ملخص: كيف تضمن أن تحقق النجاح المهني الذي ترغب فيه؟ تقترح المؤلفة أن تطرح على نفسك 5 أسئلة: 1) ما مدى الرضا الذي أشعر به؟ 2) ما هي الطريقة التي أتبعها للتعلم والنمو؟ 3) هل أسير في الاتجاه الصحيح؟ 4) ما هي البذور التي يجب أن أغرسها الآن؟ 5) ما هي العلاقات التي يجب عليّ بناؤها؟ سيساعدك طرح هذه الأسئلة والتفكير فيها على اتباع نهج مدروس لإدارة مسارك المهني وستمدك بالمعلومات اللازمة للتخطيط و"تحديد مسارك المهني" وخطواتك على مدى العام المقبل.
يتمثل مفهوم "الإدارة الرشيدة للمسار المهني" في العمل على نحو هادف واستباقي للسيطرة على مسارك المهني، وقد تبنيت هذا المفهوم مع زملائي في شركة تطوير القدرات القيادية التي شاركت في تأسيسها "نيكست ستيب بارتنرز" (Next Step Partners)، من خلال عملنا مع آلاف المسؤولين التنفيذيين على مدى العقدين الماضيين.
كي تبدأ بتولي زمام السيطرة على مسارك المهني، نوصيك أولاً بأخذ بعض الوقت والتفكير، وستساعدك الإجابة عن الأسئلة الخمسة التالية (وأسئلة المتابعة ذات الصلة) في الحصول على المعلومات اللازمة للتخطيط وتحديد مسارك المهني وخطواتك على مدى العام المقبل. على الرغم من أن هذا المقال مخصص للسياق المهني، فمن الممكن تطبيق هذه الأسئلة على حياتك الشخصية أيضاً.
ما مدى الرضا الذي أشعر به؟
إلى أي درجة ترى أن عملك هادف وذو مغزى؟ القيم هي ما يهمّك وسرّ شعورك بالرضا وهي تمثل حقيقتك، ومنها العمل التعاوني والتأثير والإنصاف والاستقلالية والمغامرة والتقدير والإبداع والأمان، ويؤدي التعبير عنها في العمل إلى تحسين درجة الرضا والأداء.
لا تتغير قيمنا الجوهرية مع مرور الوقت، بل تتغير أهميتها النسبية وطرق تعبيرنا عنها. مثلاً، قالت لي إحدى زميلاتي إن الأمان المالي لم يكن ذا أهمية بالنسبة لها إلى أن رزقت بأطفالها، فانتقلت هذه القيمة إلى مكان قريب من رأس القائمة. وأنا لدي قيمة المغامرة، عندما كنت في سن المراهقة عبرت عن هذه القيمة بأنشطة مثل تسلق الصخور والمنحدرات، لكني اليوم وقد بلغت منتصف العمر أصبحت أعبر عنها بالسفر إلى دول أخرى وإدارة شركة عالمية.
ما إن تحدد أهم قيمك اطرح على نفسك السؤال التالي لكل قيمة على حدة: "ما درجة قدرتي على التعبير عن هذه القيمة في وظيفتي على مقياس 1- 10، حيث 10 هي الدرجة المثالية؟"، مثلاً، إذا منحت قيمة الإبداع 7 درجات، فاسأل نفسك: "لماذا 7 درجات؟" ثم: "ما الذي سيجعلها 8 أو 9؟" سيدفعك ذلك إلى خوض نقاش مع مديرك بهدف التوصل إلى طرق للتعبير عن هذه القيم أكثر في العمل أو الاعتماد عليها في تحديد المشاريع والأدوار التي تسعى للقيام بها في مؤسستك أو في مؤسسة أخرى.
ما هي الطريقة التي أتبعها للتعلم والنمو؟
التعلم بحد ذاته قادر على منحك شعوراً فورياً بالإنجاز. إلى أي درجة تعمل على بناء كفاءات أو خبرات في مجالك أو وظيفتك؟ لا ندرك غالباً مقدار ما تعلمناه إلى أن نضطر إلى تعليم شخص آخر طرق العمل في الوظيفة. ما هي المعارف أو المهارات أو السمات التي اكتسبتها في العام الماضي؟ ربما اكتسبت مزيداً من المعارف حول عملية التعاقد الحكومية، أو حسّنت مهاراتك في إلقاء العروض التقديمية، أو تعلمت طرقاً لزيادة قدرتك على الصبر أكثر.
ما هي الكفاءات التي ترغب في تطويرها أكثر في العام المقبل؟ ما هي الأمور التي ترغب في استثمار مواردك (أو موارد مؤسستك) فيها، سواء كانت وقتاً أو جهداً أو مالاً؟ يمكن أن يأخذ التعلم عدة أشكال منها حضور المؤتمرات والتسجيل في دورات تعليمية وقراءة كتاب ومراقبة الآخرين ولقاء الموجهين وتولي مهام إنمائية وإجراء تجارب بعقليات وسلوكات جديدة، والتفكير في التحديات التي واجهتها والتقدم الذي أحرزته. ما هي الإجراءات التي ستأخذها في العام المقبل لدعم التعلم والنمو اللذين ترغب فيهما؟
هل أسير في الاتجاه الصحيح؟
من يوم إلى آخر ومن عام إلى آخر، قد يصعب التأكد من سيرك في الاتجاه الصحيح من دون النظر باستمرار إلى الصورة الأكبر وتقييم المكان الذي وصلت إليه. عملت مع أعداد كبيرة من العملاء الذين قالوا لي ما معناه: "لم أضطر قطّ للبحث عن الفرص، فقد كانت ترتمي في دربي دائماً أو تأتي إلي من تلقاء نفسها". صحيح أنه من اللطيف أن تتعثر بالفرص، وقد يشعرك تعيينك في أدوار معينة بالإطراء أو قد يبدو لك مغرياً، لكن ذلك سيشوش على حكمك ويؤدي إلى اتباعك مساراً مهنياً اعتباطياً غير مدروس. كما قال كثير من الأشخاص الذين تحدثوا عن تجربة مشابهة (بعد أكثر من 20 عاماً من مسيرتهم المهنية غالباً): "لا أعرف كيف وصلت إلى هنا، كل ما أفعله هو قبول الوظيفة المتاحة التالية. لست واثقاً من أن هذا المكان هو الذي أرغب فيه".
لا ضير من اغتنام الفرصة عندما يعترض مشروع أو عمل جيد طريقك، لكن التعامل على نحو تفاعلي بدرجة كبيرة أو التسليم الأعمى للإطراء سيؤدي إلى انحراف مسارك. على الرغم من أن الجميع يكرهون السؤال: "أين تود أن تكون بعد 10 أعوام؟"، فأخذ بعض الوقت للتفكير والتوصل إلى الصورة الأكبر أو الاتجاه الأشمل قادر على مساعدتك في البحث عن فرص جديدة تسعى لها بصورة استباقية بدلاً من التفاعل مع المتاح فحسب. قد تسأل نفسك: "ما الذي أريد تحقيقه في حياة العمل بعد 3-5 أعوام؟" وهي فترة زمنية قابلة للإدارة بدرجة أكبر، ثم أتح لنفسك مساحة للتفكير. ربما ترغب في الحصول على مزيد من الاستقلالية (أو حتى أن تعمل لحسابك الخاص)، أو أن تعتبر خبيراً في مجالك أو أن تتولى مسؤوليات دولية، أو كل ما سبق في آن معاً. ستزودك هذه الرؤية على مدى 3-5 أعوام بالمعلومات اللازمة عن الخبرات التي يتعين عليك اكتسابها من أجل تحقيقها.
ما هي البذور التي يجب أن أغرسها الآن؟
سواء كان نجاحك المهني هو تحقيق رؤية على مدى 3-5 أعوام أو أكثر، فهو ينتج غالباً عن الآثار التراكمية لإجراءات صغيرة منتظمة، أو ما أسميه "غرس البذور". قد تنبت البذرة التي تغرسها اليوم في غضون شهرين أو عامين أو 10 أعوام، وتحتاج عادة إلى غرس بذور كثيرة. يمكنك أيضاً التفكير في الأمر على أنه يستغرق 20% من وقتك خارج وظيفتك الدائمة، تماماً كما شجعت شركة "جوجل" موظفيها على استكشاف أشياء جديدة وتجربتها.
قبل عدة أعوام من عملي في مدينة باريس لاكتساب خبرة دولية (الأمر الذي لطالما رغبت فيه)، سجلت في دورات تعليمية للغة الفرنسية في أيام عطلة نهاية الأسبوع، واستعنت بمدرس خاص للغة وترجمت ملف سيرتي الذاتية إليها وأجريت بحثاً عن الشركات التي تجري عمليات في فرنسا، إلى جانب أنشطة أخرى. كانت هذه الإجراءات وغيرها هي البذور التي زرعتها، وجنيت ثمارها لاحقاً على شكل وظيفة في بلاد ما وراء البحار.
قالت دوري كلارك مؤلفة كتاب "اللعبة الطويلة: كيف تكون مفكراً طويل المدى في عالم قصير المدى؟" (The Long Game: How to Be a Long-Term Thinker in a Short-Term World): "نقلل غالباً من تقدير أثر الخطوات الصغيرة المستمرة على حياتنا المهنية، تتمثل ميزتك التنافسية في حقيقة أن كثيراً من الناس لا يرغبون في الالتزام بشيء لا يعود بنتيجة مؤكدة، لأنك ستعزز احتمالات النجاح إذا كنت عازماً على القيام بالعمل من دون أن يكون النجاح مضموناً؛ إذ تضع نفسك ضمن فئة أصغر كثيراً من الأفراد المتنافسين، ومع مرور الوقت سيتجمع الجهد الذي تبذله في هذا العمل". هذا تحديداً ما أوصلني إلى وظيفتي في باريس. لطالما سألني أقراني الأميركيون بشيء من الحسد: "كيف تمكنت من الحصول على عمل في مدينة باريس؟" كان الجواب المختصر هو أني طلبته، والجواب الأطول هو أني اتخذت خطواتي الصغيرة على مدى عدة أعوام وأوصلتني إلى هناك.
ما هي العلاقات التي يجب عليّ بناؤها؟
العلاقات عامل أساسي في النجاح المهني، فلن تتمكن من النجاح بمفردك مهما كان نوع هذا النجاح. بالنظر لأهدافك على المدى المنظور والمتوسط والبعيد، من هم الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك على تحقيقها؟ قد تعرف بعضهم بالفعل، وربما لم تلتق ببعضهم الآخر بعد. من السهل أن تهمل علاقاتك عندما تكون مستغرقاً في العمل، لذلك خذ بعض الوقت للابتعاد عن العمل والتفكير في شبكة علاقاتك عن طريق رسم خريطة تقريبية لها تحدد الأشخاص الذين تعرفهم بدرجات متفاوتة (لا بأس في إدراجهم على نحو عشوائي) وترتيبهم وفقاً لقوة علاقتك بكل منهم. اكتب اسمك في منتصف ورقة بيضاء ودوّن أسماء الأشخاص الذين تربطك بهم علاقات قوية في الدائرة الأقرب إلى اسمك تليها دائرة العلاقات الأضعف فالأضعف.
ثم اسأل نفسك: "أي العلاقات أبالغ في الاستثمار فيها؟ وأي العلاقات أستثمر فيها أقل مما يجب؟". إذا كنت مهندساً في قطاع التكنولوجيا مثلاً وتقتصر شبكة علاقاتك على المهندسين الآخرين، ولكنك ترغب في الانتقال من قطاع التكنولوجيا إلى قطاع التعليم، فمن الذين يجب أن تتعرف عليهم أو تستعيد علاقتك القديمة بهم من أجل القيام بهذه النقلة؟ وكذلك الأمر إذا كنت مهنياً من المستوى المتوسط في قسم الشؤون المالية وترغب في أن تصل إلى منصب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية، ولكن شبكة علاقاتك لا تضم الكثير من كبار المسؤولين التنفيذيين، فهذا يدلك على الموضع الذي يجب أن توجه تركيزك عليه في بناء شبكة علاقاتك؛ يجب أن تبني علاقات مع مجموعة متنوعة من الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية (في القطاعين العام والخاص) وغيرهم من كبار القادة. إذن، ما هي العلاقات التي ترغب في بنائها والحفاظ عليها والاستفادة منها من أجل تسهيل تحقيق أهدافك؟
نعرف جميعنا أن المسار المهني ليس مساراً خطياً، وهو يتطور ويتكشف على مدى أعوام بل عقود من الزمن. وسيساعدك طرح الأسئلة الموضحة أعلاه على نفسك في تحديد مسارك المهني والانتقال من التحرك التلقائي إلى التحكم برحلتك على نحو مدروس أكثر وضمان أن تحقق النجاح الذي ترغب فيه.