نموذج من خمس نقاط لرعاية صحية مستندة إلى القيمة

6 دقائق

يتوقع الكثير من الأميركيين، على ما يبدو، من السياسيين والمشرّعين توفير نموذج جديد لطريقة تقديم الرعاية الصحية. وتمثل الهتافات السياسية المتنافسة "إلغاء برنامج أوباما كير" و"برنامج ميديكير للجميع" وجهات نظر مختلفة إلى حد كبير حول كيفية القيام بذلك. لكن الإجابات قد تأتي عوضاً عن ذلك من أماكن بعيدة عن أروقة واشنطن العاصمة. وينبغي أن لا يكون ذلك مفاجئاً في ظل حالة الجمود الحزبي التي تتخلل مبنى الكابيتول (المقر الرئيس للسلطة التشريعية الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية). إنّ الحل الفعلي معقد جداً إلى درجة يصعب معها اختصاره بشعارات بسيطة لحملات انتخابية.

ويكمن أحد العناصر الأساسية للحل في مفهوم تحولي للرعاية المستندة إلى القيمة، حيث يتلقى مقدّمو الرعاية الصحية تعويضات لقاء صحة المرضى ورفاهتهم بدلاً من الخدمات المقدمة. نظرياً، يبدو هذا وكأنه مفهوم ساذج، ولكنه في الواقع يتطلب أن يقوم مقدّمو الرعاية الصحية بدور محوري يستمر الكثيرون منهم بالامتناع عنه.

المقاومة متوقعة، لأنّ المفهوم مخالف للمنطق، ولكنه أساسي. لقد ركزت المستشفيات على مدار الزمن على شغل أسرّتها وتقديم أحدث الإجراءات ذات التقنية العالية. لكن ذلك يزيد من تكلفة الرعاية الصحية دون أن يؤدي بالضرورة إلى تحسينات على الصحة العامة.

الخبر السار هنا هو أنّ التغيير بدأ يحدث. فحسب تقرير صادر عن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة، وصلت نسبة دفعات الرعاية الصحية المرتبطة بنوع ما من الرعاية المستندة إلى القيمة إلى 34% في عام 2017، وهي زيادة بوتيرة مطردة من 23% على مدى عامين.

تعتبر مؤسسة "إنترماونتين هيلث كير" (Intermountain Healthcare) منظومة صحية غير ربحية مقرها في مدينة سولت ليك في ولاية يوتاه الأميركية، أشغل فيها منصب الرئيس والرئيس التنفيذي، وهي تنجز الدور المحوري المطلوب منها بسرعة كبيرة وتحقق نتائج جيدة. هذا النموذج التحولي الجديد له خمسة مبادئ أساسية:

1. العدو هو المرض، وعلينا تسريع الربط بين العلم والرعاية بالمرضى. ويتعين أن لا يكون الهدف هو تحقيق انتصارات سياسية، بل تحسين الصحة العامة. وفي هذا الجانب، يعتبر العلم أحد الأمور الأساسية، ويتعين أن يقوم تحسين الصحة العامة على أفضل العلوم التي يمكننا تقديمها وأن يكون متجاوباً لها.

وقد أقمنا في مؤسسة "إنترماونتين هيلث كير" علاقة تعاون دولية من إحدى الشركات الرائدة على مستوى العالم في مجال تحليل الجينوم البشري وفهمها. بشراكتنا مع شركة "ديكود جينيتيكس" (deCODE genetics) الآيسلندية، ستركز دراسة الجينات الوراثية للسكان (HerediGene Population Study) على اكتشاف روابط جديدة بين علم الوراثة والأمراض البشرية من شأنها أن تنقذ أرواحاً كثيرة. ستقوم الدراسة في غضون خمس سنوات بتحليل المخطط الوراثي لـ 500,000 شخص من شريحة المرضى لدينا، وكلهم من المتطوعين. وسيشكل ذلك الجهد الأكبر والأشمل لرسم خرائط الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين حتى الآن في الولايات المتحدة من شريحة واحدة. كما أنه سيسرّع الوقت بين البحث والتطبيق، وسيدرس مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة، مثل مرض القلب والسكري وضغط الدم العالي، ويستكشف القواسم الجينية المشتركة والتركيبات الجينية من أجل الكشف عن رؤى ومعلومات جديدة.

2. يجب أن نكون مستعدين لزعزعة النموذج التقليدي غير الربحي الخاص بإنتاج المستحضرات الصيدلانية. لقد أصبحت بعض الأدوية غالية أو شحيحة على نحو غير مبرر. وقد رأينا زيادة بنسبة 5,000% على الأسعار لدى شركة "تورينغ فارماسيوتيكالز" (Turing Pharmaceuticals)، على سبيل المثال، على سعر حبة واحدة من دواء "البيريميثامين" (pyrimethamine) الجنيس الذي يستخدم لعلاج حالات العدوى النادرة. [الدواء الجنيس هو دواء يكافئ منتجاً دوائياً ذا علامة تجارية من حيث الشكل الدوائي وشدته ونوعيته وخصائص الأداء له واستخدامه، وغالباً ما يتم تسويقه باسمه الكيميائي أو بتركيبته الكيمائية بدلاً من الاسم التجاري المعلن والذي يباع الدواء على أساسه]. وفي مثال آخر، شاهدنا زيادة بنسبة 2,800% في سنة واحدة في سعر "الديجوكسين" (digoxin)، وهو دواء عادة ما يُوصف لمرضى القلب.

وانضمت مؤسسة "إنترماونتين هيلث كير" إلى ثلاث مؤسسات خيرية والعديد من مؤسسات الرعاية الصحية التي تمثل أكثر من ألف مستشفى في الولايات المتحدة لإنشاء شركة "سيفيكا ركس" (Civica Rx)، وهي شركة غير ربحية تتمثل رسالتها في التأكد من توفر الأدوية الجنيسة الأساسية بأسعار معقولة. وقد أطلقت الشركة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول أول أدويتها الجنيسة، ويحمل اسم "فانكوميسين" (Vancomycin). وتتوقع الشركة أن تتيح 14 دواء جنيساً للمستشفيات المشاركة بحلول نهاية عام 2019، مع هدف يتمثل في إتاحة 40 دواء بحلول عام 2020. وسيكون أثر هذه المبادرة كبيراً حيث تتوسع على نطاق أكبر.

3. علينا ربط مقدمي الرعاية الصحية مع مزودي خدمات التأمين الصحي، حتى تكون يستفيد الطرفان، والمرضى، من تحسين صحة هذه الشريحة. إذا كان شخص ما معافى، فلن ينتفع المستشفى إلا إذا كان مرتبطاً بشكل وثيق مع مقدّم خدمات التأمين. يتعين على الموردين والدافعين العمل معاً في أطر تعاونية وثيقة، حتى يستطيعوا مشاركة المخاطر المتصلة بمستويات الصحة المتدنية والفوائد المرتبطة بالصحة الجيدة.

في مؤسسة "إنترماونتين هيلث كير"، نقوم بتطوير مجموعة من هذه الجهود الجماعية. نحن نظام متكامل، حيث نمتلك شركة تأمين صحي خاصة بنا، واسمها "سيلكت هيلث" (SelectHealth)، بخطة تأمين صحي لـ 900,000 عضو، وتعمل بتنسيق مع 24 مستشفى و215 عيادة لنا. وقد عملت "سيلكت هيلث" مع مقدمي الخدمات الطبية، مثلاً، لعرض زيادة متدنية ثابتة في أسعار التأمين لجهات التوظيف ومن أجل تخفيض أقساط خطط التبادل للأفراد بنسبة 2.7% لعام 2019. لا يلزم أن تكون الأنظمة الصحية متكاملة بالكامل مع شركات التأمين، لكن يتعين عليها تطور استراتيجيات لمشاركة المخاطر والفوائد معها.

4. يجب علينا خفض تكاليف الرعاية الصحية مع تحسين جودتها في الوقت ذاته. وقد يبدو هذا مرة أخرى أمراً منافياً للمنطق، لكنه لا ينبغي أن يكون كذلك. وهو يبدو كذلك نظراً لأنّ الحوافز التقليدية هي حوافز خاطئة. يتعين على المستشفيات الاستفادة من رعاية أفضل بدلاً من رعاية أكثر، وهذا ممكن عندما يتشارك الموردون المخاطر والفوائد مع جهات التأمين، كما نفعل مع "سيلكت هيلث".

في مؤسسة "إنترماونتين هيلث كير"، نركز بلا كلل ولا ملل على مواصلة التحسين، ونقوم بتطوير مبادرات تفضي إلى تحقيق وفورات أكثر. وبالإضافة إلى تأسيس شركة "سيفيكا ركس"، فقد قمنا بتطوير نموذج رعاية قائم على الفريق، يدعى "الرعاية الأولية المُعاد تصورها" (Reimagined Primary Care) بأعضاء يبلغ عددهم 31,000 مريض (وهدف للوصول إلى 100,000 بحلول نهاية عام 2020) ويركز على الرعاية الوقائية للحفاظ على سلامة المرضى. وقد حققت الشركة انخفاضاً بنسبة 60% من حالات الدخول إلى المستشفيات، وانخفاضاً بنسبة 35% من حالات الدخول إلى أقسام الطوارئ، وانخفاضاً بنسبة 20% في التكلفة لكل عضو في كل شهر. كما قمنا بدمج رعاية الصحة العقلية في العيادات، ما جعل تكلفتها أقل بـ 3%، وأصبحت تحقق معدلات رضا أعلى لدى المرضى.

وعلاوة على ذلك، فنحن نخفض عدد الزيارات غير الضرورية إلى أقسام الطوارئ من خلال زيادة إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية المناسبة في أطر قليلة التكلفة، مثل عيادات الرعاية العاجلة، ومكاتب الأطباء، والزيارات الصحية عن بعد. قيّمت دراسة أجريت حديثاً على برنامجنا الخاص بفحص صحة المواليد عن بعد، والذي بدأ عام 2012، أثر الإنعاش بمساعدة الفيديو على نقل المواليد الجدد من ثماني مستشفيات مجتمعية إلى وحدات العناية المركزة الخاصة بالمواليد الجدد في مراكز معالجة الصدمات من الدرجة الثالثة. وقد حققت هذه الخدمة انخفاضاً بنسبة 29.4% من احتمال نقل المواليد الجدد، ما يعادل انخفاضاً بـ 67 عملية نقل سنوياً، ووفورات تقدر بقيمة 1.2 مليون دولار للأسر المتأثرة. وعموماً، من خلال تنفيذ أفضل الممارسات المستندة إلى الأدلة والالتزام بأساليب التحسين المستمر، فقد قمنا بتحسين الرعاية الصحية، وخفض تكاليف الإجراءات الطبية والعلاجات، وأعدنا 35 مليون دولار إلى جيوب المستهلكين في هذا العام.

5. يجب أن نعمل مع الجمهور لمواجهة العوامل الاجتماعية المحددة للصحة. تتأثر الكثير من الجوانب المتعلقة بالصحة بحالات يمكن منعها مثل السمنة، والتغذية السيئة، والتدخين، وعدم ممارسة الرياضة، والسكن غير اللائق، وقلة التوعية، وإمكانية الوصول إلى وسائل النقل أو التكنولوجيا. وعلينا أن نشرك الجمهور في تغيير سلوكيات نمط حياتهم وبيئات معيشتهم ومساعدتهم في تحقيق ذلك الهدف.

في مؤسسة "إنترماونتين هيلث كير"، نقود جهداً تعاونياً جديداً باسم "تحالف يوتاه للعوامل المحددة للصحة" (Utah Alliance for the Determinants of Health). وتأسس هذا التحالف لتعزيز الصحة وتحسين مستوى إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية وخفض تكاليفها. ويقوم التحالف، الذي أطلق برنامجين إيضاحيين في اثنتين من مدن ولاية يوتاه الأميركية، بإشراك هيئات المدن والمقاطعات والهيئات الحكومية في الولاية وغيرها من المؤسسات القائمة على المجتمع. ويسعى إلى تحسين الصحة عبر التركيز على عوامل غير طبية تؤثر على الصحة مثل عدم الاستقرار في السكن، والحاجة إلى الخدمات، وانعدام الأمن الغذائي، والعنف بين الأشخاص، والنقل. ويتضمن هذا النهج فرز أعضاء "سيلكت هيلث" حسب الاحتياجات الاجتماعية، والمساعدة في تنسيق هذه الاحتياجات. كما سيتضمن العمل من الشركاء في المجتمع لضمان انسجام الخدمات مع احتياجات أفراد المجتمع.

هذا النموذج الناشئ والخاص بتقديم الرعاية الصحية يتعذر على السياسيين تصميمه. ويجب بناؤه من خلال الابتكار في المجال والالتزام المشترك للكثير من المساهمين في شبكة الرعاية الصحية المعقدة: المستشفيات والعيادات والأطباء السريريين وغيرهم من مقدِّمي الرعاية وممثلين عن قطاعات الأدوية والتأمين وصناعة الأجهزة الطبية وقطاع التوريد، إلى جانب الجمهور.

علينا أن نحيي روح الريادة التي كان الشعب يتمتع بها يوماً. وسيتطلب ذلك منا أن ننظر ليس فقط إلى أروقة واشنطن العاصمة، بل إلى بعضنا البعض، وأن نقدم مساهمات أساسية لوضع نموذج جديد من الرعاية. إذا استطعنا أن ندمج روح الريادة تلك مع عملية مستندة إلى أهداف محددة، فسيكون مستقبل شعبنا واعداً وأكثر صحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي