هل تيسلا شركة مزَعزِعة فعلاً؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تمر “تيسلا”، وهي شركة إيلون ماسك الناشئة، بعام جيد جداً. إذ تتوقع أن تبدأ في شهر سبتمبر/أيلول بشحن السيارة الكهربائية بالكامل من طراز “موديل 3” إلى العملاء من غير الموظفين والذين قاموا بتسجيل 500,000 طلب مسبق. وبعد أن أعلنت عن تحقيقها أرباح في وقت سابق من هذا الشهر، قفزت أسعار أسهم الشركة التي عمرها 14 عاماً إلى 53 مليار دولار، متجاوزة بذلك كل مصنعي السيارات في أميركا وكل المصنعين في العالم ما عدا ثلاثة. حدث كل هذا التقدم مع أنّ الشركة مُنيت بخسارة تصل إلى 2 مليار دولار في العامين السابقين فقط.

قلة فقط لا يرون في “تيسلا” شركة مبتكرة جداً. لكن هل هي فعلاً شركة مزعزعة في مجال صناعة السيارات مقدر لها تحويل كامل قطاع النقل؟ كان هذا السؤال الذي أصرت عليه الشركة من البداية، ما ألهم جدلاً محموماً لدى محللي “وول ستريت” والعملاء المتعصبين للشركة ومجتمعات الإنترنت في مجالات التقنية. وفي غضون ذلك كان ماسك نفسه متناقض في تناوله لهذا المصطلح، حيث قال: “أنا أميل أكثر لأن أسأل كيف يمكننا القيام بالأمور بصورة مختلفة؟”

تُعتبر الإجابة عن السؤال مهمة. فالشركة واقعة حالياً في دين يبلغ 10 مليار دولار. إلى جانب ذلك، أعلنت “تيسلا” منذ فترة وجيزة عن خطط لاستدانة 1,5 مليار دولار أميركي للهرب مما يسميه ماسك “جحيم التصنيع” التي تمر فيه الشركة خلال فترة تحولها من شركة صغيرة لتوزيع السيارات إلى الإنتاج الشامل. يراهن المستثمرون والمقرضون على إمكانات النجاح لدى الشركة على المدى البعيد لتسيّد المستقبل الذي يتميز بسيارات ذات تحكم ذاتي واستهلاك مستدام للطاقة وقدرة على التحديث السهل المتماشي مع تطور العتاد التقني والبرمجي. لكن إذا لم يتحقق ذلك، فإنّ مال “تيسلا” سوف يجف سريعاً.

من الواضح أنه لا يمكن إدراج “تيسلا” تحت التعريف التقليدي للابتكار المزعزع. ففي النموذج الذي وصفه كلايتون كريستنسن، يقدم وافد جديد منتجاً بديلاً باستخدام تقنية أرخص لكنها تكون في البداية أقل شأناً من المنتجات التي يقدمها أسياد السوق المخضرمون. ثم يحسن المزعزع من أدائه بمرور الوقت، حتى يلحق في النهاية بصناعة تكون إما غافلة عمّا يحدث أو غير قادرة على التأقلم.

في عملنا الدائم على الانفجار العظيم المزعزع (Big Bang Disruption)، لاحظنا مسارات بديلة عديدة لكيفية تحوّل الصناعة. من هذه المسارات: توفير منتج أغلى يُحدث تفوقه تحولاً في أنماط شراء المستهلكين، وهناك بديل “المحيط الأزرق” الذي يعيد تشكيل توقعات المستهلكين بحيث يخلق مساحة جديدة في السوق، وبديل الفترة الطويلة من العائد المتنامي مع الأرباح المتراجعة التي تؤدي إلى انهيار الصناعة وتناسخها اعتماداً على معروض جديد للقيمة.

وهناك أخيراً الانفجار العظيم المزعزع، وفيه يؤدي تطور سريع في التقنية الجديدة إلى تقديم منتجات بديلة تكون منذ إطلاقها أفضل وأرخص، ما يحفز على هجر مفاجئ من قبل المستهلكين لمترأسي السوق من أجل الوافدين الجدد الذين يستغلون بأفضل شكل المقدرات والمتغيرات الاقتصادية للتقنية المزعزعة.

لكن بغض النظر عن التعريف المستخدم، من الصعب تخيل أي منها ينطبق على “تيسلا”. وذلك لسبب واحد وهو أنّ من غير الواضح ما هي التقنية المزعزعة التي تقدمها “تيسلا”. فالسيارات الكهربائية موجودة منذ أمد بعيد (مضى على “تيسلا” عقد من الزمن تقريباً وهي تبيع هذه السيارات)، لكن التقنية إلى الآن ليست أفضل ولا أرخص من تقنية الاحتراق الداخلي. إذ أنه بحسب بيانات “تسلا” نفسها لا تعني كثافة البطارية نمواً مثل ذلك الذي قاد التحسينات التصاعدية في التقنية الرقمية، ولا يصبح أداء البطارية على قدر كفاءة أداء الوقود الأحفوري إلى ما بعد 50 سنة من الآن.

الأمر نفسه ينطبق على السيارات ذاتية القيادة، وكذلك على وعد “تيسلا” بتصنيع مؤتمت بالكامل يقوم على تحسينات الذكاء الصناعي والروبوتات وغيرها من المزعزعات. ربما يكون أحد هذه التقنيات الحل المزعزع الذي تنشده “تيسلا”، لكن أياً منها ليس كذلك إلى الآن.

في هذه الأثناء، لا يوجد ضامن بأنّ “تيسلا” ستكون الفائز خلال أي سباق تسليح ضمن تقنية السيارات، حيث تستثمر معظم شركات السيارات اليوم في نفس التقنيات إلى حد كبير، وحتى أنها تستخدم في بعض الحالات نفس موردي “تيسلا”. أضف لهذا ما هو معروف عن “تيسلا” بأنها جعلت جميع ابتكاراتها مفتوحة المصدر في عام 2014، ما يقلل من شأن أي ابتكار تدّعي الشركة أنه يعود لها.

يُعتبر ما تمتلكه الشركة في الوقت الحالي علامة مميزة قوية ترمز للرفاهية والاستدامة في نفس الوقت. لكن من غير المستبعد رؤية العلامات المميزة الفاخرة اليوم مثل “بي إم دبليو” و”مرسيديس” و”فولفو” و”ليكزس” تدخل في هذا المجال قريباً.

ومع ذلك، يحب عشاق “تيسلا” مقارنتها بشركة “آبل”، وهناك فعلاً أوجه تشابه مقنعة ظاهرياً. إذ يقود كلا الشركتان الرؤى التي تقدم نسخاً فاخرة من منتجات استهلاكية، ولدى كليهما ولاء قوي من عملائهما.

لكن السيارة “موديل 3” باهظة الثمن ليست الآيفون الذي تسبب عام 2007 في إعادة ابتكار كل من الهواتف الجوالة وأجهزة المساعدة الرقمية الشخصية والكاميرات الرقمية والعديد غيرها من المنتجات المختلفة في قفزة استثنائية واحدة. (في وقت كان يُعتبر فيه بلاكبيري أحد أجهزة المحمول الفاخرة)، كما أنّ “آبل” على العكس من “تيسلا”، لديها القدرة على صنع ملايين الأجهزة الجديدة من الصفر، بالإضافة إلى قنوات قوية للتوزيع وتجارة التجزئة والصيانة.

ولا يمكن مقارنة “تيسلا” بشركة “نتفلكس”، وهي مثال آخر يتردد كثيراً على أنها شركة مزعزعة ومبتكرة. زعزعت “نتفلكس” سوق تأجير الأفلام مرتين على الأقل، في المرة الأولى مع خدمة إرسال أقرص “دي في دي” بالبريد، ومن ثم عام 2007 بخدمة البث على الإنترنت والتي بالطبع تنطبق عليها بشكل أفضل معايير الانفجار العظيم المزعزع. وأقبل المستهلكون جماعات ما أدى لتحطيم شركات مثل “بلوك بستر” وغيرها من شركات تأجير الأفلام في غضون سنوات قليلة. وبالمقارنة، ليست تقنية البطارية الحالية لدى “تسلا” أفضل ولا أرخص من تقنية الاحتراق الداخلي الحالية. حتى لو كانت كذلك، فمن غير الواقعي أن يُنتظر من الزبائن استبدال العتاد المادي بسرعة كما يغيرون عاداتهم في استهلاك الأفلام.

لعل أكثر الشركات التي تشبه “تيسلا” هي “سوني ليبري” وغيرها من أوائل أجهزة قراءة الكتب الإلكترونية التي قُدمت بتكلفة عالية وضجة كبيرة بين أعوام 1998 و2006، لكن أياً منها لم ينجح. من ثم أطلقت “أمازون” جهاز كندل عام 2007 الذي أشعل شرارة التحول في صناعة الكتب الجامدة.

فقد أشارت تحليلات مزعزعة لدى “أمازون” إلى أنّ هذه التقنية نضجت أخيراً، بما في ذلك الشاشات والتخزين والبطاريات خفيفة الوزن وشبكات الهاتف الخلوي التي يمكن استخدامها لتحميل ورفع المحتوى الجديد. كما استفادت “أمازون” أيضاً من قوة سلسلة التوريد لديها في صناعة النشر بالإضافة إلى سمعتها الرائعة في خدمة العملاء لخلق صناعة الكتب الإلكترونية وتسيدها، رامية بالمنافسين الحاليين والمستقبليين بعيداً.

تُظهر هذه الأمثلة أنّ نجاح التزعزع يتطلب تصنيعاً وتوزيعاً قوياً ومنصة خدمات متينة يمكن إعادة توظيفها للمساعدة في الدفع بسلسلة التوريد القديمة ضمن فترة زمنية قصيرة، بالإضافة إلى تزويد متواصل بالعوائد من منتجات أكثر نضجاً لتمويل التجريب المستمر.

إلى الآن ليس لدى “تيسلا” أي من هذا. وأسوأ ما في الأمر أنّ الشركة خاضعة لكم كبير من عدم اليقين في ناحية الدعم الحكومي الكبير، والذي له في بعض الشركات أثر عميق على رغبة المشترين بدفع الثمن الباهظ لسيارة “تيسلا”. في هونج كونج والدنمارك مثلاً، أدى الإعلان عن سحب الدعم إلى انحدار مبيعات “تيسلا” بأكثر من 90%، ما أدى بالمسؤولين الدنماركيين لتمديد فترة الخصم.

لو فرضنا تمكّن الشركة من التغلب على “جحيم التصنيع” فسيكون باستطاعتها تسليم الـ500,000 سيارة من طراز “موديل 3” التي جرى طلبها مسبقاً في نهاية 2018. لكن “آبل” تعلمت من النجاح الباهت لساعة “آي-واتش” أنّ الحماس الأولي للمنتج الجديد لا يعني استمرار المبيعات في المستقبل. وبعد الإعلان عن “موديل 3” عام 2016، سجل لدى “تيسلا” أول 300,000 زبون في غضون أسبوعين فقط، وكان معظمهم سجلوا في أقل من أسبوع. لكن كما كان الحال مع الساعات الذكية، فإنّ الانتشار الواسع لمنتج بين الزبائن من دون مجهود ربما يعني أنّ جميع الزبائن المحتملين أتوا جميعاً مرة واحدة لدى إطلاق المنتج.

بالنسبة “لتيسلا” التي تعاني من مشاكل في السيولة، يمكن لتضاؤل المبيعات أن يقضي على أي أمل لها في تأمين موقع قيادي مستدام لها في صناعة النقل المعاد ابتكاره. لعل إيلون ماسك نجح في إطلاق ثورة مزعزعة، لكنه ربما يخرج من هذا المجال في اللحظة التي يكون فيها أحد المخضرمين ضمن السوق أو وافد جديد ينتظر في مكان ما لاقتحام الساحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .