3 خيارات أمام متاجر البقالة لمواجهة منصات البيع عبر الإنترنت

6 دقيقة
نمو تجارة التجزئة عبر الإنترنت
shutterstock.com/Stokkete

يواجه تجار البقالة بالتجزئة التحدي التالي: ماذا يفعلون حيال البيع عبر الإنترنت الذي ينمو ويحظى بشعبية لدى شريحة من عملائهم ولكنه قليل الربحية إلى حد كبير؟ استناداً إلى الأبحاث التي أجريناها في السنوات الثلاث الماضية، نقدم ثلاثة خيارات أخرى في هذا المقال.

قناة شائعة ومتنامية

مر أكثر من عقدين على إطلاق شركة ويب فان (Webvan) لأول منصة للتسوق الإلكتروني للبقالة. ظهرت منذ ذلك الحين مشاريع لا حصر لها على أمل الاستفادة من هذه السوق الرقمية. على الرغم من هذه الجهود، بلغت مبيعات البقالة عبر الإنترنت في عام 2019 نسبة 3.4% فقط من إجمالي المبيعات، وهي أدنى نسبة من بين 31 قطاعاً تتبعتها شركة سي بي آر إي (CBRE)،

لكن جائحة كوفيد-19 غيّرت المشهد. إذ تُظهر بيانات مكتب تعداد الولايات المتحدة  أن إجمالي المبيعات عبر الإنترنت في جميع قطاعات البيع بالتجزئة قد نما بثبات من 6% في عام 2013 إلى 12% في الربع الأول من عام 2020. ثم، بعد ثلاثة أشهر فقط، في الربع الثاني من عام 2020، ارتفعت حصة البيع عبر الإنترنت إلى 18%، وكان معظم هذا النمو في قطاع البقالة.

اكتشف تجار التجزئة مع هذا النمو أن قناة البيع الإلكترونية هذه تتطلب الكثير من العمالة. فقد أظهرت دراسة غير منشورة أجريناها في مجال هندسة القطاعات وتتبعت العمالة المطلوبة من لحظة شراء بائع التجزئة للمنتج من مركز التوزيع إلى لحظة وصوله إلى يد الزبون أن القناة الإلكترونية تتطلب ما يصل إلى 125% من العمالة الإضافية مقارنة بالطريقة التقليدية التي يتسوق بها الزبائن داخل المتجر ويدفعون عند ماكينة دفع الحساب. هذه النتائج ليست مفاجئة إذا نظرنا إلى التعامل المزدوج الذي ينطوي على الدفع للعاملين لنقل المنتجات عبر سلسلة التوريد إلى أرفف المتاجر ثم الدفع لمجموعة مختلفة من العاملين لنقل المنتجات من أرفف المتاجر وتجميعها وتوصيلها إلى الزبائن.

لذا يواجه تجار البقالة بالتجزئة اليوم تحدياً: ماذا يفعلون حيال البيع عبر الإنترنت الذي ينمو ويحظى بشعبية لدى شريحة من عملائهم ولكنه قليل الربحية إلى حد كبير؟ بدأنا منذ عامين إجراء دراسة شاملة تهدف إلى التعمق في فهم في هذا التحدي. أجرينا محادثات مثمرة مع 15 من كبار مدراء متاجر البقالة بالتجزئة في 10 دول. لم ترسم هذه المناقشات صورة حية لحالة تجارة البقالة بالتجزئة فحسب، بل أسهمت أيضاً في إعداد دراسة استقصائية مفصلة أُجريت على مجموعة منتقاة من 60 مسؤولاً تنفيذياً في مجال تجارة البقالة بالتجزئة في 10 دول.

أسلوب غير مستدام

النتائج التي توصلنا إليها: خلصت نتائجنا إلى أن تجار البقالة بالتجزئة، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، يواجهون ثلاثة تحديات رئيسية، وهي نقص العمالة، وتذبذب مستوى استبقاء الموظفين، وارتفاع الأجور. وقالوا إن صعوبة العثور على العمالة تتراوح بين معتدلة إلى شديدة الصعوبة في 50% من الأوقات، وتوقعوا أن ترتفع هذه النسبة إلى 69% خلال خمس سنوات.

وعلى الرغم من تحديات العمالة، كان تجار البقالة هؤلاء يكثفون من تركيزهم على خدمات بيع البقالة عبر الإنترنت التي تتطلب عمالة مكثفة، وهو نموذج يوفر في أفضل الأحوال هوامش ربح منخفضة، وفي أسوأ الأحوال ربحية معدومة. توقع المستجيبون للدراسة أن تنمو أعمالهم عبر الإنترنت من 17% حالياً إلى 24% خلال 5 سنوات.

ولفهم تحدي العمالة بصورة أفضل، تعاونّا هذا العام مع شركة ويست مونرو بارتنرز (West Monroe Partners)، وهي شركة استشارية تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، لتقييم العمالة المطلوبة لأربعة طرق مختلفة لتسليم طلب نموذجي عبر الإنترنت يتكون من 20 وحدة عبر 15 وحدة من الوحدات المخزنة بالمخزن. تتبعنا متطلبات العمالة في 3 إلى 6 مواقع لكل طريقة من الطرق الأربعة. قدّرنا العمالة المطلوبة من لحظة وصول المنتج إلى مركز توزيع بائع التجزئة إلى لحظة وصوله إلى يد الزبون. كانت الحالة الأساسية في نموذجنا هي الوضع التقليدي الذي يتسوق فيه الزبائن في المتاجر ويدفعون ثمن مشترياتهم عند ماكينة دفع الحساب، ثم يعودون بها إلى المنزل. يوضح الجدول أدناه دقائق العمل الإضافية المطلوبة لأربعة أنماط توصيل مقارنة بالحالة الأساسية التي تتطلب 30 دقيقة من العمالة في متاجر التجزئة. (يمكنك استخدام هذا الموقع الإلكتروني لتجربة نموذج هندسة القطاعات الخاص بنا لتقدير العمالة المطلوبة لاستلام الطلبات عبر الإنترنت في ظل أساليب مختلفة وخصائص متباينة للطلبات).

ومع الأخذ في الحسبان أن معدلات الأجور قد ارتفعت بنسبة 8% في عام 2020، وهي الآن في ازدياد بنسبة 4.2% سنوياً، فمن الواضح أن تجار البقالة يواجهون تحدياً كبيراً.

ما أثار اهتمامنا هو التناقض بين العمالة المطلوبة والتكاليف الملحوظة المرتبطة بخدمات بيع البقالة عبر الإنترنت. إذ يتقاضى تجار التجزئة في كثير من الأحيان رسوماً من الزبائن مقابل التوصيل، لكنهم نادراً ما يأخذون في الحسبان العمالة الإضافية اللازمة لإعداد الطلبات للاستلام أو التوصيل. يحتاج طلب "الشراء عبر الإنترنت والاستلام على الرصيف" الذي تجمعه العمالة من قسم المبيعات في المتجر إلى 32.6 دقيقة من العمل زيادة على الـ 30 دقيقة المطلوبة في الحالة الأساسية، أي أكثر من ضعف العمالة المطلوبة للتسوق داخل المتجر، ومع ذلك، يقدّم تجار التجزئة هذه الخدمة مجاناً في الغالب. وما يثير الحيرة أيضاً هو عدم وجود فروق ملحوظة في الأسعار بين المنتجات التي يشتريها المستهلكون في المتجر وتلك التي يشترونها عبر الإنترنت.

الزبائن التقليديون الذين ما زالوا يشكلون الأغلبية الساحقة من قاعدة الزبائن يسهمون فعلياً في دعم خدمات التسوق الإلكتروني للمواد الغذائية. يستفيد المتسوقون عبر الإنترنت من الراحة في طلب البقالة وتسليمها، لكنهم لا يدفعون مقابل العمالة والموارد الإضافية المطلوبة لتنفيذ طلباتهم.

3 خيارات لتجار البقالة بالتجزئة

هناك شيء واحد ينبغي ألا تستمر به تجار التجزئة وهو النموذج الشائع المتمثل في الاستلام المجاني للطلبات وخدمة التسليم المجانية على الرصيف. من المشكوك فيه أن يحقق تجار التجزئة أي أرباح في ظل هذا النموذج. نرى ثلاث طرق بديلة متميزة، يمكن أن تناسب كل منها شرائح معينة من الزبائن. يعتمد الاختيار من بينها على خصائص تاجر التجزئة ونموذج أعماله الحالي.

1. التركيز على نموذج الشراء التقليدي داخل المتجر

يجسد متجر تريدر جوز (Trader Joe's) هذا النموذج، حيث يشرح موقعه الإلكتروني بوضوح ما يلي: "لا نبيع في الوقت الحالي أي منتجات (بما فيها بطاقات الهدايا) عبر الإنترنت، نبيعها في محالنا التجارية فقط. لا نقدم خدمة التوصيل أو التسليم على الرصيف، ولا نتعامل مع خدمات توصيل خارجية مثل إنستاكارت (Instacart) أو دمبلينغ (Dumpling) لأنها لا تضاهي القيمة المتميزة وتجربة التسوق داخل متاجرنا. نحرص على تجهيز متاجرنا بعناية فائقة، ونختار طاقم العمل المناسب ونخلق تجربة تسوق ممتعة ومليئة بالاكتشاف والترحيب. بعد التفكير في الخيارات، ما زلنا من عشاق متجر بقالة الحي حيث يمكننا إلقاء التحية على البائع عندما نتجول بأعيننا داخل المتجر متسائلين "ماذا سنشتري للعشاء اليوم؟"

قد تكون هذه الاستجابة مخيبة لآمال بعض زبائن متجر تريدر جوز. ومع ذلك، فمن خلال اتخاذ هذا الموقف، يدرك المتجر أنه لا يمكن إرضاء الجميع. وهي استجابة مدروسة من تاجر تجزئة للبقالة درس الخيارات واستنتج إلى أن الجميع، زبائن وتجار تجزئة، سيكونون أفضل حالاً من دون تقديم الخدمة عبر الإنترنت.

2. دفع زبائن الإنترنت مبالغ إضافية

قدّم الخدمات عبر الإنترنت للزبائن المستعدين لدفع المزيد من المال مقابل الراحة إما عبر تحصيل رسوم خدمة وإما عبر وضع أسعار أعلى للمنتجات. إن تعديل الأسعار بهذه الطريقة يمكن أن يساعد تجار التجزئة على تغطية تكاليف العمليات عبر الإنترنت مع تشجيع التسوق داخل المتجر، وهو ما يسهم بجزء كبير في إيراداتهم. وقد اتّبعت متاجر ويغمانز (Wegmans) وألدي (Aldi) هذا المسار.

إذ تستخدم متاجر ويغمانز خدمة إنستاكارت لزبائن الإنترنت لتقديم خدمتي الاستلام من المتجر والتوصيل. تغطي إنستاكارت تكاليفها من خلال فرض أسعار منتجات أعلى بنسبة 15% في المتوسط. على سبيل المثال، يدفع الزبون الذي يشتري 340 غراماً من التوت البري في متجرها في مدينة كينغ أوف بروسيا بولاية بنسلفانيا الأميركية 4.99 دولار أميركي، بينما يدفع الشخص الذي يشتريها عبر خدمة إنستاكارت 5.19 دولار أميركي، وتبلغ تكلفة دستة (دزينة) البيض 4.79 دولار أميركي في المتجر مقابل 5.59 دولار أميركي عبر خدمة إنستاكارت.

3. تحسين الكفاءة في البيع عبر الإنترنت

اتّبعت متاجر وول مارت (Walmart) هذا المسار من خلال ما تطلق عليه مراكز تلبية طلبات السوق (MFCs). وتقع هذه المراكز إلى جانب المتاجر المركزية في المدن الكبرى وتتولى تجميع طلبات الزبائن لتسليمها على الرصيف. تتمثل الجدوى التجارية لمراكز تلبية طلبات السوق في أن عملية التسليم على الرصيف تتطلب عملاً أكثر بـ 0.7 دقيقة فقط من التسوق من داخل المتجر. وتسعى وول مارت إلى تعزيز كفاءة هذا النمط بدرجة أكبر من خلال الأتمتة ووفورات الحجم.

وقد افتتحت حتى الآن مركزين لتلبية طلبات السوق أحدهما في مدينة بنتونفيل بولاية أركنساس الأميركية، والآخر في مدينة سالم بولاية نيو هامبشاير مع العديد من المراكز الأخرى التي ستفتتحها في المستقبل.

إن الخيارات التي اتخذتها متاجر تريدر جوز وويغمانز بالإضافة إلى وول مارت تقدم دروساً مفيدة لتجار البقالة الآخرين وهم يصوغون استراتيجياتهم للعمل عبر الإنترنت. تشتهر متاجر تريدر جوز بتجربة التسوق الممتازة داخل المتجر وسهولة العثور على موظفي المتجر المتعاونين، ما يمكنها من "رفض" تقديم خيار التسوق عبر الإنترنت. كما أن متاجرها صغيرة نسبياً، لذا فإن إضافة مجموعة كبيرة من المتسوقين عبر الإنترنت سيؤدي إلى تدهور تجربة التسوق داخل المتجر.

وتتمثل مزايا أسلوب متاجر ويغمانز في أنه يغطي التكلفة الأعلى لخدماته عبر الإنترنت (من خلال رفع أسعار المنتجات بنسبة 15%) وسهولة تنفيذه (لأنه يستعين بإنستاكارت لتقديم الخدمة). كما أن المتاجر كبيرة ويمكنها التعامل مع حركة المرور الإضافية لمتسوقي إنستاكارت (الذين يستلمون السلع في المتاجر لإيصالها لزبائن إنستاكارت). نرى أن هذا النهج منطقي بالنسبة للعديد من تجار البقالة بالتجزئة.

تشتهر متاجر وول مارت ببراعتها في تشغيل العمليات بالمتاجر وفي التكنولوجيا، ولكنها لا تشتهر بتقديم تجربة تسوق رائعة داخل المتجر. وبالنتيجة، فإن أسلوبها في استخدام مهاراتها التقنية لتوفير التسوق المجاني عبر الإنترنت منطقي، حيث أنه ينقل بعض طلبات الزبائن من المتاجر إلى الإنترنت.

ما ينبغي ألا يفعله تجار البقالة بالتجزئة هو الاستمرار في خسارة المال على الطلبات عبر الإنترنت من خلال تجميعها مجاناً. إذا كانت لديك تجربة جذابة في المتجر، فكّر في نهج متجر تريدر جوز. إذا كان لديك قدرات لتلبية الطلبات أو إمكانية توفيرها على مستوى عالمي، ربما بمساعدة بعض عمليات الأتمتة، ففكر في نهج وول مارت. وبخلاف ذلك، يتميز أسلوب ويغمانز بأنه أقل زعزعة لأنك توظف آخرين لإنجاز المهام الشاقة وتفرض رسوماً على الزبائن لتغطية تكاليفها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي