نمر جميعاً بفترات عصيبة في العمل، حيث تتلاقى العديد من المواعيد النهائية، أو يقترب موعد إبرام صفقة بالغة الأهمية، أو يمتد موسم ازدحام العمل لبضعة أشهر إضافية. وخلال هذه الفترات، قد نعمل بقوة أكبر أو لساعات أطول، لكننا نعلم أن هذا موقف مؤقت، وسيكون في مقدورنا وضع العمل في منظوره السليم. وفي المقابل، فإن قرابة 10% من الأميركيين يعتبرون مدمنين لأعمالهم، بمعنى أن لديهم "نزعة ثابتة تدفعهم إلى العمل بشكل قهري ومبالغ فيه". وسواء كنت في خضم فترة ضغط في العمل أو كان العمل طوال الوقت هو تصورك للوضع "الطبيعي"، فهناك بعض المؤشرات الأساسية التي تدل على أنك تضغط على نفسك أكثر من اللازم.
مؤشرات أساسية تدل على أنك تضغط على نفسك
وتشمل هذه المؤشرات:
الامتناع عن الإجازات
إن تأجيل الإجازات بشكل دائم (بما في ذلك العمل أيام العطلات الأساسية)، أو العمل بانتظام طوال عطلات نهاية الأسبوع، أو تجاهل فكرة التعطل عن العمل ليوم عارض مؤشر على أنك تنهك نفسك في العمل. وعلى الرغم من أن 23% فقط من الأميركيين يأخذون الإجازات المخصصة لهم بالكامل، فإن الدراسات التي أُجريت على صفوة الرياضيين أثبتت أن فترات الراحة هي التي تساعدهم تحديداً على بلوغ الأداء الأمثل متى اقتضت الحاجة، والأمر نفسه يسري على بقيتنا. وعلى الرغم من أن الإجازات الممتدة مفيدة، فإن فترات الراحة الأقل، كتخصيص عطلة نهاية الأسبوع لإعادة شحذ قواك، أو تخصيص وقت لنفسك في المساء، أو أخذ إجازة عارضة ليوم واحد، يمكن أن تكون جزءاً مهماً من فترة تعطل كافية لاستعادة قواك والتصدي لاستنزاف "العمل الدائم".
إقصاء العلاقات الشخصية من قائمة الأولويات
عندما نركز حصراً على العمل لفترات طويلة، غالباً ما يعلو شأنه على علاقاتنا الشخصية ويأتي على حسابها. خلال عام 2018، تبين أن 76% من العاملين الأميركيين صرحوا بأن ضغوط مكان العمل أثرت على علاقاتهم الشخصية، وتبين أن مدمني العمل من الأرجح بنسبة الضِعف أن تنتهي زيجاتهم بالطلاق. إن عدم تخصيص وقت للتواصل مع الأصدقاء والعائلة يمكن أن يضر أيضاً بصحتنا. فقد أثبتت الأبحاث أن العلاقات المتينة ترتبط بشكل إيجابي بطول العمر، وأن انعدام العلاقات الاجتماعية يضارع في أثره تدخين 15 سيجارة يومياً. إذا لم تكن تخصص وقتاً خارج إطار العمل للتواصل على المستوى الاجتماعي مع الآخرين، وأمسيت منعزلاً على نحو متزايد، حتى أن الدعوات الاجتماعية جف نبعها لأن الآخرين يفترضون أنك لست متاحاً، فالأرجح أنك تركز أكثر من اللازم على عملك.
العجز عن أن يكون لك وجود بالكامل خارج إطار العمل
من العلامات الأخرى التي تدلل على أنك تضغط على نفسك أكثر من اللازم هي أنك عندما تغادر المكتب وتخصص وقتاً للاجتماع بالذين تكترث لأمرهم، تجد نفسك عاجزاً عن التفكير في أي شيء سوى العمل، وعاجزاً أن تكون حاضراً بكل كيانك معهم. في عام 2017، تبين أن 66% من الأميركيين صرحوا أنهم يعملون أثناء إجازاتهم. جيف عميل سابق لي وهو أحد أبرز الشركاء في واحدة من شركات المحاماة، ولم يذهب جيف لقضاء عطلة من دون الكمبيوتر المحمول الخاص به قط. فضلاً عن ذلك، بعد أن أكد أكد أنه سيقضي بعض الوقت في عطلات نهاية الأسبوع في التواصل مع ابنته، أقر أنه ظل يفكر في العمل طوال الوقت، واعترف أنه لم يسعه إلا أن يتفقد بريده الإلكتروني لا إرادياً على هاتفه كل بضع دقائق. وعلى الرغم من أنه من الطبيعي أن يفكر المرء في عمله بشكل دوري، تتحول المسألة إلى مشكلة عندما نعجز عن التحكم في ميلنا إلى الاستسلام للملهيات المرتبطة بالعمل، ما يوهن أثمن علاقاتنا على الإطلاق شيئاً فشيئاً. في كتاب "عصي على الإلهاء" (Indistractable)، يوضح المؤلف نير إيال، أن هذه الملهيات تجعل الناس الذين نهتم لأمرهم "منتفعين ثانويين" باهتمامنا، ما يعني أنهم يحصلون على ما تبقى من اهتمامنا الذي لا يكون كثيراً في العادة.
تجاهل الاهتمام بذاتك
ولا أعني تقاعسك عن الاستحمام بين الحين والآخر متى كنت تعمل من البيت مرتدياً سروالك الرياضي. فالإخفاق في نيل قسط كافٍ من النوم، وإغفال الوجبات أو الاعتماد على حمية قوامها القهوة ومأكولات الطاقة، أو التخلي عن ممارسة التمارين الرياضية أو الاهتمام بالنظافة الشخصية لفترات طويلة كلها مؤشرات على أنك تتبع نمطاً سلوكياً غير صحي. وبخاصة، عندما نضحي بالنوم من أجل العمل، فإننا نتصرف بعكس صالحنا، فقد ثبت أن الحرمان من النوم يضر بالوظائف الإدراكية الأعلى، بما في ذلك الحكم على الأمور والتفكير النقدي وصناعة القرار والتنظيم. وبالمثل، نجد أن إهمال ممارسة التمارين الرياضية يضر بنا ضرراً أكبر. فقد ثبت أن التمارين الرياضية تقلل التوتر وتحسن الحالة المزاجية ومستويات الطاقة، وترتقي بالوظائف الإدراكية، كالذاكرة والتركيز والتعلم والقدرة الذهنية على التحمل والإبداع. بصفتي مصرفي استثماري سابق، فقد اعتدت أن أعمل لأسابيع ما بين 80 و100 ساعة أسبوعياً خلال فترات أكثر مشقة، كان تخصيص فترات راحة لممارسة التمارين الرياضية وتناول الطعام، بل حتى لأخذ غفوة في واحدة من الغرف المخصصة للنوم في مكان العمل، مهماً للحفاظ على حالتي الصحية وقدرتي على التحمل وإنتاجيتي.
أن تعتبر قيمتك بما أنك إنسان مرهونة بالكامل بعملك
إن الإخفاق في رؤية منظور أوسع، فيما يتعلق بالطريقة التي ترى بها قيمتك الإنسانية وكذلك رؤيتك لأهمية العمل بالنسبة لبقية حياتك، يمكن أن يكون علامة على أنك تضغط على نفسك أكثر من اللازم. وقصر النظر هذا عادةً ما تسوقه معتقدات راسخة مقيّدة تخلق نظرة عالمية ضيقة. مارست إليسا رئيسة قسم الشؤون الهندسية في واحدة من شركات التقنية على نفسها وفريقها ضغوطاً مذهلة. وساق سلوكها الاعتقاد بأن "قيمتي تتحدد بما أنتجه". لتوسعة نطاق منظورها، سألت الذين تكنّ لهم كل الاحترام عما يقيمون له وزناً في شخصها، وكذلك عن النحو الذي يقيمون به قدراً لأنفسهم. لم تتمكن من رؤية الناس يقيمون لها وزناً لاعتبارات أخرى فقط، مثل أنها صديقة مخلصة أو أم صالحة أو شريكة في الأفكار، بل لقد حددوا أيضاً قيمتهم الشخصية على نحو أوسع نطاقاً من عملهم. أحياناً ما يتطلب الأمر حدثاً حياتياً مفصلياً، كميلاد طفل أو وفاة زميل أو فراق حبيب، لزعزعة إيمان المرء بمنظوره الضيق. وثمة طريقة أخرى لتوسعة نطاق منظورك في غياب تلك الأحداث، ألا وهي أن تكون لك اهتمامات خارج نطاق العمل، الأمر الذي يمكن أن يكون تذكِرة جيدة بأن العمل ليس كل شيء.
وبينما نحتاج جميعاً إلى التحول إلى نقلة أعلى في حياتنا من آن لآخر، فإن وضع العمل في منظوره السليم إلى جانب بقية جوانب حياتنا، والاهتمام بأنفسنا وعلاقاتنا هي أمور محورية لتحقيق النجاح طويل المدى على المستويين الشخصي والمهني.