هل تولي اهتماماً للخصوصية بقدر ما يفعله المستهلكون لديك؟

5 دقائق

لم يكن هناك سبب مقنع بما يكفي لدى الشركات لتضمين اعتبارات الخصوصية في استراتيجيات أعمالها الأكبر بعمق، ذلك حتى وقت قريب. وبينما يقول المستهلكون إنهم يعيرون اهتماماً للخصوصية، إلا أن القليل منهم قد أعطى قيمة حقيقية لحماية بياناتهم. إضافة إلى ذلك، في حين أن العديد من قوانين الخصوصية تستدعي وضع عقوبات قاسية، يبدو أن الغرامات الفعلية ستكون أقل بكثير، وسوف يتأثر أكبر المنتهكين لها فقط. كما قد تكون تكاليف تلبية مقتضيات الخصوصية بالكامل مرتفعة للغاية بالنسبة إلى معظم الشركات.

على الطرف الآخر من المعادلة، فإن مشاركة بيانات المستهلك أو استخدامها في حملات التسويق المستهدفة، لتدريب الخوارزميات وما إلى ذلك، يوفر إمكانات كبيرة. كما أن عدم استغلال بيانات المستهلك عندما يفعل المنافسون ذلك، قد يشكل في الواقع عائقاً كبيراً أمامك.

بعد التفكير بكل ذلك، ربما تفكر في استراتيجية خصوصية سليمة، وهي "البقاء بعيداً عن الصخب"، أي اختيار موظفين مسؤولين عن حماية البيانات، وطلب موافقة المستهلكين وفقاً لما نصت عليه التشريعات العامة لحماية البيانات (GDPR)، والحرص على توفير مستويات حماية الخصوصية نفسها تقريباً لدى منافسيك، وبأقل تكلفة ممكنة.

لكن ذلك النهج قد يكون مفتقراً إلى بعد النظر، في عام 2019، أجرت شركة "سيسكو" (Cisco) استقصاء شمل 2,601 شخص بالغ من جميع أنحاء العالم وتناول تدابير المستهلكين، وليس فقط مواقفهم، فيما يتعلق بخصوصية بياناتهم. (وقد تسلم روبرت قيادة العمل، وقدم توماس المشورة). كشف الاستقصاء عن وجود مجموعة جديدة ولا يستهان بها من الناس، وهم 32% من المجيبين، الذين قالوا إنهم يولون اهتماماً بالخصوصية، وهم على استعداد لاتخاذ التدابير اللازمة، وقد فعلوا ذلك من خلال الانتقال إلى شركات أو مقدمي خدمات أخرى بسبب السياسات المتعلقة بالبيانات وتبادلها. نحن ندعو هذه المجموعة باسم الناشطون في مجال الخصوصية، وعلى حسب معرفتنا، هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها تحديد هكذا المجموعة.

نقصد هنا إن وجود هذا العدد الكبير من الناشطين في مجال الخصوصية ينبغي جذب جميع الشركات، فمن خلال فهم هذه المجموعة الفريدة من الأفراد، الذين تعد حساسيتهم تجاه الخصوصية متعددة الأوجه ومعقدة، يمكن للشركات أن تشكل ممارساتها الخاصة فيما يتعلق بحماية خصوصية البيانات والمستهلكين، وأن تحسن تعاملها مع هؤلاء المستهلكين واحتفاظها بهم والعمل معهم بصورة أفضل. لكن هذا يحتاج إلى بذل بعض الجهد.

استناداً إلى الاستقصاء، فإن الناشطين في مجال الخصوصة هم غالباً من الناس الأصغر سناً والأكثر ثراء ونشاطاً فيما يخص التسوق عبر الإنترنت، وهي شريحة من السكان تكون جذابة بصورة خاصة بالنسبة إلى معظم الشركات. هم أكثر ميلاً بضعفين تقريباً (27% مقابل 11%) لأن يروا أنفسهم على أنهم يتبنون التكنولوجيا في وقت مبكر، وهم أكثر استخداماً من غيرهم لوسائل التواصل الاجتماعي.

يُظهر هؤلاء الناشطون احتراماً للشركات التي يتعاملون معها بشرط أن تراعي الخصوصية باعتبارها جوهر علامتها التجارية، أي يرى 90% منهم أن الطريقة التي يجري التعامل بها مع بياناتهم تعكس كيفية تعامل معهم بصفتهم مستهلكين. ليس غريباً قولهم أيضاً إنهم لن يشتروا منتجات الشركات التي لا يثقون في كيفية استخدامها لبياناتهم.

لكن الاستقصاء يكشف أيضاً عن بعض الاستنتاجات غير المتوقعة حول الناشطين في مجال الخصوصية. إذ قدم هذا الاستقصاء سيناريوهات متعددة تنطوي على مستويات راحة المجيبين مع مشاركة بياناتهم في مقابل تقديم منتجات ذات طابع شخصي أكثر أو مزايا أخرى. من المثير للدهشة أن هؤلاء الناشطين كانوا أكثر راحة مع هذه المقايضات مقارنة بنظرائهم غير الناشطين. على سبيل المثال، عندما طُرح سؤال عما إذا كان الأفراد على استعداد لتقديم سجل المشتريات الخاص بهم مقابل تقديم منتجات وخدمات ذات طابع شخصي، كان 62% من الناشطين في مجال الخصوصية يشعرون بالراحة تجاه هذه العملية، مقابل 32% من غير الناشطين. وعندما طُرح سؤال آخر عما إذا كان الأفراد على استعداد لمشاركة المعلومات من مكبرات الصوت المنزلية الذكية مقابل تقديم تحذيرات الصحة والسلامة لجميع أفراد الأسرة، كان 44% من الناشطين يشعرون بالراحة تجاه هذه العملية، مقابل 17% فقط من غير الناشطين. بصورة شاملة، كان الناشطون في مجال الخصوصية أكثر راحة مرتين عند سؤالهم حول مشاركة معلوماتهم مقابل منفعة شخصية أو عامة.

عندما طُرح عليهم عما إذا كانوا يشعرون أنهم قادرون على حماية خصوصيتهم اليوم، أجاب 67% من الناشطين في مجال الخصوصية بأنهم قادرون على ذلك، مقابل 52% من غير الناشطين. ولكن هذه النسبة تترك ثلث أولئك الناشطين ممن لا يشعرون بأنهم قادرون على حماية خصوصيتهم، والشكوى الرئيسة لهذه المجموعة الفرعية هي أنه من الصعب للغاية معرفة ما الذي تفعله الشركات ببياناتهم. بعبارة أخرى، من المستحيل تقييم عمليات المقايضة تلك عندما لا تعرف أي البيانات سوف تُستخدم ولأي أغراض. وفقاً للاستقصاء، فإن 83% من الناشطين في مجال الخصوصية يقرؤون سياسات الخصوصية، لكن حتى التنبيه العام الذي يقول: "باستخدام هذا الموقع، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المحدثة وشروط الاستخدام الخاصة بنا"، قد تكون غير واضحة للمستهلك العادي، إذ إنه يغطي بين سطوره أي شيء يأتي بين "نحن نستخدم بياناتك فقط من أجل أن يستجيب موقعنا الإلكتروني بسرعة أكبر إلى بحثك" و"انتبه! نحن نتتبع كل خطواتك ونبيع بياناتك في كل فرصة تسنح لنا". قد تكون سياسة الخصوصية التفصيلية أو شروط استخدام الصفحة لبعض الشركات صادقة، لكن فرزها يحتاج إلى الكثير من العمل، وقد لا يكون ذلك كافياً بالنسبة إلى هؤلاء المستهلكين الأساسيين.

إذاً، كيف يجب الاستفادة من هذه النتائج عملياً؟

أولاً، تشير هذه النتائج إلى أن الخصوصية تتعلق بتجربة المستهلكين بقدر ما تتعلق بالخصوصية نفسها. لذلك، احرص على إشراك الأشخاص المناسبين. نجد أن الشركات تبحث بصورة روتينية عن آراء المستهلكين فيما يتعلق بمنتجاتها وخدماتها، إلا أنها لا تبحث عن آرائنا فيما يتعلق بالخصوصية. إذاً، عليك الانتقال مباشرة إلى المستهلكين للتعرف على الناشطين في مجال الخصوصية الذين يهتمون بموقعك، من ناحية عددهم، وما هي وجهات نظرهم حول سياسات الخصوصية الخاصة بك، وما مدى انفتاحهم على أفكارك الجديدة، وما الذي يرونه على أنه تعويض عادل لاستخدامك لبياناتهم. قد تنطوي الطريقة الجيدة للبدء على توسيع نطاق أدوات الاستقصاء الحالية لهذه الأسئلة.

ثانياً، استخدم المعلومات التي سوف تجمعها في إشراك الناشطين في مجال الخصوصية أثناء استكشافك لطرق جديدة لاستخدام البيانات. إذ إنهم يعدّون أيضاً أكثر تقبلاً للأفكار الجديدة، الأمر الذي سيساعدك على بناء عملك وجعلك متيقظاً من ناحية تجنب ارتكاب أخطاء كبيرة. ضع في اعتبارك أنه بينما تُشرك هؤلاء المستهلكين، فإن 29% من المجيبين الآخرين مهتمون بالخصوصية أيضاً، وهم على استعداد لتقديم العون، لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد، إنهم على بعد خطوة واحدة فقط من أن يصبحوا ناشطين في مجال الخصوصية بأنفسهم. وفكر في الوصول إليهم قبل إجرائهم لتغيير ما.

ثالثاً، احرص على معالجة فجوة الشفافية التي دعا إليها أولئك الناشطون. يمكنك تبسيط سياسات الخصوصية واختصارها قدر الإمكان بحيث يتمكن الناس من الوصول إليها وقراءتها وفهمها بسرعة خلال مدة لا تزيد عن دقيقتين. وأيضاً، وضح التعويضات التي قد يتوقعها المستهلكون والمستخدمون مقابل بياناتهم، سواء كان ذلك المقابل عبارة عن مال أو خصومات أو خدمات، واجعل من السهل الاشتراك أو الانسحاب.

أخيراً، بينما نتوقع أن يتغير مشهد الخصوصية سريعاً وبصورة فوضوية على مدار السنوات القليلة القادمة، إلا أن الوقت يعدّ مناسباً الآن للتفكير على المدى الطويل. منذ سنوات، عندما كان توماس يعمل في شركة "بيل لابز" (Bell Labs)، ذكر أحد المتنبئين غير المعروفين أن "الخصوصية ستكون هامة جداً في عصر المعلومات لأن سلامة المنتج كانت بالقدر نفسه من الأهمية في عصر الصناعة". لاحظ هذا الشخص أنه بمرور الوقت، بدأت المجتمعات تتوقع أن تنتج الشركات منتجات آمنة، فأصبحت كل من متطلبات القانون والسوق ضاغطة. ربما تكون هذه الحماية مبالغ فيها في بعض الحالات، فهل من الضروري حقاً تحذير من يشربون القهوة بعبارة: "احذر، قد يكون المحتوى ساخناً؟" لكن أعجبنا ذلك أم لا، هكذا "صوت المجتمع".

إذاً، اطرح على نفسك الأسئلة التالية: هل تعتقد أن هناك حكمة في التوقع؟ هل لديك توقع مختلف؟ أخيراً، كيف تريد أن يكون وضع شركتك وعلاماتها التجارية فيما يتعلق بالخصوصية على المدى الطويل؟ بينما تجد أجوبة على هذه الأسئلة، نرى أن العديد من الفرص سوف تظهر أمامك عندما تتبنى خصوصية البيانات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي