ملخص: أصبح استخدام نهج الشركات الناشئة الرشيقة "لين ستارت أب" المتبع في تطوير منتجات أو شركات جديدة شائعاً بين الشركات الكبيرة والصغيرة. لكن هل هذا النهج ناجح؟ توصلت دراسة موسعة إلى أنه كذلك، لكنه لا يحقق النجاح بنفس الدرجة في جميع الحالات. وعلى الرغم من أن الفرق التي تضم أفراداً يحملون مؤهلات علمية متنوعة تتمتع بفاعلية أكبر، فإن إضافة أفراد حاصلين على شهادة ماجستير إدارة الأعمال كان له آثاراً سلبية وإيجابية على حدّ سواء. يقترح هذا المقال طريقة للاستفادة من هذه النتائج لإنشاء فرق تتمتع بفاعلية أكبر.
في عالم ريادة الأعمال، انتشر استخدام نهج العمل المسمى "لين ستارت أب" (Lean Startup) المتبع في الشركات الناشئة الرشيقة كالنار في الهشيم، حتى أن الشركات الراسخة مثل "دروب بوكس" و"سلاك" و"جنرال إلكتريك" تبنته بوصفه طريقة لاختبار أفكار إنشاء منتجات أو شركات جديدة وصقلها بسرعة. لكن هل نهج "لين ستارت أب" ناجح كما يُعتقد؟
نشرنا في مقال جديد في مجلة "الريادة الاستراتيجية" (Strategic Entrepreneurship) البحث الأول القائم على اختبار المكونات الرئيسية لنهج "لين ستارت أب" بالتجربة. إذ استخدمنا بيانات من برنامج الشركات الابتكارية (I-Corps program) التابع لمؤسسة العلوم الوطنية (National Science Foundation) الذي يتبع نهج "لين ستارت أب" في مساعدة العلماء والمهندسين الأكاديميين+ في تسويق الابتكارات التكنولوجية التي طوروها، وتوصلنا إلى أن النهج يحقق النجاح الذي يعد به بنسبة كبيرة. فهو يدفع الفرق لاستكشاف الفرضيات والتوافق على الأفكار، كما أن الفرق التي التزمت أكثر بهذا النهج حققت نجاحاً تشغيلياً أكبر (أي أنها أسست شركة وعينت عدداً أكبر من الموظفين) في الفترة التي أعقبت برنامج الشركات الابتكارية والتي استمرت 18 شهراً.
لكن يجب الانتباه إلى نقطة مهمة، فنجاح النهج ليس متساوياً لدى الجميع. وعلى الرغم من أن الفرق التي تتنوع المؤهلات العلمية لأفرادها (ما بين مهندسين وأطباء وغير ذلك) تتبع بطبيعتها أسلوب إجراء الاختبارات والتعلم من خلال العمل، فإن إضافة أفراد يحملون شهادة في الأعمال إلى الفريق كانت له أثار إيجابية وسلبية على حدّ سواء. إذ لاحظنا أن حاملي شهادة ماجستير إدارة الأعمال يقاومون النهج في البداية، وذلك على الأرجح بسبب تركيزهم في تدريبهم على التعلم من خلال التفكير. ومع ذلك، فإن الفرق التي كانت تضم أفراداً يحملون شهادة ماجستير إدارة الأعمال التي بدأت باستخدام مكونات النهج (وتحديداً المقابلات مع العملاء) كانت قدرتها على تحسين أفكار الأعمال في الفريق أفضل مقارنة بالفرق التي لا تضم أفراداً يحملون شهادة ماجستير إدارة الأعمال. وهذا يشير إلى فوائد غير متوقعة لحثّ حاملي شهادة ماجستير إدارة الأعمال على تبني نهج "لين ستارت أب" في المقام الأول. وبناء على بحثنا، تمكنا أيضاً من تطوير اقتراحات مستندة إلى الأدلة فيما يخص تغلب المبتكرين على قيود النهج وتحقيق أقصى استفادة منه.
لكن أولاً نود توضيح معلومة أولية سريعة، تم ابتكار نهج "لين ستارت أب" في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة. وميزاته الأساسية هي صياغة الفرضيات بشأن جوانب الأعمال المختلفة و"الخروج من مبنى الشركة" للتحقق من كل فرضية عن طريق إجراء مقابلات مع العملاء والزبائن المحتملين وتزويدهم بنماذج أولية قابلة للاختبار بسرعة. وباتباع هذا النهج، يمكن للشركات تفادي تخصيص الوقت والطاقة لأفكار لن تنجح على أرض الواقع، ووضع خطة عمل قابلة للتنفيذ عوضاً عن ذلك.
اختبار نهج "لين ستارت أب"
أجرينا تحليلنا بواسطة بيانات ما وراء الكواليس من 381 مشاركاً في برنامج الشركات الابتكارية يشكلون 152 فريقاً من 16 مجموعة مختلفة في البرنامج. واشتملت هذه البيانات على بيانات عن السير الذاتية والتركيبات السكانية في الفرق، مثل المؤهلات العلمية لأفرادها. كما تتبعنا الفرضيات والمقابلات والقرارات المتعلقة بفكرة العمل التي أجراها كل فريق في كل أسبوع. إلى جانب أننا تتبعنا إحدى المجموعات بتعمق أكبر وقمنا باستطلاع آراء جميع الفرق بصورة أسبوعية، كما تحققنا من أدائها بعد مغادرة البرنامج.
سمحت لنا هذه البيانات قياس الأبعاد الرئيسية من نهج "لين ستارت أب" أسبوعاً تلو الآخر: صياغة الفرضيات (عدد الافتراضات الجديدة التي طورتها الفرق بشأن نموذج العمل)، والتحقق من الفرضية (عدد المقابلات التي أجرتها الفرق بشأن هذه الافتراضات)، والتوافق على الأفكار (عدد العناصر التي أضافتها الفرق إلى نماذج العمل بعد التحقق من فاعليتها أو التي أزالتها بعد التحقق من انعدام فاعليتها).
تظهر بياناتنا أن نهج "لين ستارت أب" يحقق ما يعد بتحقيقه. ولاحظنا علاقة ترابطية إيجابية بين المقابلات التي أجرتها الفرق مع العملاء المحتملين في أسبوع معين والتوافق على فكرة محددة في الأسبوع التالي. بعبارة أخرى، كلما أجرت الفرق مقابلات أكثر ازدادت سرعتها في تحديد ما إذا كانت فكرة الأعمال تستحق التنفيذ أم لا، وهو أمر يفترض مناصرو النهج صحته ولكنه لم يثبت بصورة مؤكدة حتى الآن. ببساطة، من المجدي أن تخرج من مبنى الشركة وتطلب رأي عملائك بفكرتك.
أضف إلى ذلك أن التحدث مع العملاء يبدو قادراً على إنشاء حلقة آراء وتقييمات مفيدة، فمع إجراء المقابلات حصلت الفرق على أفكار جديدة تحولت إلى فرضيات جديدة. وقد يكون هذا مفاجئاً للمبتكرين الذين طالما قيل لهم إن العملاء لا يقدمون أي أفكار جديدة، لكن تبين أن ذلك غير صحيح.
أحد الانتقادات الشائعة لنهج "لين ستارت أب" هو أن حلقة الآراء والتقييمات لا تتوقف إطلاقاً. وبوصفك مبتكراً قد تستنفد وقتك ومواردك على اختبار الفرضيات بدلاً من تأسيس شركة. لكن بياناتنا لا تؤيد هذا الانتقاد، بل لاحظنا علاقة ترابطية سلبية بين توافق الفريق على الأفكار في أسبوع معين وصياغة الفرضية في الأسبوع التالي. بعبارة أخرى، يحتوي النهج على آلية توقف طبيعية، وتمكنت الفرق تدريجياً من البتّ في الأسئلة المفتوحة حول أفكار العمل التي اقترحتها.
لماذا تتمتع تشكيلة الفرق بالأهمية؟
تعتمد جميع الآثار المفيدة النهائية لنهج "لين ستارت أب" على حثّ الفرق على اقتراح الفرضيات والتحقق منها في المقام الأول. وهنا لاحظنا الاختلاف الكبير في مصير الفرق التي تضم أفراداً بمؤهلات علمية مختلفة. فالفرق التي تضم فرداً واحداً على الأقل يحمل شهادة ماجستير إدارة الأعمال واجهت صعوبة أكبر من غيرها، وبالنتيجة كانت فرضياتها أقل وتوافقها على أفكار الأعمال أبطأ.
لماذا تعاني الفرق التي تضم أفراداً يحملون شهادة ماجستير إدارة الأعمال من الصعوبات؟ على الرغم من أن دراستنا لم تحقق مباشرة في أسباب الصعوبات التي تتسبب بها شهادة ماجستير إدارة الأعمال، فبيانات المقابلات التي أجريناها تشير إلى سبب محتمل. تركز مناهج كليات الأعمال التقليدية على التعلم من خلال التفكير بدلاً من التعلم من خلال العمل، خذ تحليل دراسات الحالة مثلاً. وبالنتيجة، قد تعتقد الفرق التي تضم أفراداً يحملون شهادة ماجستير إدارة الأعمال أنه بإمكانها التحقق من صحة نموذج العمل من خلال التفكير فيه وبالتالي لا ضرورة لوضع الفرضيات. كما نشك في أن من يحمل شهادة ماجستير إدارة الأعمال قد يتردد في وضع الفرضية والتحقق منها لأنه يعتبر نفسه خبيراً في الأعمال يعرف أكثر مما يعرفه العملاء.
لكن ليس كل ما يتعلق بحاملي شهادة ماجستير إدارة الأعمال سيئاً، فمن المثير للاهتمام أن فرقهم استفادت من انخراطهم في العملية القائمة على نهج "لين ستارت أب". في الحقيقة، كانت أعمال التحقق التي تجريها هذه الفرق تولد أفكاراً جديدة وتوافقاً على الأفكار أكثر من التي أجرتها الفرق التي لا يحمل أي من أفرادها شهادة ماجستير إدارة الأعمال، وهذا يشير إلى أن حاملي هذه الشهادة يجيدون تفسير نتائج المقابلات مع العملاء. كما كانت الفرق التي تضم أفراداً يحملون شهادة ماجستير إدارة الأعمال أكثر ميلاً لإجراء تغييرات كبيرة في نماذج العمل نتيجة لعمليات التحقق من صحة الفرضيات. بعبارة أخرى، على الرغم من أن حاملي شهادة ماجستير إدارة الأعمال واجهوا صعوبة في تبني نهج "لين ستارت أب" بادئ الأمر، فهم قادرون على استخلاص معلومات كثيرة منها.
كيف تحقق أقصى استفادة ممكنة من نهج "لين ستارت أب"؟
ماذا يعني كل ما قلناه بالنسبة للمبتكرين الطموحين الذين يفكرون باتباع نهج "لين ستارت أب"؟ فيما يلي 3 طرق لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منه:
عند تطوير الفرضيات ركز على الجودة لا الكمية
كانت إحدى أهم نتائجنا المفاجئة هي أن الفرق التي طورت عدداً كبيراً من الفرضيات لم تتحقق إلا من بعضها. (الفرق التي تتمتع بتنوع علمي مستثناة من هذا النمط). وعلى الرغم من أن بياناتنا لا توضح السبب بصورة مباشرة، نعتقد أنه يعود إلى أن التحقق من صحة عدد قليل من الافتراضات الواضحة المدروسة أسهل منه لعدد أكبر من الفرضيات الغامضة المتسرعة. ومن أجل تحقيق منافع التحقق من الفرضيات يجب على الفرق التي تتبع نهج "لين ستارت أب" أن تركز على تطوير عدد أصغر من الفرضيات التي يرغبون في اختبارها فعلاً.
إذا كنت تحمل شهادة ماجستير إدارة الأعمال فتهيأ للاعتراف بأخطائك والاعتذار بتواضع
ليس بالضرورة أن يكون نهج "لين ستارت أب" ملائماً لحاملي شهادة ماجستير إدارة الأعمال بصورة طبيعية، لكنهم يحققون نجاحاً كبيراً باتباعه. لذا، إذا كنت خريج إحدى كليات الأعمال فتهيأ لبعض المواقف المزعجة في البداية، لكن كن واثقاً من أن مهاراتك ستدعمك عندما يحين وقت تحليل نتائج عملية التحقق من الفرضيات.
تقبل التنوع
كان النجاح الذي حققته الفرق التي تضم أفراداً يحملون مؤهلات علمية متنوعة مذهلاً. فالفرق المتجانسة (كالتي تضم أفراداً من المهندسين فقط أو من حاملي شهادة ماجستير إدارة الأعمال مثلاً) قد تبالغ في تفاؤلها بشأن أفكارها الأولية ولا ترغب كثيراً في التحقق منها، وهذا على الأرجح لأن مجموعة الأفراد الذين يتمتعون بمؤهلات علمية متماثلة يتأثرون بالتفكير الجماعي بدرجة أكبر. لكن الفرق التي تضم أفراداً بمؤهلات علمية متنوعة لا تعاني من هذه المشكلة، إذ يكون أفرادها أقلّ عرضة للتأثر بالتفكير الجماعي وتكون ارتباطاتهم بمعتقداتهم الأولية أضعف، وهذا على الأرجح يزيد من رغبتهم في تقبّل الطبيعة التجريبية لنهج "لين ستارت أب" والتحقق من افتراضاتهم. على الرغم من أن بياناتنا كانت تركز إجمالاً على التنوع في المؤهلات العلمية، فنحن نعتقد أن التنوع على اختلاف أنواعه سيولد بنفس الطريقة آثاراً إيجابية تعزز الإجماع وتشجع الفرق على التحقق مما يعتقدون أنهم يعرفونه.
لذا، إذا كانت فرق الابتكار في شركتك مؤلفة في غالبيتها من أشخاص بمؤهلات علمية متماثلة فيجدر بك توسيعها، وإذا كان فريقك يضم شخصاً يحمل شهادة ماجستير إدارة الأعمال، فاعلم أنك ستحتاج إلى بذل بعض الجهد لإقناعه بتطوير الفرضيات والتحقق منها، لكنك أيضاً ستستفيد منه في النهاية.