هل تمتلك شركتك القدرة على التغيير؟

15 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان شهر مارس/آذار 2020 شهراً لا مثيل له شهدته شركة “دلتا إيرلاينز”. فقد أدى حظر السفر والمخاوف المتزايدة من فيروس كورونا إلى وصول الحجوزات إلى المنطقة السلبية، إذ زاد عدد العملاء الذين ألغوا رحلاتهم القادمة عن عدد الحجوزات الجديدة التي وصلت إلى المستوى الأدنى مع تخفيض شركة الطيران لنحو 85% من رحلاتها. حتى الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر لم تسفر عن مثل هذا الانخفاض الحاد في الأعمال التجارية، كما كان الانخفاض يتسارع كل يوم.

تتطلب الظروف الجديدة غير المسبوقة استجابة جدية. ولذلك بدأت شركة “دلتا” بعد أسبوع من إغلاق الولايات المتحدة بالاتصال بعملاء الشركات الكبرى واستطلاع آراء المسافرين بغرض الترفيه. ووجهت الشركة سؤالاً لهؤلاء الأشخاص: ما الذي يمكننا فعله حتى تشعرون براحة أكبر في السفر الجوي؟ وكان الرد الذي أجاب به العملاء هو أنهم لم يشعروا بالراحة عند الجلوس بجانب الغرباء، حتى مع وضع الكمامات وتحسين تقنية تدوير الهواء وزيادة مستوى النظافة.

وستكون الاستجابة الأفضل، على الرغم من أنها ستكون مكلفة، هي قرار منع حجز المقاعد الوسطى للمسافرين، وهو القرار الذي اتخذه المسؤولون التنفيذيون في شركة “دلتا”. وفي الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل 2020، عندما اتخذ إد باستيان، الرئيس التنفيذي لشركة “دلتا” هذا القرار، لم تمتلئ الطائرات على أي حال، ولذا كان التأثير الفوري منخفضاً. لكن باستيان وفريقه كانوا ينتظرون النتائج على المدى الطويل. وفقاً لبول بالدوني، نائب رئيس شركة “دلتا” في إدارة الأسعار والإيرادات في الأميركيتين، كان الهدف يتجلى بتقديم المساعدة للعملاء حتى يشعروا بالراحة تجاه السفر – سواء في تلك الأوقات الصعبة أو على المدى الطويل. وفي الواقع، حافظت “دلتا” على هذا الإجراء لمدة 12 شهراً، حتى 1 مايو/أيار 2021. وبحلول ذلك الوقت، أفادت الإدارة بأن اللقاحات والانخفاض في حالات الإصابة الإجمالية جعل العملاء يشعرون بمزيد من الأمان بشأن الطيران في مقصورات كاملة العدد مرة أخرى.

فكرة المقالة بإيجاز

المشكلة

في مشهد الأعمال سريع التطور في الوقت الحالي، تحتاج الشركات إلى فهم قدرتها على التغيير. ولكن حتى الآن لم يكن من السهل تحديد هذه القدرة، لأننا نفتقر إلى الأدوات الفعالة لقياسها.

الحلول

لقياس القدرة على التغيير، وضع المؤلفان نظاماً يصنف الشركات بناءً على تسع سمات وقدرات مشتركة. تسلط هذه التصنيفات الضوء على نقاط القوة والضعف وتسمح للشركات بتحديد قوتها الكلية في التغيير.

المزايا 

تعد قوة التغيير مؤشراً قوياً على الأداء. الشركات ذات الدرجات العالية في قوة التغيير أكثر تحقيقاً للأرباح، كما أن الإيرادات ترتفع بشكل أسرع، وتضمن عوائد أفضل للمساهمين، وتحظى بقادة وثقافات ذات تصنيف أعلى، إضافةً إلى أنها تُعد ملاذاً للموظفين الأكثر تفاعلاً.

اتخذت شركة “دلتا” قراراً بمنع بيع المقاعد الوسطى بسرعة نسبية، لكن التنفيذ لم يكن سهلاً. وباعتبارها شركة طيران قديمة وتعد نتاج عمليات اندماج متعددة عبر السنين، فقد كانت شركة “دلتا” تمتلك العديد من الأنظمة التقنية المختلفة. وقد أدرك المسؤولون التنفيذيون أن تطبيق تغيير بهذا الحجم ليشمل جميع تلك الأنظمة سيكون أمراً معقداً بلا شك. لذلك قاموا بوضع قائمة تتكون من 25 إلى 30 بنداً سيحتاجون إلى القيام بها لتحقيق النجاح، ابتداءً من التعديلات على موقع الويب ، وصولاً إلى الاتصالات الداخلية والخارجية حول السياسة الجديدة. وفي أثناء عملهم على وضع القائمة، ومع مشاركة مستويات أكثر من مسؤولي الشركة، توسعت تلك القائمة لتضم مئات البنود.

ولضمان عدم وضع أي شخص في مقعد مغلق، على سبيل المثال، قامت الشركة بتغليف البطاقات التي توضح تفاصيل السياسة الجديدة وتوزيعها على وكلاء البوابات والمضيفات – وهو حل بسيط ولكنه ناجح. ومع مرور الوقت، تحولت “دلتا” من الإصلاحات الطارئة إلى التغييرات المنهجية. يقول بالدوني واصفاً النهج الذي يتبعونه: “نبدأ بالحل السريع، ثم ننظر في كيفية جعله أكثر كفاءة”. سرعان ما كانت الشركة تبني قواعد جديدة في جميع أنظمتها التقنية، وهو ما سمح لها بتحديد عدد الركاب تلقائياً حسب طراز الطائرة. وحذا العديد من منافسي “دلتا” حذوها في نهاية الأمر، على الرغم من اتباع سياسات أقل وضوحاً في كثير من الأحيان، وتخلت معظم هذه الشركات عن القيود في غضون بضعة أشهر.

توضح الاستجابة السريعة التي نفذتها شركة “دلتا” تجاه الجائحة كيف يمكن لمنظمة معقدة وواسعة النطاق الاعتماد على نقاط قوتها وإحداث تغيير كبير في وقت قصير نوعاً ما. وفي الربع الأخير من عام 2020، تركت إزالة المقعد الأوسط لشركة الطيران عدداً أقل من المقاعد المتوفرة للبيع بنسبة 9% مقارنة بمنافسيها، ولكن مع ذلك كانت إيرادات “دلتا” أعلى بنسبة 12% من المتوسط الذي حققته كل من شركات أميركان، ويونايتد، وساوث ويست مجتمعة – وهو فارق تعتبره الإدارة مؤشراً على استعداد العملاء للدفع مقابل المساحة الإضافية. كما ارتفع صافي نقاط الترويج الإجمالية لدلتا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، وهو ما يدل على أن تركيزها على المدى الطويل يؤتي ثماره.

الدرس المستفاد: قدرة الشركة على التغيير أمر مهم للغاية.

تحديد قوة التغيير

نتواصل مع المدراء التنفيذيين في جميع أنحاء العالم طوال الوقت، وبغض النظر عن الطريقة التي بدأنا بها، فدائماً ما ينتهي بنا الأمر لمناقشة مسألة التغيير. هؤلاء المسؤولون التنفيذيون محترفون متمرسون، وهم خبراء في مجالاتهم، ولديهم فهم عميق لشركاتهم وأسواقهم، وعادة ما يكونون على دراية جيدة بفن الإدارة. لكن المشهد التجاري الحالي يتطور بسرعة كبيرة وغير متوقعة لدرجة أنه حافل بالأسئلة التي تدور حول التغيير. كم الثمن؟ هم يريدون أن يعرفوا. وما هي السرعة؟ وما مدى الاستدامة، وأحياناً يدور سؤالهم حول “كيف؟” فحسب.

ومن واقع خبرتنا، لا يمكن للشركات أن تأمل في الحصول على إجابة عن هذه الأسئلة ما لم تفهم قدرتها على التغيير. وعموماً كان من الصعب تحديد ذلك، لأن هذه الشركات تفتقر إلى الأدوات الفعالة لقياس التغيير. حيث ينطبق عليها القول القديم المأثور: “إذا كنت لا تستطيع قياس شيء ما، فمن المؤكد أنه يصعب إدارته”.

قبل عامين من الآن، ومن خلال الإجابة عن الأسئلة المتزايدة، بدأنا في تطوير نظام لمساعدة الشركات على قياس قدرتها على التغيير بل قوتها في التغيير، كما نسميها. لجأ بعض الناس إلى التشكيك. بدت الفكرة غير عملية، أو أنها خيالية، فكيف يمكن قياس شيء غير متبلور وغير ملموس مثل القدرة على التغيير؟ لكن كلما فكرنا في الأمر، شعرنا أن السؤال يتطلب إجابة. ففي النهاية، لدينا مقاييس للعديد من الأشياء في مجال الأعمال في الوقت الحالي، والتي كانت تبدو من المستحيل قياسها ذات يوم. قبل بضعة عقود فقط، لم يكن لدى الشركات مقياس جيد لولاء العملاء. وبعد ذلك، في هذه المجلة، قدم فريدريك ريتشهولد، زميلنا في شركة “بين” نظام “صافي نقاط الترويج” (Net Promoter System). أصبح هذا النظام مقبولاً على نطاق واسع في الوقت الحالي باعتباره مقياساً للنجاح لدرجة أن العديد من الشركات تقدم تقارير بشأنه إلى مستثمريها. وقد ألهمنا هذا المثال لتطوير نظام مشابه تقريباً لقياس قوة التغيير.

درسنا جهود التغيير المؤسسي لأكثر من عقد من الزمان، حيث نتابع البرامج التي نجحت والتي لم تنجح. ومن خلال هذا البحث، حددنا تسع سمات وقدرات مشتركة تجعل الشركات تتفوق في التغيير: الهدف والاتجاه والتواصل (وهي ضرورية لقيادة التغيير)؛ والسعة والتصميم والقدرة على التوسع (ضرورية لتسريع التغيير)؛ والتطور وإنجاز العمل والمرونة (ضرورية لتنظيم التغيير). تتمتع شركة “دلتا إيرلاينز” بنقاط قوة في كل مجموعة من المجموعات الثلاث، ا يساعد في فهم سبب استجابتها الإيجابية عندما انتشرت الجائحة بالمقارنة مع الشركات المنافسة. فهي شركة قوية على وجه الخصوص فيما يتعلق بتحقيق الهدف والتواصل وإنجاز العمل.

لتحديد ملف تعريف التغيير الخاص بمؤسسة ما، يُطلب من الموظفين وضع درجات للعبارات المتعلقة بكل سمة من السمات التسع. تُجمع الدرجات للحصول على رقم قوة التغيير الشامل الذي يحدد ترتيب المؤسسة نسبةً إلى المنافسين والشركات الأخرى على مؤشر قوة التغيير الذي تُقدمه شركتنا.

وفي أثناء تطوير نظامنا، أجرينا استطلاعاً لما يقرب من 2,000 موظف ضمن 37 مؤسسة عالمية كبيرة تشمل مجموعة متنوعة من القطاعات. وما وجدناه هو أن قوة التغيير في الشركة تعتبر مؤشراً قوياً على أدائها، فالشركات التي تظهر في الربع العلوي من المؤشر هي الأكثر ربحية، مع ضعف هوامش أرباح الشركات في الربع الأدنى. حيث تنمو إيرادات الشركات في النصف الأعلى بسرعة تصل إلى ثلاثة أضعاف نمو الشركات التي تعمل في نفس القطاع في المراكز في النصف السفلي. ويرتبط كل انتقال إلى العشرة الأعلى ضمن المؤشر (من 50 إلى 60% على سبيل المثال) بتحسين الهامش بمقدار 150 نقطة أساس، وزيادة في إجمالي عوائد المساهمين بأكثر من 250 نقطة أساس. بالإضافة إلى ذلك، تميل الشركات التي تتواجد في الربع العلوي من المؤشر إلى أن يكون لديها قادة وثقافات أفضل بكثير في نظر موظفيها من تلك الموجودة في الربع السفلي، كما يوجد بها موظفون يشعرون بمزيد من الإلهام والمشاركة. كانت هذه النتائج المتعلقة بالقيادة والثقافة والإلهام والمشاركة متوافقة مع تصنيفات موقع “غلاسدور” (Glassdoor) لنفس الشركات.

أدركنا مما تعلمناه في أبحاثنا أن قوة التغيير تمثل مقياساً بالغ الأهمية يجب على الشركات التركيز عليه. ومن خلال العمل على فهم القدرة على التغيير، يمكن تحديد نقاط القوة والضعف، وتقييم كيفية المقارنة مع المنافسين الآخرين، واستخدام هذه المعرفة لوضع خطط مركزة للحصول على أفضل نتيجة من التغيير.

من بين الشركات التي استعرضناها، تتناسب نحو 19% منها مع هذا النموذج الأصلي، فهي مثل فرق راكبي الدراجات في سباق فرنسا للدراجات، وتتنافس في سباق شاق يتكون من عدة مراحل.

