لطالما أثبت الموظفون أنهم مصدر قيّم جداً للأفكار المبتكرة. وهذا هو السبب الذي يدفع الشركات إلى اختبار المبادرات الخاصة بتجميع الأفكار الكثيرة من عدد كبير من الناس عن طريق الإنترنت (وهي ظاهرة تُسمى باللغة الإنجليزية (crowdsourcing)، وغير ذلك من الطرق لتشجيع الناس على الابتكار. ولطالما كان تقديم الحوافز المالية واحداً من الأمور المتبعة للحصول على هذا النوع من الأفكار. إلا أنّ نتائج الأبحاث التي تحاول معرفة ما إذا كان تقديم المكافآت يقود فعلياً إلى المزيد من الابتكار متفاوتة. من جهة، يمكن للمكافآت أن تحفز الموظفين على طرح الأفكار، لكن من جهة أخرى، هذه المكافآت تتسبب بحصول طوفان من الأفكار التي لا يمكن ترجمتها عملياً على إجراءات ملموسة على أرض الواقع.
قررت إحدى شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات الآسيوية الكبيرة إجراء تجربة لترى إذا كانت المكافآت قادرة فعلياً على تحسين أفكار الموظفين وتشجيعهم على طرحها. وكان الموظفون قادرين أصلاً على تقديم الاقتراحات عبر نظام داخلي، لكن الشركة أرادت أن تختبر لترى ما إذا كانت المكافآت ستقود إلى أفكار أفضل. ودُرست نتائج التجربة في استبيان للنقاش صدر عن مركز الأبحاث الاقتصادي الأوروبي. ووجد المؤلفون مايكل جيبس، وسوزان نيكرمان، وكريستوف سيمروث أنه عندما كانت المكافآت المالية مطروحة على الطاولة، قدّم عدد أكبر من الناس إسهاماته، ولكن وسطياً كل شخص قدّم عدداً أقل، ولكن أفضل، من الأفكار.
خرج المشروع إلى حيز الوجود عندما علم جيبس أنّ أحد طلابه السابقين في جامعة شيكاغو كان مسؤولاً عن مبادرات خلق القيمة في الشركة، وأنّ نظامها الداخلي (المعروف باسم صفحة الإنترنت الداخلية الخاصة بالأفكار) كان بمثابة مجموعة كاملة تشمل كل أفكار الموظفين. وسأل إن كان بوسعه الاستفادة منها في إجراء أبحاثه عليها.
وزعت الشركة 139 فريقاً (11,400 موظف) وبشكل عشوائي على مجموعتين: المجموعة المشاركة في التجربة ومجموعة الضبط والمقارنة. المجموعة المشاركة في التجربة كانت ستتلقى المكافآت مقابل الأفكار التي ستقبل وتنفّذ. واتخذت هذه المكافآت شكل نقاط يمكن استعمالها أثناء الشراء من متجر موجود على شبكة الإنترنت (وكان برنامج النقاط أصلاً يكافئ الموظفين على أشياء مثل الأداء الجيد، واستكمال المشاريع، ومرور الذكرى السنوية على التحاق الموظف بوظيفته). وإذا ما كانت الفكرة تُقبل، فإنّ كل عضو في الفريق الذي قدّمها يحصل على 2,000 نقطة، والتي كانت تساوي 2.5% تقريباً من الراتب الشهري للموظفين ذوي المراتب الوظيفية الدنيا بعد حسم الضريبة. وكان بوسع الموظفين كسب المزيد لو أن الزبون أعطى تقويماً جيداً للفكرة.
لم يكن أحد يعلم بالتجربة سوى مدراء الإدارة العليا ومن يديرون برنامج المكافآت، الذي استمر مدة 13 شهراً. وباستثناء الحوافز، لم يكن هناك أي تغيير في العملية: فالموظفون كانوا يتقدمون بالأفكار من خلال صفحة داخلية للشركة على الإنترنت، بينما كان أحد المشرفين يراجعها، لتقرر لاحقاً لجنة من الإدارة العليا أي من الأفكار ستطرح على الزبائن. والأفكار المقبولة من الزبائن كانت تُنفذ، ويجري تتبع نتائجها.
كانت الشركة تأمل أن يسهم تقديم المكافآت مقابل الأفكار المقبولة في جعل الموظفين يركّزون على الأفكار التي ستفيد الزبائن مباشرة عوضاً عن الأفكار التي كانت تحسن العمليات الداخلية، وأن يلجأ الناس إلى تقديم الأفكار عبر الموقع الداخلي للشركة على الإنترنت عوضاً عن محاولة تنفيذ الأفكار بمفردهم.
ومن خلال تحليل المؤلفين لبيانات هذه الصفحة الداخلية الخاصة بالأفكار قبل التجربة، وخلالها وبعدها، وجدوا أنه عندما طُرحت فكرة تقديم المكافآت، شارك عدد أكبر من الناس، لكن عدد الأفكار التي قدمها الشخص الواحد كان أقل، بينما كانت هذه الأفكار ذات جودة أكبر، ما يعني احتمالاً أكبر لطرحها على الزبون، أو تنفيذها، أو أنّ احتمال تقديمها لربحية عالية كان مرتفعاً، وذلك بالمقارنة مع الأشخاص الذين لم تُقدّم لهم مكافآت. لقد كان الموظفون وعلى جميع المستويات قادرين على تقديم أفكار جديدة قيّمة. أما تقديم المال مقابل الأفكار المقبولة فيبدو أنه جعل الناس يركّزون على طرح أفكار أفضل.
الخلاصة الأساسية التي يمكن للمرء أن يأخذها من هذه التجربة هي أنّ المكافآت المالية يمكن أن تدفع الموظفين إلى الابتكار، ويمكن أن تعزز ثقافة تقوم على قدر أكبر من الابتكار. ولكنكم إذا رغبتم في أفكار يمكن أن تحقق قيمة فعلية لشركتكم، وإذا كنتم لا تريدون أن تغرقوا في بحر من الأفكار العادية والمتواضعة، حاولوا صياغة المكافآت بطريقة تجعل الموظفين يعلمون ما الذي يجب أن يبحثوا عنه. أما بالنسبة للشركة التي أجريت التجربة عليها، فإنّ المؤلفين قالوا أنّ هذه الشركة وبعد قراءة تحليل النتائج قررت إطلاق برنامج الحوافز ليشمل المؤسسة بأكملها.