بداية هجرة معاكسة من أميركا وألمانيا، فإلى أين يتجه أصحاب الأموال والمهارات؟

2 دقيقة
هجرة معاكسة
shutterstock.com/The KonG

هل تتابعون أخبار بحث الأميركيين عن خيارات خارجية للهجرة من بلدهم التي طالما كانت مقصداً للمهاجرين؟ والطريف في الأمر أن المكسيك باتت تُعتبر أول بلد مفضلة للمغتربين الأميركيين بحسب استطلاع لمجلة إكسبات إنسايدر (Expat Insider)؛ حيث يشعر ثلاثة أرباع المغتربين بالسعادة. نعم، المكسيك التي سعت الولايات المتحدة لبناء جدار عازل على حدودها لمنع هجرة المكسيكيين إلى أميركا.

اليوم تتزايد المؤشرات على الهجرة العكسية ولكن السبب ليس الانقسام السياسي الحاد الذي يشهده العم سام؛ بل بحث الشباب من الجيل الجديد الذي يسمى "الجيل زد" عن معايير جديدة للحياة والعمل. هذا الجيل الشاب الذي ولد في عصر التكنولوجيا منذ منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية، لديه اليوم شروط جديدة للبلد التي سيعمل ويعيش فيها. والسؤال هو: ما الذي أفزع هذا الجيل من أميركا، وجعله يبحث عن ملاذ للهجرة؟ إنها عوامل متعددة سببت ما يُسمى "الاستقالة الكبرى"، وعلى رأسها بحث الموظفين عن راحة نفسية أكثر وتوازن بين العمل والحياة الشخصية، وهو ما لا توفره آلة العمل الأميركية التي تتبع النظام الرأسمالي الصارم في السعي دون هوادة لتحقيق الأرباح فقط.

واليوم هنالك عوامل يتحسس منها هذا الجيل الجديد الذي يشمل الجيل زد وجيل الألفية الذي ولد قبله بعشر سنوات. لدى هذا الجيل حساسية من قضايا قد لا نستطيع تخيلها إذا كنا من جيل آخر، أو نعيش في بلدان أخرى. وخذوا مثلاً السبب الجديد الذي أفزع الشباب الأميركي وجعله يبحث عن الهجرة في الأشهر الأخيرة؛ إنه صدور قرار من المحكمة العليا بإلغاء القانون الذي كان يشرع الإجهاض منذ عام 1973. بعد هذا القرار، بدأ جيل الشباب يشعر بالرعب من العيش في هذه البلد التي يتهمونها بالتدخل في جسد المرأة. ربما تستغربون ولكن انظروا إلى ما يحصل؛ نشرت إحدى الشركات البريطانية التي تساعد الأشخاص على الانتقال إلى بلدان مختلفة، عن زيادة عدد زوار الموقع من الولايات المتحدة بنسبة 193%؛ معظمهم نساء من جيل الألفية، بعد أن ألغت المحكمة العليا الحق الدستوري بالإجهاض في أواخر يونيو/حزيران. بدأت الصحافة الأميركية تستجيب لبحث الناس عن الهجرة بعد هذا القرار، وقد نشرت فورتشن العالمية التي تصدر من الولايات المتحدة الأميركية عدة تقارير تتابع هذه الظاهرة ومنها (قائمة أفضل 10 دول للمغتربين)؛ حيث نصحت بناءً على تقارير وتصنيفات عالمية لأفضل الأماكن للهجرة، بالتوجه إلى عشر دول من بينها الإمارات العربية المتحدة. كما نشر تقرير آخر في فورتشن، نصائح للراغبين بالهجرة من الولايات المتحدة والباحثين عن الإقامة الذهبية بالتوجه إلى اليونان أو البرتغال أو إسبانيا.

ليس هذا فقط؛ بل إن الهجرة العكسية من بلدان الحلم إلى بلدان تطرح نفسها عبر خيارات أفضل، بدأ يشمل دولاً أخرى مثل معقل الصناعة الأوروبية، وأقصد بذلك ألمانيا؛ إذ بدأت ألمانيا تشهد هجرة للأعمال وبعض أصحاب المهارات إلى دول أخرى، بعدما وجدت الشركات الألمانية العريقة خياراتها شبه مستحيلة في البقاء ضمن بلد ارتفعت تكاليف الصناعة فيها بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي الوقت ذاته لم تستطع الحكومة اتخاذ إجراءات ملائمة لخفض تكاليف الطاقة وتوفيرها بما يكفي. هذا بالإضافة إلى النقص الحاد في العمالة الماهرة؛ والذي يرجع لقلة عدد الشباب في هذه البلد العجوز. وفي الوقت ذاته فإن الشباب في هذه البلد لديهم أسباب لا تختلف عن أسباب الجيل زد الأميركي الذي يعيش أزمة توازن بين الحياة الشخصية والعمل، ويبحث بسبب ذلك عن أماكن عمل أفضل داخل وخارج ألمانيا.

ما يحصل في العالم من تغيير مناخي وحروب وتحالفات وتشريعات ملائمة وغير ملائمة وبيئات عمل جذابة وأخرى طاردة للمهارات، سيغير خارطة العالم في الهجرة للسنوات القادمة. وهذه فرصة لدول تسعى لتكييف ظروفها لتصبح الأكثر جذباً واستقراراً للشركات وأصحاب المواهب. ولعلكم تلاحظون تكرر اسم البرتغال في صمت، وتكرر اسم سنغافورة والإمارات العربية المتحدة دوماً ضمن خيارات الشركات وأصحاب المهارات. وما تحتاجه دول المنطقة هو أن تنظر بشكل جدّي لهذا التغيير الذي يحدث في العالم، لتكون لها حصة من الاستثمارات والمهارات الباحثة عن ملاذ آمن ومثمر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي