ابتكار طريقتنا في الابتكار، وتحسين طريقتنا في التحسين، وتحليل طريقتنا في التحليل. قد تبدو هذه العبارات تلاعباً بالألفاظ في بيئة العمل، وهي كذلك، لكنها وسيلة فعّالة لشحذ التفكير وتحفيز التأمل الذاتي والاستكشاف المعرفي على مستوى المؤسسة. توجه هذه الممارسة التي تتلخص بالتفكير في طريقة العمل من منظور أعلى (going meta) اهتمام المدراء نحو معنى تطوير قدرات جديدة، وهو أمر بالغ الأهمية لأي شركة.
يشدد علماء النفس والباحثون التربويون على أن الإدراك فوق المعرفي (metacognition) -أي وعي المرء بعمليات التفكير التي يتبعها وفهمه لها- جزء لا يتجزأ من عملية التعلم المعزز واتخاذ قرارات أفضل. من خلال "التفكير في عملية التفكير" بفعالية نعزز قدراتنا المعرفية، وبالمثل فإن التفكير في الكفاءات والطموحات في الشركة ضمن السياق فوق المعرفي يشجع على التفكير الإبداعي في جوانبها الأساسية.
يوفر التفكير في طريقة العمل من منظور أعلى نهجاً بسيطاً وفعالاً للمؤسسات التي تسعى إلى تحديد جوهر التغيير القابل للقياس، وعندما نجعل الهدف الذي نسعى لتحقيقه جزءاً من وسيلة تحقيقه فسنجني فوائد جمّة.
إليكم مثالاً: في إحدى شركات الخدمات الاحترافية التي تطرح لوحات مؤشرات الأداء الرئيسية، حدث تقدم كبير عندما فكرت مجموعة تصميم مشتركة بين عدة أقسام مع فريق تكنولوجيا المعلومات في إنشاء لوحة متابعة رئيسية لإدارة لوحات متابعة مؤشرات الأداء الرئيسية. بدأ الأمر بمزحة حول "إدارة لوحات المتابعة" وتحول إلى نقاشات إبداعية حول تصميم "لوحات متابعة مركزية". كيف يمكن تجميع مؤشرات الأداء الرئيسية المتباينة لمختلف أقسام المؤسسة ودمجها بفعالية؟
أدى هذا المنظور الكلي إلى تغيير المهمة جذرياً، إذ أدى تصميم لوحات متابعة للوحات متابعة مؤشرات الأداء الرئيسية الأخرى إلى تغيير نظرة الفريق إلى فرصته في التأثير في الإدارة العليا، وفي المستخدمين الأفراد.
شهدتُ سلوكيات مماثلة في شركة هندسية عالمية عملاقة تنفذ مبادرة تطوير تحليلات تنبؤية جريئة. حدد علماء البيانات ونظراؤهم في مجال الأعمال أولاً الفرص التي من المرجح أن تحقق أكبر أثر وأفضل النتائج في غضون عام، ثم ناقشوا بعد ذلك التحليلات التنبؤية التي قد تثبت أنها الأكثر استراتيجية على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ولكن عندما فهم كل فريق قدرات الفريق الآخر وتطلعاته على نحو أفضل، بدأ أفراد الفرق يتساءلون عن قدرة التحليلات التنبؤية على توليد تحليلات تنبؤية أفضل. أدى استخدام التحليلات التنبؤية للتنبؤ بالتحليلات التنبؤية من الجيل التالي إلى خلق محادثات مختلفة تماماً وذات أهمية كبيرة، وكانت النتيجة خطة توجيهية مبتكرة للتحليلات التنبؤية لم يكن أحد يتوقعها.
ما السمة المشتركة؟ زادت المؤسسات جهود التأمل الذاتي لعملية التأمل الذاتي التي تجريها، وفكرت أكثر في الأثر الذي كانت تحاول إحداثه، وقد أضفى ذلك مستوى من الدقة الإبداعية. شجّع التفكير في طريقة العمل من منظور أعلى الموظفين على مضاعفة جهودهم للتأكد من فهمهم للنتائج المحددة بناءً على المهمة، ما بدا وكأنه حيلة لفظية مبتذلة اتضح أن له آثاراً تنظيمية عميقة.
إليكم مثالاً آخر، في بداية عمل آلان لافلي في منصب الرئيس التنفيذي لشركة المنتجات الاستهلاكية بروكتر آند غامبل، كان تعزيز الابتكار في الشركة العالمية العملاقة على رأس أولوياتها. لكن لافلي تجنب صراحةً دعوات شركته للاعتماد على نماذجها ومنهجياتها التقليدية من أجل ضمان نجاح الابتكار، إذ لم يعد استقراء ماضي شركة بروكتر آند غامبل العريق في الابتكار والاستمرار به إلى مستقبلها كافياً. وبناءً على ذلك طلب لافلي من شركته أن تصبح "أكثر ابتكاراً في عملية الابتكار".
بعبارة أخرى، طالب القيادة بابتكار نماذج أعمال تجارية وتقنية جديدة للابتكار. أصبحت مبادرات "التواصل والتطوير" التي أطلقتها الشركة وتركيزها على التفكير التصميمي جزءاً من عملية خلق القيمة في شركة بروكتر آند غامبل وجزءاً من ثقافتها؛ أدى نهج التفكير في طريقة العمل من منظور أعلى الذي اتبعه لافلي إلى تغيير خطاب الابتكار في الشركة تغييراً جوهرياً.
يتضمن نهج التفكير في عملية التفكير أهمية القياس، فما يحول "تحليل طريقتنا في التحليل" و"تحسين طريقتنا في التحسين" من شعارات أو مقولات إلى قواعد تصميم قابلة للتنفيذ هو القياس. هذا هو التحدي الكبير والفرصة الكبيرة. يتطلب جعل المقاييس فائقة التزاماً بالقياس، لا بالشعارات فحسب.