هل تنتفع ببياناتك أم تجمعها فحسب؟

4 دقائق
الاستفادة من البيانات

من أهم الدروس في مجال الأعمال التجارية وأبسطها أن: النجاح غالباً ما يكون ثمرة اتخاذ قرارات صائبة أكثر من القرارات الخاطئة بمرور الوقت. ولكن السؤال هو كيف يمكن فعل ذلك؟ و كيف يمكن الاستفادة من البيانات بشكل واضح؟

الاستفادة من البيانات

من المفترض أن يكون فعل ذلك أسهل اليوم. إذ إن التكنولوجيا والتحليل الذكي للأعمال يوفران ثروة من البيانات للاسترشاد بها في صناعة القرارات حتى تلك القرارات الدقيقة للغاية. في العديد من السيناريوهات، هناك بيانات يمكنها أن تبين لك نتيجة القرارات السابقة التي كانت متشابهة وتكشف لك عن النتائج المتوقعة مع مرور الوقت.

وعلى الرغم من ذلك، لا يستفيد العديد من القادة بصورة كاملة من الأدوات المتاحة لديهم، ويعتمدون بشدة على حدسهم في الحالات التي ترسم فيها البيانات صورة أوفى وأكمل للوضع. أما في الحالات التي لا تتوافر فيها بيانات ولم يسبق لها مثيل، فإن صناعة القرار المستندة إلى الحدس هي على الأرجح الخيار الأنسب. ولكن لا يلزم أن تكون هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر في الحالات التي تعرض فيها البيانات نتائج حالات مماثلة حدثت في الماضي.

في هذه الحالات، يستخدم الكثير من القادة التوقعات السابقة ذريعة لتبرير تجنبهم لتكلفة الإخفاق والتخاذل. وقد تتنوع الأسباب الكامنة وراء ذلك، من انعدام الثقة في التحليلات المحوسبة إلى الرغبة في النجاح باتخاذ خطوة جريئة وغير تقليدية، ولكن قد يكون ذلك باهظ التكلفة على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: هل تفهم التباين في بياناتك؟

من الأمثلة على ذلك، مجال البورصة وتجارة الأسهم. العديد من المضاربين يؤمنون أنهم أذكى من الاحتمالات، وأن بإمكانهم اتخاذ قرارات حدسية فقط. وهؤلاء هم مَن يخسرون.

فالمضاربون الذين يكسبون على المدى الطويل يقيّمون بطريقة غير عاطفية احتمالات اتجاه كل سهم ويتخذون قرارات متأنية ومدعومة بالبيانات، ثم يتخذون قراراتهم عندما تكون الاحتمالات في صالحهم.

وتميل الإحصائيات للاستواء والعودة لطبيعتها بمرور الزمن، ما يقضي على الانحرافات قصيرة الأجل التي تعطي إحساساً زائفاً بأن للأمر علاقة بالحظ الجيد أو السيئ. فكلما مارست المضاربة لوقت أطول، ازدادت فرص تحقيق الأرباح.

مشكلة الذاكرة الومضية

عند اعتمادك على تجاربك السابقة، اعتبر أن الذاكرة متناقضة وقابلة للخطأ. فنحن نميل إلى تذكُّر أحداث غير متوقعة للغاية أكثر من الأحداث العادية، بفضل "الذاكرة الومضية" (flashbulb memory).

وفقاً لـ "جمعية علم النفس الأميركية" (American Psychological Association)، تُصوّر الذاكرة الومضية ذكريات مميزة لأحداث هامة عاطفياً. وتوضح الجمعية: "على الرغم من أن الذكريات الومضية من المرجح الاحتفاظ بها أكثر من الذكريات عن الأحداث اليومية، فإنها ليست دقيقة دائماً".

اقرأ أيضاً: هل تعتمد على الحدس أم البيانات في عملك؟

في سياق الأعمال، الذاكرة الومضية تجعل الأشخاص يتذكرون النتائج الاستثنائية وليس النتائج المتوقعة. على سبيل المثال، قد يتذكر المسؤول التنفيذي بشكل واضح أنه أعطى فرصة توظيف غير معهودة لموظف ثم شاهده وهو ينجح إلى أن أصبح متميز الأداء. ولكن من غير المرجح أن يتذكر متى أعطى فرصة، وهو مطمئن، لمرشح ما من الواضح أنه مؤهل ثم اتضح أنه مؤهل بالفعل تماماً كما كان يتوقع، أو عمليات التوظيف التي كانت محفوفة بالمخاطر ولم تنجح. فالذكريات الاستثنائية ترسخ في الذاكرة.

الاستفادة من البيانات

هناك فرق كبير بين فهم أهمية البيانات وإيلاء الأولوية لها في مؤسستك. فكل عمل تجاري يحتاج إلى خبراء مسؤولين عن تحليل البيانات ذات الصلة ومساعدة الموظفين على اتخاذ قرارات مستنيرة.

على سبيل المثال، في شركة "أكسليريشن بارتنرز" (Acceleration Partners)، هناك عضو في فريقنا مسؤول عن استخدام التحليل الذكي للأعمال ليخبرنا أي من العلامات التجارية قد يكون من المجازفة أن نجعلها من عملائنا، بناء على مواصفاتها وتصرفاتها السابقة ومعدلات فشلها. فإذا تُرك مندوب المبيعات ليفعل ما يحلو له، عادة لن ينزع إلى إدارة ظهره للعميل المرتقب. ولكن القواعد التي تستنير بالتحليل الذكي للأعمال يمكن أن تبطل قرارات فريق المبيعات لدينا إذا بدا أن العميل المرتقب من المحتمل بدرجة كبيرة أن يفشل بناء على بيانات سابقة.

هذا لا يعني أن المخاطرة دائماً ما تكون فكرة سيئة. ينبغي للقادة أن يستمروا في الاعتماد على حدسهم إذا كانوا يؤمنون بقوة أنهم على حق. ولكن مقارنة هذا الحدس مع ما توافقت عليه البيانات تُعد طريقة جيدة لاختبار الثقة في القرار.

اقرأ أيضاً: 

وبالمثل، إذا قرر قائد ما أن يخالف ما تشير إليه البيانات، يجب أن يتحمل مسؤولية قراره إذا ساءت الأمور وكذلك مسؤولية النتائج المترتبة على هذا القرار. لذا ينبغي أن تخضع الاستثناءات للمساءلة، لأن كما يُقال "للنجاح عدة آباء، لكن الفشل يتيم".

وضع قواعد وسياسات

بالطبع تُنفَّذ عملية صناعة القرار على جميع مستويات الهيكل التنظيمي. وفي حين أن الفريق التنفيذي يتولى اتخاذ القرارات التي تؤدي إلى نمو الأعمال أو انهيارها، إلا أن الشركات الناجحة يجب أن تتأكد أن الموظفين لديهم القدرة على اتخاذ القرارات على كل مستوى من مستويات الشركة. وعندما تكون البيانات هائلة الحجم، قد يلجأ القادة إلى وضع مبادئ توجيهية بالاستناد إلى أدلة.

من الأمثلة الأخرى وثيقة الصلة بالموضوع هو نهجنا الذي نتبعه في شركة "أكسليريشن بارتنرز" مع العروض المضادة. من واقع خبرتنا، تحقق العروض المضادة نتائج ضعيفة على المدى القصير لأنها تؤثر سلباً على العلاقة مع الموظف وتحل المشكلات الأساسية بصفة مؤقتة فقط. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها شركة "هيدريك آند ستراجلز" (Heidrick & Struggles) أن 80% من كبار المسؤولين التنفيذيين يرون أن الثقة في الموظف تتضاءل بعد أن يقبل عرضاً مضاداً.

اقرأ أيضاً: يمكنك تحسين بيانات مبيعاتك بالقليل من التنظيم

مع علمنا بهذا، وضعنا سياسة شاملة لفريقنا الموهوب كي لا نقدم عروضاً مضادة. فنحن نرى أنه من الخطأ أن نفعل شيئاً لديه معدل الفشل المرتفع هذا، وبوضعنا سياسة لهذا الأمر، فإننا نعفي الموظفين الأقل خبرة من اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة دون الاستفادة من البيانات أو الخبرة. أي أننا نلعب على الاحتمالات.

تثقيف الموظفين بشأن الاحتمالات السابقة للقرارات يمنعهم من اتخاذ القرارات المحفوفة بالمخاطر دون ضرورة، ويمنح القادة فرصة للاطلاع على البيانات بدقة وتقدير عواقب الفشل وتكلفته.

اقرأ أيضاً: هل يعرف علماء البيانات في شركتك الغرض من عملهم؟

لا يزال للحدس مكانة في عالم الأعمال فيما يتعلق بموضوع الاستفادة من البيانات بشكل كبير، ولكن لا ينبغي أن يكون المحرك الوحيد لعملية صناعة القرار. عندما تجعل البيانات والتحليل الذكي النقطة المحورية للتفكير الاستراتيجي لفريقك، وتستخدمها لصياغة سياسات تنظيمية ذكية، يمكن للقادة حماية أعمالهم من الفشل وضمان أن الشركة تتخذ قرارات صائبة أكثر من القرارات الخاطئة.

اقرأ أيضاً: هل نجرؤ على الدخول إلى عصر البيانات؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي