خلال مقابلة أجريت حديثاً مع عضو في فريق تنفيذي لدى أحد عملائي حول أضرار التوقعات العالية، قال لي أحد القادة: "لا شيء مما أفعله يبدو جيداً بما فيه الكفاية للرئيسة التنفيذية المسؤولة؛ لقد بدأنا جميعاً نسأل أنفسنا لماذا نزعج أنفسنا بالمحاولة". وعندما استعرضت نتائج التقييم فيما بعد مع الرئيسة التنفيذية، قالت: "إن الناس يخيبون أملي باستمرار، هكذا الأمر دائماً، لدي معايير عالية، ولهذا أحصل على ما أحصل عليه من نتائج أقل من توقعاتي".
عندما ناقشنا التبعات غير المقصودة لتوقعات الرئيسة التنفيذية، لم يخطر لها أبداً أنها تقوّض بنفسها النتائج التي تسعى إليها. تفيد إحدى المقولات الإدارية التقليدية بأنّ رفع مستوى التوقعات المنتظرة من الموظفين أمر جيد، ولكن عندما لا يصل الموظفون إلى هذا المستوى تصبح هذه المعايير بمثابة أسلحة تترك لدى الموظفين مرارة وتشعرهم أن ثمة قدرات غير مستغلة لديهم.
إدارة أضرار التوقعات العالية
تُظهر هذه الدراسة التي شملت أكثر من 300 مدير تنفيذي في 10 بلدان أنّ ما يقرب من 35% منهم يفشلون بسبب الميل نحو الكمال، ويعود ذلك إلى أنّ القادة الموجهين نحو الإنجاز يميلون إلى أن يكونوا مستائين بصورة مزمنة. ولكن في حين تعتقد بأنك "تدفع الموظفين لكي يكونوا الأفضل"، قد تكون في الواقع تهيئهم للفشل. ولذلك، تمهل قليلاً وأعد النظر في هذا الدفع المستمر وما إذا كان يترك آثاراً جانبية غير مرغوب فيها.
اقرأ أيضاً: هل تثق حقاً بفريق عملك وموظفيك؟
إليك بعض الأمور التي قد تلاحظها:
خيبة أمل بنفسك
في العادة، لا يقتصر دفعك للوصول إلى معايير عالية غير عقلانية على مرؤوسيك المباشرين فقط، إذ من الشائع أن ينعكس استياء القائد إلى الداخل، وذلك بحسب خبرتي كاستشاري للمدراء التنفيذيين. ففي ظل غياب قدرة هؤلاء القادة على الشعور بالرضا عن أفضل ما لديهم أو الفخر بإنجازاتهم، يفتقرون غالباً إلى الفرح والرضا الوظيفي. في حال كنت منهم عليك الانتباه إلى ما تخبر نفسك به حول أدائك، فإذا كانت القصة قصة نقص أو كفاح من أجل أن تفخر بإنجازاتك وقدراتك يمكن أن يكون هذا إشارة إلى أنّ معاييرك العالية قد دمرت إدراكك الذاتي.
فقدان الآخرين للثقة بالنفس
كتب كل من نيل لافندر وآلان كافاللو في كتابهما "من الصعب إرضاؤهم" (Impossible to Please)، أنّه "عندما تجد نفسك تعمل مع شخص متسلّط يتوخى الكمال، يصبح شعورك بالغضب والإحباط أو البناء على انتقاده المفرط والبدء بالشعور بالدونية، كما لو أنّك لا تستطيع أن تفعل أي شيء بشكل صحيح، من الأمور المألوفة". إذا كانت معاييرك العالية تدفع الآخرين للشعور بالنقص سيصل بهم الأمر إلى فقدان الثقة والتوقف عن المحاولة، إذ يمكن أن يشككوا في أنفسهم ويستاؤوا منك ويخافوا انتقاداتك المستمرة. والأسوأ من ذلك، أنّهم لا يستطيعون التحسن لأنّه لا يمكنهم معرفة أين تنتهي معاييرك غير العادلة وأين تبدأ نواقصهم. وكما ورد صراحة في أحد التقارير المباشرة حول الرئيسة التنفيذية المذكورة أعلاه، "بعد فترة، تصبح أكثر الأمور أماناً هي عدم فعل أي شيء، بحيث يكون أي شيء تطلبه في ذلك اليوم هو ما أعمل عليه".
مرونة تنظيمية ضئيلة. عندما يشعر الفريق بأنّه موضع شكّ أو انتقاد على الدوام فإنّه لن ينهض بسهولة بعد الانتكاس، وذلك لأنّ الموظفين عندما يواجهون التحديات يصبحون مشلولين بدلاً من أن يكونوا مبتكرين، إذ يمكن لعدم الرضا المستمر من قبل القائد أن يستنزف حيلة الفريق. إذا كنت قلقاً من إمكانية صمود مؤسستك في مواجهة المشاكل الكبرى، فقد يكون دفعك المستمر نحو بلوغ المعايير العالية هو السبب. وإذا كان لديك تطلّعات تريد من فريقك تحقيقها، قد تؤدي توقعاتك إلى إضعاف قدرة الفريق على فعل ذلك.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل عندما تعيق قائمة مهامك عمل فريقك؟
تعلّم كيف تستفيد من استيائك
يمكن أن يكون عدم رضاك أحد الأصول العينية، بشرط أن تكون انتقائياً لدى استخدامه. ففي الحالات التي يحتاج فيها الموظفون إلى التحسن، يمكن لدفعهم إلى بذل الجهد أن يسد هذه الثغرة، ولكن استياءك يمتلك وزناً وتأثيراً أكبر لما لديك من سلطة على الآخرين. يرغب الموظفون في إرضاء قائدهم ولكنّهم عندما يعتقدون أنّهم لا يستطيعون ذلك يصابون بالإحباط. وفي المقابل، إذا رأوا أنهم يستطيعون تلبية معاييرك يُرجح أن يثقوا بقدرتهم على النجاح عندما ترفع هذه المعايير أكثر. ولذلك، عليك التحلي بالحكمة فيما يتعلّق بكيفية التعبير عن عدم رضاك ومدى تكرار الأمر.
لا تدع الآخرين يقيّمون أنفسهم من منظورك أنت
طرحت على رئيسة تنفيذية لدى أحد عملائي (لم تكن على علم بالنتائج المترتبة عن المعايير العالية) السؤال التالي: "هل يعرف أعضاء فريقك كيف تقيمين كل واحد منهم؟". لم تستطع الإدلاء بإجابة شافية، فقد افترضت تلقائياً أنّ فريقها يشاطرها دافعها نحو الكمال، كما لم تعتبر أنّ انتقاداتها جعلتهم يشعرون أنّهم غير كفوئين. إذا كنت تريد من مرؤوسيك أن يأخذوا الانتقادات بصدر رحب، فمن الضروري أن يعرفوا ما الذي تراه فيهم من مميزات وإسهامات. مهما كان منصب المسؤول التنفيذي رفيعاً، لا يمكنك اعتبار أنّ كلّ قائد يحتاج إلى معرفة أنّه - أو عمله - مهم بالنسبة لك. قم بالتعرف على القيمة الفريدة التي يضيفها كل عضو من أعضاء الفريق، وعندما ترى هذه القيمة تدخل حيّز التطبيق تعمّد إخبارهم بذلك.
دقّق في كيفية وضع المعايير والوقت الذي تضعها فيه
غالباً لا يستطيع القادة الذين يتوخون الكمال إيصال "معاييرهم العالية" إلى الآخرين قبل أن يخيّبوا توقعاتهم. عندما تلاحظ فجوة بين ما تحصل عليه وما تريده تمهّل قبل أن تصدر عنك أي رد فعل. اسأل نفسك ما إذا كان الشخص الذي فشل في ذلك قد فهم ما كنت تتوقعه. وبعد ذلك، اسأل نفسك ما إذا كان الشيء الذي أردته واقعياً بالنظر إلى ظروف فريقك وقدراته. عندما تكون صريحاً حيال ما تستند إليه توقعاتك، وعندما تنقل هذه التوقعات إلى الآخرين في الوقت المناسب، ستضمن أنّ معاييرك ليست عالية فحسب بل واقعية وعادلة أيضاً.
اقرأ أيضاً: لا تدع الإجهاد في موسم الأعياد ينعكس على فريقك
تحلّ بالطيبة
ستصبح أكثر تسامحاً مع الآخرين في حال خفضت سقف التوقعات التي تحددها لنفسك. حدد أين يفتقر إدراكك الذاتي إلى الموضوعية، وحدد الظروف التي تدفعك إلى ازدراء الذات. فإذا ما لمست مقاومة قوية أو عاطفة قوية مثلما ترى الأمور التي تبرع فيها، يُحتمل أن تكون هذه إشارة على أنّ جذور استيائك القوي قد تكون أعمق مما تعتقد.
وفي نهاية الحديث عن أضرار التوقعات العالية، لديك فرصة كقائد لإطلاق أفضل ما لدى الآخرين من إسهامات. فرفع مستوى التوقّعات بشكل ملائم يسمح لفريقك بأن ينمو بالتوازي مع تقدّم مؤسستك. وإذا كانت معاييرك قاسية فهي قد تؤذي الآخرين عن غير قصد، ولذلك عليك أن تعرف السبب وأن تتعلّم كيف تستخدم استياءك لما فيه مصلحة الأشخاص الذين تقودهم.
اقرأ أيضاً: هل يجب عليك منع أفضل أعضاء فريقك إن أراد الرحيل؟