أربعة نماذج أصلية مشتركة

تمتلك كل شركة حالة خاصة من التوازن بناءً على العوامل التي تؤثر على قوة التغيير. لكننا وجدنا أن معظمها يناسب نمطاً يتوافق مع أحد النماذج الأصلية الأربعة الشائعة، وهي: نموذج الشركة الباحثة عن التركيز، ونموذج الشركة العالقة والمشككة، ونموذج الشركة المتوائمة مع التغيير ولكنها مقيدة، ونموذج الشركة المكافحة لمواكبة التغيير. وكل نموذج أصلي له علاماته وسبل معالجته الخاصة.

نموذج الشركة الباحثة عن التركيز: يصف هذا النموذج الأصلي نحو 37% من الشركات التي قمنا بمراجعة والتي تتمثل قوتها في طاقتها. فهي خلايا نحل مفعمة بالنشاط، وحققت العديد من النجاحات. كما أنها تبدع باستمرار، ويمتلك موظفوها القدرة على تحمل الكثير. ولكن، يبدو أن كل فرد في هذه الشركات يطارد الكرة مثل الأطفال الصغار الذين يلعبون كرة القدم. ومن الناحية الإحصائية، تُظهر هذه المجموعة ضعفاً في مزايا الهدف والاتجاه والغرض والتواصل.

ولمعالجة هذا الأمر، يجب على القادة التركيز على الصورة الكبيرة، وربط أنشطة الشركة بالهدف والاستراتيجية. ويعد تحديد الطموحات لسنوات متعددة، ثم التوجه نحو التفكير وإعادة التفكير في طريقة عملك وشركتك على تحويل هذه الطموحات إلى واقع ملموس، أمراً مهماً لتحقيق الهدف المشترك. وقد يكون من المفيد أيضاً تحديد أهم المبادرات وتسليمها للفرق التي تتمتع بالمرونة، وتربط مختلف التخصصات والوظائف وأجزاء المؤسسة. لكن يجب عليك ترتيب الأولويات دون عواطف: فحتى يتسنى الحفاظ على التركيز على أفضل المبادرات، عليك أن تقول لا لبعض المبادرات الجيدة.

سخّرت “دلتا” توجهها لإنجاز العمل من خلال التركيز على الهدف والتواصل خلال وقت التغيير الحالي. وقامت الشركة بتسريع وتيرة عدد من مشاريع تجديد المطارات على الرغم من انخفاض أعداد مستخدمي السفر الجوي، وقد أنهت حتى الآن نحو 18 شهراً من الجدول الزمني لواحد من أكبر مشاريعها، الذي تبلغ قيمته 1.9 مليار دولار، ويهدف إلى ربط مطارين في لوس أنجلوس وتجديدهما. كان تسريع البناء يعني إغلاق مطار بأكمله، لذلك عملت إدارة “دلتا” مع موظفي الخطوط الأمامية لفهم الآثار المترتبة على ذلك، بدءاً من ربط طرق الحافلات المكوكية الجديدة إلى تعديل لتوظيف. واتجه المسؤولون التنفيذيون إلى طرح القضية وبحثها مع الموظفين فيما يتعلق بقيمة التقنية الجديدة وتجربة العملاء الشاملة الأفضل التي ستتيحها عمليات التجديد. ولبناء الاتصال وضمان أن قوتها العاملة أضحت جزءاً من العملية، دعت “دلتا” (التي تدير مشاريع البناء الخاصة بها على عكس العديد من شركات الطيران الأخرى) جميع الموظفين، من وكلاء البوابات إلى الطيارين، للحضور وتوقيع العارضة التي ستوضع فوق مدخل الصالة الجديد قبل رفعها إلى مكانها. يقول مارك بيرسون، نائب رئيس “دلتا” لقطاع العقارات المؤسسية: “التغيير أمر صعب، إذ لا يحب الناس التغيير بشكل عام. وكلما زاد حماس الناس تجاه خدمة أفضل، ومجتمع أفضل، ومطار أفضل، كان ذلك أفضل لهم”.

نموذج الشركة العالقة والمشككة: يناسب هذا النموذج الأصلي نحو 20% من الشركات التي قمنا بمراجعتها. لدى هذه الشركات أفكار جيدة وتاريخ حافل بالنجاح، ولكن الكثير من عمليات التغيير يعلق على المستوى المحلي، إذ تميل هذه المؤسسات إلى التقليل من أهمية التوسع على النطاق الكامل الذي قاموا به. وعادة ما تكون هذه الشركات ضعيفة في التواصل والتوسع وإنجاز العمل. ويبدو أن الابتكارات تتعطل ولا تنتشر عبر المؤسسة، وهذا يفقد الموظفين الصبر: فكيف يمكن أن يكون لكل العمل الشاق الذي أنجزناه تأثير ضئيل؟ فيبدو أن عدم القدرة على النجاح يبدو غير عادل نوعاً ما. ثم بعد ذلك يزداد الشك، بل وحتى اليأس.

لا يمكن لقائد واحد إخراج شركة كاملة من هذه الحالة. فلن يأتي النجاح إلا من خلال إشعال حماس زملائك في الفريق، الأمر الذي يبدأ بإقناعهم بأنهم قادرون على النجاح في الواقع. وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك وبناء الطاقة لدى الموظفين بسرعة في تحديد بعض المكاسب المتاحة لهم.

قبل بضع سنوات، وجد الرئيس التنفيذي لإحدى أكبر شركات النقل والخدمات اللوجستية في العالم نفسه في هذا الموقف على وجه التحديد. وبعد عام من العمل الجاد على تطبيق تحول استراتيجي مصمم خصيصاً لتسهيل المنافسة مع المنافسين المحليين رقمياً، لاحظ تباطؤ وتيرة التغيير. وهو الأمر الذي أصابه بالإحباط. ولا يزال هناك الكثير لفعله. فقد ناضل فريقه للإبلاغ عن الأهمية الملحة للتحدي. ومن خلال العمل في صناعة ذات قدرة تنافسية عالية وسلعية بشكل متزايد، ركزت الخطوط الأمامية على التنفيذ اليومي وبالتالي تشتت انتباهها بسهولة عن التحديات الاستراتيجية الأوسع.

وبعد خوض النقاشات وإجراء الأبحاث حول النهج الأفضل، جرّب قادة الشركة شيئاً لم يفعلوه من قبل عندما قاموا بدعوة 40 شخصاً من المسؤولين التنفيذيين المؤثرين والمرموقين من مختلف أرجاء الشركة للاجتماع في المقر الرئيسي الأوروبي. وتمثلت مهمتهم في وضع تصورً مشترك عن مستقبل الشركة وهدفها المشترك. وكان عليهم مجتمعين أن يوضحوا سبب اضطرارهم للتغيير وما المطلوب لتحقيقه.

وبعد يومين، توصل المشاركون في الاجتماع إلى التفاصيل المناسبة لهم جميعاً. ولم يقتصر الأمر على مجرد تحديد الأهداف وتقديم الحجج المنطقية، فقدموا أهدافاً عاطفية تتمثل في خلق شعور بالانتماء وتحقيق الأهداف على جميع المستويات، والاستفادة من حب الموظفين لمجال عملهم، وغرس ثقافة الاهتمام والتواضع والشرف. عاد المدراء الأربعون إلى أسواقهم في جميع أنحاء العالم مستمدين الإلهام ويعملون على التنسيق والتواصل فيما بينهم”. لقد كانوا قادرين على تحفيز المرحلة التالية من تحول الشركة، الأمر الذي تضمن أيضاً تركيزاً جديداً ونشطاً على تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي في تحقيق أقصى استفادة من زيادة السعة، وخفض استخدام الطاقة، والتنبؤ بشكل أفضل والتخطيط للصيانة المطلوبة.

نموذج الشركة المتوائمة مع التغيير ولكنها مقيدة: ينطبق هذا النموذج الأصلي على نحو 24% من شركاتنا التي تشترك في نقاط قوة مهمة: يقدم موظفو هذه الشركات أداءً جيداً باعتبارهم وحدة واحدة، إلا أن لديهم أذرع مقيدة، ويسيرون في الاتجاه نفسه. وقد ساهم نجاحهم المبكر في رفع توقعاتهم، والآن يجدون أنفسهم يدفعون القيود الصعبة. ليس لدى هذه الشركات في الغالب الأشخاص اللازمون لشغل الأدوار الرئيسية من أجل إدارة حجم أكبر من التغيير وما يراففه من زعزعة متراكمة. تصور المشاركة في سباق للجري في الوحل، إذ تتطلب كل خطوة طاقة أكبر من الخطوة السابقة، وهذا ما يضعف التفاؤل. فالفرق التي تندرج تحت هذه الفئة تناضل في نواحي التواصل والسعة والتطور.

لمواجهة هذه المشاكل، تحتاج الشركات إلى تحديد الظروف التي تحد من قدراتها ومعالجتها. وقد تضطر إلى إعادة ترتيب أولوياتها وإضافة الموارد التي تشتد الحاجة إليها. ويتضمن ذلك سد فجوات الكفاءات الرئيسية ضمن المؤسسة من خلال استقطاب مواهب جديدة ومساعدة المواهب الحالية على تطوير مهارات جديدة.

كان لتطوير المواهب دور بالغ الأهمية في شركة “ورلي” (Worley)، وهي شركة عالمية تضم 48,000 شخص وتقدم خدمات احترافية للمشاريع والأصول في قطاعات الطاقة والكيماويات والموارد. وخلال السنوات الست الماضية، واجهت الشركة سلسلة من التحديات الصعبة، وأنشأت سجلاً لإدارة التغيير بفعالية. جاء التحدي الأول عندما طغت وفرة النفط على الاقتصاد بطيء الحركة، ما تسبب في انخفاض الأسعار بنسبة 70% من منتصف 2014 إلى بداية 2016. ومع التأثر الكبير في العديد من عملاء “ورلي” والكثير من إيراداتها بفعل التغيير في أسعار النفط، فقد أدى الانكماش الاقتصادي إلى إعادة هيكلة كبيرة.

ووفقاً لكريس أشتون، الرئيس التنفيذي لشركة “ورلي”، فقد تطلبت الظروف القاسية قيام الشركة بإنشاء فريق يتولى مهمة التحول حيث كان يضم عدداً من أفضل موظفيها – أولئك الذين لديهم القدرة على التعلم بسرعة في الوظيفة والمشاركة ضمن المؤسسة على نطاق أوسع. كان العديد من هؤلاء الأشخاص قادة ناشئين، وغالباً ما واجهت العمليات التي عملوا بها صعوبة لتمنحهم فرصة الابتعاد عنها. ولكن في ظل هذه الظروف، لم يكن لدى هؤلاء سوى خيارات محدودة. قام الفريق الجديد ببناء استراتيجية تحول ساعدت “ورلي” على النجاة من الصدمة. وبالنسبة للقادة الذين شاركوا في التنفيذ، كانت لديهم فرصة هائلة للتطوير، كما يقول فرانسيس ماكنيف، مدير المجموعة التنفيذية للتحول والتغيير في الشركة، والذي يقدر أن الوقت الذي قضوه ضمن فريق التحول ربما أدى إلى تسريع حياتهم المهنية لعدة سنوات. وعندما عادوا إلى خطوط الأعمال، كان هؤلاء القادة مزودين بشبكة جديدة من الاتصالات من جميع أنحاء المؤسسة وسرعان ما أصبحوا مؤثرين محلياً لتحقيق استراتيجية الشركة.

اتبعت “ورلي” مخططاً مشابهاً في عام 2019، وذلك عندما اندمجت مع قسم الطاقة والمواد الكيميائية والموارد في “مجموعة جاكوبس الهندسية”: حيث جمعت فريقاً كان قادراً على ضمان التكامل الناجح للأعمال. وفي عام 2020، ظهرت الفاجعة غير المتوقعة بانتشار جائحة كوفيد-19 ووقوع انهيار آخر في سوق النفط. تقول ميهايلا كاربو، عضو فريق التحول الجديد: “كان علينا استئناف ما فشلنا فيه من قبل”. كانت المهمة الأولى للفريق هي تجهيز 45,000 شخص على الفور تقريباً للعمل من المنزل. اكتسبت كاربو، التي تشغل الآن منصب مدير مكتب إدارة المشاريع والابتكار في مجموعة “ورلي”، الثقة من مشروعات التحول السابقة. وتقول: “إذا حدث هذا قبل بضع سنوات، فما كنت لأتيقن من قدرتنا على حشد الجميع بسرعة أو معرفة ما يجب القيام به أو ما هي الأهداف التي ينبغي العمل على تحقيقها. فقد أعدتنا السنوات القليلة الماضية للقيام بذلك”.

استعانت شركة “ورلي” مؤخراً بأكثر من 1000 شخص، ابتداءً من موظفي الدعم، وصولاً إلى حاملي شهادة الدكتوراة وكبار المسؤولين التنفيذيين، لعقد 70 ورشة عمل نظمت حول العالم وصممت للمساعدة في تطوير أهداف وقيم مشتركة للشركة وتقنينها. وقد أمضت المجموعات المكونة من 20 إلى 25 شخصاً مدة تتراوح بين ثلاث وأربع ساعات في استكشاف الأسئلة حول ما يجعلهم ينهضون من الفراش في الصباح، وما اعتبروه أعظم فرص عمل للشركة، والسلوكيات التي يعتقدون أنها مفتاح النجاح، وما فهموه من نقاط قوة رئيسية في “ورلي”. شاركت كارين سوبيل، رئيسة مجموعة أعمال “ورلي” في الأميركيتين، ضمن عدد من ورش العمل. وتتذكر كارين أنه في منشأة تصنيع كبيرة في النرويج، كانت فرق العمل المكونة من مزيج من الموظفين النرويجيين والإنجليز، تشارك في العمل بتركيز شديد. تقول كارين: “لقد سمح ذلك للموظفين في مؤسستنا بسرد قصتهم ومشاركة وجهات نظرهم حول التوجه الذي يرون أن على الشركة اتخاذه”.

أنتجت ورش العمل كمية هائلة من البيانات التي قام الفريق ببحثها بهدف وضع هدف محدد: “تقديم عالم أكثر استدامة”، واختيار أربع قيم للشركة. ووفقاً لأشتون، فقد اتفق الجميع، ابتداءً من الخريجين الجدد وصولاً إلى الموظفين المخضرمين والقدماء، على أن هذا هو مجال التركيز الصحيح، وأن العملية قد أضفت على الموظفين شعوراً ذا قيمة عالية تجاه التواصل. وأكد أن هذا الشعور بالهدف أصبح “قوة راسخة نحو التغيير”.

نموذج الشركة المكافحة لمواكبة التغيير: من بين الشركات التي استعرضناها، تناسب نحو 19% مع هذا النموذج الأصلي. فهي مثل فرق راكبي الدراجات في سباق فرنسا للدراجات، وتتنافس في سباق شاق يتكون من عدة مراحل. يجب على الدراجين في كل يوم التكيف مع التضاريس المتغيرة والطقس غير المتوقع واستراتيجيات المنافسين. يجب أن يخططوا لكيفية العمل على شكل فريق واحد، ودعم بعضهم بعضاً وحتى التضحية من أجل زملائهم. فهم رياضيون رائعون ويساهم تركيزهم المنفرد وتوجههم العملي بتحقيق النتائج. ومع استمرار السباق، يبدأ التعب، وتزداد أهمية القدرة على التكيف. لكن هذه الشركات تكافح من أجل التأقلم لأنها ضعيفة في نقاط “المرونة والتصميم والقدرة على التوسع. وعادةً ما يكون تركيزها فردي، الأمر الذي كان ميزة في يوم من الأيام، ليبدأ بالتحول بعد ذلك إلى شيء سيء.

تحتاج الشركات في هذه الفئة إلى التحسن في توقع ما قد أصبح وشيكاً وتغيير خططها وفقاً لذلك. ولتحفيز هذا التحول، يجب عليها أولاً إجراء تقييم. هل ما زال توجهها الاستراتيجي يسير في الاتجاه الصحيح؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فهي بحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات وإعادة تخصيص الموارد لتكون جاهزة للمرحلة التالية من السباق.

قبل سبع سنوات، بدأت شركة “أشورنت” (Assurant) هذا النوع من التحول. ففي عام 2014، كانت عبارة عن شركة تأمين قابضة تكونت من مجموعة من الشركات المستقلة التي استحوذت عليها الشركة الهولندية الأم السابقة على مدى عدة عقود. وكان لكل قسم رئيس تنفيذي خاص به، كما كان بها مدراء للتمويل وتقنية المعلومات والموارد البشرية والتسويق والتوزيع والعمليات. كانت وحدات الأعمال مميزة للغاية لدرجة أنه في عام 2015، عندما سافر رئيسها التنفيذي المعين مؤخراً، آلان كولبرغ، إلى أتلانتا للقاء كبار القادة في ثلاث شركات تابعة للشركة الأم، اكتشف أن هؤلاء المدراء التنفيذيين لم يجتمعوا معاً في غرفة واحدة مطلقاً، على الرغم من أنهم يعملون في مبنى المكاتب نفسه.

وبعد مدة قصيرة، اتضح أن فرع شركة أشورنت للتأمين الصحي – وهو الفرع الأقدم في محفظة الشركة ولكنه تأثر يشدة مؤخراً بسبب تغيرات السوق التي أنشأها قانون “الرعاية بأسعار معقولة” (Affordable Care Act) – لم يعد نموذج أعماله مستدام. وقد انتهز كولبرغغ ومجلس الإدارة الفرصة لإجراء تغييرات جذرية. ومنذ ذلك الحين، خرجت أشورنت من ثلاثة قطاعات من بين أربعة قطاعات أعمال، وأنجزت عدداً من عمليات الاستحواذ المهمة، وجعلت العديد من الوظائف مركزية. يقول كيث ديمينغز، المخضرم الذي يتمتع بنحو 24 سنة من الخبرة، والذي سيخلف كولبرغ بنهاية عام 2021: “لقد كان تغييراً دائما”.

أدى التغيير المستمر إلى طرح الكثير من الأسئلة في شركة أشورنت، لذلك ركزت الإدارة تركيزاً قوياً على توصيل استراتيجيتها للموظفين وإثبات أنه مع تطور الأعمال يمكن أن يكون لديهم مستقبل مشرق في الشركة. وفي الوقت الحالي، يخصَص نصف كل اجتماع مع الموظفين للأسئلة والأجوبة، ويبحث المسؤولون التنفيذيون دائماً عن علامات التغيير الزائد. تقول فرانشيسكا لوثي، كبيرة المسؤولين الإداريين في أشورنت، “أتراجع من حين لآخر، وأسأل نفسي، هل ما زلنا نستوعب كل هذا؟ لأن الأمر كان سريعاً، ثمة فرص للنمو، لتوسيع نشاطك، لكن هل هذا كثير للغاية؟ وهل سنعاني؟” ومنذ أن تولى كولبرغ منصب الرئيس التنفيذي وبدأ في تغيير نموذج التشغيل الخاص به، ارتفع العائد السنوي للمساهمين في أشورنت إلى نحو 14.6%، مرتفعاً من 10.1% في العقد السابق.

وفقاً للوثي، اكتسبت شركة أشورنت في السنوات الأخيرة “قوة” و”مرونة” جديدتين، ونتيجة لذلك أصبحت الشركة مجهزة بشكل أفضل من أي وقت مضى للتعامل مع التغيير. والآن أضحت الشركة أكثر انفتاحاً لتجربة أشياء جديدة، والتعلم من العثرات. لقد دربت الشركة نحو 1000 موظف على المبادئ المرنة لإدارة تقنية المعلومات واستحدثت تركيزاً جديداً على العملاء والابتكار والاختبار والتعلم.

خطوات يجب اتخاذها في الوقت الحالي

نعيش في أوقات غير مسبوقة، ويتمثل التحدي الذي نواجهه كقادة في بناء أعمال تزدهر في عالم يتسم بالتغيير السريع وغير المتوقع. وبالتالي، ما الذي يمكن القيام به لتعزيز قوة التغيير في مؤسستك؟

1- الحصول على الحقائق. يسير عدد كبير للغاية من الشركات والمسؤولين التنفيذيين في الظلام، وهم يتساءلون حول ما يجب القيام أو عدم القيام به. ابحث، وحدد خط الأساس لقوة التغيير، وافهم مكانك بالنسبة لمنافسيك. حدد على وجه التحديد ما يمكنك فعله وما يجب عليك تحسينه. التحركات الصغيرة الآن أفضل من الحركات الكبيرة فيما بعد. اختبر، وتعلم، وكرر، كما فعلت شركة “دلتا” فيما يتعلق بالمقاعد الوسطى.

2- تغيير طريقة عملك. اقترب من التغييرات الحالية والمقبلة من خلال التفكير، ليس من منظور المشاريع المتميزة ولكن من الجانب التنظيمي، تماماً كما فعلت أشورنت عندما حولت نفسها من مجموعة مفككة من المشغلين المستقلين إلى منظمة تركز على التطور نحو مستقبل مشترك. اعتبر هذه التغييرات أساسية ضمن الميزانية العمومية واستثمر بنشاط لبناء القوة اللازمة لتحقيق نجاح مستدام. تحتاج الشركات أكثر من أي وقت مضى إلى قياس قدرتها على التغيير وفهمها وتعزيزها. ومن الممكن أن تساعد الأفكار التي طرحناها في هذا المقال في تحقيق هذا الهدف. ومن خلال دراسة قوة التغيير في شركتك وتحسينها، يمكنك بناء منظمة أكثر رشاقة ومرونة وأن تصبح منافساً أكثر قوة في هذه العملية.

3- حشد قادتك. توفر التحولات أفضل ميدان تدريب للجيل القادم من القادة والمدراء. وإذا كنت ترغب في تغيير الأنماط القديمة، وتبني نهج جديد، وتحسين إمكانات التغيير الحاسمة، فلديك الكثير لتفعله: تحتاج إلى تنسيق جهد جماعي، وتطوير طموح مشترك، ووضع خطة عمل. وهو ما فعله نحو 40 مسؤولاً تنفيذياً في شركة الخدمات اللوجستية في معتكفهم الأوروبي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .