يحب مؤسس المطاعم الشهير داني ماير أن يخبر المشرفين الذين حصلوا على الترقية حديثاً أنهم مُنحوا فرصة ذهبية أشبه بما يُعرف في الأساطير اليونانية باسم “هبة النار”؛ تمنح هذه الهبة المدراء الجدد سلطة جديدة وقوية، لكن يجب أن يفهموا جيداً استخداماتها المناسبة وغير المناسبة. يوضح ماير أن للنار فوائد عديدة؛ فهي توفر الدفء والراحة، وتستخدم لتبديد الظلام وطهي الطعام وتعظيم قيمته الغذائية وإكسابه الطعم اللذيذ، ناهيك عن أنها تجمع الناس حولها في المخيم. لكن النار تحرق، ويمكن استخدامها تماماً مثلما يستخدم القائد سلطته لمعاقبة الآخرين من خلال نقل الحقائق والقرارات المؤلمة إليهم.

أُتيحت لي الفرصة على مر السنين للقاء العديد من القادة الذين حصلوا على الترقية حديثاً، سواء كانوا مشرفين جدد أو رؤساء تنفيذيين يشغلون هذا المنصب للمرة الأولى، أو حتى قادة سياسيين منتخبين، وبدا أن بعضهم لم يكن مدركاً لما هو مقدم عليه. شاركت أيضاً في مداولات بعض الذين كانوا مترددين بشأن تولي منصب جديد بسبب تأثيره المحتمل على حياتهم والضغوط والمسؤوليات المتزايدة التي قد تترتب عليه. فيما يلي بعض النصائح حول ما يجب مراعاته بالنسبة لمن يفكرون في تولي منصب المدير.

  • ادرس العواقب. من الممتع الانتقال للعمل في منصب أعلى، ومن الأفضل بالتأكيد الحصول على راتب أعلى. كما يوفر التعامل مع المشكلات الأكثر تعقيداً شعوراً جديداً بالرضى، ويمثل تعلم قيادة الناس فرصة جديدة للنمو وتطوير مهارات ومعارف جديدة. لكن تولي مسؤوليات جديدة يتطلب دائماً التخلي عن أشياء تحبها أو تقدرها في دورك الحالي، لذلك فكر ملياً في مستقبلك قبل أن تتخلى عن الحاضر. تمحورت أعمق مشاعر الندم التي سمعتها ممن تولوا مناصب أعلى حول فقدان مجموعة معارفهم وأصدقائهم والبساطة التي كانوا يعيشون بها في حياتهم.
  • مجموعة المعارف والأصدقاء. لن يبقى أقرانك الحاليين أقراناً عندما تترقى إلى منصب المدير، وقد يضر ذلك بعلاقات الصداقة القيمة. وبالإضافة إلى ذلك، قد لا يعجبك التعامل مع أقرانك الجدد، لذلك تحقق منهم عن كثب قبل الانضمام إليهم لتضمن أنك سترتاح في العمل معهم. وفي نفس السياق، عندما تُمنح المزيد من السلطة، فإنك توافق ضمنياً على أنه من المتوقع أن يكون ولاؤك من ذلك اليوم فصاعداً للمؤسسة أكثر منه لزملائك. قد يسيء ذلك إلى علاقتك بزملائك السابقين. على سبيل المثال، إذا عارضت فكرة شراء كراسي جديدة مريحة -على الرغم من أنك أيدت الفكرة سابقاً- لأنك تعتقد أنه يمكن استخدام الأموال في غرض آخر أفضل، فقد يرى زملاؤك هذا الموقف على أنه خيانة وخداع لهم، وسيعبرون شفهياً أو بطرق أخرى عن اشمئزازهم من الأجواء الجديدة التي تبثها في محاولة لإقناعك بالتصرف كما اعتدت عندما كنت قريناً لهم. ولكن أنت لم تعد كذلك، ولن تعود إلى ذلك مرة أخرى. هل ستكون راضياً عن هذا الواقع الجديد؟ في السيناريو الأكثر تطرفاً لخسارة علاقاتك السابقة، قد تُضطر إلى طرد أحد أقرانك السابقين. هل يمكنك فعل ذلك؟ هل أنت على استعداد لاتخاذ مثل هذا الإجراء حقاً؟ إذا تطلب الموقف ذلك، فهل ستوبخه أو تنتقده لحماية مصالح الشركة؟ هل ستكلف أحدهم بمهمة صعبة إذا كان ذلك هو ما يحتاج الفريق إلى فعله للنجاح؟ افترض أنك في منصب المدير الآن؛ حاول أن تتخيل اللحظات الحاسمة التي ستواجهها وقد تتطلب وضع توقعات وعقود اجتماعية جديدة مع أقرانك السابقين، واسأل نفسك، هل أنا على استعداد لتقبل المسؤوليات والالتزامات التي تفرضها هذه الصلاحيات الجديدة بصورة كاملة؟
  • البساطة. لم يعد العالم بالبساطة التي كانت عليها من قبل، فالدور الجديد ينطوي على التعامل مع أشياء معقدة أكثر.  سوف تواجه مجموعة جديدة من المفاضلات لاتخاذ قرار بشأنها. لم يعد الأمر مثلما كان في دورك السابق عندما كان بمقدورك انتقاد الإدارة، لأنك أنت من يمثلها الآن. لم يعد بمقدورك اتخاذ مواقف بسيطة تصب في مصلحة العميل مثلاً، فقد بات عليك الآن الموازنة بين التكلفة والجودة وجدول المواعيد وغير ذلك من العوامل. عندما تصبح مديراً، تنتقل من عالم يتعامل مع القيمة ببساطة إلى عالم تتدخل فيه عوامل أخرى معقدة في تحديدها. سيتعين عليك دعم القرارات والمواقف التي لا توافق عليها تماماً لأنك الآن جزء من فريق الإدارة. هل أنت مستعد لذلك حقاً؟
  • تعلم من مخاوفك. الخوف أمر طبيعي. إذا لم تخف، يجب إذاً ألا يثق بك الآخرون لمنحك السلطة. لديك خياران للتعامل مع هذه المخاوف؛ إخفاؤها أو مواجهتها، ولن يكون من المفيد التظاهر بأنك تتصرف بثقة. إذا كنت قلقاً من الفشل أو النقد، فهذا أمر طبيعي، والأصالة، مع نفسك أولاً ثم مع الآخرين، هي المفتاح لراحة البال. على سبيل المثال، إذا طُلب منك قيادة فريق من المهندسين، معظمهم أذكى منك، فأسوأ مسار للعمل هو إخفاء خوفك باستعراض بعض من حكمتك بشيء من الغرور، أما أكثر أشكال الثقة أصالة يأتي من الصدق مع نفسك والراحة لمواجهة الحقائق والاعتراف بها. تقبّل إذاً نقاط ضعفك دون التركيز عليها، وبدلاً من ذلك، ركز على نقاط قوتك.
  • تحقق من دوافعك. إذا وافقت على أن تصبح مديراً، يجب أن تفكر ملياً في سبب رغبتك تلك وما تأمل من تحقيقه منها. هل دافعك الأساسي هو طموحك الشخصي أم رغبتك في تقديم إسهامات إيجابية في المؤسسة؟ هل يتعلق الأمر برغبتك بأن يُنظر إليك بصفتك قائداً ناجحاً أم لأنك تريد مساعدة الآخرين؟ إذا كنت تريد السلطة لإرضاء طموحك، فسيتمحور أسلوب قيادتك حول ذاتك ويركز على احتياجاتك الخاصة فقط، وستفشل في بناء الثقة المشروعة في فريقك، وستحمي سلطتك بقوة وستتردد في مشاركتها مع الآخرين الذين يحتاجون إليها لأداء عملهم بفعالية، وستكون مهووساً بالاستحواذ على احترام الآخرين بدلاً من التركيز على فعل الصواب. سيعوق كل ذلك في النهاية قدرتك على المجازفة واتخاذ القرارات الحاسمة لتكون قائداً ناجحاً. يقول داني ماير إن هبة النار ليست “امتلاك سلطة على الآخرين” بل “امتلاك السلطة لفعل شيء مفيد”، والمؤسسة على استعداد لمنحها لك إذا كنت تنوي أن تستخدمها لخدمة الآخرين وليس للسيطرة عليهم.

توفر القيادة الرضا العميق، ولكن فقط إذا تقبلتها بكامل مسؤولياتها وعن طيب خاطر، وبالتأكيد، للأسباب الصحيحة.