلبية نزعاتنا الملحة من أجل تناول أطعمة أفضل من الناحية الغذائية، فإننا يجب أن نكون أكثر تمعناً في المعلومات التي نستهلكها، ونقاوم إغراء المكافئ الذهني "للوجبات السريعة" من أجل تخصيص وقتنا واهتمامنا بأكثر الطرق فعالية. فما الذي بوسعنا فعله؟
- ندرك القضية: نادراً ما يكون الوعي كافياً لقيادة التغيير، لكنه دائماً الخطوة الأولى الضرورية.
- نتمعّن في الأدوات الموجودة حولنا ونحاول ممارسة بعض السيطرة عليها.
- نتعامل مع عواطفنا ونطور قدرتنا على التنبّه لما هو حولنا.
ليس هناك تداخلات تقنية كافية ما لم نكن مستعدين أيضاً للعمل على أنفسنا. وتعتبر التمارين البدنية الدورية والحصول على قسط كافٍ من النوم أموراً أساسية للغاية. كما أن التأمل في تجاربنا من خلال كتابة المذكرات اليومية الشخصية أو إجراء محادثات مع أشخاص يوجهون لنا النصح، هي أمور يمكن أن تساعدنا على تفهّم استجاباتنا العاطفية وإدراك بعدها المنطقي. ولعل الأهم من ذلك أنه قد تبيّن بأن بضع دقائق فقط من التأمل كل يوم يمكن أن تترك أثراً قوياً في قدرتنا على الإحساس بمشاعرنا وتركيز انتباهنا.