كيف يُحدّد نموذج ملكية الشركة شكل الأخطاء التي ترتكبها؟

16 دقيقة
نموذج ملكية الشركة
ماركو بوتيغيلي/غيتي إميدجيز

لماذا يستمر بعض الشركات في الازدهار عقوداً من الزمن، بينما تنتهي شركات أخرى بعد فترة نجاح أولية؟ مثل العديد من أنواع الحوادث، يكون فشل الشركة عموماً نتيجة لتأثيرات متتالية تتضافر لتطغى على استراتيجيتها ولو كانت فعالة سابقاً، ولكن غالباً ما يمكن إرجاع الأخطاء التي تؤدي إلى انتهاء الشركات إلى عامل مشترك لا يلقى اهتماماً كافياً، وهو نموذج ملكيتها.

تتصرف الشركات بطريقة مختلفة تماماً اعتماداً على نموذج ملكيتها، فقد تكون شركات مساهمة عامة أو خاصة، أو مملوكة لعائلات أو موظفين أو جمعيات خيرية أو غير ذلك. كما أنها تواجه تحديات مختلفة في تحقيق الاستمرارية، فغالباً ما تبدي الشركات العامة رد فعل متسرعاً، حيث تستجيب بقوة لديناميكيات القطاع لأنها تواجه ضغوطاً من الأسواق العامة لاستعادة ربحيتها السابقة. في حين تخاطر الشركات الخاصة بعدم إبداء رد فعل إطلاقاً، حيث لا تستجيب للتغيرات أو تعجز عن الاستجابة تماماً حتى يفوت الأوان، وفي غياب القوى الضابطة للسوق يمكن أن تبالغ هذه الشركات في تمسكها بالوضع الراهن.

يمكن للمدراء من خلال فهم مزايا نماذج الملكية المختلفة وعيوبها تحديد التوترات الأساسية التي تحتاج جميع الشركات إلى تجاوزها لتستمر على المدى الطويل. أما تلك التي تزدهر عبر العقود فتتعلم أن مسار العمل الأفضل يتمثل في معالجة كلا الخطرين، التسرع والسلبية، في آن معاً. يتطلب تحقيق استمرارية الشركة على المدى الطويل اتباع نهج يجمع بين نقاط القوة المختلفة في نهجي التسرع والسلبية وليس اعتماد أحدهما دون الآخر، فمن خلال ذلك تتجنب الشركة نقاط الضعف الشائعة في نموذج ملكيتها دون أن تتبنى النموذج الآخر بالكامل، وثمة 5 أبعاد رئيسية يجب مراعاتها لتحقيق ذلك وهي:  نطاق الشركة، ونموذج الأعمال، وتعاقب القيادات، وأفق الاستثمار، وهيكل رأس المال.

نطاق الشركات: التنويع والتركيز 

غالباً ما تتوسع الشركات العامة بقوة في قطاعات أو مناطق جغرافية أخرى، إذ تتدفق عليها السيولة النقدية من الاكتتاب العام ويتوقع منها أن تنمو، لكن الجهود التي تبذلها في سبيل ذلك قد تهدر مواردها وتشتت انتباهها عن رسالتها الأساسية. على النقيض من ذلك، ومع قلة إمكانية الوصول إلى رأس المال الخارجي أو الحاجة إلى تحقيق أهداف محددة، فإن الوسائل المتاحة لنمو الشركات الخاصة في مجالات غير ذات صلة، وكذلك دوافعها، تعتبر محدودة، ولما كانت تعتمد على رأسمالها الخاص فقد تتردد في المخاطرة التي ينطوي عليها التنويع، ويمكن أن تتمثل النتيجة في التركيز المفرط على مجال واحد، والاعتماد على أصول شديدة الارتباط فيما بينها أو متكاملة رأسياً.

تتسم الشركات التي تدوم بأنها تحتفظ بالتركيز التام على مجالها الأساسي لكنها تعتمد التنويع في الوقت نفسه من خلال التوسع في المجالات ذات الصلة، الأمر الذي يسمح لها باستيعاب التغيرات المفاجئة في الأسواق وتعظيم القيمة عبر دورات الأعمال، فيصبح الأداء أكثر استقراراً وتقل التقلبات الشديدة فيه بين الارتفاع والهبوط. قد يقلل ذلك القيمة التي تحققها الشركة على المدى القصير، لكنه يزيد احتمالات استمرارها على المدى الطويل.

على سبيل المثال، نمت شركة نيو بالانس باطراد حينما انتقلت من التركيز الأولي على رياضة الجري إلى محفظة أوسع تشمل العديد من الرياضات الأخرى، بما فيها البيسبول وكرة السلة وكرة القدم والتنس. ووفقاً للمالك من الجيل الثاني ورئيس العلامة التجارية وكبير مسؤولي التسويق، كريس ديفيس، فإن الدخول في مجال كرة السلة تضمن خطة مدتها 9 سنوات لتحقيق الربحية الكاملة، وعن ذلك يقول: "يبالغ بعض منافسينا في بيع بعض المنتجات أو فئات المنتجات واستنفادها لتحقيق أرقام محددة من الأرباح دون التخطيط للمستقبل في الوقت نفسه. نحن نلتزم باستراتيجية طويلة الأجل ولا نركز على الإيرادات فقط وهذا ما يميز علامتنا التجارية".

نموذج العمل: الزعزعة والاتساق

مع التغيير الذي يطرأ على قطاعاتها، يجب على الشركات تعديل نموذج الأعمال الذي جعلها ناجحة في المقام الأول. تواجه الشركات العامة خطر المبالغة في رد الفعل، ما يؤدي إلى الكثير من الزعزعة في نماذج أعمالها استجابةً للضغط العام لتحقيق نتائج قصيرة الأجل. وعلى النقيض من ذلك، يتعين على الشركات الخاصة مواجهة الضغط المعاكس، فالشركات الخاصة محمية من المستثمرين الخارجيين، ومن ثم فإنها قد تنحاز بصورة مفرطة نحو الاتساق، مفترضة أن ديناميكيات القطاع لن تؤثر فيها بدرجة كبيرة، إلى أن يصبح الضرر جسيماً لا يمكن إصلاحه.

هناك خطر في كلا النهجين؛ فقد انتهت شركات كثيرة بسبب عدم قدرتها على التكيف مع الزعزعة التي حدثت في قطاعاتها، وغالباً ما يحدث ذلك في وقت تتمتع فيه بإمكانية الوصول إلى التكنولوجيات والقدرات والموارد اللازمة للتكيف (شركتا كوداك وبلوكباستر خير مثال)، ولكن هناك مخاطرة في تقليد الشركات الأخرى في القطاع تقليداً أعمى، إذ يمكن أن يؤدي اتباع كل بدعة جديدة إلى ابتعاد الشركة عما جعلها تنجح في المقام الأول. بدلاً من اتباع أي من الأسلوبين المتطرفين، يجب على الشركات تحديد السمات التي تريد الحفاظ عليها بغض النظر عن تطور الشركة، والاستعداد لإجراء تغيير على كل جانب آخر من جوانب العمل؛ يجب أن تظل الجوانب التي لا يمسها التغيير محدودة.

تأسست شركة كارفاخال (Carvajal) الكولومبية في عام 1904، وهي شركة خاصة من أكثر الشركات احتراماً في البلاد في مجالات مثل الطباعة وأدلة الصفحات الصفراء والدفاتر. نجت الشركة من الكساد والحروب وحتى عدم الاستقرار السياسي بسبب أسلوبها في العمل الذي يتمحور حول دعم أصحاب المصلحة، ويتجلى ذلك في حقيقة أن أكبر مساهم منفرد فيها منذ الستينيات كان مؤسسة. ولكن عندما واجهت الشركة الزعزعة الناجمة عن التكنولوجيا الرقمية، أعادت ابتكار نفسها من خلال بيع أو إغلاق بعض الأعمال مع التركيز على قطاعات جديدة مثل التعبئة والتغليف وتكنولوجيا المعلومات والعقارات، وتأتي اليوم 70% من أرباحها من أعمال جديدة تماماً. ومع ذلك، ظلت ثقافتها المتمحورة حول الأفراد والمجتمع ثابتة، إذ التزمت الشركة بالأفكار الرئيسية حول ماهيتها ولكنها كانت مرنة وقادرة على التكيف في الوقت نفسه فعملت على تحقيق أفكارها بطريقة استراتيجية.

التعاقب القيادي: الاستعانة بخبرات جديدة والمطابقة بين القادة الجدد والقدامى

عندما يتراجع الأداء، غالباً ما تبحث الشركات العامة عن قادة من الخارج يمكنهم تغيير المسار جذرياً. وفي حين أن ذلك قد ينجح في بعض الأحيان، فإن توظيف قائد من الخارج محفوف بالمخاطر بسبب احتمال عدم توافقه مع ثقافة الشركة، وتشير الأبحاث إلى أن التعيينات الداخلية عموماً تؤتي ثمارها الاقتصادية أكثر من التعيينات الخارجية، وفي المقابل قد تنشغل الشركات الخاصة بضمان تطابق أسلوب القائد الجديد مع أسلوب القائد السابق فتغفل أهمية جلب أساليب ومهارات جديدة.

يجب على الشركات التي تركز على الاستمرارية أن تستثمر في بناء المواهب الداخلية وتتخذ إجراءات استباقية بشأن القدرات المطلوبة مستقبلاً للمناصب التنفيذية العليا، وتجري تقييماً للمرشحين الداخليين بناء على تلك المعايير، وتعمل على سد فجوة المهارات وتستعد لجلب خبرات خارجية للمناصب عند الضرورة.

وايت كاسل واحدة (White Castle) هي واحدة من أقدم سلاسل مطاعم الوجبات السريعة في أميركا، وقد تعاقب عليها 4 قادة فقط منذ تأسيسها في عام 1921. عندما بدأ القائد الثالث، إدغار (بيل) إنغرام الثالث، التفكير في التقاعد، كان 3 من أفراد العائلة المؤهلين داخل الشركة مرشحين محتملين لخلافته، وبدلاً من جعلهم يتنافسون فيما بينهم، طلب بيل ومجلس الإدارة منهم العمل معاً لتحديد مجموعة المهارات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس التنفيذي التالي ومن يشغلون الأدوار الأخرى الذين يمكن أن يعملوا مع الرئيس التنفيذي للارتقاء بالشركة. وبعد خضوع كل مرشح إلى تقييم الأداء بطريقة 360 درجة، اتضح لهم أن كل واحد منهم يتناسب مع دور مختلف عن الآخر؛ فاختيرت ليزا إنغرام لمنصب الرئيس بدعم قوي من ابني عمها اللذين شغلا في النهاية منصبي رئيس قسم شؤون الموظفين ورئيس قسم التصنيع.

أفق الاستثمار: تحقيق أرباح على المدى القصير والالتزام بالاستراتيجيات 

حتى تستمر الشركات عقوداً من الزمن، يجب أن تدير أعمالها عبر جداول زمنية متعددة، ويحدث الفشل إما بسبب إغفال الأداء على المدى القصير ما يفقد الشركة مكانتها في بيئة سريعة التغير، وإما بسبب اتخاذ خيارات تخدم احتياجاتها اليوم ولكنها تؤدي إلى فشلها مستقبلاً. الشركات العامة أكثر عرضة للخيار الأخير، فقد خلصت دراسة إلى أن ما يقرب من 80% من الشركات قالت إنها "ستضحي بالقيمة من أجل تحقيق أرباح مستقرة"، ولكن تركيز الشركة أكثر من اللازم على تحقيق ما يريده المساهمون، قد يجعلها تضل طريقها. وعلى النقيض من ذلك، في غياب رقابة المستثمرين الفضوليين الذين تحفزهم العوائد المالية، تكون الشركات الخاصة أكثر قدرة على إظهار التزامها باستراتيجياتها، ويسهل عليها أكثر أن تبرهن قدرتها على خلق القيمة على المدى الطويل، وأن الأموال المعاد استثمارها اليوم ستؤتي ثمارها في المستقبل، ومع ذلك، يمكن أن يؤدي غياب المساءلة إلى إنفاق الأموال دون حكمة، ما قد يساهم في عدم الانضباط وتسارع التدهور مع انخفاض أرباح القطاع.

ولتحقيق نجاح مستدام، يجب على الشركات إيجاد مقياس للالتزام برؤيتها وتحقيق توقعات المساهمين على حد سواء. وكما أشار البحث الذي أجرته شركتا ماكنزي وإف سي إل تي (FCLT): "تفوقت الشركات التي تعمل بعقلية طويلة الأجل باستمرار على نظيراتها في القطاع منذ عام 2001 في غالبية المقاييس المالية المهمة". إن وجود قاعدة مستثمرين على استعداد للتخلي عن العوائد قصيرة الأجل مقابل القيمة التي يمكن تحقيقها من خلال رأس المال الصبور أمر ضروري لاستمرار الشركة. بالنسبة للشركات العامة، فإن المساءلة مضمنة في أهداف الأرباح الفصلية، لكن التحدي يكمن في القدرة على التحلي بالصبر المطلوب. وبالنسبة للشركات الخاصة، فيجب أن تحدد توقعات الأداء وتلتزم بها.

عندما يصوغ القادة رؤية مقنعة، كما فعل هيوبرت جولي في قيادة التحول في شركة بيست باي (Best Buy)، يصبح بمقدورهم التعامل مع الضغوط المختلفة التي تفرضها التوقعات. لم يتمثل رد فعل بيست باي على الزعزعة الرقمية في تحويل اهتمامها بالكامل إلى الإنترنت، بل جددت تركيزها على إضافة القيمة من خلال التجربة ضمن المتجر، مع استخدام التجارة الإلكترونية ركيزة قيّمة في استراتيجيتها.

هيكل رأس المال: الاقتراض والتحفظ المالي 

تفشل الشركات في نهاية المطاف عندما تعجز عن سداد فواتيرها، لا سيما عندما يرتفع مستوى الديون المترتبة عليها. على الجانب الآخر، يمكن أن يؤدي الحذر المفرط إلى الحيلولة دون اغتنام الشركات للفرص التي قد تتصدى للتهديدات الوجودية، كما هو الحال عندما تزداد حالات الاندماج في القطاع .

تتمتع الشركات العامة بإمكانية أكبر للحصول على القروض كما أنها تستخدمها بجرأة، في حين تركز الشركات الخاصة أكثر عادة على الجوانب السلبية للاقتراض، بما فيها فقدان السيطرة (بسبب التعهدات التي تأتي مع القروض) بالإضافة إلى احتمالات الفشل. لذلك يمكن أن تميل هذه الشركات إلى التحفظ المالي المفرط، وهي بذلك تضيع فرص تحسين مكانتها الاستراتيجية.

يجب على الشركات التي ترغب في الاستمرار أن تحتفظ عموماً بميزانية عمومية قوية، وذلك للحد من مخاطر الاقتراض المفرط والتمتع بالمرونة اللازمة لشراء الأصول خلال فترات الانكماش، وقد حقق هذا النهج نجاحاً باهراً في شركة بيركشر هاثاواي (Berkshire Hathaway)، حيث أن وجود سيولة نقدية كبيرة في متناول اليد يسمح للشركة بأن "تكون جشعة عندما يخاف الآخرون"، وفق تعبير وارن بافيت الشهير. يجب أن تلجأ الشركة إلى القروض الكبيرة لتنفيذ مشاريع كبيرة بوسعها تحويل مسار الشركة، على سبيل المثال، عن طريق إجراء عملية استحواذ تسمح لها بإحداث تغيير جذري أو الاستثمار في نموذج عمل جديد. والمفتاح هو استخدام القروض أداة استراتيجية، لا آلية لتحسين الأداء المالي فقط.

تؤدي هياكل الملكية في الشركات كلها إلى تحيزات يجب على القادة أن يكونوا على دراية بها لتجنب الأنماط الشائعة التي تؤدي إلى الفشل، وسيكون تجنب بعضها أسهل بكثير من غيره. ولكن العجز عن رؤية المخاطر الكامنة التي ترتبط بكل نمط من أنماط الملكية والعمل على تخفيفها يمكن أن يؤدي إلى كارثة.

ثمة شركات تترك لقوى السوق تحديد مصيرها، ولكن لفشل الشركات آثاراً سلبية على الموظفين والعملاء والموردين والمجتمعات، ومن خلال الانتباه إلى نقاط الضعف في هيكل الملكية والعمل على معالجتها، يمكن لشركتك أن تصل إلى الديمومة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي