النهاية الوشيكة لإدارة سلاسل التوريد

4 دقائق

تُعدّ سلسلة التوريد قلب العمليات التي تقوم بها الشركة. ولذلك يحتاج المدراء الذين يريدون اتخاذ قرارات أفضل، إلى الوصول إلى بيانات سلسلة التوريد في الوقت الحقيقي، لكن القصور الذي يعتري التقنية القديمة التي تستخدمها الشركات تعرقل شفافية هذه العملية (سلسلة التوريد-المستهلك). مع ذلك، من المتوقع في أيامنا أن تُحلّ هذه المعضلة. وهكذا نشهد الآن التقنيات الرقمية الجديدة التي لديها القدرة على استبدال إدارة سلسلة التوريد كلياً، وهي تقوم بزعزعة الطرق التقليدية لعمل هذه السلاسل. وفي غضون فترة تتراوح من 5 إلى 10 سنوات، من الراجح أن تصبح وظيفة سلسلة التوريد أثراً بعد عين، حيث سيتم استبدالها بخدمة  ذاتية التنظيم، وتعمل بسلاسة وتتميز بالقدرة على الإدارة المثلى لسيرورات العمل في السلسلة (من الشركة-للمستهلك) ولا تتطلب إلا تدخلاً بشرياً ضئيلاً.

وباستخدام هذه المنصة الرقمية، تستطيع الشركات أن تلتقط وتحلل وتدمج وتصل بسهولة وتفسّر كمية بيانات عالية الجودة في الوقت الحقيقي، وهذه البيانات من شأنها تغذية أتمتة العمليات والتحليلات التنبؤية والذكاء الاصطناعي والروبوتات، وستأخذ هذه التقنيات قريباً مكان إدارة سلسلة التوريد.

وفي هذا الجانب، نجد أنّ الشركات الرائدة قد شرعت بالفعل في استكشاف هذه الإمكانيات. إذ استخدمت العديد من الشركات الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي لرقمنة وأتمتة المهام والعمليات الروتينية التي تتطلب عمالة كبيرة مثل عمليات الشراء، والفوترة ومحاسبة الموردين وبعض أجزاء خدمة العملاء. وتساعد التحليلات التنبؤية الشركات على تحسين توقع سوق الطلب، بحيث تتمكن الشركة من تقليص مخاطر تقلبات السوق أو تحسين إدارتها، وزيادة استخدام الأصول التي تملكها، وتوفير خدمة أو منتج أفضل للعملاء بسعر مناسب.

فيما تساعد بيانات المستشعرات التي ترصد استخدامات الآلات وتراقب أدائها بعض الشركات المصنعة على تحسين عملية توقع متى ستصاب آلاتهم بالعطب، وهكذا يتمكنون من تلافي الأمر وتقليل فترة التعطل إلى حدها الأدنى. من ناحية أخرى، بدأت تقنية البلوك تشين بعمل تغيّرات ثورية في كيفية تعاون الأطراف والجهات مع بعضها البعض من خلال إنشاء شبكات توريد مرنة. وتعمل الروبوتات، كما نعرف، على تحسين الإنتاجية ورفع هوامش الربح في مخازن محلات البيع بالتجزئة ومراكز الاستلام. وفي المستقبل القريب سنرى الطائرات من دون الطيار والمركبات ذاتية القيادة المتخصصة في توصيل الطرود والأغراض. وفي هذا السياق، تستكشف شركة ريو تينتو (Rio Tinto)، وهي شركة عالمية للتعدين، كيف يمكن للتقنيات الرقمية أن تؤتمت سلسلة عمليات الشركة من المنجم إلى الميناء. هكذا ستتمكن الشركة، من خلال استخدام القطارات ذاتية القيادة (من دون سائق) والروبوتات، والكاميرات وأجهزة الليزر ومستشعرات التتبع والرصد، من إدارة كامل سلسلة توريدها عن بعد، ما يرفع مستويات السلامة ويقلل الحاجة إلى العمال في الأماكن الخطرة والنائية.

وبهذا الصدد، يتمثل أحد المفاهيم الرئيسية التي تستكشفها هذه الشركات في "برج تحكم رقمي" وهو مركز افتراضي لاتخاذ القرارات يوفر معلومات مرئية وبيانات في الوقت الحقيقي لكافة نقاط سلسلة التوريد عبر أرجاء العالم. وبالنسبة لبضعة شركات رائدة في قطاع البيع بالتجزئة، أصبحت أبراج التحكم العصب الرئيسي لعملياتها التجارية. ويتكون "البرج" في العادة من غرفة حقيقية يشغلها فريق من خبراء تحليل البيانات يعملون طيلة الوقت، 24/7، حيث يراقبون جداراً كبيراً من الشاشات عالية الدقة. وتقدم هذه الشاشات معلومات في الوقت الحقيقي ورسوماً بيانية ثلاثية الأبعاد تمثل كل نقطة من نقاط سلسلة التوريد، من مرحلة الطلب إلى مرحلة التسليم. وتعرض هذه الشاشات أيضاً إنذارات بصرية تحذر من نقص مخزون أحد المستودعات أو احتمال تعطل بعض العمليات قبل أن تحدث، وهكذا تتمكن الفرق العاملة في الخط الأمامي من التصرف بسرعة قبل أن تصبح المشاكل المحتملة مشاكل حقيقية. وهكذا نجد أن "البيانات الفورية، والدقة البالغة، والتركيز المستمر الدائم على خدمة العملاء، والتميز في إنجاز المهام، والقيادة القائمة على التحليلات" هي العناصر الأساسية التي تكون عمليات برج التحكم لشركات البيع بالتجزئة.

وهذا ليس حكراً عليها فحسب، لأن الشركات الصناعية شرعت هي كذلك في تبني هذا المفهوم. تقوم إحدى الشبكات المعقدة لشركة مصنعة بنقل أكثر من مليون قطعة وعنصر يومياً. وهناك يقوم برج التحكم بالإبلاغ عن مشاكل السلسلة المحتملة حالما تظهر، ويحسب تأثيرات هذه المشكلة، ويقوم تلقائياً بتصحيحها إن استطاع باستخدام لائحة مهام معدة مسبقاً لحل تلك المشكلة أو يقوم بالإبلاغ عنها لفريق التصعيد إن لم يستطع حلها. وبالمثل، قامت إحدى شركات الفولاذ ببناء أداة مخصصة لتخطيط السيناريوهات في منصتها في برج التحكم، ما رفع من استجابة سلسلة توريدها ومرونتها. تقوم هذه الأداة بعمل سيناريوهات افتراضية عن كيفية تأثير أعطاب المعدات غير المتوقعة - والتي تسمى عادة "الضربات الكبيرة" - في العمل التجاري للشركة، كما تقوم بتحديد نقاط سلسلة التوريد التي ستتأثر بذلك، ما يمنح الشركة وقتاً لتخفيف المخاطر والتصرف بسرعة وفعالية.

إعادة تكوين المهارات والخبرات

يظهر الاتجاه السائد حالياً بوضوح، حيث تقوم التقنية باستبدال البشر في إدارة سلسلة التوريد، كما أنها تنجز المهام بشكل أفضل. ولذلك ليس من الصعب أن نتصور مستقبلاً تقل فيه الحاجة إلى البشر بفضل تقنيات الأتمتة والحوكمة البيانية وتقنيات التحليلات المتقدمة والمستشعرات والروبوتات والذكاء الاصطناعي وحلقات التعلم الآلي المستمرة، لكن عندما يتم أتمتة عمليات التخطيط والمبيعات والتصنيع وتسليم الطلبيات والخدمات اللوجستية على نطاق واسع، فما الذي سيتبقى لخبراء وموظفي سلسلة التوريد؟

على المدى القصير، سيضطر المدراء التنفيذيون لسلاسل التوريد إلى تحويل تركيزهم من إدارة الأشخاص الذين يقومون بالمهام الروتينية والمتكررة في معظم أعمالهم، إلى تصميم وإدارة تدفقات البيانات والمواد مع مجموعة محدودة من الموظفين المتخصصين للغاية. وفي المستقبل القريب، سيرتفع الطلب جداً على توظيف خبراء البيانات، الذين يستطيعون تحليل المعلومات وهيكلة قواعد البيانات والمصادقة عليها، واستخدام الأدوات والخوارزميات الرقمية، وإنجاز توقعات فعالة.

وفي المستقبل البعيد، لن تحتاج إدارة سلاسل التوريد إلا لعدد قليل من الخبراء، الذين سيتولون مهمة تصميم محرك قائم على التقنية يدفع سلاسل التوريد قدماً، بحيث سيدعم هذا المحرك التقني بشكل سلس متطلبات وأولويات الشركة واستراتيجيتها المتغيرة باستمرار. وبهذا الصدد، لن يحتاج الحفاظ على عمل المحرك إلا لعدد قليل من الموظفين الذين ينبغي أن يكونوا خبراء أو يتم تدريبهم على المهارات الجديدة في المجالات التي تتقاطع فيها العمليات التجارية والتقنية المتقدمة. وبما أنّ المهارات المطلوبة لهذه المناصب الجديدة غير متاحة بسهولة في أيامنا هذه، فإنّ التحدي الأكبر الذي يواجه الشركات يتمثل في خلق نسخة مستقبلية من سلسلة التوريد التي تديرها؛ ووضع استراتيجية لسد فجوة هذه المناصب الوظيفية الحاسمة.

وفي الأخير، تبدو نهاية إدارة سلاسل التوريد كما نعرفها وشيكة وهي تلوح لنا في الأفق. وفي ذلك المستقبل لن تنجح إلا تلك الشركات والمدراء الذين يعملون على تحديث مهارات موظّفيهم وتطوير عمليات مؤسساتهم الأساسية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي