ننتقل اليوم من مرحلة التحول الرقمي "الأتمتة" أو "الرقمنة" إلى عصر الذكاء الاصطناعي، وما زالت حكومات وشركات لم تدخل بعد العصر الرقمي. لم يعد الحديث الآن عن الحكومة الإلكترونية أو الشركة الرقمية التي تخلق ما يسمى بـ "التوأم الرقمي" لكل وثائقها، ولكن الحديث اليوم عن كيفية تحويل هذا التوأم الرقمي إلى بيانات ضخمة، يمكن من خلالها تحليل عمل الحكومة أو الشركة ومن يتعاملون معها، وصياغة أفضل الخدمات والمنتجات للوصول إليهم بشكل هادف.
وكما أننا نتحدث عن تنوع تصنيفات البشر في التعامل والتأقلم مع التكنولوجيا الحديثة، فإننا يمكن أن نتحدث عن تصنيفات مماثلة للحكومات والشركات؛ اليوم يعيش بيننا ما بات يطلق عليهم "مهاجرون إلى العصر الرقمي"، وهم الجيل الذي عاصر فترة "الأوف لاين" و "الأون لاين"، كما يعيش بيننا من يسمون بـ "مواطني العصر الرقمي" وهم الذين ولدوا في ظل "الأون لاين". وبالطبع لكل من هذين الجيلين سلبيات وإيجابيات في التعايش مع العصر الحالي بما فيه من تنوع بشري وتحول غير مكتمل نحو الرقمية؛ فالمهاجر الرقمي يمثل مجتمعاً واسعاً وخبرة متراكمة، لكن الخطأ الذي قد يرتكبه هو تجاهل المواطن الرقمي وعدم تفهم منتجاته واحتياجاته. وبالمثل فإن ابن العصر الرقمي "المواطن الرقمي" هو من سيقود المرحلة ومن يعرف الاحتياجات الحالية والمستقبلية بشكل أوضح، لكن المطب الذي قد يقع فيه هو أيضاً تجاهله لنصف المجتمع الآخر من بشر وشركات وحكومات ما زالت في طور التحول الهجين من "الأوف لاين" إلى العصر كامل الرقمية.
لاشك أن محركات السوق قد بدأت فعلاً في غربلة هذه الأصناف، فمن اختار البقاء "أوف لاين" فهو بلاشك خارج السوق، ومن باشر في التحول فأمامه التحدي لمسارعة الانتقال إلى الرقمنة ثم الذكاء الرقمي قبل أن يجد نفسه خارج السوق. وسنجد قريباً مقياساً جديداً لتقدم وتخلف الشعوب والدول والشركات يعتمد على مدى القدرة على ركوب موجة التحول من الرقمية إلى الذكاء.