إن تنفيذ عمليات وحلول وأفكار جديدة تتطلب سماع أفكار فريق العمل وقيام شخص ما بالإفصاح عنها أو لفت انتباه المدراء إليها أو جعل تلك الفكرة أو المشكلة واضحة للعيان. من جهة أخرى، لن يحصل أي تغيير في حال آثر الأفراد الصمت؛ لهذا السبب دائماً ما يحاول القادة والمؤسسات تشجيع الأفراد على التعبير عن آرائهم ومشاركة أفكارهم بشكل صريح.
ومع ذلك، يوجد افتراض بديهي لكنه مضلل يكمن وراء العديد من تلك الجهود ويتمثّل في أن عادتي الإفصاح عن الآراء والسكوت متماثلتان. وتنطوي النتيجة المتوقعة على أن تشجيع الأفراد على التحدث ومشاركة أفكارهم وآرائهم سيحول دون بقائهم صامتين عندما يكون لدى أحدهم فكرة لم تخطر على بال أحد من قبل أو مشكلة لم يسبق لأحد اكتشافها.
سماع أفكار فريق العمل
وعلى الرغم من أن الافتراض يبدو معقولاً، تُشير النتائج التي توّصل إليها أحدث مشروع بحثي نُشر في مجلة أكاديمية الإدارة (Academy of Management Journal) إلى أنه افتراض خاطئ. فبعد إجراء "تحليل ميتا" التجميعي على دراسات متعددة شملت الآلاف من المشاركين في الاستقصاء في العديد من السياقات المختلفة، وجدنا أن المواقف التي تستدعي من الموظفين الإفصاح عن أفكار أو قضايا بنّاءة في العمل كانت مختلفة تماماً عن المواقف التي يحجم فيها الموظفون عن مشاركة تلك الأفكار أو القضايا ويؤثرون الصمت عن قصد. في الواقع، وجدنا في العديد من الدراسات والمؤسسات المشمولة في "تحليل ميتا" التجميعي أن الأفراد غالباً ما يشاركون أفكارهم طواعية بهدف مساعدة فرقهم، حتى إن اضطروا إلى كبت مخاوفهم.
اقرأ أيضاً: هل يجب عليك منع أفضل أعضاء فريقك إن أراد الرحيل؟
لماذا يحدث ذلك؟
أجرينا دراسة متابعة على 405 موظفين من شركات مختلفة على مدى ستة أشهر، ووجدنا أن ما يحفّز الأفراد على الإفصاح عن آرائهم هو اعتقادهم أن مساهماتهم سيكون لها أثر بالغ في المؤسسة وأنهم سيُجزون لقاء تلك المساهمات. على النقيض من ذلك، فإن فشل الأفراد في مشاركة مشكلة أو فكرة ما مع مدرائهم يعتمد في الغالب على إيمانهم بفكرة وجود عواقب على مشاركاتهم، مثل تعرّضهم للتجاهل من قبل الآخرين أو حتى تسريحهم.
ووجدنا أيضاً أن صمت الموظفين عن مشاركة أفكارهم كان أكثر ضرراً على رفاههم مقارنة بالأشخاص الذين لا يملكون أي أفكار على الإطلاق. ونظرنا على وجه التحديد في مشكلة الاحتراق الوظيفي التي تُعرف أنها أحد أنواع الإنهاك الشديد في العمل والتي تتميز بالإرهاق العاطفي والإعراض عن المشاركة في الأنشطة. وإذا كانت عادة عدم الإفصاح مماثلة لعادة الصمت، ستولّد كل منهما القدر نفسه من التوتر والإنهاك الشديد.
اقرأ أيضاً: ما الذي بوسعك فعله إذا خذلك فريقك؟
إلا أنهما ليستا متماثلتين، فالموظفون الذين أفادوا بإحجامهم عن عدم مشاركة أفكارهم (إفصاح ضعيف) ولكنهم لم يلتزموا الصمت عند شعورهم بضرورة الإشارة إلى مشكلة أو قضية ما (صمت ضعيف) لم يتعرضوا للإنهاك الشديد بقدر الموظفين الذين أبلغوا عن مواقف لجؤوا فيها إلى قمع ذواتهم والتزام الصمت (صمت عال) حول المشكلات، حتى عند لجوئهم إلى التعبير عن آرائهم بشكل متكرر (إفصاح عالي). وعندما نمعن التفكير في هذه الاستراتيجية نجد أنها منطقية، إذ عادة ما يتكيّف الأفراد بسهولة أكبر مع مشاعر اللامبالاة أو نقص الحماس وانعدام الحافز للمشاركة مقارنة بتكيّفهم مع مشاعر الخوف والقلق عند الإشارة إلى مشكلة ما.
لكن ما الذي يجب علينا فعله حيال ذلك؟
ابدأ بتدوين ملاحظات حول كيفية تفاعل الأفراد عند سماعهم بعض الأفكار أو عند طرح بعض المشكلات. اسأل موظفيك من خلال إجراء استبيانات مجهولة المصدر عن مدى لجوئهم إلى عادة الإفصاح ومدى التزامهم الصمت في سيناريوهات محددة، إذ قد تكون تلك المعلومات مفيدة في تحديد الأنواع المختلفة للقضايا التي يختار الموظفون التعبير عنها أو التزام الصمت بشأنها.
وتنطوي الخطوة التالية على اتباع أساليب مختلفة لإدارة الحديث وإدارة الصمت في المواقف التي تُفضي إلى حدوث مشكلات. تركّز إدارة الحديث على تعزيز نظرة الأفراد فيما يتعلق بأثر الإفصاح عن آرائهم في الآخرين وتساعدهم في إدراك أن التحدث بشكل صريح سيحدث فارقاً في المؤسسة. في المقابل، تركز إدارة الصمت على خلق الأمان النفسي وضمان وجود بيئة آمنة تتيح للموظفين إثارة قضايا صعبة وحساسة. ونورد فيما يلي بعض القواعد الأساسية لوضعك على المسار الصحيح:
إدارة الحديث
استشر موظفيك: ابدأ بحثّ موظفيك على مشاركة أفكارهم واقتراحاتهم ومخاوفهم قبل الاجتماعات، فالتماس مدخلات منهم دليل على اهتمامك بأفكارهم واستعدادك لاتخاذ إجراءات بناء على تلك الأفكار، إلا أن عدد القادة الذين يتجنبون طلب مدخلات من موظفيهم مثير للدهشة.
اهتم بآراء موظفيك: قد يُسفر طلب الأفكار ومن ثم تجاهلها عن نتائج عكسية. صحيح أن الموظفين يدركون أن تنفيذ كل فكرة يقترحونها هي مهمة مستحيلة، إلا أنهم يرغبون في أن يعرفوا أن آراءهم محط تقدير. هل تُخبر موظفيك أنك أخذت آراءهم في الحسبان؟
اقرأ أيضاً: هل تثق حقاً بفريق عملك وموظفيك؟
شارك قراراتك علانية: احرص على مشاركة المستجدات مع موظفيك لتُتيح لهم معرفة رأيك بأفكارهم في النهاية. يمكنك أيضاً جعل ذلك حدثاً أو اجتماعاً روتينياً، وهي طريقة جيدة لجعل القادة يتحملون مسؤولية تقديم آرائهم التقييمية لموظفيهم.
إدارة الصمت
راقب تصرفاتك: تساعد الطريقة التي تتفاعل بها أنت والآخرون مع الأفكار أو المشكلات المثارة في تعزيز إحساس موظفيك بالأمان. احترس من السلوكيات الشخصية السلبية، مثل السخرية أو إحباط الآخرين، وكن مثلاً يُحتذى به وامنع الآخرين من اتباع تلك السلوكيات.
عزّز شعور الموظفين بالأمان: يتحمّل الموظفون المسؤولية عن الأفكار التي يقترحونها في العديد من الشركات، وهو ما يشجعهم على التزام الصمت ويولّد الإحباط في نفوسهم. لذلك، يجب عليك تخليص الأفراد من المعاناة عند تقدمهم باقتراح معقول اخترت أن تتصرف بناءً عليه، حتى عندما يتبيّن أنه اقتراح خاطئ في النهاية. ومن غير الصائب لوم صاحب فكرة سيئة عن فشل فكرته، فمن غير المحتمل أن يكون هو المصدر الوحيد لفشل الفكرة.
مارس بعض العادات: من المحتمل أن تُعزز البيئة والعملية مشاعر الأمان النفسي أو تمحقها. على سبيل المثال، قم بعقد اجتماعات معينة في أوقات مختلفة خارج المكتب، أو خطّط لإجراء لقاءات غير رسمية تتيح للأفراد إثارة المشكلات التي قد يحجمون عن طرحها عادة. في الواقع، سلّطت البحوث الضوء على فكرة أن إتاحة الفرصة للموظفين من أجل الخوض في نقاشات صعبة قد يعزّز ديناميات أكثر أماناً وأكثر احتراماً للفرق التنظيمية.
اطرح أسئلتك وأعد صياغتها إن استخدام تعابير مختلفة لصياغة الأسئلة قد يمثّل إشارة للموظفين إلى أنه من الآمن الإفصاح عن آرائهم. وتشير البحوث التي أجريت على استراتيجية ما قبل الانهيار التي يُطلب فيها من الأشخاص تخيّل حدوث حدث سلبي بالفعل في المستقبل وشرح سبب حدوثه ومحاولة تقليل فرص حدوثه مستقبلاً (بدلاً من مجرد تخيل الأخطاء التي يمكن أن تطرأ مستقبلاً) أن هذه العملية مفيدة في طرح الأفراد شواغلهم ومصادر قلقهم والسماح لهم بالتعبير عن مخاوفهم بدلاً من حجبها. كمثال آخر، تشير البحوث إلى أن التغييرات البسيطة في صياغة السؤال من: "ما الذي يمكننا فعله" إلى "ما الذي يجب علينا فعله" قد تسفر عن ردود مختلفة بشكل كبير.
اقرأ أيضاً: لا تدع الإجهاد في موسم الأعياد ينعكس على فريقك
في النهاية، من الخاطئ أن يفترض القادة أن الأشخاص الذين يُعربون عن آرائهم صراحة وبشكل متكرر لا يحجبون أي قضايا أخرى؛ أو أن الموظفين الذين لا يشاركون إلا القليل من آرائهم يحجبون مزيداً من القضايا عن عمد. وكما يوثق بحثنا، غالباً ما يكون السلوك الخارجي (الإفصاح) غير متوافق مع الأفكار والاقتراحات والاهتمامات الشخصية التي تبقى غير معلنة (الصمت). وهو ما يعني أنه يجب على القادة أن يدركوا ماهية المحفزات الفريدة للإفصاح والصمت بشكل أفضل وأن يبتكروا آليات تضمن حث الموظفين على مشاركة أفكارهم واقتراحاتهم ومشكلاتهم، وذلك بعد سماع أفكار فريق العمل.
اقرأ أيضاً: كيف يقود المدراء الجدد فريقاً أعضاؤه في عدة دول؟